دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
تواصل الولايات المتحدة حملاتها الإعلامية والعسكرية في أكثر من منطقة، وبالذات في سوريا والعراق، على خلفية تقليعة جديدة من الأكاذيب المفضوحة.
الخارجية الأمريكية وقبل ساعات قليلة من بدء الانتخابات الرئاسية هناك، أدلت بجملة من التصريحات الأكثر تضليلا:
- الولايات المتحدة لا تسعى لتقسيم سوريا.
- الولايات المتحدة لا تريد فدرلة سوريا.
- الولايات المتحدة تريد أن ترى سوريا دولة موحدة وذات سيادة.
- الولايات المتحدة ترحب بتمديد الهدن الإنسانية.
تصريحات في غاية "الشفافية" و"الجدية"، وكأن واشنطن متأكدة بأن العالم بلا ذاكرة. فهي لا تريد تقسيم سوريا، ولكنها تمنح كل دولة من حلفائها "نصيبها العرقي والطائفي" في سوريا، بشرط أن تنشط هذه الدول في الحملة العسكرية للتحالف الأمريكي. وكل ذلك بطبيعة الحال من أجل "القضاء" على تنظيم "داعش" الإرهابي. بينما تنظيم "داعش" وجبهة النصرة يصولان ويجولان في سوريا والعراق وبدعم غير عادي، وكأنه من "أشباح" أو من كائنات فضائية.
وفي الحقيقة، فلا أحد وجه الدعوة إلى الولايات المتحدة لبدء حملاتها العسكرية في سوريا. ولا أحد أيضا وجه الدعوة إلى تركيا لتبدأ حملتها العسكرية في سوريا. ولكن الجانبين الأمريكي والتركي يريان أن من حقهما حماية حلفائهما الداخليين، والتنظيمات والجماعات التابعة لهما. وكل ذلك تحت غطاء محاربة الإرهاب.
أما الميدان، فيشهد عمليات تقسيم غير عادية، تمهد لتقسيمات حقيقية جغرافيا وعرقيا وطائفيا، مهما تحدثت الولايات المتحدة المتحدة، ومهما أعلنت تركيا. إن حديث واشنطن عن عدم رغبتها بتقسيم سوريا، وعدم سعيها لفدرلتها، يدخل ضمن إطار المناورات الكلامية، لأن الولايات المتحدة تفهم المصطلحات بطريقتها، وتطلق التسميات المناسبة لسيناريوهاتها الآنية والمستقبلية. أما أنقرة، فهي مصممة على التدخل في التركيبات الإثنية والطائفية في كل من سوريا والعراق. وبالتالي، لا مجال هنا لمحاولة فهم ما يقصده الأمريكيون والأتراك بشأن "الشعب السوري" و"إرادة الشعب السوري" و"الهدن الإنسانية" و"سيادة سوريا ووحدة أراضيها".
وفي ما يتعلق بالهدن الإنسانية التي ترحب بها الولايات المتحدة، ولكنها لا ترى أي نتائج لها، تجعلنا نفترض أن "الأخ الأكبر" غير راض عن أي دول تنتهج سياسات غير سياساته وبغير أوامره. كما أن الـ "بيغ براذر"، كما جاء في رواية الكاتب والصحفي البريطاني جورج أورويل (1984) والتي نشرت عام 1949، لم يعد يرى إلا نفسه ومصالحه ومناطق نفوذه التي تشمل الكرة الأرضية وتتجاوزها إلى الفضاء. وبالتالي، فالهدن الروسية في حلب لا تروق للأخ الأكبر، لأنه يراها لا تؤدي إلى النتائج التي يريدها هو. ومن الواضح أنه فوجئ بأوامر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حول اعتبار أنه من الأنسب الاستمرار في نظام وقف إطلاق النار في شرق حلب.
الولايات المتحدة، تريد هدن بشروطها هي ووفق مصالحها. لا تروق لها هذه الهدنة أو تلك، ولكنها ترحب في كل الأحوال بأي هدنة. ولكن وفق شروطها وخططها هي. هذا المنطق المثير للسخرية والشك يدفع للاعتقاد بأن واشنطن لا تريد أي هدن، وإنما ترغب بالمزيد من الدماء والقصف والحرب، وتوريط المزيد من الأطراف في دائرة مغلقة من الصراعات. وبالتالي، عندما تقوم موسكو بتحديد مصالحها، ووضع سيناريوهات وخطط مرتبطة بتسيير هذه المصالح، تعلن واشنطن عن امتعاضها، وعن شكوكها، وعن قلقها وعدم رضائها.
الولايات المتحدة لا تريد تقسيم سوريا أو فدرلتها، ولكنها في الوقت نفسه تؤكد استمرارها في دعم "الشركاء" و"الحلفاء" في سوريا في التقدم نحو الرقة "لضمان نجاح العملية". فعن أي عملية يدور الحديث بالضبط؟!
البنتاغون يرى أيضا أنه سيواصل دعم الشركاء على الأرض في سوريا، عندما يبدأون فك الحصار عن الرقة، وسيواصل التعاون الوطيد مع جميع أعضاء التحالف الدولي "لضمان إزالة ورم داعش". بينما داعش قد تحول إلى "فكرة" مدعومة جيدا من الولايات المتحدة وحلفائها من جهة، ومنتشرة ماديا ومعنويا في دول أخرى. الأمر الذي يجعلنا نسترجع سيناريو إنشاء "الفاعدة" والقضاء عليها، وظهور البديل الداعشي. فأي بديل يتم تجهزه الآن لكي يحل محل "داعش"؟! وهل سيصبح هذا البديل هو "جبهة النصرة" أم يجري إعداد بديل أممي قادر على التحرك في أكثر من دولة وبأدوات جديدة وأسلحة أكثر حداثة؟ وكيف سيتم توجيه هذا البديل، وضد من، ولصالح أي سيناريوهات؟
الأخطر والأكثر إثارة للقلق، أن البديل الأمريكي للقاعدة ولداعش، قد يحتاج إلى شرعية، أو عملية شرعنة لكي يشارك في مفاوضات ومباحثات مقبلة في محافل دولية وإقليمية. ومن الصعب أن يشارك كطرف متكافئ وكند إلا إذا كان يسيطر على مساحة من الأرض ولديه دعم عسكري ومالي ولوجستي – دبلوماسي. وربما يكون ذلك تحديدا ما يجري إعداده على الأرض في ظل الأكاذيب الأمريكية المفضوحة والفهم الأعوج للمصطلحات والتسميات.
المصدر :
أشرف الصباغ
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة