دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
في خطوة تعكس حجم الرهان على المعركة الدائرة فيها، حشدت «هيئة تحرير الشام» كبار قادتها، من مختلف الجنسيات، في ريف حماة الشمالي.
كما نشرت صوراً لزعيم جناحها العسكري أبي محمد الجولاني داخل غرفة قيادة عمليات المعركة. ويشير هذا الحشد غير المسبوق على هذا المستوى إلى مدى أهمية هذه المعركة لدى «الهيئة» وموقعها المركزي في إستراتيجيتها العسكرية. وفي حين كانت أغلبية القيادات التي ظهرت في ريف حماة معروفة، فإن «الوطن» تنفرد بنشر هوية أحد أكثر القيادات غموضاً وسريةً وهو أبو الحارث المصري.
وتنبع أهمية معركة ريف حماة بالنسبة إلى «هيئة تحرير الشام» من أنها تمثل امتداداً جغرافياً لريف إدلب الجنوبي وهو ما تحتاجه لتأمين عمق استراتيجي في حال شن حرب استئصال ضدها. كما تفتح هذه المعركة أمامها آفاقاً للعمل العسكري ضد الجيش السوري في منطقة حساسة تشكل عقدة خطوط الإمداد بين مختلف المحافظات السورية.
ولعلّ «الهيئة» ورثت مشروع هذه المعركة من جماعة «جند الأقصى» التي أطلقت في أيلول الماضي ما أسمته «غزوة مروان حديد» بهدف السيطرة على مدينة حماة، إلا أن تخوّف الفصائل المسلحة الأخرى من ميول «جند الأقصى» لتنظيم «داعش» دفعها إلى كبح «الغزوة» مخافة أن تؤدي إلى الاتصال الجغرافي مع مناطق سيطرة «داعش» في ريف حماة الشرقي وما يمكن أن يترتب على ذلك من تداعيات قد تطال محافظة إدلب برمتها.
ويبدو أن «هيئة تحرير الشام» لم ترث المعركة فقط بل ورثت أيضاً المخاوف والشكوك التي تحيط بها. لذلك لم يكن من قبيل المصادفة أن تعلن «حركة أحرار الشام» مع فصائل أخرى عن معركة موازية لمعركة «الهيئة» أطلقت عليها اسم «صدى الشام» إذ تشير جميع المعطيات المتوافرة إلى أن «أحرار الشام» لم تتحرك إلا بسبب مخاوفها من أن يكون أحد أهداف معركة «الهيئة» المسماة «وقل اعملوا» هو تطويق الحركة تمهيداً لإضعافها وتقزيم نفوذها، خاصةً أن أغلبية قيادة الحركة تنحدر من ريف حماة.
ويبدو أن هذه الخلفية المعقدة لمعركة حماة وتعدد الأهداف المتوخاة منها سواء ضد الجيش السوري أو ضد الفصائل الأخرى، هو ما دفع «هيئة تحرير الشام» إلى استدعاء كبار قادتها الشرعيين والعسكريين للحضور إلى مسرح العمليات والعمل على توظيفه بشكل كامل لمصلحة «الهيئة» وذلك من ناحيتين هامتين: الأولى هي تحريض عناصر «الهيئة» على القتال ضد الجيش السوري ورفع معنوياتهم لأقصى درجة بغية دفعهم إلى تحقيق خروقات ميدانية مؤثرة. والثانية هي محاولة استقطاب الفصائل الأخرى والسعي لإقناعها بالانضمام إلى «الهيئة» مستفيدة من أجواء المعركة.
وفي هذا السياق، أعلنت «هيئة تحرير الشام» عن جولة قام بها كبار قادتها في ريف حماة الشمالي بالتزامن مع استعار المعركة هناك. ومن أبرز هؤلاء أبو يوسف الحموي المسؤول الشرعي العام في «الهيئة» والسعودي عبدالله المحيسني والمصري أبو الحارث المصري.
وبذلك تتضح الهيكلية القيادية لـ «هيئة تحرير الشام» التي تشكلت في شباط الماضي دون أن يعلن إلا عن اسم قائدها العام أبو جابر الشيخ. وتعكس هذه الهيكلية مدى هيمنة «جبهة النصرة» عليها وسيطرتها على أغلبية مفاصلها المؤثرة. فإضافة إلى أبي محمد الجولاني الذي يتولى منصب «القائد العسكري العام»، فهناك أبو يوسف الحموي المسؤول الشرعي العام. كما أكد مصدر موثوق لـ«الوطن» أن زيد العطار رئيس دائرة الشؤون السياسية في «الهيئة» هو من منتسبي «جبهة النصرة» مضيفاً أنه خريج كلية الإعلام في دمشق. في حين المنصب الوحيد الذي خرج من يد «النصرة» وذهب إلى «حركة الزنكي» هو منصب رئيس مجلس الشورى الذي تولاه قائد الحركة توفيق شهاب الدين.
لكن الأكثر أهمية في هذه الجولة أنها تضمنت للمرة الأولى الكشف رسمياً عن وجه القيادي المصري الملقب بأبي الحارث المصري.
ويعد أبو الحارث المصري من أهم القيادات «الجهادية» وأكثرها غموضاً وسرية في سورية، إذ حرص منذ دخوله إلى الأراضي السورية على عدم إظهار صورته والبقاء في الظل بالرغم من الأدوار الحاسمة التي كان يقوم بها على أكثر من صعيد خصوصاً لجهة الفصل في الخلافات بين الفصائل.
فمن هو أبو الحارث؟
هذه السرية جعلت هوية أبي الحارث مجهولة حتى لدى بعض المقربين من التنظيمات «الجهادية»، فيما شكلت لغزاً بالنسبة إلى المراقبين المعنيين بالمشهد «الجهادي» في سورية.
وقد حصلت «الوطن» على معلومات خاصة تؤكد أن أبا الحارث المصري هو الشيخ أسامة القاسم الذي كان يشغل منصب مفتي عام «جماعة الجهاد المصرية». وهو أحد المتورطين في قتل الرئيس المصري أنور السادات، وكذلك أحد المخططين للمحاولة الفاشلة لاقتحام «مبنى الإذاعة والتلفزيون» بهدف إعلان قيام الدولة الإسلامية. وقد قبض عليه مع آخرين وتمت محاكمتهم عسكريا، وكان نصيبه السجن 50 عاما قضى منها26 عاما، وخرج عام 2007.
ويعتبر القاسم من أبرز قادة «الجهاد المصري» الذين رفضوا الموافقة على المراجعات الفقهية التي أجراها بعض قادة الجماعة في السجون، كما رفض عام 1998 مبادرة وقف العنف.
وبالرغم من أنه لم يبايع تنظيم «القاعدة» إلا أنه كان يؤيد أعماله مع تحفظه على توقيت بعض هذه الأعمال فقط. ولم يتعرف على أيمن الظواهري زعيم «القاعدة» الحالي إلا في السجن رغم أنهما كانا في تنظيم واحد هو «جماعة الجهاد».
وقد نشط القاسم سياسياً بعد تولي محمد مرسي رئاسة الجمهورية في مصر، وكان يظهر إلى جانب حازم أبو إسماعيل مؤسس «حزب النور» السلفي. لكنه اختفى عن الساحة منذ عزل مرسي في تموز 2013. ليتبن أنه جاء إلى سورية واختار لنفسه لقب أبو الحارث المصري.
ومن أهم مواقف القاسم بعد الإفراج عنه أنه دعم الرئيس المصري المعزول محمد مرسي، وطالب في إحدى تصريحاته الصحافية بـ«قطع ألسنة المعارضين»، بل طالب في إحدى المرات بـ«إهدار دم المتظاهرين» ضده. كما هدد أثناء الانتخابات الرئاسية في مصر عام 2012 أن وصول الفريق أحمد شفيق أو عمرو موسى إلى منصب الرئاسة سيجعل مصيرهما مشابهاً لمصير السادات. ويؤيد القاسم أخذ «الجزية» من المسيحيين، ويرفض قيادة المرأة للسيارة. أما عن الليبراليين فكان يقول «نقبلهم طالما كانت هناك ساحة للحوار أما إذا تم استهداف الإسلاميين فسنلجأ للسلاح».
المصدر :
الوطن /عبد الله علي
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة