لم يعد سراً أن من تم تصوبرهم عبر مئات الفيديوهات التي استخدمها الإعلام الغربي كسلاح ضد سورية، ويرتدون خوذات بيضاء خاصة في الأحياء الشرقية لحلب قبل تحريرها، ليسوا سوا مقاتلي النصرة والأخوان أنفسهم، لكن بعد أن يخلعوا عنهم السلاح مؤقتا ريثما تنجز الكاميرات مهمتها.

مقاطع فيديو، وصور مقارنة بين الأشخاص الظاهرين في "الخوذ البيضاء" وبين الإرهابيين، أكدت بما لا يرقى إليه الشك هذه الحقيقة.

 

الولايات المتحدة اعترفت بتقديم التمويل لهم. واليوم يكشف صحفي أمريكي تقريرا لمنظمة "مانحة" صهيونية تدعى "leichtag" قدمت 25 ألف دولار لهم!

 

المنظمة الصهيونية نفسها أعلنت في التقرير نفسه أنها دفعت 50 ألف دولار لـ"الجمعية الطبية الأمريكية-السورية" التي كان لها أيضا مساهمتها البينة في دعم الإرهاب.

 

فكيف نشأت هذه المنظمة؟ وكيف مولت؟

 

في آذار 2013 ظهر ضابط مشاة بريطاني سابق يدعى "جيمس لو ميسرر" على الحدود السورية التركية. الضابط نفسه كان موجودا في البوسنة وكسوفو حين كان الأوروبيون والأمريكان يدعمون تمزيق يوغسلافيا السابقة.

 

وبعد وقت قليل بدأ هذا الضابط تنظيم "فرقة فريدة من الناس" يسارعون لإنقاذ الناجين من تحت الأنقاض، أمام عدسات الكاميرات! التصوير كان أساسيا في بنية وعمل هذه المجموعة الأولية. وكانت تلك بداية ما عرف لاحقا باسم "الخوذ البيضاء".

 

هذه المجموعة لم تكن أبدا من "المدنيين". بل فقط من حملة السلاح في جبهة النصرة (القاعدة) والأخوان المسلمين. مع ذلك تلقوا تدريبهم على يد الضابط الذي يعمل أيضا في شركة لبحوث الصراعات تعمل في دبي، وساهمت وزارة الدفاع البريطانية بتقديم المنح المالية لهذا التدريب.

 

الكاتب ماكس بلومنتال يقول في مقال له نشر بموقع "ألترنت" أن منظمة "الخوذات البيضاء" لها "شبكة واسعة من الإتصالات بوسائل الإعلام ومراكز النفوذ السياسي، وتستطيع العمل داخل أروقة السلطة الحاكمة في واشنطن"! مؤكدا أن "خطة عمل" هذه المنظمة متطابقة مع الخطة الإقليمية لإقامة "منطقة حظر جوي" ضد الجيش السوري.

 

تابع الكاتب قائلا في مقال طويل له يبحث كيف ظهرت "الخوذ البيضاء" في حلب، بأن الأمريكان لم يكونوا قادرين على المشاركة مباشرة في الحرب ضد الجيشين السوري والروسي، فالأمر يتطلب حربا يخوضها ما لا يقل عن 70 ألف جندي أمريكي حسب تقدير وزارة الدفاع الأمريكية لعام 2012! فوجدوا في "الخوذ البيضاء" سلاحا فعالا يشكل تمهيدا لما يريدونه عبر الحرب الإعلامية لتي كانوا رأس حربتها، والتي صورت الجيشين السوري والروسي على أنهما "يرتكبان مجازر ضد المدنيين" في الأحياء الشرقية لحلب.

 

يؤكد الكاتب أن المنظمة لم تكن أبدا "محايدة"! بل إنها تأسست "بالتعاون مع الوكالة الأمريكة للتنمية الدولية (USAID)، الواجهة الشكلانية للحرب نفسها التي شنت ضد كوبا وفنزويلا. وقدمت الوكالة الأمريكية مالا يقل عن 23 مليون دولار للخوذ البيضاء منذ 2013.

 

"إقامة هياكل موازية للدولة السورية" هو الهدف البعيد الحقيقي لـ"الخوذ البيضاء". فهي عملت على إظهار الدولة السورية "تقتل شعبها"، فيما هي تمثل "الوجه الحضاري المدني" الذي يقوم بمهام يفترض بالدولة أن تقوم بها! وهي لم تعمل من أجل هذا الهدف "بذاتها" بل بتخطيط وأوامر من منظمة "بدائل التنمية الدولية" الأمريكية التي وضعت نصب أعينها، منذ بداية الحرب في سورية، "إقامة هياكل حكم موازية" حيث يسيطر الإرهابيون، بحيث تحل محل الدولة راهنا في هذه المناطق، وتلغي "الدولة الوطنية" كلها لاحقا.

 

من جهته، مستشار الخارجية الأمريكية لشوؤن المعونات المقدمة إلى سورية مارك وارد، قال بصراحة أن تمويل الخوذ البيضاء يهدف إلى "زيادة فعالية وشرعية السلطات المدنية في المناطق المحررة من سورية"! يقصد المناطق التي يحتلها الإرهابيون.

 

وهناك تساؤلات سبق أن طرحت في صحف عالمية حول علاقة هذه المنظمة مع "أفاز"، المنظمة الشهيرة التي قادت الحملة الإعلامية العالمية لفرض "حظر الطيران" في ليبيا قبل أن يباشر الأطلس تدمير الدولة والجيش الليبي. والمعروفة بأنها رأس حربة في شن حملات "تضامن" وإعلام ضد الدول والشعوب التي لا يرضى عنها الغرب.

 

لم يخف الإرهابيون علاقتهم مع الصهاينة، خاصة في جنوب سورية(درعا والقنيطرة)، بل لطالما "افتخروا" بهذه العلاقة. فالصهاينة قدموا لهم العلاج المجاني والمال والسلاح، بل وحتى الدعم العسكري المباشر أحيانا باستهداف المدفعية الصهيونية لمواقع الجيش السوري.

 

ليس من الغريب إذا أن تتكشف هذه الحقائق عن "الخوذ البيضاء" لتظهر "منسجمة" مع المشهد العام للحرب في سورية: حرب ضد شعب ودولة رفضا أن يكونا "سوقا" لبرامج ومخططات الغرب الاستعماري ووكلائه الإقليميين. فأكثر من مليار دولار صرفت أمريكا علن استقطاب وتدريب من سمتهم "معارضة معتدلة"، سرعان ما انضموا إلى النصرة وداعش وسلموا أسلحتهم لها. لكن ذوي الخوذ البيضاء قدموا للولايات المتحدة الفائدة القصوى: فقد حققوا حراكا في الرأي العام العالمي ضد الدولة السورية لم يتمكن الـ"مليار دولار" من تحقيقها.

 

هكذا، قد يكون تفصيلا غير مهم حقيقة أن أول ظهور لممثلي هذه "المنظمة" في أمريكا كان (تشرين الأول 2016) برعاية فردريك هوف، مدير مركز الحريري (التابع لسعد الحريري) والمستشار السابق لهيلاري كلينتون أحد أبرز الصقور الامريكيين في عدائها المستفحل لسورية ودولتها.

 

هوف نفسه كان قد طالب مرارا بضرب المنشآت العسكرية السورية بصواريخ كروز، وتسليح الإرهابيين بصواريخ محمولة مضادة للطائرات.

 

هل انتهى الحديث عن "الخوذ البيضاء"؟ لا. فالمزيد من الحقائق سوف تتكشف لاحقا مع تمكن الجيش السوري من تحرير الأحياء الشرقية لحلب (معقل المنظمة الأساسي)، ومع تلاشي أحلام الغرب بتدمير الدولة السورية وبدء اعترافه بأنه لا بديل عن الدولة والجيش، بل وحتى القبول بأن الرئيس بشار الأسد هو "جزء أساسي من الحل".

  • فريق ماسة
  • 2017-02-27
  • 8906
  • من الأرشيف

من أنشأ "الخوذ البيضاء" .. ومن يمولها؟

 لم يعد سراً أن من تم تصوبرهم عبر مئات الفيديوهات التي استخدمها الإعلام الغربي كسلاح ضد سورية، ويرتدون خوذات بيضاء خاصة في الأحياء الشرقية لحلب قبل تحريرها، ليسوا سوا مقاتلي النصرة والأخوان أنفسهم، لكن بعد أن يخلعوا عنهم السلاح مؤقتا ريثما تنجز الكاميرات مهمتها. مقاطع فيديو، وصور مقارنة بين الأشخاص الظاهرين في "الخوذ البيضاء" وبين الإرهابيين، أكدت بما لا يرقى إليه الشك هذه الحقيقة.   الولايات المتحدة اعترفت بتقديم التمويل لهم. واليوم يكشف صحفي أمريكي تقريرا لمنظمة "مانحة" صهيونية تدعى "leichtag" قدمت 25 ألف دولار لهم!   المنظمة الصهيونية نفسها أعلنت في التقرير نفسه أنها دفعت 50 ألف دولار لـ"الجمعية الطبية الأمريكية-السورية" التي كان لها أيضا مساهمتها البينة في دعم الإرهاب.   فكيف نشأت هذه المنظمة؟ وكيف مولت؟   في آذار 2013 ظهر ضابط مشاة بريطاني سابق يدعى "جيمس لو ميسرر" على الحدود السورية التركية. الضابط نفسه كان موجودا في البوسنة وكسوفو حين كان الأوروبيون والأمريكان يدعمون تمزيق يوغسلافيا السابقة.   وبعد وقت قليل بدأ هذا الضابط تنظيم "فرقة فريدة من الناس" يسارعون لإنقاذ الناجين من تحت الأنقاض، أمام عدسات الكاميرات! التصوير كان أساسيا في بنية وعمل هذه المجموعة الأولية. وكانت تلك بداية ما عرف لاحقا باسم "الخوذ البيضاء".   هذه المجموعة لم تكن أبدا من "المدنيين". بل فقط من حملة السلاح في جبهة النصرة (القاعدة) والأخوان المسلمين. مع ذلك تلقوا تدريبهم على يد الضابط الذي يعمل أيضا في شركة لبحوث الصراعات تعمل في دبي، وساهمت وزارة الدفاع البريطانية بتقديم المنح المالية لهذا التدريب.   الكاتب ماكس بلومنتال يقول في مقال له نشر بموقع "ألترنت" أن منظمة "الخوذات البيضاء" لها "شبكة واسعة من الإتصالات بوسائل الإعلام ومراكز النفوذ السياسي، وتستطيع العمل داخل أروقة السلطة الحاكمة في واشنطن"! مؤكدا أن "خطة عمل" هذه المنظمة متطابقة مع الخطة الإقليمية لإقامة "منطقة حظر جوي" ضد الجيش السوري.   تابع الكاتب قائلا في مقال طويل له يبحث كيف ظهرت "الخوذ البيضاء" في حلب، بأن الأمريكان لم يكونوا قادرين على المشاركة مباشرة في الحرب ضد الجيشين السوري والروسي، فالأمر يتطلب حربا يخوضها ما لا يقل عن 70 ألف جندي أمريكي حسب تقدير وزارة الدفاع الأمريكية لعام 2012! فوجدوا في "الخوذ البيضاء" سلاحا فعالا يشكل تمهيدا لما يريدونه عبر الحرب الإعلامية لتي كانوا رأس حربتها، والتي صورت الجيشين السوري والروسي على أنهما "يرتكبان مجازر ضد المدنيين" في الأحياء الشرقية لحلب.   يؤكد الكاتب أن المنظمة لم تكن أبدا "محايدة"! بل إنها تأسست "بالتعاون مع الوكالة الأمريكة للتنمية الدولية (USAID)، الواجهة الشكلانية للحرب نفسها التي شنت ضد كوبا وفنزويلا. وقدمت الوكالة الأمريكية مالا يقل عن 23 مليون دولار للخوذ البيضاء منذ 2013.   "إقامة هياكل موازية للدولة السورية" هو الهدف البعيد الحقيقي لـ"الخوذ البيضاء". فهي عملت على إظهار الدولة السورية "تقتل شعبها"، فيما هي تمثل "الوجه الحضاري المدني" الذي يقوم بمهام يفترض بالدولة أن تقوم بها! وهي لم تعمل من أجل هذا الهدف "بذاتها" بل بتخطيط وأوامر من منظمة "بدائل التنمية الدولية" الأمريكية التي وضعت نصب أعينها، منذ بداية الحرب في سورية، "إقامة هياكل حكم موازية" حيث يسيطر الإرهابيون، بحيث تحل محل الدولة راهنا في هذه المناطق، وتلغي "الدولة الوطنية" كلها لاحقا.   من جهته، مستشار الخارجية الأمريكية لشوؤن المعونات المقدمة إلى سورية مارك وارد، قال بصراحة أن تمويل الخوذ البيضاء يهدف إلى "زيادة فعالية وشرعية السلطات المدنية في المناطق المحررة من سورية"! يقصد المناطق التي يحتلها الإرهابيون.   وهناك تساؤلات سبق أن طرحت في صحف عالمية حول علاقة هذه المنظمة مع "أفاز"، المنظمة الشهيرة التي قادت الحملة الإعلامية العالمية لفرض "حظر الطيران" في ليبيا قبل أن يباشر الأطلس تدمير الدولة والجيش الليبي. والمعروفة بأنها رأس حربة في شن حملات "تضامن" وإعلام ضد الدول والشعوب التي لا يرضى عنها الغرب.   لم يخف الإرهابيون علاقتهم مع الصهاينة، خاصة في جنوب سورية(درعا والقنيطرة)، بل لطالما "افتخروا" بهذه العلاقة. فالصهاينة قدموا لهم العلاج المجاني والمال والسلاح، بل وحتى الدعم العسكري المباشر أحيانا باستهداف المدفعية الصهيونية لمواقع الجيش السوري.   ليس من الغريب إذا أن تتكشف هذه الحقائق عن "الخوذ البيضاء" لتظهر "منسجمة" مع المشهد العام للحرب في سورية: حرب ضد شعب ودولة رفضا أن يكونا "سوقا" لبرامج ومخططات الغرب الاستعماري ووكلائه الإقليميين. فأكثر من مليار دولار صرفت أمريكا علن استقطاب وتدريب من سمتهم "معارضة معتدلة"، سرعان ما انضموا إلى النصرة وداعش وسلموا أسلحتهم لها. لكن ذوي الخوذ البيضاء قدموا للولايات المتحدة الفائدة القصوى: فقد حققوا حراكا في الرأي العام العالمي ضد الدولة السورية لم يتمكن الـ"مليار دولار" من تحقيقها.   هكذا، قد يكون تفصيلا غير مهم حقيقة أن أول ظهور لممثلي هذه "المنظمة" في أمريكا كان (تشرين الأول 2016) برعاية فردريك هوف، مدير مركز الحريري (التابع لسعد الحريري) والمستشار السابق لهيلاري كلينتون أحد أبرز الصقور الامريكيين في عدائها المستفحل لسورية ودولتها.   هوف نفسه كان قد طالب مرارا بضرب المنشآت العسكرية السورية بصواريخ كروز، وتسليح الإرهابيين بصواريخ محمولة مضادة للطائرات.   هل انتهى الحديث عن "الخوذ البيضاء"؟ لا. فالمزيد من الحقائق سوف تتكشف لاحقا مع تمكن الجيش السوري من تحرير الأحياء الشرقية لحلب (معقل المنظمة الأساسي)، ومع تلاشي أحلام الغرب بتدمير الدولة السورية وبدء اعترافه بأنه لا بديل عن الدولة والجيش، بل وحتى القبول بأن الرئيس بشار الأسد هو "جزء أساسي من الحل".

المصدر : وكالة أنباء آسيا


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة