أطلق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الآونة الأخيرة سلسلة من المواقف التي يمكن تصنيفها بأنها مواقف غير مسبوقة منذ قيام الجمهورية التركية وسقوط السلطنة العثمانية.

 

وعلى الرغم من أنّ مواقف أردوغان الجديدة تتناقض بوضوح، مع ما يعتقد به الكثير من متابعي الشأن التركي، مع الإيديولوجية التي توجه نظام حكمه، وهي إيديولوجية الإخوان المسلمين، لأنّ المطالبة بضمّ الموصل يعني قبول فكرة الدولة القومية وليس الدولة الإسلامية. وبديهي أنّ هذا الموقف يتعارض مع قناعات الكثير من الإسلاميين، ومنهم إسلاميون عرب وأتراك يؤيدون الرئيس التركي، وينظرون إليه كأنموذج ومثال وكقائد أممي إسلامي وليس كزعيم قومي تركي. من شأن مثل هذه التصريحات أن تثير جدلاً كبيراً ليس فقط في أوساط إسلاميين عراقيين وأتراك، بل على مستوى العالم الإسلامي، وحتى جماعة الإخوان المسلمين لن تنجو من مثل هذا الجدل.

 

 

مع ذلك هل أردوغان جادّ فعلاً بضمّ الموصل؟ تصريحات أردوغان ذاتها تشدّد على أنه إذا قسّم العراق عندها سيطالب بضمّ الموصل.

 

وهذا يعني أمرين في ضوء تصريحات أردوغان الأخرى المثيرة للجدل حول اتفاقية لوزان: الأمر الأول أنّ أردوغان سوف يسعى لتقسيم العراق لعله يحصل على حصة من خلال عملية التقسيم هذه، والمقصود هنا مدينة الموصل والمناطق المحيطة بها. الأمر الثاني أنّ تقسيم العراق الذي تحدّث عنه أردوغان كمقدمة لضمّ الموصل أمر لا يبدو أنه قابل للتحقيق، لأنّ أهالي الموصل في غالبيتهم الساحقة ترفض التقسيم، ولأنّ غالبية العراقيين، ربما باستثناء بعض الأحزاب الكردية حزب البرزاني ، لا تريد التقسيم، بل تعارضه بقوة جميع المكونات السياسية العراقية السنية والشيعية وحتى داعش عندما سيطر على الموصل وبعض أجزاء من محافظات أخرى، لم يكن يتطلع إلى حصر سيطرته على المناطق ذات الغالبية السنية، بل إنه سعى للسيطرة على بغداد وهاجم محافظات جنوبية تقطنها غالبية شيعية.

 

إقليمياً ودولياً ليس من السهل تبنّي أطروحة إعادة النظر بالحدود التي تمّ التوصل إليها في لوزان، لأنّ من شأن ذلك أن يشكل تهديداً لكيانات ودول عديدة في المنطقة، وقد تقود سياسة إعادة النظر بالحدود إلى نشوب حروب لا تظلّ في الإطار الإقليمي.

 

لكن تصريحات أردوغان أظهرت نواياه الحقيقية تجاه العراق، وتجاه سورية، وأكدت مصداقية نعت نظام حكمه بالتوسعي، ومن شأن ذلك أن يوحد سورية والعراق أولاً، ودولاً أخرى في الإقليم في مواجهة هذه السياسة، كما أنّ الدخول في مواجهة على خلفية هذا الموقف قد يقود إلى تقسيم تركيا ذاتها في ضوء أنّ الأكراد يخوضون حرباً من أجل الحصول على حقوق من تركيا قد تتحوّل إلى المطالبة بإقامة كيان خاص بهم على غرار ما تسعى تركيا لفعله في مناطق عديدة.

 

 

 

 

  • فريق ماسة
  • 2016-10-24
  • 3962
  • من الأرشيف

ماذا لو كانت مساعي أردوغان جديّة لضمّ الموصل؟

أطلق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الآونة الأخيرة سلسلة من المواقف التي يمكن تصنيفها بأنها مواقف غير مسبوقة منذ قيام الجمهورية التركية وسقوط السلطنة العثمانية.   وعلى الرغم من أنّ مواقف أردوغان الجديدة تتناقض بوضوح، مع ما يعتقد به الكثير من متابعي الشأن التركي، مع الإيديولوجية التي توجه نظام حكمه، وهي إيديولوجية الإخوان المسلمين، لأنّ المطالبة بضمّ الموصل يعني قبول فكرة الدولة القومية وليس الدولة الإسلامية. وبديهي أنّ هذا الموقف يتعارض مع قناعات الكثير من الإسلاميين، ومنهم إسلاميون عرب وأتراك يؤيدون الرئيس التركي، وينظرون إليه كأنموذج ومثال وكقائد أممي إسلامي وليس كزعيم قومي تركي. من شأن مثل هذه التصريحات أن تثير جدلاً كبيراً ليس فقط في أوساط إسلاميين عراقيين وأتراك، بل على مستوى العالم الإسلامي، وحتى جماعة الإخوان المسلمين لن تنجو من مثل هذا الجدل.     مع ذلك هل أردوغان جادّ فعلاً بضمّ الموصل؟ تصريحات أردوغان ذاتها تشدّد على أنه إذا قسّم العراق عندها سيطالب بضمّ الموصل.   وهذا يعني أمرين في ضوء تصريحات أردوغان الأخرى المثيرة للجدل حول اتفاقية لوزان: الأمر الأول أنّ أردوغان سوف يسعى لتقسيم العراق لعله يحصل على حصة من خلال عملية التقسيم هذه، والمقصود هنا مدينة الموصل والمناطق المحيطة بها. الأمر الثاني أنّ تقسيم العراق الذي تحدّث عنه أردوغان كمقدمة لضمّ الموصل أمر لا يبدو أنه قابل للتحقيق، لأنّ أهالي الموصل في غالبيتهم الساحقة ترفض التقسيم، ولأنّ غالبية العراقيين، ربما باستثناء بعض الأحزاب الكردية حزب البرزاني ، لا تريد التقسيم، بل تعارضه بقوة جميع المكونات السياسية العراقية السنية والشيعية وحتى داعش عندما سيطر على الموصل وبعض أجزاء من محافظات أخرى، لم يكن يتطلع إلى حصر سيطرته على المناطق ذات الغالبية السنية، بل إنه سعى للسيطرة على بغداد وهاجم محافظات جنوبية تقطنها غالبية شيعية.   إقليمياً ودولياً ليس من السهل تبنّي أطروحة إعادة النظر بالحدود التي تمّ التوصل إليها في لوزان، لأنّ من شأن ذلك أن يشكل تهديداً لكيانات ودول عديدة في المنطقة، وقد تقود سياسة إعادة النظر بالحدود إلى نشوب حروب لا تظلّ في الإطار الإقليمي.   لكن تصريحات أردوغان أظهرت نواياه الحقيقية تجاه العراق، وتجاه سورية، وأكدت مصداقية نعت نظام حكمه بالتوسعي، ومن شأن ذلك أن يوحد سورية والعراق أولاً، ودولاً أخرى في الإقليم في مواجهة هذه السياسة، كما أنّ الدخول في مواجهة على خلفية هذا الموقف قد يقود إلى تقسيم تركيا ذاتها في ضوء أنّ الأكراد يخوضون حرباً من أجل الحصول على حقوق من تركيا قد تتحوّل إلى المطالبة بإقامة كيان خاص بهم على غرار ما تسعى تركيا لفعله في مناطق عديدة.        

المصدر : حميدي العبدالله


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة