لا يقتصر الردّ الأميركي على تحرير حلب، برفع الحظر، إذا كان بالأساس هناك مثل هذا الحظر، على تزويد الجماعات المسلحة بالأسلحة الأميركية، بل إنّ هذا الردّ بدأ عبر ثلاثة محاور:

المحور الأول، هجوم داعش على مدينة تدمر والمناطق المحيطة بها، ولا سيما حقول النفط والغاز المنتشرة في الريف الشرقي لمحافظة حمص.

قد لا تكون هناك علاقة تنسيق صريحة وواضحة بين الولايات المتحدة وداعش، ولكن بكلّ تأكيد هناك علاقة بين الطرفين، إما عن طريق الدول الحليفة للولايات المتحدة مثل تركيا وقطر، أو من خلال عناصر في مواقع قيادية من داعش مرتبطة بالمخابرات الأميركية. وقد تمّ تحريض داعش على شنّ هجوم على هذا المحور في هذا التوقيت بالذات والاستفادة من حشد القوات السورية الأساسية، ولا سيما قوات النخبة في مدينة حلب.

المحور الثاني، دفع تركيا لاستئناف هجومها على مدينة الباب. وواضح أنّ الحسابات الأميركية تقوم على أمرين في هذه المسألة، الأمر الأول، إغراء تركيا بالهجوم على مدينة الباب لاحتواء أيّ ردّ فعل سلبي من قبل تركيا على تقديم واشنطن دعم عسكري واسع لما يعرف «بقوات سورية الديمقراطية» حيث يمثل الأكراد العمود الفقري لهذه القوات، ومعروف أنّ أنقرة تعارض تزويد الولايات المتحدة لهذه الجماعة بالسلاح، وتعتقد أنّ ذلك يشكل تهديداً لأمنها القومي. الأمر الثاني، قناعة إدارة أوباما أنّ استئناف تركيا لعملية السيطرة على مدينة الباب، يضع الدولة السورية وحلفاءها أمام قرار صعب عسكرياً وسياسياً، عسكرياً لأنه يدفع الجيش السوري لتشتيت قواته بين جبهات الباب وحلب وتدمر، وذلك من شأنه إبطاء أيّ تقدّم يمكن أن يحققه الجيش السوري، وسياسياً سيولد ذلك من جديد صداماً بين تركيا وحلفاء سورية، وتحديداً روسيا وإيران، ومن شأن ذلك أن يدفع تركيا للالتصاق أكثر بالسياسة الأميركية، وقبول التنسيق والتعاون الكامل معها، ولا سيما في سورية والعراق.

المحور الثالث، إطلاق معركة السيطرة على الرقة، وقد تجلى هذا القرار بإرسال المزيد من القوات الأميركية، بعد إعلان وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر عن إرسال 200 جندي أميركي للإسهام في الهجوم على الرقة. تراهن الولايات المتحدة من خلال السيطرة على مدينة الرقة التعويض عن خسارتها لمدينة حلب للمضيّ في تحقيق أهدافها التي تسعى إلى تقسيم سورية واستمرار حرب الاستنزاف ضدّها وضدّ حلفائها، لأنّ التحالف المعادي يحتاج إلى قاعدة مؤهّلة لمواصلة سياسته لتحقيق هذه الأهداف، وليس ثمة ما يعوّض حلب سوى السيطرة على مدينة الرقة من قبل التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، ولعلّ قرار الرئيس الأميركي رفع الحظر عن تزويد المسلحين بمزيد من الأسلحة الأميركية، المقصود به بالدرجة الأولى، زيادة تدفق السلاح إلى مسلحي «سورية الديمقراطية» وهي الجماعة الأكثر وثوقاً وارتباطاً بالولايات المتحدة.

 

  • فريق ماسة
  • 2016-12-12
  • 13825
  • من الأرشيف

الردّ الأميركي على تحرير حلب

لا يقتصر الردّ الأميركي على تحرير حلب، برفع الحظر، إذا كان بالأساس هناك مثل هذا الحظر، على تزويد الجماعات المسلحة بالأسلحة الأميركية، بل إنّ هذا الردّ بدأ عبر ثلاثة محاور: المحور الأول، هجوم داعش على مدينة تدمر والمناطق المحيطة بها، ولا سيما حقول النفط والغاز المنتشرة في الريف الشرقي لمحافظة حمص. قد لا تكون هناك علاقة تنسيق صريحة وواضحة بين الولايات المتحدة وداعش، ولكن بكلّ تأكيد هناك علاقة بين الطرفين، إما عن طريق الدول الحليفة للولايات المتحدة مثل تركيا وقطر، أو من خلال عناصر في مواقع قيادية من داعش مرتبطة بالمخابرات الأميركية. وقد تمّ تحريض داعش على شنّ هجوم على هذا المحور في هذا التوقيت بالذات والاستفادة من حشد القوات السورية الأساسية، ولا سيما قوات النخبة في مدينة حلب. المحور الثاني، دفع تركيا لاستئناف هجومها على مدينة الباب. وواضح أنّ الحسابات الأميركية تقوم على أمرين في هذه المسألة، الأمر الأول، إغراء تركيا بالهجوم على مدينة الباب لاحتواء أيّ ردّ فعل سلبي من قبل تركيا على تقديم واشنطن دعم عسكري واسع لما يعرف «بقوات سورية الديمقراطية» حيث يمثل الأكراد العمود الفقري لهذه القوات، ومعروف أنّ أنقرة تعارض تزويد الولايات المتحدة لهذه الجماعة بالسلاح، وتعتقد أنّ ذلك يشكل تهديداً لأمنها القومي. الأمر الثاني، قناعة إدارة أوباما أنّ استئناف تركيا لعملية السيطرة على مدينة الباب، يضع الدولة السورية وحلفاءها أمام قرار صعب عسكرياً وسياسياً، عسكرياً لأنه يدفع الجيش السوري لتشتيت قواته بين جبهات الباب وحلب وتدمر، وذلك من شأنه إبطاء أيّ تقدّم يمكن أن يحققه الجيش السوري، وسياسياً سيولد ذلك من جديد صداماً بين تركيا وحلفاء سورية، وتحديداً روسيا وإيران، ومن شأن ذلك أن يدفع تركيا للالتصاق أكثر بالسياسة الأميركية، وقبول التنسيق والتعاون الكامل معها، ولا سيما في سورية والعراق. المحور الثالث، إطلاق معركة السيطرة على الرقة، وقد تجلى هذا القرار بإرسال المزيد من القوات الأميركية، بعد إعلان وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر عن إرسال 200 جندي أميركي للإسهام في الهجوم على الرقة. تراهن الولايات المتحدة من خلال السيطرة على مدينة الرقة التعويض عن خسارتها لمدينة حلب للمضيّ في تحقيق أهدافها التي تسعى إلى تقسيم سورية واستمرار حرب الاستنزاف ضدّها وضدّ حلفائها، لأنّ التحالف المعادي يحتاج إلى قاعدة مؤهّلة لمواصلة سياسته لتحقيق هذه الأهداف، وليس ثمة ما يعوّض حلب سوى السيطرة على مدينة الرقة من قبل التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، ولعلّ قرار الرئيس الأميركي رفع الحظر عن تزويد المسلحين بمزيد من الأسلحة الأميركية، المقصود به بالدرجة الأولى، زيادة تدفق السلاح إلى مسلحي «سورية الديمقراطية» وهي الجماعة الأكثر وثوقاً وارتباطاً بالولايات المتحدة.  

المصدر : البناء /حميدي العبدالله


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة