دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
لن تَمَل الولايات المتحدة الأميركية من ابتداع المحاولات المباشرة وغير المباشرة لتعديل موازين القوى في الميدان السوري بشكل يمكنها من تحقيق ربط نزاع سياسي-عسكري بينها وبين روسيا.
ربما كانت إدارة أوباما تقبل بالتعايش مع الواقع العسكري القائم لو أنها تمكنت من تفسير وتنفيذ الاتفاق الشهير الذي وقعه وزير خارجيتها جون كيري مع نظيره الروسي سيرغي لافروف وفق أجندتها القائمة على تحييد «جبهة النصرة» ومتفرعاتها والاحتفاظ بها كقوة كامنة يمكن للإدارة الأميركية القادمة الاستثمار فيها وعليها، وأيضاً لو كان بإمكانها تجميد زحف الجيش العربي السوري وحلفائه لاستعادة شرق مدينة حلب وبعض بلدات غوطة دمشق ومناطق سورية أخرى.
ويأتي في سياق تلك المحاولات الورقة التي تقدم بها مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة دي ميستورا في اجتماع لوزان الأخير والتي تضمنت آلية متكاملة ومفخخة سياسياً لمعالجة موضوع الإرهابيين الموجودين في الجزء الشرقي من مدينة حلب.
كان واضحاً منذ التصريحات الأولى لدي ميستورا، حول رغبته في مرافقة إرهابيي «جبهة النصرة» كضمان لسلامة خروجهم من ذلك الجزء، أن الهدف لا يكمن فقط في حماية هؤلاء الإرهابيين ونقلهم إلى جبهات أخرى لاستكمال توظيفهم في الحرب على سورية، بل يتعداه إلى تكريس «شرعنة» أممية بموافقة الأطراف كافة لمن تبقى من هؤلاء الإرهابيين «النصراويين» أو الشبيهين لهم كأمر ميليشياوي واقع وبديل من مؤسسات الدولة الشرعية. وقد تجلى ذلك بوضوح تام من خلال الآلية المذكورة التي لو كُتِبَ لها التوافق حولها لشكلت سابقة خطرة ستسعى واشنطن وحلفاؤها إلى تعميمها على مناطق سورية أخرى تعيش الحالة ذاتها التي تعيشها مدينة حلب، ما يؤسس لتثبيت بؤر أمن ذاتي على مساحة جغرافية المواجهة مع المجموعات الإرهابية التكفيرية.
والأخطر كذلك يتمثل بالوقائع التي ستنتج عن هذه السابقة بحيث إنها ستؤدي إلى إسقاط مؤسسات الدولة عبر إسقاط مرجعيتها كضامن شرعي ووحيد للأمن الاجتماعي والوطني وذلك من خلال استنزافها يومياً بإشكالات واشتباكات جانبية تستوجب تشكيل لجان أمنية وعسكرية مشتركة بين «المسلحين» من جهة وأجهزة الدولة السورية الأمنية والعسكرية وتباعاً الخدمية من جهة أخرى!
ليست «ورقة حلب» محاولة واشنطن الأولى لرسم خريطة تقسيم سياسي أمني مغلف بعناوين براقة وزائفة كالحرب على الإرهاب وحماية المدنيين وغيرها ولن تكون الأخيرة، فقد سبقتها محاولة جر روسيا وسورية وحلفائها إلى معركة استنزاف لاطائل منها في الرقة بحجة أنها يمكن أن تكون اختباراً ونموذجاً لتعاون الأطراف الدولية والإقليمية في مواجهة «داعش».. مع العلم أن «الانتصارات» الميدانية الأخيرة في جرابلس أو دابق كمثال والتي ترعاها واشنطن مباشرة أو عبر بعض حلفائها بينت أن تنظيم «داعش» معني بقتال الجيش العربي السوري وحلفائه حصراً، ومبادرٌ إلى الانسحاب فوراً كلما لاحت في وجهه بيارق لتنظيمات تحمل عناوين «معتدلة»، بل إن الكثير من المعطيات تؤكد انضمام عناصر «داعش» إلى تلك التنظيمات عند التسليم شبه السلمي للمناطق المطلوبة.
لاشك أن سورية وحلفاءها أمام فرصة مهمة لثبيت إمساكهم بأوراق قوة سياسية وعسكرية في حلب والغوطة وصولاً إلى لوزان في مقابل الأوراق المفخخة المطروحة أو تلك التي تسكن أدراج الإدارة الأميركية والجاهزة عندما تدعو الحاجة لوضعها على طاولات التفاوض، وقد نرى منها الكثير في الأسابيع المقبلة لإشغالنا بالتزامن مع الحملات السياسية والإعلامية التي بدأتها واشنطن لتظهير «انتصاراتها» في الموصل كأحد الإنجازات على طريق تأكيد قدرة الحزب الديمقراطي على قيادة الولايات المتحدة الأميركية بعدما أظهرت المناظرات الرئاسية تدني مستوى التنافس أخلاقياً وسياسياً.
المصدر :
محمد عبيد
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة