دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
تتواصل المحادثات الروسية التركية على مختلف المستويات بعد قطيعة دامت عدة أشهر، وذلك بهدف إعادة العلاقات بين البلدين إلى ما كانت عليه قبل إسقاط المقاتلة الروسية في تشرين الثاني الماضي، في هذا الإطار طرح الكثير من الصحفيين والمتابعين للشأن الدولي التساؤل التالي، هل تتجه السياسة الخارجية التركية نحو التغيير؟، وهل يشمل ذلك التغيّر سورية؟، معبرين عن وجود حالة من التشتت لديهم فيما يتعلق بالمسار الجديد للسياسة الخارجية التركية الجديدة، خاصة بعدما تحسنت العلاقات التركية مع إسرائيل، بالإضافة الى أن هناك أقاويل تتحدث عن قرب تحسن علاقات أنقرة مع القاهرة الذي بات قاب قوسين أو أدنى. إن المباحثات التي أجراها الرئيس الروسي مع نظيره التركي قبل يومين في أنقرة، سمحت بتقريب تقييمات الجانبين بشأن الوضع الراهن في سورية وآخر المستجدات الميدانية المتعلقة بالأزمة السورية والإجراءات الضرورية لدعم نظام وقف العمليات القتالية، كما أكدا على عزمهما على تطوير الحوار ومواصلة التعاون بين وزارتي دفاع البلدين، ومن جانب آخر، وقعت تركيا وروسيا اتفاقاً لبناء خط أنابيب "تورك ستريم" لنقل الغاز الروسي إلى أوروبا عبر البحر الأسود، كما وأعلن بوتين فتح السوق الروسية أمام "الشركاء الأتراك"، لافتاً إلى "رفع حظر استيراد المنتجات الزراعية التركية"، وبالتالي فإن تعديل مسار العلاقات المنقطعة مع روسيا وتركيا كان أمراً ضرورياً لا بد منه في الوقت الحالي، مبرراً ذلك بالتكلفة الإقتصادية والسياسية التي مُنيت بها تركيا في الفترة السابقة نتيجة الإنقطاع. برغم كافة التعهدات والتعاون مما يدور بين تركيا وروسيا تبقى سورية خط صدعٍ رئيسي بينهما، فتركيا تشعر بغضب شديد تجاه حجم الدعم الجوي الذي توفره روسيا للقوات الحكومية السورية، ويصر أردوغان على رحيل الرئيس الأسد في أي تسوية سياسية، وترجيح الحل العسكري لإسقاط النظام السوري، وعلى الناحية الأخرى، تتهم روسيا تركيا بدعم القوى المتطرفة وأخواتها المتشددة ضد النظام السوري، ، لكننا اليوم لم نتفاجئ بأن الرئيس التركي الذي إحتضن المعارضة السورية المسلحة، وساهم بصعود قوة التيارات الإسلامية المتشددة والجهاديين وسهل مرور الأموال والاسلحة والمقاتلين اليهم، بالتراجع عن موقفه حيال سورية، الأمر الذي شكل صدمة كبيرة لحلفاء تركيا من المعارضة المسلحة، التي تتخذ من أنقرة قاعدة لإنطلاقها، فجهود تركيا في منع قيام منطقة للأكراد ذات حكم ذاتي في شمال سورية وسعيها لإصلاح سياستها الخارجية التي زادت من عزلتها في الداخل والخارج التي أصبحت عبئاً كبيراً على التحالف الأمريكي وحلفاؤه، كل ذلك أدت تغيير موقفها تجاه الأزمة. في سياق متصل إن الوجود الروسي العسكري في سورية وتمديد نشر القوات الجوية الروسية في قاعدة حميميم الجوية بالقرب من اللاذقية، والتنسيق الإيراني الروسي في سورية والتحول التركي واقترابها من موقف البلدين من الأزمة السورية سيترك معظم دول الخليج في موقف ضعيف وسيجردها من أي أوراق قد تلعبها في سورية في إطار صراعها الأوسع مع ايران، كون تركيا هي المنفذ الوحيد للدعم الخارجي للجماعات المسلحة في الشمال في ظل الحديث عن قبول تركيا إغلاق حدودها ومنع المقاتلين والأسلحة من التسلل والعبور إلى الأراضي السورية، هذا التحول في الموقف يمثل أيضاً إبتعاداً عن موقف هذه الدول التي تعتبر من أهم داعمي هذه الجماعات، كما يمثل إقتراباً من موقفي كل من روسيا وايران اللتين تؤكدان منذ بداية الأزمة السورية على أن مصير الأسد سيقرره السوريون أنفسهم. في ذات السياق إن الإستمرار لفترة طويلة في سياسة التصعيد التركية تجاه سورية، لها مردودات سلبية على الدولة التركية، التي تعاني من أزمات متعددة، فداخلياً، عادت مشكلات الأكراد للواجهة مرة أخرى، أما إقليميا حيث تتعثر خطوات أنقرة على الساحة السورية، بعد إنقلاب الدفة لصالح نظام الرئيس الأسد، فضلاً عن الاتهامات التي تتردد بشأن علاقة أنقرة بتنظيم "داعش" الإرهابي، والتي وصلت لدرجة الحديث عن دعمه ومساندته، وغض الطرف عن إنتهاكاته في المناطق القريبة من الأراضي التركية، وبالتالي فإن لغة المصالح هي التي ستحسم في النهاية الأزمة القائمة بينهما، وأن حالة التوترات السياسية لن تطول وهو ما من شأنه أن يصب في مصلحة مسار العلاقات بين هذين البلدين اللذين لهما وزنهما وثقلهما في المنطقة. وبإختصار شديد يمكن القول إن التقارب التركي من روسيا يعكس الرغبة في التوصل الى تفاهمات إقليمية جوهرية حول القضايا الخلافية بين البلدين، ولا نستغرب أن تمتد هذه التفاهمات الى الملفات الأخرى الشائكة، وبالتالي فإن هذه المفاجآة " عودة العلاقات التركية السورية الى مسارها الطبيعي، الأمر الذي سيحدث حالة من الإرتباك في إجتماعات منظومة أعداء سورية وربما تصيب الجماعات المسلحة وأخواتها بحالة من الإحباط والفشل، لذلك فأنا أعتقد أن الدلالات والمعطيات حول احتمال إجراء تغييرات لتركيا في داخلها وخارجها خاصة تجاه الازمة السورية ستتحقق، كون أن الأزمة السورية وصلت لمرحلة تؤثر فيها على أمن واستقرار تركيا، وفي ظل هذه التطورات لا بد لتركيا أن تتفق وتقدم تنازلات معينة تُراعى فيها مصالح جيرانها، لذلك فإن الوضع الراهن بسورية سيجبر تركيا وحلفاؤها على حل النزاع على المستوى الإقليمي، وحتى دون مشاركة الولايات المتحدة، وهذا الحل سيتوقف على الثلاثي الروسي التركي الإيراني وإمكانية توصله إلى اتفاق لحل الأزمة السورية قريباً. وأخيراً يجب عدم الشعور بخيبة الأمل من مستقبل سورية، فسورية دولة مهمة، وبالتالي فإن حلفائها وشركائها على المستويين الإقليمي والدولي لن يتركوها وحدها، خاصة أصدقاءها الروس والإيرانيين التي تربطها معهم علاقات متميزة على كافة الأصعدة وفي مختلف القضايا فضلاً أن هناك اتفاق كامل بينهما في معظم القضايا لمواجهة الإرهاب، لذلك إنه في الأيام القادمة لن يتفاجئ الكثير من المتابعين الدوليين للسياسة التركية، كيف أن أنقرة ستدير ظهرها لبعض من حلفاؤها الذين لا ثقل ولا مكان لهم في إستراتيجيتها وتطلب المساعدة من القيادة السورية القادرة على القضاء على داعش والقوى المتطرفة الأخرى، ومن هنا فإن الأيام المقبلة حاسمة، خاصة في الميدان الذي يميل لمصلحة الدولة السورية التي حسمت أمرها في التصدي للعدوان ومواصلة القتال حتى تحقيق النصر الذي يُبنى على نتائجه الكثير في المشهد الإقليمي والدولي.
المصدر :
خيام الزعبي
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة