دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
حين يتجمّع الزعماء العرب لالتقاط الصورة التذكارية لقمة عمّان، تكون محرّكات الطائرات السعودية والسودانية قد باتت جاهزة للانطلاق في مناورة تعدّ الأولى من نوعها، متوّجة تقارباً متسارعاً بين نظامي البشير وآل سعود، في تحرّك لا يخلو من رسائل تلامس حدود مصر
ربما كان اختيار الزمان والمكان مقصوداً أو مجرّد مصادفة. مناورات سعودية ــ سودانية تنطلق اليوم، بالتزامن مع افتتاح القمة العربية، وذلك على مقربة من الحدود مع مصر، وتحديداً في أجواء مدينة مروى، التي شكلت قبل أسابيع مادة لتراشق إعلامي، بعدما فتحت زيارة قامت بها «الشيخة موزة» لأهراماتها باب المزايدات على صراع حضاري مختلق.
غير أنّ رمزية المكان والزمان تبدو هامشية إذا ما وُضعت المناورات في سياق تبدّل التحالفات الإقليمية للسودان من جهة، وتعمّد نظام عمر البشير نبش رماد الأزمة المزمنة مع مصر على مثلث حلايب وشلاتين، لا بل صبّ الزيت على نارها، في مرحلة دقيقة تمر بها المنطقة العربية، الملتهبة أصلاً بصراعات عابرة للحدود، من العراق وسوريا، مروراً باليمن، وصولاً إلى ليبيا.
المناورات العسكرية، التي اختيرت لها تسمية «الدرع الأزرق ــ 1»، تُعدّ الأولى من نوعها بين السودان والسعودية، وإن كانت قد سبقتها مشاركة سودانية في مناورات «رعد الشمال» التي نظمت في حفر الباطن في شمال السعودية، وتدرييات في قاعدة الملك فيصل البحرية بهدف «تعزيز الأمن ومكافحة الإرهاب والتهريب في البحر الأحمر».
وتستمر المناورات حتى الرابع عشر من نيسان المقبل، وتشارك فيها القوات السودانية بثلاثة أسراب من مقاتلات «ميغ ٢٩»، بالإضافة إلى ستة أسراب مختلطة من مقاتلات «سوخوي ٢٥» و«سوخوي ٢٤»، وكتبية رادار. وأمّا السعودية فستشارك بطائرات «إف 15 سي» و«يوروفايتر»، بالإضافة إلى مروحيات من طراز «توماهوك». ووفق المتحدث الرسمي باسم الجيش السوداني العميد خليفة أحمد الشامي، فإن المناورات تُعدّ «أول تمرين مشترك بين القوتين الجويتين، وتهدف إلى رفع الكفاءة القتالية للقوات المشتركة فيها، وتعزيز التعاون والتجانس والتنسيق عند تنفيذ المهمات المشتركة المحتملة مستقبلاً في بيئات مختلفة، وتجويد استخدام أحدث الآليات والمعدات لرفع المهارات القتالية».
وتشكل هذه المناورات خطوة متقدمة في المسار التصاعدي الذي تشهده العلاقات السودانية ــ السعودية، منذ أن قرر الرئيس عمر حسن البشير، التحوّل من إيران صوب السعودية، في مسار جديد، بدّل في خلاله التحالفات القديمة للسودان، بتحالفات براغماتية مختلفة جذرياً. وتأتي هذه المناورات في وقت يدخل فيه العدوان السعودي على اليمن عامه الثالث.
وفي هذا الإطار، يرى رئيس وحدة السودان ودول حوض النيل في «مركز الأهرام للدراسات السياسية» هاني رسلان، في حديث إلى «الأخبار»، أن ما يجري هو «جزء من توظيف السعودية للسودان لتحقيق أهداف متعددة في خدمة وضعها في اليمن»، مشيراً إلى أن «هذه المناورات قد تكون استعداداً لتصعيد أو ترتيب ما في الحملة العسكرية السعودية في اليمن، والذي تستعين فيه الرياض بقوات سودانية».
ومنذ عام 2015، يشارك السودان في عمليات «عاصفة الحزم» ضمن قوات «التحالف ــ العربي» الذي تقوده السعودية، وقد كوفئ، نتيجة لذلك، بدعم سخي من جانب المملكة النفطية، إن على المستوى السياسي، حيث نجحت الوساطات في رفع تدريجي للعقوبات الأميركية على نظام عمر البشير، أو على المستوى الاقتصادي، حيث تشهد العلاقات الثنائية طفرة في المشاريع الاستثمارية على كافة الصعد.
تأتي المناورات في
خضم تصعيد في المواقف من قبل البشير ضد مصر
ولكن اللافت للانتباه، أن التقارب السوداني ــ السعودي، والذي يتوّج عسكرياً بمناورات «الدرع الأزرق»، يأتي في وقت تشهد فيه العلاقات بين مصر وكل من السعودية والسودان فتوراً يقارب التوتر، ولا سيما بعد فشل المخطط السعودي في الاستحواذ على جزيرتي تيران وصنافير، وإعادة نظام البشير تحريك ملف حلايب وشلاتين.
وفي هذا السياق، يرى رسلان أن المناورات السودانية ــ السعودية، ربما كانت تأتي في سياق «المكايدة لمصر»، من جانب الرياض، خصوصاً أن ثمة رسائل مشابهة مُرِّرَت من البوابة الأفريقية، حين زار السعوديون «سد النهضة» الإثيوبي، ثم راحوا يعززون العلاقة بنحو متصاعد مع السودان.
وبالتالي فإن الرسالة التي يمكن أن تكون الرياض راغبة في توجيهها إلى القاهرة، من خلال مناورات «الدرع الأزرق»، هي أنها «قادرة على إيجاد بدائل أو ساحات أخرى للتحرك اقليمياً»، حسبما يعتقد رسلان.
ولكن المثير في إطار هذا التحليل، أن ما يمكن أن يراه البعض في مصر تصعيداً أو مكايدة من قبل السعودية لمصر، على خلفية الفتور الذي أصاب العلاقات، منذ أزمة تيران وصنافير، يجد طريقه إلى تسوية هادئة، تتكاثر الأحاديث عنها، في الأروقة الديبلوماسية، عشية القمة العربية في الأردن، التي يتوقع أن يقوم فيها الملك عبد الله الثاني بدور محوري، لإزالة الشوائب بين القاهرة والرياض، من ضمن تحدّيات أخرى، وذلك بمباركة أميركية، لاحت آفاقها قبل أيام، حين تزامنت زيارة وليّ وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان للولايات المتحدة، مع استئناف تصدير شركة «آرامكو» للمشتقات النفطية إلى القاهرة، بعد توقف دام خمسة أشهر.
ولعلّ التفسير الذي يمكن أن يحل هذا الالتباس، قد نطق به المسؤولون العسكريون السودانيون والسعوديون، حين أشاروا إلى أن مناورات «الدرع الأزرق» قد خُطِّط لها في كانون الأول الماضي، أي في خضم التوتر بين مصر والسعودية، على خلفية أزمة تيران وصنافير.
يعني ذلك، بطبيعة الحال، أنَّ هامش المناورة السعودية في المحادثات مع الجانب المصري يتسع، إذ يمكن التحجج بأن المناورات ليست رسالة «آنية»، ولكنها تبقى، برغم ذلك، صالحة للاستخدام، إذا ما حالت تطورات إقليمية ما دون إعادة المياه إلى مجاري العلاقات الثنائية.
أما في ما يتعلق بالسودان، فالأمر يبدو مختلفاً، ذلك أن المناورات المرتقبة تأتي في خضم تصعيد في المواقف من قبل نظام البشير ضد مصر، عبر إعادة تحريك ملف حلايب وشلاتين، من خلال سلسلة إجراءات وتصريحات وتسريبات إعلامية، تفيد بسعي حثيث من قبل الخرطوم للضغط ديبلوماسياً على القاهرة من جهة، ومحاولة تغيير الحقائق على الأرض، من جهة ثانية.
والجدير بالذكر، في هذا الإطار، أنَّ التصعيد السوداني بشأن حلايب وشلاتين، اتخذ منحىً تصاعدياً مترافقاً مع المسار التصاعدي الذي راحت تتخذه العلاقات بين الخرطوم والرياض، منذ اللقاء الشهير الذي جمع عمر البشير ومحمد بن سلمان، في مطلع عام 2015، والذي دخل الرئيس السوداني فيه على ضيفه السعودي حليفاً إيرانياً وخرج من الاجتماع حليفاً سعودياً.
ومع ذلك، فإن قلّة في مصر تعتقد أنَّ السودان قادر على الدفع بملف حلايب وشلاتين على تخوم صراع غير متكافئ مع مصر، بما تمتلكه الأخيرة من قوة ناعمة وخشنة، عربياً ودولياً، برغم استقوائه المتجدد بالحليف السعودي.
وفي هذا الإطار، يرى رسلان أنَّ «حلايب قضية سياسية يجري توظيفها في خدمة الأهداف الداخلية للنظام السوداني». ويضيف أنّ البشير «غير معني بحلايب شلاتين، بعدما ضحّى بثلث مساحة السودان حين وافق على انفصال الجنوب، وبعدما غضّ الطرف عن سيطرة إثيوبيا على منطقة منطقة الفشقة، التي تقارب مساحتها المليوني فدّان، تحت ذريعة عدم الرغبة في تقويض العلاقات الاستراتيجية م أديس أبابا».
ويشير الباحث المصري إلى أنَّ نظام البشير «يسعى دوماً إلى التلويح بملف حلايب وشلاتين كلما أراد توتير العلاقات مع مصر»، وما يقوم به حالياً جزء من «الاستقواء» الذي يقابله «توظيف» السودان، لمصلحة قوى إقليمية، سواء إيران سابقاً، أو تركيا في مرحلة لاحقة، وأخيراً دول الخليج، التي ينخرط هذا النظام في حروبها «في مقابل أجر»، على حد قوله.
في خضم تلك الهواجس والرسائل، ثمة في مصر من يقارب المسألة بطريقة أكثر إيجابية. السفير معصوم مرزوق، المساعد السابق لوزير الخارجية المصري، يرى أنَّ العلاقات بين السودان والسعودية ليست جديدة، فالتعاون قائم على مستويات متعددة، من الاقتصاد والتجارة، وصولاً إلى الدين، ومصر على بيّنة من هذا التقارب، ولطالما شجعت أي تقارب عربي ــ عربي. ويضيف أنَّ «من الممكن أن تكون هناك شبهات لدى بعض الأوساط في مصر، بشأن توقيت هذا النوع من التعاون العسكري، خصوصاً أن ثمة مياهاً عكرة في العلاقات بين مصر والسعودية من جهة، وبين مصر والسودان من جهة ثانية، حتى بدا الأمر كما لو أنه رسالة».
وبرغم تفهمه لمثل هذه الهواجس، في هذا التوقيت بالذات، يرفض مرزوق التفسيرات المتطرفة تجاه التعاون السوداني ــ السعودي، حتى وإن تعلق الأمر بالمستوى العسكري، مدللاً على ذلك بالمناورات التي أجرتها مصر والسعودية في السابق، والتي لم تكن موجهة ضد أي طرف، بقدر ما كان الهدف منها ضمان أمن البحر الأحمر، على حد قوله.
ويشير مرزوق إلى أنَّ «البحر الأحمر هو بحيرة عربية، ومن المهم استراتيجياً أن يكون هناك تنسيق حقيقي بين مصر والسودان السعودية لضمان أمنه». ويستبعد مرزوق وجود أي تهديد عسكري من قبل السودان في ما يتعلق بملف حلايب وشلاتين، مشدداً على أن هذا الأمر «لم يكن وارداً في ذهن أي حكومة سودانية، سواء في عهد عمر البشير أو في عهد جعفر النميري». ويرى الديبلوماسي المصري أن لا حلّ للتوتر الحالي إلا من خلال الحوار، الذي يمكن أن يستند إلى الروابط التاريخية والإنسانية بين مصر والسودان، مذكراً بوجود خمسة ملايين شخص من أصول سودانية يحملون الجنسية المصرية، وعدد لا يستهان به من المصريين الذين استقروا في السودان، مشدداً على أنَّ هذا الامتداد الاستراتيجي «يمثل حصناً للمصريين والسودانيين على حد سواء».
المصدر :
وسام متى
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة