دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
تتعدد هذه الأيام وبشكل لافت التصاريح والتأويلات والتقارير الصادرة عن "التحالف الدولي" لمحاربة الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة الاميركية، او الصادرة عن من يدور في فلكه من اطراف غربية او اقليمية عربية او عثمانية،
والتي تصب جميعها تحت عنوان تحرير مدينة الرقة السورية ومحيطها من "داعش"، وتتداخل مشاريع الخطط والسيناريوهات العسكرية والميدانية مع بعضها البعض لتبدو، وكأن ما يؤخر هذه العملية هو فقط اختيار الخطة النهائية من ضمن عدة خطط، جميعها مناسبة وصالحة وتتمتع بنسب النجاح المعقولة، بينما في الحقيقة ما زال التحالف يبحث عن المعطيات الجدية لتنفيذ حصار فعال على "داعش" في مدينة الرقة ومحيطها.
يغيب عن المتابعين لهذه العملية او عن المعنيين بها، تقريراً او تخطيطا او تنفيذا، نقطة مهمة واساسية لا يمكن تجاوزها او اغفالها فيما لو كان الهدف النهائي هو تحرير الرقة ومحيطها من "داعش"، وهذه النقطة هي انه لا يمكن من الناحية الميدانية والعسكرية على الاقل، اذا لم نضف اليها الناحية الاخلاقية او مستلزمات ما يفرضه القانون الدولي، تحرير الرقة ومحيطها بشكل ناجح وفعال من دون اعطاء دور للجيش العربي السوري في هذه العملية.. والذي يؤكد ويفرض هذه المعادلة هو الآتي:
- بعد التقدم الاخير الذي حققه الجيش السوري وحلفاؤه في شرق حلب وامتدادا الى الخفسة وضفاف الفرات شرقا، غابت نهائيا أية امكانية ميدانية لوحدات درع الفرات وللوحدات التركية للتقدم جنوب الباب باتجاه الرقة، وخسروا بالتالي المحور الاساس فيما لو تفاهموا مع الاميركيين حول موضوع اشتراكهم بتحرير الرقة، خاصة وان وحدات حماية الشعب الكردي وقوات سوريا الديمقراطية رفضت بالمطلق وبشكل قاطع السماح للاتراك ولوحدات درع الفرات استعمال محور عين العرب - عين عيسى والتقدم عبره باتجاه الرقة انطلاقا من ريفيها الشمالي او الشمالي الغربي.
- بالرغم من ان قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب الكردي تضغطان على الرقة ومحيطها من الشرق والشمال الشرقي، وقد استطاعتا مؤخرا قطع التواصل بين الرقة ودير الزور على المحور الشرقي لنهر الفرات مقابل بلدة الميادين، إلا أن النهر المذكور يبقى عازلا طبيعيا واستراتيجيا امام هذه الوحدات من الجهة الغربية، وحيث ما زالت "داعش" تستفيد من اكثر من محور وطريق تتواصل عبرها مع وحداتها في دير الزور وامتدادا الى البادية السورية في السخنة او الى الاراضي العراقية في القائم ومحيطه، الامر الذي يبقي للتنظيم هامشا واسعا من المناورة في الدفاع عن الرقة، وايضا في القدرة على تنفيذ عمليات هجومية فعالة على تلك الوحدات.
- لقد ظهر وبشكل واضح ضعف الوحدات المقترحة لتنفيذ عملية محاصرة مدينة الرقة ومهاجمة "داعش" فيها، من اكراد وعرب بمختلف تسمياتهم او من وحدات درع الفرات، وذلك مقارنة مع فعالية وحدات الجيش السوري وحلفائه الذين تقدموا بشكل صاعق مؤخرا، والذين بسبب ضغطهم اُجبِر "داعش" على الانسحاب من الباب هروبا من تقدمهم عبر تادف وجنوبها، وليس بسببب فعالية درع الفرات والاكراد، وخير دليل على ذلك العمليات المؤذية التي نفذها التنظيم ضد هؤلاء على مداخل الباب الشمالية الغربية وخاصة على تلة الشيخ عقيل الاستراتيجية، وما تكبدوه من خسائر مؤلمة سيما الوحدات التركية النظامية.
- لقد اظهرت تجارب إشراك مجموعات من العشائر السورية برعاية اميركية في تنفيذ عمليات ضد "داعش" في ارياف دير الزور الجنوبية عجز هذه المجموعات على مواجهة التنظيم، والتي كانت دائما وبعد تدريبها وتسليحها وتجهيزها لمهاجمته، تفشل وتنهزم وتتعرض عناصرها للقتل او للاسر، مما يضعها في خانة غير المناسبة وغير الصالحة لتنفيذ اي ضغط على "داعش" من المحور الجنوبي لدير الزور، والذي يفكر قادة التحالف الضغط عبره على التنظيم عند المهاجمة المرتقبة للرقة.
- من خلال التقدم الميداني السريع الذي يحققه الجيش السوري وحلفاؤه حاليا شرقي حلب وتدمر، برز ما يوحي أن الاخير وحلفاءه سوف يصلون قريبا الى الطبقة ويصبحون على مشارف الرقة من اتجاه الضفة الغربية للفرات، الامر الذي سيفرض نفسه ميدانيا وعسكريا على خطة محاصرة الرقة، وبذلك سيمتلك الجيش وحلفاؤه نقطة ارتكاز استراتيجية لمهاجمة "داعش" في تلك المنطقة، ستُفرض حتما على "التحالف الدولي" الذي لن يستطع تجاوزها.
وبالتالي برزت عدة معطيات منها ميدانية تتمثل بتسارع تقدم الجيش السوري مدعوما بحلفائه في الشرق السوري، ومنها عسكرية حول ضعف وعجز وعدم جهوزية المجموعات المقترحة من قبل "التحالف" لتنفيذ عملية محاصرة الرقة ومهاجمة "داعش" فيها مقابل الجهوزية المرتفعة للجيش السوري، ومنها معطيات دولية بتفاهمات معينة فرضت نفسها بين الروس والاميركيين ورضخ لها الاتراك مرغمين، سواء فيما خصّ حماية منبج وانتشار وحدات من حرس الحدود التابعة للجيش العربي السوري على الخط الفاصل غرب المدينة المذكورة، أو فيما خصّ وصول قوات الجيش السوري الى ضفة الفرات الغربية على بحيرة الاسد للمرة الاولى منذ بداية الحرب على سوريا.
جميع هذه المعطيات توحي بأن الجيش السوري سوف يفرض نفسه لاعبا اساسيا في تحرير الرقة ومحيطها، كما وتوحي هذه المعطيات ايضًا بأن عناصر اللعبة في الشرق السوري بشكل خاص وفي كامل سوريا بشكل عام قد تغيرت لمصلحة اعادة التوازن الى الميدان السوري، مع دور مهم وفاعل للدولة وللجيش وللنظام في سوريا.
المصدر :
العميد شارل أبي نادر
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة