انتھت المعركة أخيراً في حلب، عاصمة الشمال السوري وقلب اقتصاد سوريا، حيث تمكن الجيش السوري بدعمروسي من استعادة كل أحياء مدينة حلب بأسرع مما كان متوقعا. تھاوت مواقع ودفاعات المعارضة وحصل انھيار في صفوفھا، ما أدى الى أن يكسب الجيش السوري مع حلفائه معركة مفصلية حاسمة في أسرع وقت وبأقل خسائر، لتنتھي الحرب في الشھباء بإخراج المسلحين منھا باتجاه إدلب الخاضعة لسيطرة "جبھة النصرة".

 

أما عن أسباب سقوط مدينة حلب، فهي كثيرة، منها:

 

أولا وضع المعارضة التي فتكت بھا الصراعات والخلافات وھيمنت عليھا التنظيمات الإسلامية المتطرفة.

 

ثانيا التفاھمات الروسية - التركية التي أخذت شكل صفقة جانبية عنوانھا "حلب مقابل الباب" فكان أن غضت تركيا الطرف عن حلب وأطلقت يد روسيا فيھا، مقابل تثبيت أقدامھا وتوسيع سيطرتھا في المنطقة الحدودية الآمنة.

 

ثالثا، وھذا ھو الأھم، الفراغ الأميركي الذي استغلته روسيا على أفضل ما يكون. وھذا الفراغ ليس ناتجا فقط عن عملية انتقال من إدارة أميركية الى إدارة جديدة، وإنما أيضا عن وصول رئيس أميركي جديد تتعارض توجھاته السورية مع الرئيس السابق، وھو ما أدى الى انكفاء أميركي تام عن الملف السوري في ھذه المرحلة، والى اقتناص روسيا ھذه الفرصة المتاحة لفرض واقع جديد على الأرض.

 

رابعا ، العجز الأوروبي التام في وقف الاندفاعة الروسية وفي فعل أي شيء في حلب، فلقد تعاطى الأوروبيون والمجتمع الدولي بشكل عام مع واقعة سقوط حلب ببرودة وردة فعل لا تتناسب مع حجم الحدث، وانتقل سريعا الى مرحلة ما بعد حلب. ومع استنفاد وانتفاء أوراق الضغط العملية، لم يبق أمام الأوروبيين إلا انتظار تسلم الإدارة الأميركية الجديدة للسعي معھا من أجل حل سياسي. ولم يبق في يدھم إلا ورقتين:

 

1- ورقة الدفع باتجاه العودة الى طاولة المفاوضات ولكن من دون شروط مسبقة من جانب المعارضة التي لا يمكن أن تكون قوية على طاولة المفاوضات فيما ھي ضعيفة ومفككة على الأرض، ومن الطبيعي أن ما كان النظام رفضه عندما كان ضعيفا لن يقبله اليوم وھو قوي ويشعر أنه على عتبة وضع اليد على كل ما يسمى "سوريا المفيدة" وأن الموقف الدولي يتحول لمصلحته بدءا من الموقف الأميركي مع ترامب، وصولا الى الموقف الفرنسي مع الرئيس المقبل فيون، مرورا بموقف الفاتيكان الذي أرسل موفدا خاصا الى الرئيس الأسد وسلمه رسالة من البابا فرنسيس.

 

2- أما الورقة الثانية التي يلعبھا الغرب باكرا في غياب أوراق الضغط العسكرية والسياسية، فھي ورقة إعادة إعمار سوريا والتلويح بعدم المشاركة في إعادة الإعمار التي تتطلب مليارات الدولارات من غير حل يقوم على عملية انتقال سياسي. وھذه الورقة ليست قادرة اليوم على تحويل مجرى الأحداث ولكنھا ستكون وسيلة ضغط مؤثرة في مرحلة لاحقة.

 

أوروبا تتحرك بلا شك مدفوعة بقلقھا المتزايد من تداعيات أزمة اللاجئين والمھاجرين التي فجرت مشكلات سياسية واجتماعية ھزت الاتحاد الأوروبي من أركانه. فالھجرة أصبحت ورقة أساسية في دعايات اليمين الأوروبي حقق من خلالھا مكاسب سياسية كبيرة، ويريد بھا تقويض الاتحاد، وخصوصا بعد تصويت بريطانيا لصالح الخروج من عضويته (بريكست). وربما ترى أوروبا الآن أن تكلفة المساعدات المالية للحل في سوريا ستكون أقل من تكلفة التبعات السياسية لأزمة اللاجئين والمھاجرين.

 

حلب : انقلاب الصورة

 

فالتغيرات السريعة على الأرض في حلب مع تقدم الجيش السوري وحلفائه في الأحياء الشرقية، ترافقھا مؤشرات تدل على أن كثيرا من عواصم القرار تستعد لمرحلة ما بعد حلب.

 

وزير الخارجية الفرنسي جان مارك إيرولت اعتبر أن سقوط حلب لا يعني أن الأزمة حُلّت وأن السلام سيتحقق، بل حذر من احتمال التقسيم بحيث تصبح "سوريا المفيدة" التي تضم المنطقة الساحلية وغرب البلاد بامتداد المنطقة من دمشق إلى حلب إلى اللاذقية، تحت سيطرة حكومة الرئيس الأسد. أما بقية سوريا فسوف تكون مقسمة بين المناطق التي يسيطر عليھا الأكراد، وتلك التي قال إيرولت إنھا ستصبح "داعشستان"، باعتبار أن القوى المتطرفة المسلحة ھي التي ستفرض سيطرتھا عليھا.

 

أما مسؤولة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني فعرضت تصورات لما وصف بأنه "خطة أوروبية" لحل الأزمة، تتضمن ھدنة وفترة انتقالية للترتيبات السياسية، لا تشترط تنحي الرئيس بشار الأسد، لكنھا تدعو للسماح للمعارضة "المعتدلة" بالبقاء في بعض المناطق وإنشاء إدارات ذاتية في ھذه المناطق. مقابل ذلك يقدم الاتحاد الأوروبي حزمة مساعدات مالية كبيرة لإعادة الإعمار في سوريا.

 

صحيفة "وول ستريت جورنال" نقلت عن أحد أقرب مستشاري ترامب أن حرب الإطاحة بالرئيس الأسد قد فشلت، وأضافت نقلا عن مستشاره نيوت جينجريتش وھو شغل موقع رئيس مجلس النواب الأميركي في مرحلة سابقة:"أعطوني استراتيجية واحدة وواقعية تضمن التخلص من الرئيس الأسد. أعرف الجواب مسبقاً بأن لا وجود لھا". و تابع: "لا وجود لتحالف قوي يمكنه ھزيمة التحالف المؤيد للرئيس الأسد والمؤلف بشكل أساسي من إيران وروسيا". وختم بالقول: "علينا أن نكون واقعيين، الأسد باق في السلطة، وروسيا ملتزمة بذلك".

 

وسائل الإعلام الإسرائيلية تعاطت مع حدث "سقوط حلب" بكثير من الاھتمام والجدية واعتبرته أھم تطور في الحرب الدائرة في سوريا منذ خمس سنوات، وأھم إنجاز عسكري لنظام الرئيس الأسد.

 

أيال زيسر كتب في "إسرائيل اليوم": "يصعب التقليل من أھمية إنجاز الرئيس بشار الأسد وشركائه. وهذا الإنجاز بالنسبة للزعيم السوري يشكل دفعة معنوية أو حتى ضوءاً في نھاية النفق المظلم."

 

عاموس ھرئيل كتب في "ھآرتس": "نظام الرئيس الأسد قد استكمل إنجازه العسكري الكبير في حربه ضد المتمردين في سوريا، فالتدخل الروسي تسبب باستقرار خطوط دفاع النظام السوري وسمح للرئيس الأسد فيما بعد بإعادة سيطرته على مناطق كان فقدھا، وفي حلب، يقوم الأسد بتسجيل إنجازه الأكبر".

 

 

 

نداف أيال كتب في "يديعوت أحرونوت" تحت عنوان "غروب شمس الغرب":"فيما امتنع الغرب عن التضحية من أجل العرب، لم يكن للرئيس الروسي فلاديمير بوتين أي مشكلة في أن يضحي بدم روسي من أجل الإيرانيين ومن أجل نظام الرئيس الأسد، ولھذا انتصر".

 

فروسيا تتصرف من خلفية أن سقوط حلب ھو بداية نھاية المعارضة وفتح الباب واسعا لھا للتحكم بمفاصل الوضع على الأرض وفي المفاوضات والعملية السياسية. ولكن، السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل سقوط مدينة حلب في الساعات أو الأيام القليلة المقبلة، ھل يكون بداية نھاية المعارضة السورية المسلحة وبداية نھاية الحرب، أم بداية شكل آخر من الصراع المستمر بأشكال مختلفة وعلى جبھات جديدة؟! ھل يكون بداية وضع اليد الروسية على التسوية السياسية للأزمة السورية، أم بداية اتفاق روسي أميركي جديد؟!

 

دبلوماسيون أوروبيون في بيروت وخبراء في شؤون الشرق الأوسط يولون أھمية قصوى لتطورات المعركة في حلب التي تعد مفصلية ونقطة تحول أساسي في مجرى الحرب، وللوضع الذي سينشأ بعدھا في سوريا وبين الدول المعنية بھا والمتواجدة على أرضھا، ومن أبرز الملاحظات والاستنتاجات التي يمكن الخروج بھا استنادا الى ما يدلي به ھؤلاء من آراء وتوقعات:

 

١-أوساط متعاطفة مع المعارضة السورية تعتبر أن نتائج المعركة الميدانية في حلب ستكون مؤثرة من دون شك، لكنھا لن تكون الحاسمة، لأنھا في نھاية المطاف جزء من صراعات وتنافسات إقليمية ودولية لن تحسم، ولن تجد طريقھا إلى التھدئة والتوازن قبل انطلاقة الإدارة الأميركية الجديدة.

 

٢-الاعتقاد السائد أن سيطرة التحالف الروسي - الإيراني على حلب قريبا لن تنھي الحرب، ولن تئد المعارضة، بل ستطوي الخطر الاستراتيجي للتمرد على نظام الرئيس بشار الأسد، ويعيد بعث المكانة السياسية للنظام السوري الذي يسعى الى استعادة مكانته في المجتمع الدولي من طريق دعوة المؤسسات الدولية الى تسليمه أموال إعادة الإعمار. وتسليم نظام الرئيس الأسد أموال إعادة الإعمار ھو اعتراف ببقائه في السلطة، ويساھم عملياً في تيسير عملية بسط نفوذه من جديد، وفي تعزيز فكرة تعايش المجتمع الدولي معه.

 

٣-الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أحسن إدارة الصراع في سوريا. غازل الكرد في سورية وأبدى استعداداً لتفھم مطالبھم. وضمن علاقة تنسيق جيدة مع إسرائيل، وكذلك مع الأردن الذي يمسك بحركة الفصائل في الجنوب. واستعاد علاقات حميمة مع تركيا التي تمسك أيضاً بالفصائل الناشطة في الشمال السوري.

 

باختصار، استعجال بوتين إعادة حلب إلى حضن الشرعية أياً كان الثمن وأياً كانت الاعتراضات يستھدف فرض وقائع جديدة أمام الإدارة المقبلة لدونالد ترامب التي ترث تركة حافلة بالتعقيدات والفوضى في الشرق الأوسط، خصوصاً أن وزير الدفاع المقبل الجنرال المتقاعد جايمس ماتيس، كان انتقد تراجع تأثير بلاده في الشرق الأوسط. وفي ذلك ما يعيق استراتيجية موسكو الساعية إلى بناء تحالف واسع في المنطقة يعيد إليھا دورھا "السوفياتي" وموقعھا قطباً دولياً. أو في أحسن الأحوال ستشھد العلاقات بين الكرملين والبيت الأبيض مرحلة تعاون وصراع تبعاً للقضايا موضوع النقاش بين الطرفين، وھي كثيرة تبدأ من أوكرانيا والعقوبات ولا تنتھي في سوريا.

 

  • فريق ماسة
  • 2016-12-25
  • 11458
  • من الأرشيف

حلب وانقلاب الموازين بين اللاعبين على الساحة السورية

انتھت المعركة أخيراً في حلب، عاصمة الشمال السوري وقلب اقتصاد سوريا، حيث تمكن الجيش السوري بدعمروسي من استعادة كل أحياء مدينة حلب بأسرع مما كان متوقعا. تھاوت مواقع ودفاعات المعارضة وحصل انھيار في صفوفھا، ما أدى الى أن يكسب الجيش السوري مع حلفائه معركة مفصلية حاسمة في أسرع وقت وبأقل خسائر، لتنتھي الحرب في الشھباء بإخراج المسلحين منھا باتجاه إدلب الخاضعة لسيطرة "جبھة النصرة".   أما عن أسباب سقوط مدينة حلب، فهي كثيرة، منها:   أولا وضع المعارضة التي فتكت بھا الصراعات والخلافات وھيمنت عليھا التنظيمات الإسلامية المتطرفة.   ثانيا التفاھمات الروسية - التركية التي أخذت شكل صفقة جانبية عنوانھا "حلب مقابل الباب" فكان أن غضت تركيا الطرف عن حلب وأطلقت يد روسيا فيھا، مقابل تثبيت أقدامھا وتوسيع سيطرتھا في المنطقة الحدودية الآمنة.   ثالثا، وھذا ھو الأھم، الفراغ الأميركي الذي استغلته روسيا على أفضل ما يكون. وھذا الفراغ ليس ناتجا فقط عن عملية انتقال من إدارة أميركية الى إدارة جديدة، وإنما أيضا عن وصول رئيس أميركي جديد تتعارض توجھاته السورية مع الرئيس السابق، وھو ما أدى الى انكفاء أميركي تام عن الملف السوري في ھذه المرحلة، والى اقتناص روسيا ھذه الفرصة المتاحة لفرض واقع جديد على الأرض.   رابعا ، العجز الأوروبي التام في وقف الاندفاعة الروسية وفي فعل أي شيء في حلب، فلقد تعاطى الأوروبيون والمجتمع الدولي بشكل عام مع واقعة سقوط حلب ببرودة وردة فعل لا تتناسب مع حجم الحدث، وانتقل سريعا الى مرحلة ما بعد حلب. ومع استنفاد وانتفاء أوراق الضغط العملية، لم يبق أمام الأوروبيين إلا انتظار تسلم الإدارة الأميركية الجديدة للسعي معھا من أجل حل سياسي. ولم يبق في يدھم إلا ورقتين:   1- ورقة الدفع باتجاه العودة الى طاولة المفاوضات ولكن من دون شروط مسبقة من جانب المعارضة التي لا يمكن أن تكون قوية على طاولة المفاوضات فيما ھي ضعيفة ومفككة على الأرض، ومن الطبيعي أن ما كان النظام رفضه عندما كان ضعيفا لن يقبله اليوم وھو قوي ويشعر أنه على عتبة وضع اليد على كل ما يسمى "سوريا المفيدة" وأن الموقف الدولي يتحول لمصلحته بدءا من الموقف الأميركي مع ترامب، وصولا الى الموقف الفرنسي مع الرئيس المقبل فيون، مرورا بموقف الفاتيكان الذي أرسل موفدا خاصا الى الرئيس الأسد وسلمه رسالة من البابا فرنسيس.   2- أما الورقة الثانية التي يلعبھا الغرب باكرا في غياب أوراق الضغط العسكرية والسياسية، فھي ورقة إعادة إعمار سوريا والتلويح بعدم المشاركة في إعادة الإعمار التي تتطلب مليارات الدولارات من غير حل يقوم على عملية انتقال سياسي. وھذه الورقة ليست قادرة اليوم على تحويل مجرى الأحداث ولكنھا ستكون وسيلة ضغط مؤثرة في مرحلة لاحقة.   أوروبا تتحرك بلا شك مدفوعة بقلقھا المتزايد من تداعيات أزمة اللاجئين والمھاجرين التي فجرت مشكلات سياسية واجتماعية ھزت الاتحاد الأوروبي من أركانه. فالھجرة أصبحت ورقة أساسية في دعايات اليمين الأوروبي حقق من خلالھا مكاسب سياسية كبيرة، ويريد بھا تقويض الاتحاد، وخصوصا بعد تصويت بريطانيا لصالح الخروج من عضويته (بريكست). وربما ترى أوروبا الآن أن تكلفة المساعدات المالية للحل في سوريا ستكون أقل من تكلفة التبعات السياسية لأزمة اللاجئين والمھاجرين.   حلب : انقلاب الصورة   فالتغيرات السريعة على الأرض في حلب مع تقدم الجيش السوري وحلفائه في الأحياء الشرقية، ترافقھا مؤشرات تدل على أن كثيرا من عواصم القرار تستعد لمرحلة ما بعد حلب.   وزير الخارجية الفرنسي جان مارك إيرولت اعتبر أن سقوط حلب لا يعني أن الأزمة حُلّت وأن السلام سيتحقق، بل حذر من احتمال التقسيم بحيث تصبح "سوريا المفيدة" التي تضم المنطقة الساحلية وغرب البلاد بامتداد المنطقة من دمشق إلى حلب إلى اللاذقية، تحت سيطرة حكومة الرئيس الأسد. أما بقية سوريا فسوف تكون مقسمة بين المناطق التي يسيطر عليھا الأكراد، وتلك التي قال إيرولت إنھا ستصبح "داعشستان"، باعتبار أن القوى المتطرفة المسلحة ھي التي ستفرض سيطرتھا عليھا.   أما مسؤولة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني فعرضت تصورات لما وصف بأنه "خطة أوروبية" لحل الأزمة، تتضمن ھدنة وفترة انتقالية للترتيبات السياسية، لا تشترط تنحي الرئيس بشار الأسد، لكنھا تدعو للسماح للمعارضة "المعتدلة" بالبقاء في بعض المناطق وإنشاء إدارات ذاتية في ھذه المناطق. مقابل ذلك يقدم الاتحاد الأوروبي حزمة مساعدات مالية كبيرة لإعادة الإعمار في سوريا.   صحيفة "وول ستريت جورنال" نقلت عن أحد أقرب مستشاري ترامب أن حرب الإطاحة بالرئيس الأسد قد فشلت، وأضافت نقلا عن مستشاره نيوت جينجريتش وھو شغل موقع رئيس مجلس النواب الأميركي في مرحلة سابقة:"أعطوني استراتيجية واحدة وواقعية تضمن التخلص من الرئيس الأسد. أعرف الجواب مسبقاً بأن لا وجود لھا". و تابع: "لا وجود لتحالف قوي يمكنه ھزيمة التحالف المؤيد للرئيس الأسد والمؤلف بشكل أساسي من إيران وروسيا". وختم بالقول: "علينا أن نكون واقعيين، الأسد باق في السلطة، وروسيا ملتزمة بذلك".   وسائل الإعلام الإسرائيلية تعاطت مع حدث "سقوط حلب" بكثير من الاھتمام والجدية واعتبرته أھم تطور في الحرب الدائرة في سوريا منذ خمس سنوات، وأھم إنجاز عسكري لنظام الرئيس الأسد.   أيال زيسر كتب في "إسرائيل اليوم": "يصعب التقليل من أھمية إنجاز الرئيس بشار الأسد وشركائه. وهذا الإنجاز بالنسبة للزعيم السوري يشكل دفعة معنوية أو حتى ضوءاً في نھاية النفق المظلم."   عاموس ھرئيل كتب في "ھآرتس": "نظام الرئيس الأسد قد استكمل إنجازه العسكري الكبير في حربه ضد المتمردين في سوريا، فالتدخل الروسي تسبب باستقرار خطوط دفاع النظام السوري وسمح للرئيس الأسد فيما بعد بإعادة سيطرته على مناطق كان فقدھا، وفي حلب، يقوم الأسد بتسجيل إنجازه الأكبر".       نداف أيال كتب في "يديعوت أحرونوت" تحت عنوان "غروب شمس الغرب":"فيما امتنع الغرب عن التضحية من أجل العرب، لم يكن للرئيس الروسي فلاديمير بوتين أي مشكلة في أن يضحي بدم روسي من أجل الإيرانيين ومن أجل نظام الرئيس الأسد، ولھذا انتصر".   فروسيا تتصرف من خلفية أن سقوط حلب ھو بداية نھاية المعارضة وفتح الباب واسعا لھا للتحكم بمفاصل الوضع على الأرض وفي المفاوضات والعملية السياسية. ولكن، السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل سقوط مدينة حلب في الساعات أو الأيام القليلة المقبلة، ھل يكون بداية نھاية المعارضة السورية المسلحة وبداية نھاية الحرب، أم بداية شكل آخر من الصراع المستمر بأشكال مختلفة وعلى جبھات جديدة؟! ھل يكون بداية وضع اليد الروسية على التسوية السياسية للأزمة السورية، أم بداية اتفاق روسي أميركي جديد؟!   دبلوماسيون أوروبيون في بيروت وخبراء في شؤون الشرق الأوسط يولون أھمية قصوى لتطورات المعركة في حلب التي تعد مفصلية ونقطة تحول أساسي في مجرى الحرب، وللوضع الذي سينشأ بعدھا في سوريا وبين الدول المعنية بھا والمتواجدة على أرضھا، ومن أبرز الملاحظات والاستنتاجات التي يمكن الخروج بھا استنادا الى ما يدلي به ھؤلاء من آراء وتوقعات:   ١-أوساط متعاطفة مع المعارضة السورية تعتبر أن نتائج المعركة الميدانية في حلب ستكون مؤثرة من دون شك، لكنھا لن تكون الحاسمة، لأنھا في نھاية المطاف جزء من صراعات وتنافسات إقليمية ودولية لن تحسم، ولن تجد طريقھا إلى التھدئة والتوازن قبل انطلاقة الإدارة الأميركية الجديدة.   ٢-الاعتقاد السائد أن سيطرة التحالف الروسي - الإيراني على حلب قريبا لن تنھي الحرب، ولن تئد المعارضة، بل ستطوي الخطر الاستراتيجي للتمرد على نظام الرئيس بشار الأسد، ويعيد بعث المكانة السياسية للنظام السوري الذي يسعى الى استعادة مكانته في المجتمع الدولي من طريق دعوة المؤسسات الدولية الى تسليمه أموال إعادة الإعمار. وتسليم نظام الرئيس الأسد أموال إعادة الإعمار ھو اعتراف ببقائه في السلطة، ويساھم عملياً في تيسير عملية بسط نفوذه من جديد، وفي تعزيز فكرة تعايش المجتمع الدولي معه.   ٣-الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أحسن إدارة الصراع في سوريا. غازل الكرد في سورية وأبدى استعداداً لتفھم مطالبھم. وضمن علاقة تنسيق جيدة مع إسرائيل، وكذلك مع الأردن الذي يمسك بحركة الفصائل في الجنوب. واستعاد علاقات حميمة مع تركيا التي تمسك أيضاً بالفصائل الناشطة في الشمال السوري.   باختصار، استعجال بوتين إعادة حلب إلى حضن الشرعية أياً كان الثمن وأياً كانت الاعتراضات يستھدف فرض وقائع جديدة أمام الإدارة المقبلة لدونالد ترامب التي ترث تركة حافلة بالتعقيدات والفوضى في الشرق الأوسط، خصوصاً أن وزير الدفاع المقبل الجنرال المتقاعد جايمس ماتيس، كان انتقد تراجع تأثير بلاده في الشرق الأوسط. وفي ذلك ما يعيق استراتيجية موسكو الساعية إلى بناء تحالف واسع في المنطقة يعيد إليھا دورھا "السوفياتي" وموقعھا قطباً دولياً. أو في أحسن الأحوال ستشھد العلاقات بين الكرملين والبيت الأبيض مرحلة تعاون وصراع تبعاً للقضايا موضوع النقاش بين الطرفين، وھي كثيرة تبدأ من أوكرانيا والعقوبات ولا تنتھي في سوريا.  

المصدر : العهد / سركيس ابو زيد


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة