بعد استعادة الجيش السوري السيطرة على حلب ونجاحه في خلق "طوق آمن" حول العاصمة عبر اتفاقات التسوية التي تفرغ ريف دمشق من المظاهر المسلحة بات بمقدوره نقل ثقل عملياته إلى ميادين أخرى كانت مؤجلة

 

معركتان يخوضهما الجيش السوري هذه الأيام أولهما في محيط مدينة تدمر في ريف حمص والأخرى قرب مدينة الباب في ريف حلب ,فما سر تزامن المعركتين وما الذي يخطط له الجيش السوري ؟

 

برزت مؤخراً أنباء تنسيق عسكري يجري بين سورية والأردن هو الأول من نوعه في عمر الحرب , تجلت أولى بنوده بالتعاون لتحرير مدينة تدمر القريبة من الصحراء الشمالية الأردنية من تنظيم "داعش" , وبحسب ما تم تداوله فإن التنسيق يجري بمشاركة خبراء أمنيين من موسكو وواشنطن.

 

مدير معهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم الروسية، والمستشار السياسي للمبعوث الأممي إلى سوريا "فيتالي نعومكين" أكد في تصريح له يوم أمس على أهمية توحيد جهود اللاعبين الخارجيين لتحرير مدينة تدمر السورية لكنه أضاف أن " الحديث عن تحرير سريع لتدمر، سابق لأوانه، فلا حاجة للانسياق وراء أوهام خطيرة، ظهرت منذ بعض الوقت، بأن تدمر قد حررت وكل شيء على ما يرام، وننسى عموماً أن هذا الإرهاب هو تهديد طويل الأمد" حسب تعبيره.

 

في إشارة منه إلى سقوط المدينة نهاية العام الماضي مرة أخرى في يد داعش بعد أن كانت القوات السورية والروسية قد استرجعتا المدينة في نيسان/ابريل 2016

 

الجيش السوري وخلال اليومين الماضيين تقدم على عدة محاور باتجاه تدمر حيث وسع نطاق سيطرته في محيط مطار التيفور العسكري جنوب شرق المحطة الرابعة، وتقدم باتجاه بئر أبو طوالة وبيوت جربوع العزو جنوب شرق المحطة الرابعة بـ10 كم، إضافة لسيطرته على الكتيبة المهجورة الثالثة شمال تلول التياس في منطقة تدمر ويتابع عملياته العسكرية باتجاه مفرق جحار.

 

من الواضح أنها معركة جديّة يخوضها الجيش باتجاه تدمر تنبع من معرفته جيداً بأهمية المدينة وموقعها الاستراتيجي الحساس, إذ تعدّ عقدة مواصلات وسط بادية الشام ونقطة اتصال بين الأراضي العراقية والأردنية والسورية , كما أن سيطرة التنظيم عليها يهدد أمن العاصمة دمشق في حال تمكن من الوصول إلى بلدة "القريتين" جنوب غربي تدمر ويشل حركة طريق دمشق حمص الدولي الذي يربط المحافظات الشمالية بالجنوبية, إضافة إلى تمكّن داعش من التمدد نحو جرود القلمون وصولاً إلى الأراضي اللبنانية .

 

في حال استعاد الجيش السوري مدينة تدمر من قبضة داعش وتقدم في عمق البادية مسيطراً على مناطق "السخنة وآراك والكوم" يكون بذلك قد حاصر محافظة الرقة من الجهة الجنوبية وقطع خطوط إمدادها مع تدمر.

 

أما بالاتجاه شمال غرب الرقة نحو الريف الحلبي وتحديداً منطقة "الباب" فآخر أخبار المعارك التي تشهدها المنطقة تشير إلى تمكن الجيش السوري من فرض سيطرته النارية على بلدة "تادف" الاستراتيجية التي تعد مدخلاً جنوبياً للباب وبذلك يكون الجيش السوري قد أصبح على بعد أقل من 10 كم عن المدينة بالتزامن مع تقدم سريع يحرزه باتجاهها , ضمن سباق يخوضه مع القوات التركية التي تهدف أيضاً للسيطرة على الباب ضمن ما تسميه عملية "درع الفرات" .

 

الحديث عن هذه المعارك التي قرر الجيش السوري خوضها لا يعني أننا نتحدث عن إنجازات قريبة أو نتائج سنلمسها قريباً على الأرض , فتعدد القوات التي تحارب في المنطقة الشمالية والشرقية من سورية بين داعش و الأكراد والقوات التركية يجعل الأمر أكثر تعقيداً وتشابكاً ويفتح أمام الجيش السوري عدة جبهات لن تقتصر على داعش , إلا أنه ومع تسابق القوى الإقليمية والدولية لحجز مكان لها في المعركة الكبرى المتمثلة بتحرير عاصمة داعش "الرقة", يبدو أن الجيش السوري قرر أخذ زمام المبادرة بأن يفرض نفسه كلاعب أساسي في معركة الرقة المرتقبة فيقطع بذلك الطريق على الجهات الإقليمية المختلفة التي تسعى لكسب مناطق نفوذ لها في سورية من جهة , وأن يمسك من خلال تقدمه على الأرض بأوراق رابحة تؤهله لخوض أي محادثات دولية قادمة من منطلق القوي , على مبدأ أن "من يملك الأرض يملك القرار
  • فريق ماسة
  • 2017-01-31
  • 11887
  • من الأرشيف

معركتان في تدمر والباب.. ما الذي يخطط له الجيش السوري؟

 بعد استعادة الجيش السوري السيطرة على حلب ونجاحه في خلق "طوق آمن" حول العاصمة عبر اتفاقات التسوية التي تفرغ ريف دمشق من المظاهر المسلحة بات بمقدوره نقل ثقل عملياته إلى ميادين أخرى كانت مؤجلة   معركتان يخوضهما الجيش السوري هذه الأيام أولهما في محيط مدينة تدمر في ريف حمص والأخرى قرب مدينة الباب في ريف حلب ,فما سر تزامن المعركتين وما الذي يخطط له الجيش السوري ؟   برزت مؤخراً أنباء تنسيق عسكري يجري بين سورية والأردن هو الأول من نوعه في عمر الحرب , تجلت أولى بنوده بالتعاون لتحرير مدينة تدمر القريبة من الصحراء الشمالية الأردنية من تنظيم "داعش" , وبحسب ما تم تداوله فإن التنسيق يجري بمشاركة خبراء أمنيين من موسكو وواشنطن.   مدير معهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم الروسية، والمستشار السياسي للمبعوث الأممي إلى سوريا "فيتالي نعومكين" أكد في تصريح له يوم أمس على أهمية توحيد جهود اللاعبين الخارجيين لتحرير مدينة تدمر السورية لكنه أضاف أن " الحديث عن تحرير سريع لتدمر، سابق لأوانه، فلا حاجة للانسياق وراء أوهام خطيرة، ظهرت منذ بعض الوقت، بأن تدمر قد حررت وكل شيء على ما يرام، وننسى عموماً أن هذا الإرهاب هو تهديد طويل الأمد" حسب تعبيره.   في إشارة منه إلى سقوط المدينة نهاية العام الماضي مرة أخرى في يد داعش بعد أن كانت القوات السورية والروسية قد استرجعتا المدينة في نيسان/ابريل 2016   الجيش السوري وخلال اليومين الماضيين تقدم على عدة محاور باتجاه تدمر حيث وسع نطاق سيطرته في محيط مطار التيفور العسكري جنوب شرق المحطة الرابعة، وتقدم باتجاه بئر أبو طوالة وبيوت جربوع العزو جنوب شرق المحطة الرابعة بـ10 كم، إضافة لسيطرته على الكتيبة المهجورة الثالثة شمال تلول التياس في منطقة تدمر ويتابع عملياته العسكرية باتجاه مفرق جحار.   من الواضح أنها معركة جديّة يخوضها الجيش باتجاه تدمر تنبع من معرفته جيداً بأهمية المدينة وموقعها الاستراتيجي الحساس, إذ تعدّ عقدة مواصلات وسط بادية الشام ونقطة اتصال بين الأراضي العراقية والأردنية والسورية , كما أن سيطرة التنظيم عليها يهدد أمن العاصمة دمشق في حال تمكن من الوصول إلى بلدة "القريتين" جنوب غربي تدمر ويشل حركة طريق دمشق حمص الدولي الذي يربط المحافظات الشمالية بالجنوبية, إضافة إلى تمكّن داعش من التمدد نحو جرود القلمون وصولاً إلى الأراضي اللبنانية .   في حال استعاد الجيش السوري مدينة تدمر من قبضة داعش وتقدم في عمق البادية مسيطراً على مناطق "السخنة وآراك والكوم" يكون بذلك قد حاصر محافظة الرقة من الجهة الجنوبية وقطع خطوط إمدادها مع تدمر.   أما بالاتجاه شمال غرب الرقة نحو الريف الحلبي وتحديداً منطقة "الباب" فآخر أخبار المعارك التي تشهدها المنطقة تشير إلى تمكن الجيش السوري من فرض سيطرته النارية على بلدة "تادف" الاستراتيجية التي تعد مدخلاً جنوبياً للباب وبذلك يكون الجيش السوري قد أصبح على بعد أقل من 10 كم عن المدينة بالتزامن مع تقدم سريع يحرزه باتجاهها , ضمن سباق يخوضه مع القوات التركية التي تهدف أيضاً للسيطرة على الباب ضمن ما تسميه عملية "درع الفرات" .   الحديث عن هذه المعارك التي قرر الجيش السوري خوضها لا يعني أننا نتحدث عن إنجازات قريبة أو نتائج سنلمسها قريباً على الأرض , فتعدد القوات التي تحارب في المنطقة الشمالية والشرقية من سورية بين داعش و الأكراد والقوات التركية يجعل الأمر أكثر تعقيداً وتشابكاً ويفتح أمام الجيش السوري عدة جبهات لن تقتصر على داعش , إلا أنه ومع تسابق القوى الإقليمية والدولية لحجز مكان لها في المعركة الكبرى المتمثلة بتحرير عاصمة داعش "الرقة", يبدو أن الجيش السوري قرر أخذ زمام المبادرة بأن يفرض نفسه كلاعب أساسي في معركة الرقة المرتقبة فيقطع بذلك الطريق على الجهات الإقليمية المختلفة التي تسعى لكسب مناطق نفوذ لها في سورية من جهة , وأن يمسك من خلال تقدمه على الأرض بأوراق رابحة تؤهله لخوض أي محادثات دولية قادمة من منطلق القوي , على مبدأ أن "من يملك الأرض يملك القرار

المصدر : أنباء آسيا _ لجين حجلي


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة