يمكن القول إن رواية "أجنحة الفراشة" للكاتب المصري محمد سلماوي هي من الروايات النادرة التي تنبأت بحدوث عاصفة الغضب المصرية التي تضرب البلاد الآن، فقد صدرت هذه الرواية قبل وقت قصير فقط من ثورة الشباب التي هزت أركان نظام الرئيس حسني مبارك.

 وترسم "أجنحة الفراشة" سيناريو للاحتجاجات مشابهة تماما لتلك التي حدثت بعد 25 يناير/كانون الثاني حيث توقع سلماوي أن تتفاقم هذه الاحتجاجات، بفضل الهواتف المحمولة وتجمعات فيسبوك، والإنترنت، وتحاول الحكومة حسب الرواية أن تكشف عن مؤامرة مدعومة من الخارج لقلب نظام الحكم.

 ووفق الرواية تعتقل الحكومة جميع أقطاب المعارضة، كما تعتقل كل المتعاملين معهم، ومن ضمنهم مجموعة الشباب وقود العصيان المدني، ويمضى سيناريو الرواية إلى تخيل امتناع معظم الموظفين للذهاب إلى أعمالهم، وكذلك يغلق التجار أبواب محالهم، وتضطر الحكومة للاستقالة، فتبرز هيئة وطنية تعد لانتخابات حرة على مستوى البلاد.

سلماوي يقتحم في "أجنحة الفراشة" عوالم جديدة لم تتعرض لها الرواية المصرية من قبل، سواء على المستوى السياسي أو في التفاصيل الدقيقة للعلاقات الإنسانية.

فموضوع الرواية هو الحراك السياسي الذي تشهده البلاد في الوقت الحالي والذي يتوازى مع العلاقة الزوجية غير السوية لبطلة الرواية مصممة الأزياء الباحثة عن نفسها "ضحى الكنانى" وهي زوجة عضو قيادي بارز في الحزب الحاكم تتعرف صدفة على زعيم المعارضة لتنقلب حياتها رأسا على عقب.

 كما تقدم الرواية مجموعة من الشخصيات التي تسير في خطوط متوازية يربط بينها أنهم جميعا يبحثون عن تحقيق ذواتهم، وذلك في فترة تاريخية حرجة تشهد حراكا سياسيا غير مسبوق لبلد يبحث هو الآخر عن نفسه.

أحداث الرواية تتمحور في ثنائيات متوازية، فنجد من ناحية ضحى والدكتور أشرف والعلاقة الفكرية والعاطفية التي تنمو بينهما فتحدد مسار حياة كل منهما، كما نجد من ناحية أخرى أيمن وشقيقه عبد الصمد ومحاولة كل منهما البحث عن مستقبله.

 وعلى هذا التوازي نفسه في شخصيات الرواية نجد هناك توازيا آخر ما بين الشخصيات في بحثها عن نفسها وبين البلد الذي يمر هو الآخر بمرحلة البحث عن الذات، فتتشكل الحركات السياسية المطالبة بالتغيير وتنتشر المظاهرات في كل مكان.

وحين يصل الوطن إلى الخلاص أخيرا من حكم الحزب الفاسد والمتسلط يكون أيمن قد عثر على أمه التي كان يبحث عنها، وتكون ضحى قد تخلصت من زواجها الفاشل الذي فرض عليها رغما عنها فتحولت -حسب قولها- من يرقة رخوة لا حول لها ولا قوة إلى فراشة جميلة نما لها جناحان فصارت قادرة الآن -هي والوطن- على التحليق في السماء.

 إن "أجنحة الفراشة" هي رحلة خلاص مجتمع بأكمله من القيود التي تكبله والتي تحول دون تحقيق أبنائه لذواتهم، ولذلك فلم يكن غريبا أن تبدأ قصة كل من الشخصيتين الرئيسيتين للرواية بالسفر، فضحى تركب الطائرة إلى روما للمشاركة في العرض السنوي لأزياء الربيع، في الوقت الذي يتجه فيه أيمن إلى موقف أحمد حلمي قاصدا طنطا للبحث عن أمه.

 ولم يكن من قبيل المصادفة أن تعترض رحلة كل منهما قوات الشرطة وسيارات الأمن المركزي التي تسد الشوارع وتقف للمتظاهرين بالمرصاد.

 وتأتي رواية "أجنحة الفراشة" بعد عقدين من صدور رواية محمد سلماوي الأولى «الخرز الملون» التي كان لها بصمة مهمة في عالم الرواية العربية.

 

ويتولى سلماوي رئاسة اتحاد الأدباء المصريين، وهو الأمين العام للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب. وكان قد صدر له في عالم القصة ثماني مجموعات قصصية كانت آخرها "عشر برديات مصرية" (2010) و«إزيدورا والأتوبيس» (2008).

 وله مسرحيات عرضت بنجاح كبير في مصر وفى الخارج والتي من أشهرها «سالومى» التي نالت تقدير مهرجان جرش و«الجنزير» التي عرضت في باريس و«فوت علينا بكرة»، كما ترجمت أعمال سلماوي إلى اللغات الفرنسية والإنجليزية والإيطالية والألمانية.

  • فريق ماسة
  • 2011-02-07
  • 14728
  • من الأرشيف

رواية الكاتب محمد سلماوي "أجنحة الفراشة" تنبأت بأحداث مصر قبل حدوثها

يمكن القول إن رواية "أجنحة الفراشة" للكاتب المصري محمد سلماوي هي من الروايات النادرة التي تنبأت بحدوث عاصفة الغضب المصرية التي تضرب البلاد الآن، فقد صدرت هذه الرواية قبل وقت قصير فقط من ثورة الشباب التي هزت أركان نظام الرئيس حسني مبارك.  وترسم "أجنحة الفراشة" سيناريو للاحتجاجات مشابهة تماما لتلك التي حدثت بعد 25 يناير/كانون الثاني حيث توقع سلماوي أن تتفاقم هذه الاحتجاجات، بفضل الهواتف المحمولة وتجمعات فيسبوك، والإنترنت، وتحاول الحكومة حسب الرواية أن تكشف عن مؤامرة مدعومة من الخارج لقلب نظام الحكم.  ووفق الرواية تعتقل الحكومة جميع أقطاب المعارضة، كما تعتقل كل المتعاملين معهم، ومن ضمنهم مجموعة الشباب وقود العصيان المدني، ويمضى سيناريو الرواية إلى تخيل امتناع معظم الموظفين للذهاب إلى أعمالهم، وكذلك يغلق التجار أبواب محالهم، وتضطر الحكومة للاستقالة، فتبرز هيئة وطنية تعد لانتخابات حرة على مستوى البلاد. سلماوي يقتحم في "أجنحة الفراشة" عوالم جديدة لم تتعرض لها الرواية المصرية من قبل، سواء على المستوى السياسي أو في التفاصيل الدقيقة للعلاقات الإنسانية. فموضوع الرواية هو الحراك السياسي الذي تشهده البلاد في الوقت الحالي والذي يتوازى مع العلاقة الزوجية غير السوية لبطلة الرواية مصممة الأزياء الباحثة عن نفسها "ضحى الكنانى" وهي زوجة عضو قيادي بارز في الحزب الحاكم تتعرف صدفة على زعيم المعارضة لتنقلب حياتها رأسا على عقب.  كما تقدم الرواية مجموعة من الشخصيات التي تسير في خطوط متوازية يربط بينها أنهم جميعا يبحثون عن تحقيق ذواتهم، وذلك في فترة تاريخية حرجة تشهد حراكا سياسيا غير مسبوق لبلد يبحث هو الآخر عن نفسه. أحداث الرواية تتمحور في ثنائيات متوازية، فنجد من ناحية ضحى والدكتور أشرف والعلاقة الفكرية والعاطفية التي تنمو بينهما فتحدد مسار حياة كل منهما، كما نجد من ناحية أخرى أيمن وشقيقه عبد الصمد ومحاولة كل منهما البحث عن مستقبله.  وعلى هذا التوازي نفسه في شخصيات الرواية نجد هناك توازيا آخر ما بين الشخصيات في بحثها عن نفسها وبين البلد الذي يمر هو الآخر بمرحلة البحث عن الذات، فتتشكل الحركات السياسية المطالبة بالتغيير وتنتشر المظاهرات في كل مكان. وحين يصل الوطن إلى الخلاص أخيرا من حكم الحزب الفاسد والمتسلط يكون أيمن قد عثر على أمه التي كان يبحث عنها، وتكون ضحى قد تخلصت من زواجها الفاشل الذي فرض عليها رغما عنها فتحولت -حسب قولها- من يرقة رخوة لا حول لها ولا قوة إلى فراشة جميلة نما لها جناحان فصارت قادرة الآن -هي والوطن- على التحليق في السماء.  إن "أجنحة الفراشة" هي رحلة خلاص مجتمع بأكمله من القيود التي تكبله والتي تحول دون تحقيق أبنائه لذواتهم، ولذلك فلم يكن غريبا أن تبدأ قصة كل من الشخصيتين الرئيسيتين للرواية بالسفر، فضحى تركب الطائرة إلى روما للمشاركة في العرض السنوي لأزياء الربيع، في الوقت الذي يتجه فيه أيمن إلى موقف أحمد حلمي قاصدا طنطا للبحث عن أمه.  ولم يكن من قبيل المصادفة أن تعترض رحلة كل منهما قوات الشرطة وسيارات الأمن المركزي التي تسد الشوارع وتقف للمتظاهرين بالمرصاد.  وتأتي رواية "أجنحة الفراشة" بعد عقدين من صدور رواية محمد سلماوي الأولى «الخرز الملون» التي كان لها بصمة مهمة في عالم الرواية العربية.   ويتولى سلماوي رئاسة اتحاد الأدباء المصريين، وهو الأمين العام للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب. وكان قد صدر له في عالم القصة ثماني مجموعات قصصية كانت آخرها "عشر برديات مصرية" (2010) و«إزيدورا والأتوبيس» (2008).  وله مسرحيات عرضت بنجاح كبير في مصر وفى الخارج والتي من أشهرها «سالومى» التي نالت تقدير مهرجان جرش و«الجنزير» التي عرضت في باريس و«فوت علينا بكرة»، كما ترجمت أعمال سلماوي إلى اللغات الفرنسية والإنجليزية والإيطالية والألمانية.

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة