استضاف المجلس اليوم السيد أحمد الحمو وزير الصناعة، وقد كان الرجل ضعيفا في ردوده أمام النواب، فبدا كوزير مازال يرتدي لبوس المدير ، وقد لايكون كذلك في الجانب العملي، ولكني أوصّف وقائع الجلسة، حيث تناول الزملاء الواقع الصناعي البائس الذي لايليق بدولة قامت فيها ثورة باسم العمال والفلاحين منذ نصف قرن، ولانتحدث هنا عن المصانع الواقعة في المناطق الساخنة، وإنما عن حركة المنشآت الصناعية الموجودة تحت رعاية الدولة وقوانينها التي تسببت بإفلاس بعضها ومرض بعضها الآخر، ولا أضع اللوم على السيد الوزير الذي ورث آلية لم يحد عنها سوى الوزير المرحوم عصام الزعيم الذي قرر الخروج على السياق العام فكان كمن يمشي نحو حتفه.. ذلك أن ثورة آذار قامت باسم العمال والفلاحين، غير أن الطبقة الفلاحية غلبت على العمالية فأممت المعامل والعمال أيضا، ولو أن العمال قادوا الثورة لكانت أخذت طابعا مدنيا لاريفيا، وما كنا وصلنا إلى هذي الفوضى في القطاع الصناعي، ذلك أن بنية تفكير العمال مدنية وهي تفهم آلية الصناعة و التسويق، غير أن الفلاحين الذين قادوا المعامل أداروها بعقلية الحقل لا السوق فكان ماكان، وهذا بحث طويل فيما لو أراد الرفاق البعثيون مراجعة أخطاء الثورة والنهوض بالحزب ومؤسسات الدولة التي مازالو يقودونها بعقلية منتصف القرن الماضي..

إذاً فقد تحدث الزملاء النواب عن إعادة تأهيل المناطق الصناعية، وتخفيف شروط الترخيص في المناطق الآمنة، والقروض الصناعية، وتأمين الكهرباء والمحروقات للمعامل، وتشجيع الصناعات الطبية (وهي غير الصناعات الدوائية) ، وتفعيل الرقابة الصحية على الصناعات الغذائية والدوائية، وأسباب تهريب موسم القطن إلى تركيا ، وتشجيع المنتج المحلي بدلا من إغراق السوق بالمستورد، تطوير خطوط الإنتاج، واحتضان أفكار المخترعين الجدد، وعدم تعهيد بعض معامل الإسمنت لمستثمر خارجي، والكثير من القضايا الأخرى التي أجاب عنها السيد الحمو كما لو أنه يجري مقابلة صحفية، ولم يكن مقنعا في تبرير فضيحتين صناعيتين طرحهما الزملاء إحداهما حول معمل أحذية مصياف الذي يورد أحذية غير ملائمة للجيش، والثانية حول ملف فساد في الشركة العامة للصناعات الغذائية، كما لم يكن رده مقنعا حول إخفاق الوزارة في استجرار قطن الشمال الذي هرِّب إلى معامل تركيا..

وبعد ثلاث ساعات من الحوار عدنا إلى البيت غير مسرورين من مجمل ماسمعناه عن خراب الصناعة الوطنية، فتذكرت قصة لي بعنوان (التصحيح) نشرتها في جريدة "تشرين" قبل عشرين عاما، حيث يفرّ بطل القصة من "مشفى ابن سينا للأمراض العقلية" الذي يقع على الحدود بين (دولتي) دوما وحرستا السلفيتين، وتجري وقائع القصة على الطريق الواصل من العصفورية إلى مبنى الشركة الخماسية التي وقع عليها التأميم بعد ثورة آذار، حيث برز من جوف العتم حارس الخماسية مع كلمة (قف) للسيارة التي تقل البطل، ريثما تخرج سيارة حكومية من المبنى، فكانت فرصة لكي يختصر السائق للبطل قصة المعمل: فبعد مرور سنوات طويلة على التأميم أرسلو خبيرا لكي يدرس أسباب خسارة ميزانية المعمل الدائمة رغم أن الصناعة في العرف العام لاتخسر.. الخبير الذي ضاع بين أكوام الملفات انتبه إلى الآذن العجوز أبو محمد وهو يضع له فنجان القهوة، فسأله عن سنوات خدمته، فقال أبو محمد أنه موجود منذ تأسيس الشركة الخماسية .. الخبير: وهل كانت الشركة خاسرة قبل التأميم ؟ أبو محمد: كانت رابحة دائما.. الخبير: طيب، برأيك ، كيف صارت خاسرة بعد التأميم ؟! أبو محمد: أنت الخبير ياأستاذ مو أنا.. الخبير: أنت بتجربتك مع كل المدراء اللي مرو على المعمل، كيف بتشوف الأمر ؟ أبو محمد: بسلامة فهمك يا أستاذ، قبل التأميم كانت عين المدير عالمعمل وقفاه عالكرسي، وبعد التأميم صارت عين المدير عالكرسي وقفاه  عالمعمل.. وهاي هيي حكمة اليوم نقدمها للأخوة خبراء ومدراء وزارة الصناعة ..

  • فريق ماسة
  • 2016-10-17
  • 12223
  • من الأرشيف

نبيل صالح يوصّف ويستذكر: وزير الصناعة بدا ضعيف تحت قبة المجلس.. قبل التأميم كانت عين المدير عالمعمل وقفاه عالكرسي وبعده العكس

استضاف المجلس اليوم السيد أحمد الحمو وزير الصناعة، وقد كان الرجل ضعيفا في ردوده أمام النواب، فبدا كوزير مازال يرتدي لبوس المدير ، وقد لايكون كذلك في الجانب العملي، ولكني أوصّف وقائع الجلسة، حيث تناول الزملاء الواقع الصناعي البائس الذي لايليق بدولة قامت فيها ثورة باسم العمال والفلاحين منذ نصف قرن، ولانتحدث هنا عن المصانع الواقعة في المناطق الساخنة، وإنما عن حركة المنشآت الصناعية الموجودة تحت رعاية الدولة وقوانينها التي تسببت بإفلاس بعضها ومرض بعضها الآخر، ولا أضع اللوم على السيد الوزير الذي ورث آلية لم يحد عنها سوى الوزير المرحوم عصام الزعيم الذي قرر الخروج على السياق العام فكان كمن يمشي نحو حتفه.. ذلك أن ثورة آذار قامت باسم العمال والفلاحين، غير أن الطبقة الفلاحية غلبت على العمالية فأممت المعامل والعمال أيضا، ولو أن العمال قادوا الثورة لكانت أخذت طابعا مدنيا لاريفيا، وما كنا وصلنا إلى هذي الفوضى في القطاع الصناعي، ذلك أن بنية تفكير العمال مدنية وهي تفهم آلية الصناعة و التسويق، غير أن الفلاحين الذين قادوا المعامل أداروها بعقلية الحقل لا السوق فكان ماكان، وهذا بحث طويل فيما لو أراد الرفاق البعثيون مراجعة أخطاء الثورة والنهوض بالحزب ومؤسسات الدولة التي مازالو يقودونها بعقلية منتصف القرن الماضي.. إذاً فقد تحدث الزملاء النواب عن إعادة تأهيل المناطق الصناعية، وتخفيف شروط الترخيص في المناطق الآمنة، والقروض الصناعية، وتأمين الكهرباء والمحروقات للمعامل، وتشجيع الصناعات الطبية (وهي غير الصناعات الدوائية) ، وتفعيل الرقابة الصحية على الصناعات الغذائية والدوائية، وأسباب تهريب موسم القطن إلى تركيا ، وتشجيع المنتج المحلي بدلا من إغراق السوق بالمستورد، تطوير خطوط الإنتاج، واحتضان أفكار المخترعين الجدد، وعدم تعهيد بعض معامل الإسمنت لمستثمر خارجي، والكثير من القضايا الأخرى التي أجاب عنها السيد الحمو كما لو أنه يجري مقابلة صحفية، ولم يكن مقنعا في تبرير فضيحتين صناعيتين طرحهما الزملاء إحداهما حول معمل أحذية مصياف الذي يورد أحذية غير ملائمة للجيش، والثانية حول ملف فساد في الشركة العامة للصناعات الغذائية، كما لم يكن رده مقنعا حول إخفاق الوزارة في استجرار قطن الشمال الذي هرِّب إلى معامل تركيا.. وبعد ثلاث ساعات من الحوار عدنا إلى البيت غير مسرورين من مجمل ماسمعناه عن خراب الصناعة الوطنية، فتذكرت قصة لي بعنوان (التصحيح) نشرتها في جريدة "تشرين" قبل عشرين عاما، حيث يفرّ بطل القصة من "مشفى ابن سينا للأمراض العقلية" الذي يقع على الحدود بين (دولتي) دوما وحرستا السلفيتين، وتجري وقائع القصة على الطريق الواصل من العصفورية إلى مبنى الشركة الخماسية التي وقع عليها التأميم بعد ثورة آذار، حيث برز من جوف العتم حارس الخماسية مع كلمة (قف) للسيارة التي تقل البطل، ريثما تخرج سيارة حكومية من المبنى، فكانت فرصة لكي يختصر السائق للبطل قصة المعمل: فبعد مرور سنوات طويلة على التأميم أرسلو خبيرا لكي يدرس أسباب خسارة ميزانية المعمل الدائمة رغم أن الصناعة في العرف العام لاتخسر.. الخبير الذي ضاع بين أكوام الملفات انتبه إلى الآذن العجوز أبو محمد وهو يضع له فنجان القهوة، فسأله عن سنوات خدمته، فقال أبو محمد أنه موجود منذ تأسيس الشركة الخماسية .. الخبير: وهل كانت الشركة خاسرة قبل التأميم ؟ أبو محمد: كانت رابحة دائما.. الخبير: طيب، برأيك ، كيف صارت خاسرة بعد التأميم ؟! أبو محمد: أنت الخبير ياأستاذ مو أنا.. الخبير: أنت بتجربتك مع كل المدراء اللي مرو على المعمل، كيف بتشوف الأمر ؟ أبو محمد: بسلامة فهمك يا أستاذ، قبل التأميم كانت عين المدير عالمعمل وقفاه عالكرسي، وبعد التأميم صارت عين المدير عالكرسي وقفاه  عالمعمل.. وهاي هيي حكمة اليوم نقدمها للأخوة خبراء ومدراء وزارة الصناعة ..

المصدر : الماسة السورية/صفحة الاستاذ نبيل صالح


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة