“ضب سلاحك ودعنا نحلق هذه الذقن”، هكذا تحدث أحد المسلحين مع رفيق له، على أحدى محاور شرق حلب، بعد الانهيار السريع للفصائل، بضربة قاصمة، وجهتها قوات الجيش السوري وحلفائه، بدأت من مساكن هنانو قبل ايام قليلة.. تلك المنطقة التي كانت المفتاح، للسقوط المدوي للجماعات المسلحة في تلك المنطقة.

 

هذا السقوط وهذه الصدمة التي تلقاها المسلحون، كانت كفيلة بسعي بعضهم إلى إعادة ترتيب أوراقهم، والتفاوض مع الدولة السورية، للخروج من المدينة بأقل الخسائر الممكنة، ولو بالباصات الخضراء، بحسب ما أظهرت احدى التسجيلات الصوتية المسربة.

 

واتهم مسلح آخر في حي الصاخور قادة الجماعات بالتخاذل وبالانسحاب من جبهات مدينة حلب إلى الريف الشمالي لقتال داعش، مقابل 200 دولار أميركي.

 

سقوط تخطى حدود الجغرافيا، إلى ما وراء السياسة، والعلاقات البينية بين الفصائل المسلحة، وبين المسلحين وقادتهم، فمرحلة الاستعراضات الإعلامية، التي قام بها الإرهابي السعودي عبد الله المحيسني وغيره من قادة المسلحين قبل اشهر خلت، ولت إلى غير رجعة، وبانت الحقيقة، التي كانت محجوبة، بشعارات رنانة، تدعي الحفاظ على أهالي حلب.

 

وفي تركيا كان الوقع أشد، والحكومة هناك ليست على ما يرام حيال الأوضاع المستجدة في حلب، فسقط الرهان على فصائل حلب، خصوصاً على حركة أحرار الشام، ولم تنفع ملايين الدولارات التي صرفت عليها وعلى غيرها من الجماعات، حتى في إطار امد المعركة، فقرار الحسم اتخذ، ولا رجعة عنه، أكدت القيادة العسكرية للجيش السوري والحلفاء، قولا وفعلا.

 

وعلى مواقع التواصل الإجتماعي وداخل اجتماعات المسلحين، حملات من التخوين المتبادل، فأنصار جبهة النصرة يتهمون الآخرين بالتبعية للخارج، وتسليم حلب في إطار تسويات إقليمية، فيما مؤيدو حركة أحرار الشام يتهمون الجبهة بأنها حاربت فصائل حلب ومنعتهم من القتال، وآخرها تجمع استقم كما أمرت. وبالنسبة إلى فصائل الجيش الحر، فإنها هاجمت الجميع، واتهمتهم بسرقة “الثورة”.

 

مشهد استقبال القوات السورية للنازحين من مناطق سيطرة المسلحين، يبدو أنه لم يرق للعديد من الجماعات، التي اطلقت النار عليهم، خصوصاً وأن هذا الامر سلبهم وداعميهم ورقة، لطالما استغلوها للابتزاز السياسي في أروقة الأمم المتحدة، والمؤسسات الدولية، فإذا بأهالي حلب عبروا عن خيارهم عند أول متنفس لهم، وجددوا انتماءهم إلى الدولة السورية.

 

وتتجه القوات السورية إلى استعادة السيطرة الكاملة على مدينة حلب، لتكون بذلك بمثابة نقطة تحول لصالح الدولة السورية، في سياق الحرب الدائرة في البلاد منذ ما يقارب ست سنوات، وبالتالي تصبح الحكومة مسيطرة على المدن الخمس الكبرى في البلاد وهي، دمشق وحمص وحماة واللاذقية وحلب.

 

وتراقب أنقرة والرياض معركة حلب بصمت، وهما تريان أن ما زرعتاه من إرهاب خلال السنوات الماضية، يتهاوى أمامهما كأحجار الدومينو، خصوصاً وأن الجيش السوري بات على مشارف مدينة الباب بالريف الشرقي لحلب، مع ما يعني هذا الأمر من أبعاد استراتيجية، ليس أولها ابعاد تأثير حكومة حزب العدالة والتنمية عن مجريات الميدان في حلب، ووضع خط احمر امام أي تمدد تركي اضافي داخل الأراضي السورية.

 

وكانت جماعات مسلحة أتت من ارياف ادلب وحلب، قد دخلت إلى حلب في تموز من عام 2012، وفتحت أبواب المدينة أمام آلاف المسلحين الأجانب الذين قدموا إلى سوريا في تلك الفترة، وارتكبوا العديد من المجازر بحق الأهالي، ولم يوفروا حتى الأطفال، الذين اعدم بعضهم بدم أمام أهاليهم، بتهم الكفر.

 

وبالتوازي مع حملات الإعدام والترهيب الذي مورس بحق الحلبيين في الأحياء الشرقية، واتخاذهم دروعاً بشرية، استهدفت الفصائل الأحياء الغربية بقذائف الهاون والصواريخ، ما أدى إلى استشهاد وإصابة آلاف المواطنين، مع وجود مئات المفقودين على حواجز الجماعات المسلحة، ابرزها: لواء التوحيد، وجبهة ثوار سوريا، وجبهة النصرة وحركة نور الدين الزنكي وأحرار الشام.

 

على امتداد زمن الأحداث في سوريا، لم يسقط الجيش السوري مدينة حلب من أولوياته، بل صد على مدى الأعوام الماضية عشرات الهجمات على الأحياء الغربية للمدينة، وتمكن بين عامي 2014 و 2015 من فك الحصار عن سجن حلب المركزي واستعادة المدينة الصناعية، وتوج الجيش عملياته منتصف العام الحالي، حيث تمكن من قطع طرق إمداد المسلحين باتجاه مدينة حلب، وحاصر بشكل كامل الأحياء الشرقية بسيطرته على حي بني زيد وطريق الكاستيلو.

 

وحدد الجيش السوري ثلاث هدن انسانية أولها كان في العشرين من تشرين الأول من العام الحالي، تلتها هدنتان آواخر الشهر ذاته وأول شهر تشرين الثاني في حلب بعد تضييقه الخناق على مسلحي الأحياء الشرقية من حلب، ومنحهم معابر آمنة للخروج من المدينة والسماح للمدنيين بالخروج، إلا أن المجموعات المسلحة وفي مقدمتها جبهة النصرة رفضت الهدن ولم تسمح لأحد بالخروج أو بتسليم سلاحه.

 

وتعرض الطوق المفروض على المسلحين لعدة هجمات، حيث هاجم آلاف المسلحين من مناطق جنوب غرب حلب مواقع الجيش السوري محور الكليات، وتمكنوا من فتح ثغرة بإتجاه الأحياء الشرقية في الراموسة، إلا أن الجيش السوري وحلفاءه قاموا بعملية عسكرية معاكسة، واستعادوا كامل المناطق التي دخل إليها المسلحون في شهر أيلول الماضي، وأعادوا حصار المسلحين في تلك الأحياء،  قبل أن يبدأوا عملية عسكرية أضخم استرجعوا من خلالها القسم الشمالي من الأحياء الشرقية في حلب والتي لم يدخلوها منذ عام 2012.

 

وبحال استعاد الجيش السوري السيطرة على كامل الأحياء الشرقية في حلب كما هو متوقع، تكون الدولة قد طوت أحدى صفحات الارهاب في البلاد، وأعادت الإستقرار إلى العاصمة الإقتصادية للبلاد، على طريق اعادة الأمن إلى كافة ربوع الوطن.

 

  • فريق ماسة
  • 2016-11-28
  • 14331
  • من الأرشيف

هزيمة مدوية للمسلحين في حلب .. ونقطة تحول لصالح الدولة السورية

 “ضب سلاحك ودعنا نحلق هذه الذقن”، هكذا تحدث أحد المسلحين مع رفيق له، على أحدى محاور شرق حلب، بعد الانهيار السريع للفصائل، بضربة قاصمة، وجهتها قوات الجيش السوري وحلفائه، بدأت من مساكن هنانو قبل ايام قليلة.. تلك المنطقة التي كانت المفتاح، للسقوط المدوي للجماعات المسلحة في تلك المنطقة.   هذا السقوط وهذه الصدمة التي تلقاها المسلحون، كانت كفيلة بسعي بعضهم إلى إعادة ترتيب أوراقهم، والتفاوض مع الدولة السورية، للخروج من المدينة بأقل الخسائر الممكنة، ولو بالباصات الخضراء، بحسب ما أظهرت احدى التسجيلات الصوتية المسربة.   واتهم مسلح آخر في حي الصاخور قادة الجماعات بالتخاذل وبالانسحاب من جبهات مدينة حلب إلى الريف الشمالي لقتال داعش، مقابل 200 دولار أميركي.   سقوط تخطى حدود الجغرافيا، إلى ما وراء السياسة، والعلاقات البينية بين الفصائل المسلحة، وبين المسلحين وقادتهم، فمرحلة الاستعراضات الإعلامية، التي قام بها الإرهابي السعودي عبد الله المحيسني وغيره من قادة المسلحين قبل اشهر خلت، ولت إلى غير رجعة، وبانت الحقيقة، التي كانت محجوبة، بشعارات رنانة، تدعي الحفاظ على أهالي حلب.   وفي تركيا كان الوقع أشد، والحكومة هناك ليست على ما يرام حيال الأوضاع المستجدة في حلب، فسقط الرهان على فصائل حلب، خصوصاً على حركة أحرار الشام، ولم تنفع ملايين الدولارات التي صرفت عليها وعلى غيرها من الجماعات، حتى في إطار امد المعركة، فقرار الحسم اتخذ، ولا رجعة عنه، أكدت القيادة العسكرية للجيش السوري والحلفاء، قولا وفعلا.   وعلى مواقع التواصل الإجتماعي وداخل اجتماعات المسلحين، حملات من التخوين المتبادل، فأنصار جبهة النصرة يتهمون الآخرين بالتبعية للخارج، وتسليم حلب في إطار تسويات إقليمية، فيما مؤيدو حركة أحرار الشام يتهمون الجبهة بأنها حاربت فصائل حلب ومنعتهم من القتال، وآخرها تجمع استقم كما أمرت. وبالنسبة إلى فصائل الجيش الحر، فإنها هاجمت الجميع، واتهمتهم بسرقة “الثورة”.   مشهد استقبال القوات السورية للنازحين من مناطق سيطرة المسلحين، يبدو أنه لم يرق للعديد من الجماعات، التي اطلقت النار عليهم، خصوصاً وأن هذا الامر سلبهم وداعميهم ورقة، لطالما استغلوها للابتزاز السياسي في أروقة الأمم المتحدة، والمؤسسات الدولية، فإذا بأهالي حلب عبروا عن خيارهم عند أول متنفس لهم، وجددوا انتماءهم إلى الدولة السورية.   وتتجه القوات السورية إلى استعادة السيطرة الكاملة على مدينة حلب، لتكون بذلك بمثابة نقطة تحول لصالح الدولة السورية، في سياق الحرب الدائرة في البلاد منذ ما يقارب ست سنوات، وبالتالي تصبح الحكومة مسيطرة على المدن الخمس الكبرى في البلاد وهي، دمشق وحمص وحماة واللاذقية وحلب.   وتراقب أنقرة والرياض معركة حلب بصمت، وهما تريان أن ما زرعتاه من إرهاب خلال السنوات الماضية، يتهاوى أمامهما كأحجار الدومينو، خصوصاً وأن الجيش السوري بات على مشارف مدينة الباب بالريف الشرقي لحلب، مع ما يعني هذا الأمر من أبعاد استراتيجية، ليس أولها ابعاد تأثير حكومة حزب العدالة والتنمية عن مجريات الميدان في حلب، ووضع خط احمر امام أي تمدد تركي اضافي داخل الأراضي السورية.   وكانت جماعات مسلحة أتت من ارياف ادلب وحلب، قد دخلت إلى حلب في تموز من عام 2012، وفتحت أبواب المدينة أمام آلاف المسلحين الأجانب الذين قدموا إلى سوريا في تلك الفترة، وارتكبوا العديد من المجازر بحق الأهالي، ولم يوفروا حتى الأطفال، الذين اعدم بعضهم بدم أمام أهاليهم، بتهم الكفر.   وبالتوازي مع حملات الإعدام والترهيب الذي مورس بحق الحلبيين في الأحياء الشرقية، واتخاذهم دروعاً بشرية، استهدفت الفصائل الأحياء الغربية بقذائف الهاون والصواريخ، ما أدى إلى استشهاد وإصابة آلاف المواطنين، مع وجود مئات المفقودين على حواجز الجماعات المسلحة، ابرزها: لواء التوحيد، وجبهة ثوار سوريا، وجبهة النصرة وحركة نور الدين الزنكي وأحرار الشام.   على امتداد زمن الأحداث في سوريا، لم يسقط الجيش السوري مدينة حلب من أولوياته، بل صد على مدى الأعوام الماضية عشرات الهجمات على الأحياء الغربية للمدينة، وتمكن بين عامي 2014 و 2015 من فك الحصار عن سجن حلب المركزي واستعادة المدينة الصناعية، وتوج الجيش عملياته منتصف العام الحالي، حيث تمكن من قطع طرق إمداد المسلحين باتجاه مدينة حلب، وحاصر بشكل كامل الأحياء الشرقية بسيطرته على حي بني زيد وطريق الكاستيلو.   وحدد الجيش السوري ثلاث هدن انسانية أولها كان في العشرين من تشرين الأول من العام الحالي، تلتها هدنتان آواخر الشهر ذاته وأول شهر تشرين الثاني في حلب بعد تضييقه الخناق على مسلحي الأحياء الشرقية من حلب، ومنحهم معابر آمنة للخروج من المدينة والسماح للمدنيين بالخروج، إلا أن المجموعات المسلحة وفي مقدمتها جبهة النصرة رفضت الهدن ولم تسمح لأحد بالخروج أو بتسليم سلاحه.   وتعرض الطوق المفروض على المسلحين لعدة هجمات، حيث هاجم آلاف المسلحين من مناطق جنوب غرب حلب مواقع الجيش السوري محور الكليات، وتمكنوا من فتح ثغرة بإتجاه الأحياء الشرقية في الراموسة، إلا أن الجيش السوري وحلفاءه قاموا بعملية عسكرية معاكسة، واستعادوا كامل المناطق التي دخل إليها المسلحون في شهر أيلول الماضي، وأعادوا حصار المسلحين في تلك الأحياء،  قبل أن يبدأوا عملية عسكرية أضخم استرجعوا من خلالها القسم الشمالي من الأحياء الشرقية في حلب والتي لم يدخلوها منذ عام 2012.   وبحال استعاد الجيش السوري السيطرة على كامل الأحياء الشرقية في حلب كما هو متوقع، تكون الدولة قد طوت أحدى صفحات الارهاب في البلاد، وأعادت الإستقرار إلى العاصمة الإقتصادية للبلاد، على طريق اعادة الأمن إلى كافة ربوع الوطن.  

المصدر : المنار /أحمد فرحات


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة