دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
في ذروة الأحداث السورية الدامية في عام 2013، كان المبعوث السوري الدائم لدى الأمم المتحدة الدكتور بشّار الجعفري يلتقي بالجالية السورية في مختلف الولايات الاميركية.
إلى إحداها، ولاية كاليفورنيا، حيث التجمّع الأكبر لهذه الجالية، ذهب الجعفري رغم التهديدات بوجود عددٍ كبير من المعارضين. هناك، فوجئ بوقوف 27 معارضاً عند مدخل الفندق حيث اللقاء بالجالية، بينما كان داخل القاعة ألف مؤيد للدولة السورية، هتفوا طيلة الوقت بشعارات حيّوا بها الجيش السوري. حينها أيضاً، تواصل كلٌ من مفتي سوريا أحمد بدر الدين حسون والمطران لوقا الخوري مباشرة من سوريا عبر «السكايب» مع الحضور، على مرأى من أعين رجال الـ «إف بي آي» الذين كانوا موجودين في الداخل. «كان المشهد مخيفاً بالنسبة للأميركيين، أصيبوا بالذهول، معظم الجالية هنا مؤيّدة للحكومة السورية، إضافةً الى تجمّع عربي كبير مؤيّد أيضاً»، يروي الجعفري عن ذلك اللقاء.
صباح اليوم التالي، تلقّى الجعفري قراراً صادراً عن وزارة الخارجية الاميركية يقضي بتقييد حريته في التنقّل ضمن مسافة قطرها 40 كيلومتراً في مانهاتن في نيويورك، بحجة قيامه بـ «محاولات لتقسيم الجالية السورية» بحسب الخارجية الاميركية. هذا القرار لا يزال ساري المفعول في بلد الحريات، كما أن الاضطهاد الاميركي الشخصي له شمل أيضاً كامل أفراد عائلته في تقييد حركتهم في التنقّل. على الرغم من ذلك، لم يمنع القرار الجعفري من لقاء الجالية، فأبواب البعثة السورية مفتوحة للجميع، وأصبح منذ ذلك الوقت يستقبل الوفود دائما.
في مركز البعثة السورية في مانهاتن، لا يزال الجعفري الى جانب ديبلوماسيين سوريين التقت بهم «السفير»، صامدين رغم كل المضايقات التي تمارس ضدهم، فقط لأنهم يمثّلون سوريا. وسبق أن عوّلت بعض الدول الغربية والخليجية كثيرا على انشقاق تلك البعثة في بداية الأحداث، كما حصل مع البعثة الليبية التي طالبت دول عديدة بالتدخّل العسكري الفوري في بلادها. محاولات عديدة وعروض ومبالغ مالية ضخمة عرضت آنذاك على الجعفري، قوبلت جميعها بالرفض القاطع. قد يأتي اليوم الذي يكشف عن تفاصيلها.
ومع دخول سوريا عامها السادس من الحرب، يُعدّ بشار الجعفري اليوم أحد أهم ركائز صمود بلاده في الخارج. هو المُدافع الشرس في مجلس الأمن والأمم المتحدة عن سوريا، وهو من بين من حموا أسوار دمشق مع فريق الخارجية السورية برئاسة وليد المعلم وديبلوماسيين آخرين، باعتراف عدد من المسؤولين الغربيين، بينهم وزير الخارجية الاميركية السابق هنري كيسنجر.
ملف سوريا في الامم المتحدة ومجلس الامن ضخمٌ جداً، فبحسب الجعفري، «الحديث يطول ونحتاج إلى أجزاء عدة من مسلسل باب الحارة»، يقول ممازحاً. غير أن حلب اليوم، تأخذ الحيّز الاهم في النقاشات والمشاورات والقرارات. اجتماعات أسبوعية، وأحياناً يومية، تُعقد في الآونة الأخيرة عن حلب وعن الوضع الانساني فيها. إنها «هستيريا إنسانية» أصابت بعض الدول، يقول الجعفري، مضيفاً أن «سوريا فتحت ثمانية معابر لإدخال المساعدات، بينها معبران لإخراج العائلات، غير أن المسلحين لم يسمحوا بإخراج أحد من حلب الشرقية لأن التعليمات صدرت باستخدام المدنيين كدروعٍ بشرية».
وكانت روسيا بالتنسيق مع سوريا قد أوقفت الغارات الجوية من طرف واحد خلال الفترة الماضية، لكن ماذا كانت النتيجة؟ يردّ الجعفري أنه «تمّ استغلال التصعيد الانساني على سوريا وروسيا بإدارة التموين بالسلاح حيث وصل سلاح جديد الى الجماعات المسلحة، بينها صواريخ غراد بعدها يصل الى أكثر من 20 كلم ودبابات. الدعم العسكري للمسلحين لم يتوقّف، كما أن وقف الطيران الروسي ساعد المسلحين في هجومهم على مناطق عدة في حلب». ويضيف «أوقفت سوريا وروسيا الغارات الجوية بهدف سحب الذرائع من الدول الغربية.. سحب البساط الإنساني منهم».
وفي السياق، يؤكد أن «موسكو تطلب دائماً من مبعوث الامم المتحدة ستيفان دي مستورا استمرار المحادثات، لكن لا يوجد موافقة اميركية، الهمُّ الغربي، وتحديداً الأميركي والبريطاني والفرنسي، هو التصعيد الديبلوماسي ضد موسكو ودمشق». ويتوقّع الجعفري أن يكون الحسم العسكري هو الحلَّ في حلب، واستئنافا قريبا للغارات الجوية ضد الجماعات المسلحة من قبل الجيش السوري والروس.
في موازاة ذلك، ومع استمرار معركة الموصل التي يسلّط الاعلام الاميركي الضوء عليها، أطلق البنتاغون معركة تحرير الرقة بأيدي قوات «سوريا الديموقراطية» بعدما برزت تصريحات أميركية عديدة منذ أسبوعين عن التحضير لمعركة الرقة. «هذا حكي فاضي»، يعتبر الجعفري، «هم يريدون أن نشرّع لهم سوريا، وهذا ما لم يحصل. الاميركيون يميّزون بين الارهاب في العراق والارهاب في سوريا. الفرق أن الحكومة العراقية طلبت من اميركا التدخّل والمساعدة في الموصل، وهذا ما لم ولن تطلبه اميركا من سوريا.. إذا كانوا يريدون أن يحاربوا الارهاب في سوريا، يجب أن ينسّقوا معنا، لكنهم لا يريدون ذلك».
وفيما تدور الاشتباكات العنيفة في مناطق مختلفة في حلب بين الجيش السوري وحلفائه من جهة، والجماعات المسلّحة من جهة ثانية، استخدمت الأخيرة أسلحة كيميائية ضد المدنيين خلال الاسبوعين الماضيين، لكن «لم يصدر أي بيان صحافي ولا حتى أي قرار من قبل دي ميستورا أو بان كي مون في هذا الشأن»، يقول الجعفري، علماً أنه منذ بداية الأزمة وحتى اليوم، وصل عدد الرسائل الرسمية السورية الى الأمم المتحدة الى 500 رسالة موجهة للأمين العام، بينها 119 رسالة تتعلق بالإرهاب والسلاح الكيميائي «من دون أي ردّ في المقابل»، مشيراً الى أن هناك 65 حادثة استخدام أسلحة كيميائية في سوريا، بعدما طالب مراراً بتوسيع لجنة التحقيق في هذا الشأن. وللملف الكيميائي تكملةٌ خاصة في هذا الصدد.
وحول قصف الولايات المتحدة مراكز تابعة للجيش السوري، وآخرها في دير الزور، يعلّق الجعفري بأن هناك «تعمية كاملة عن الموضوع، سوريا أرسلت رسائل عدّة الى الأمين العام للأمم المتحدة، لكن لم نتلق أي رد. سفيرة الولايات المتحدة سامنتا باور اعترفت أنه كان هناك خطأ، لكن في المقابل اتهمت سوريا وروسيا باستهداف القافلة الإنسانية في حلب».
ولم تنشئ الأمم المتحدة أي لجنة تحقيق للخروقات التي جرت في سوريا مثل القصف الأميركي على مواقع الجيش السوري والقصف التركي والفرنسي الذي أودى بحياة مئات المدنيين في الرقة ومنبج وغيرها من المناطق السورية عن طريق «الخطأ». لكنها في المقابل، سارعت إلى إنشاء لجنة تحقيق في استهداف قافلة المساعدات الانسانية في حلب، التي سيصدر القرار بشأنها أواخر الشهر الحالي، قبل انتهاء ولاية بان كي مون. «سيوجّهون أصابع الاتهام الى سوريا»، يقول الجعفري الذي يعرفُ جيداً خفايا وكواليس مجلس الأمن وقراراته.
وعن علاقات البعثة السورية مع بعثات باقي الدول، يشير الجعفري الى أن «هناك دولاً تسمع، ودولاً غير مهتمة للسماع لما يجري في سوريا، وأخرى لا تريد أن تسمع أبدا، وهذا الأمر يتعلّق بتركيبة الدول في مجلس الأمن الملعوب بها». بالتأكيد لا توجد أي علاقة مع السعودية وقطر.
يستذكر الجعفري هنا، أحد أساليب المضايقات «الصبيانية» التي اعتمدها القطري ناصر الناصر الذي كان يترأس الجميعة العامة، مثل الأخطاء التقنية التي كانت تصيب الميكروفون عند حديث الجعفري، أو إصابة المترجم بالمرض أكثر من عشر مرات في جلسات الأمم المتحدة عندما يأتي دور كلام مبعوث سوريا، وهي أمورٌ لم تحصل مع أي مبعوث دولة أخرى. هذا إضافةً الى التعتيم الاعلامي الغربي الذي بمعظمه لا ينقل كلمة الجعفري خلال المؤتمرات الصحافية، عدا عن انسحاب وفود بعثات عديدة أثناء إلقائه كلمة سوريا في مجلس الامن.
بالعودة الى علاقات سوريا مع البعثات الأخرى، «مع مصر العلاقة طيبة، ونحن نتبادل المعلومات بحكم أن مصر هي عضو في مجلس الأمن وهناك زيارات دائمة وشرح لما يجري في سوريا. الأمر ينطبق كذلك على العراق وعمان»، يوضح المبعوث السوري الدائم لدى الأمم المتحدة. أما عن بعثة لبنان، «فلا يأخذون أي مبادرة وينأون بأنفسهم من طرف واحد»، كما أن هناك دولاً غربية عديدة «تهتم لسماع ما يجري في سوريا ومعرفة الحقيقة».
وأخيراً، وعشية انتخابات الرئاسة الاميركية ووصول قيادة جديدة إلى البيت الأبيض، هل سيغيّر ذلك أو يؤثر على الأوضاع في سوريا؟ «لا جديد، لن يحصل شيء»، يردّ الجعفري.
في هذه الأثناء، سيستمر الجعفري، والديبلوماسيون الآخرون الذين يعملون، في الدفاع عن سوريا من خلال ملفات عديدة، رغم درايته بتركيبة مجلس الأمن وقراراته ودور الأمم المتحدة التي تتحكم بقراراتها الدولة المضيفة «المهيمنة».
المصدر :
السفير /رشا أبي حيدر
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة