يعتبر البحر الأبيض المتوسط بوابة روسيا الرئيسية الى العالم، وهو البحر الذي يقع على طرفيه مضيق الدردنيل ومضيق جبل طارق وهما المضيقان اللذان يسهلان لروسيا حرية الحركة والتنقل من والى روسيا،

 

حيث ان العبور عبر بحر الشمال يمثل طريقًا صعبًا وطويلًا رغم انه احد الطرق الأساسية لتواصل روسيا مع العالم، ولكنه رغم ذلك لا يؤدي الغرض نفسه في تواصل روسيا مع الموانئ الأوروبية على البحر الأبيض المتوسط، اضافة الى ما تشكله قناة السويس من معبر هام لروسيا.

 

وعليه، فإنّ روسيا سعت منذ زمن الإتحاد السوفياتي الى تأمين مجالها الحيوي عبر مواطئ قدم بحرية في كل من سوريا والجزائر بشكل خاص، لقرب سوريا من مضيق الدردنيل وقرب الجزائر من مضيق جبل طارق ما يؤمن لروسيا حرية التدخل السريع والحفاظ على خطوط الربط البحرية مع الجغرافيا الروسية، ولهذا ايضًا يجب علينا ان نفهم اهمية شبه جزيرة القرم التي اختارت الإنضمام عبر استفتاء الى الإتحاد الروسي كونها تحتوي اهم واكبر الموانئ وهو ميناء سيباستوبول.

 

قد تبدو المقدمة غير مرتبطة بعنوان النص لكنها المقدمة التي لا بدّ منها للتعريف بمدى اهمية الوجود الروسي في سوريا واهمية سوريا بالنسبة الى روسيا لفهم طبيعة السياسة الروسية المتعلقة بالصراع الدائر في سوريا والمنطقة، والتي تنطلق من مبدأ الحفاظ على سوريا لحماية المجال الحيوي لروسيا حيث كان الهدف الرئيسي للمخطط الأميركي ولا زال هو تفكيك سوريا والهيمنة عليها تمهيدًا للإنتقال الى محاصرة روسيا والصين، وهو الهدف الثالث من المخطط الأميركي بعد تفكيك الإتحاد السوفياتي والمنطقة العربية.

 

المواقف الروسية من الحرب على سوريا ليست جديدة وهي ترتبط بما تم ذكره في المقدمة، حيث عمدت روسيا خارج الدعم العسكري والإقتصادي لسوريا الى استخدام حق النقض “الفيتو” اربع مرات منذ انطلاق الحرب مع الصين التي بدأت تتجه نحو سياسة جديدة بما يخص الحرب في سوريا ايضًا.

 

منذ عام من الآن دخلت روسيا على خط الحرب في سوريا بزخم عسكري كبير، تمثل في استقدام عدد كبير من أحدث مقاتلاتها وقاذفاتها التكتيكية والإستراتيجية اضافة الى عدد من قطعها البحرية واستخدامها لصواريخ كاليبر المجنحة، وهو يعني في مكان ما اضافة الى ما فعلته هذه القدرات العسكرية من تغيير في ميزان القوى وخرائط السيطرة الميدانية استعراضًا للقوة في رسائل واضحة للغرب وعلى رأسه اميركا ليرى روسيا الصاعدة والقوية والقادرة، في محاولة لرسم معالم عالم جديد قائم على تعدد الأقطاب بعد ان استطاعت اميركا لعقود من الزمن ان تستأثر بالعالم وحدها، ما انتج الكثير من المآسي الناتجة عن الحروب التي اطلقتها اميركا بهدف وضع اليد على مناطق الثروات والمجالات الحيوية للعالم.

 

الصورة الآن مختلفة كثيرًا، فلا روسيا بقيت تلك الدولة المثقلة بميراث الإتحاد السوفياتي المفكك ولا أميركا استطاعت ان تضمن قدراتها على السيطرة الأحادية على العالم، لهذا تبدو المرحلة الحالية معقدة وصعبة ومليئة بالتوتر المشحون بالكثير من الشرارات التي يمكن ان تذهب بالعالم الى حرب عالمية ثالثة يحرص كلا الجانبين على تجنبها، من خلال السعي الى تفاهمات تضمن عدم الذهاب الى الإشتباك المباشر بما يحمله من نتائج غير محمودة للجميع.

 

روسيا التي استطاعت ان تتحول الى لاعب دولي اساسي باتت تملك الكثير من الأوراق الضاغطة، وهي بعد سلسلة من التفاهمات مع الأميركيين باتت تدرك طبيعة السياسة الأميركية القائمة على الكذب والخداع، لتفتح الباب هذه الأيام على مصراعيه والوجهة التكتيكية هي حسم معركة حلب لفرض واقع جديد يمكن ان يشكل مدخلًا لحوار جدي يدفع الأمور باتجاه التسوية ان لم نقل الحل النهائي وابقاء الصراع في حدوده السياسية والديبلوماسية، بما يتعارض مع رغبة اميركا التي يبدو انها تتجه الى التصعيد من خلال تقديم المزيد من الدعم للجماعات المسلحة في سوريا.

 

روسيا التي تشرف على المشهد ومستجداته لن تقف مكتوفة الأيدي، وهذا ما ينبئ بمزيد من الدعم للدولة السورية وتفعيل عواصف السوخوي في المرحلة القادمة ووضع برامج مواجهة قائمة على فهم المتغيرات، ما يعني ان سلوكًا روسيًا مختلفًا سنراه قريبًا يقوم على التوازن بين الضغط في الميدان وابقاء ابواب الحوار مشرعة للوصول ربما الى اللقاء حول تفاهمات الحد الأدنى مع الإدارة الأميركية القادمة التي لا نعرف كيف ستكون توجهاتها على المستوى التفصيلي، رغم وضوح الجانب الإستراتيجي في سياسة الإدارة الأميركية القادمة كائنًا من كان الرئيس، وهو الإحتفاظ بنظرية الفوضى الخلاّقة التي تعتبر اساس حركة السياسات الأميركية لفترة قادمة ليست بالبسيطة.

 

روسيا التي استفادت من تجربتها في سوريا ستذهب الى مزيد من بلورة مكامن القوة مع حلفائها الأساسيين في الصراع، وأعني الدولة السورية وايران اضافة الى الصين التي ستجد نفسها مضطرة للدخول في العمل العسكري ولو بمشاركة رمزية، وهذا كله يعني ان الجميع يعمل على تحسين شروطه وامكانياته في صراع لا يبدو انه سينتهي في القريب والمتوسط المنظور.

  • فريق ماسة
  • 2016-09-30
  • 13495
  • من الأرشيف

ما هي الخطوة الروسية التالية في سورية ؟

يعتبر البحر الأبيض المتوسط بوابة روسيا الرئيسية الى العالم، وهو البحر الذي يقع على طرفيه مضيق الدردنيل ومضيق جبل طارق وهما المضيقان اللذان يسهلان لروسيا حرية الحركة والتنقل من والى روسيا،   حيث ان العبور عبر بحر الشمال يمثل طريقًا صعبًا وطويلًا رغم انه احد الطرق الأساسية لتواصل روسيا مع العالم، ولكنه رغم ذلك لا يؤدي الغرض نفسه في تواصل روسيا مع الموانئ الأوروبية على البحر الأبيض المتوسط، اضافة الى ما تشكله قناة السويس من معبر هام لروسيا.   وعليه، فإنّ روسيا سعت منذ زمن الإتحاد السوفياتي الى تأمين مجالها الحيوي عبر مواطئ قدم بحرية في كل من سوريا والجزائر بشكل خاص، لقرب سوريا من مضيق الدردنيل وقرب الجزائر من مضيق جبل طارق ما يؤمن لروسيا حرية التدخل السريع والحفاظ على خطوط الربط البحرية مع الجغرافيا الروسية، ولهذا ايضًا يجب علينا ان نفهم اهمية شبه جزيرة القرم التي اختارت الإنضمام عبر استفتاء الى الإتحاد الروسي كونها تحتوي اهم واكبر الموانئ وهو ميناء سيباستوبول.   قد تبدو المقدمة غير مرتبطة بعنوان النص لكنها المقدمة التي لا بدّ منها للتعريف بمدى اهمية الوجود الروسي في سوريا واهمية سوريا بالنسبة الى روسيا لفهم طبيعة السياسة الروسية المتعلقة بالصراع الدائر في سوريا والمنطقة، والتي تنطلق من مبدأ الحفاظ على سوريا لحماية المجال الحيوي لروسيا حيث كان الهدف الرئيسي للمخطط الأميركي ولا زال هو تفكيك سوريا والهيمنة عليها تمهيدًا للإنتقال الى محاصرة روسيا والصين، وهو الهدف الثالث من المخطط الأميركي بعد تفكيك الإتحاد السوفياتي والمنطقة العربية.   المواقف الروسية من الحرب على سوريا ليست جديدة وهي ترتبط بما تم ذكره في المقدمة، حيث عمدت روسيا خارج الدعم العسكري والإقتصادي لسوريا الى استخدام حق النقض “الفيتو” اربع مرات منذ انطلاق الحرب مع الصين التي بدأت تتجه نحو سياسة جديدة بما يخص الحرب في سوريا ايضًا.   منذ عام من الآن دخلت روسيا على خط الحرب في سوريا بزخم عسكري كبير، تمثل في استقدام عدد كبير من أحدث مقاتلاتها وقاذفاتها التكتيكية والإستراتيجية اضافة الى عدد من قطعها البحرية واستخدامها لصواريخ كاليبر المجنحة، وهو يعني في مكان ما اضافة الى ما فعلته هذه القدرات العسكرية من تغيير في ميزان القوى وخرائط السيطرة الميدانية استعراضًا للقوة في رسائل واضحة للغرب وعلى رأسه اميركا ليرى روسيا الصاعدة والقوية والقادرة، في محاولة لرسم معالم عالم جديد قائم على تعدد الأقطاب بعد ان استطاعت اميركا لعقود من الزمن ان تستأثر بالعالم وحدها، ما انتج الكثير من المآسي الناتجة عن الحروب التي اطلقتها اميركا بهدف وضع اليد على مناطق الثروات والمجالات الحيوية للعالم.   الصورة الآن مختلفة كثيرًا، فلا روسيا بقيت تلك الدولة المثقلة بميراث الإتحاد السوفياتي المفكك ولا أميركا استطاعت ان تضمن قدراتها على السيطرة الأحادية على العالم، لهذا تبدو المرحلة الحالية معقدة وصعبة ومليئة بالتوتر المشحون بالكثير من الشرارات التي يمكن ان تذهب بالعالم الى حرب عالمية ثالثة يحرص كلا الجانبين على تجنبها، من خلال السعي الى تفاهمات تضمن عدم الذهاب الى الإشتباك المباشر بما يحمله من نتائج غير محمودة للجميع.   روسيا التي استطاعت ان تتحول الى لاعب دولي اساسي باتت تملك الكثير من الأوراق الضاغطة، وهي بعد سلسلة من التفاهمات مع الأميركيين باتت تدرك طبيعة السياسة الأميركية القائمة على الكذب والخداع، لتفتح الباب هذه الأيام على مصراعيه والوجهة التكتيكية هي حسم معركة حلب لفرض واقع جديد يمكن ان يشكل مدخلًا لحوار جدي يدفع الأمور باتجاه التسوية ان لم نقل الحل النهائي وابقاء الصراع في حدوده السياسية والديبلوماسية، بما يتعارض مع رغبة اميركا التي يبدو انها تتجه الى التصعيد من خلال تقديم المزيد من الدعم للجماعات المسلحة في سوريا.   روسيا التي تشرف على المشهد ومستجداته لن تقف مكتوفة الأيدي، وهذا ما ينبئ بمزيد من الدعم للدولة السورية وتفعيل عواصف السوخوي في المرحلة القادمة ووضع برامج مواجهة قائمة على فهم المتغيرات، ما يعني ان سلوكًا روسيًا مختلفًا سنراه قريبًا يقوم على التوازن بين الضغط في الميدان وابقاء ابواب الحوار مشرعة للوصول ربما الى اللقاء حول تفاهمات الحد الأدنى مع الإدارة الأميركية القادمة التي لا نعرف كيف ستكون توجهاتها على المستوى التفصيلي، رغم وضوح الجانب الإستراتيجي في سياسة الإدارة الأميركية القادمة كائنًا من كان الرئيس، وهو الإحتفاظ بنظرية الفوضى الخلاّقة التي تعتبر اساس حركة السياسات الأميركية لفترة قادمة ليست بالبسيطة.   روسيا التي استفادت من تجربتها في سوريا ستذهب الى مزيد من بلورة مكامن القوة مع حلفائها الأساسيين في الصراع، وأعني الدولة السورية وايران اضافة الى الصين التي ستجد نفسها مضطرة للدخول في العمل العسكري ولو بمشاركة رمزية، وهذا كله يعني ان الجميع يعمل على تحسين شروطه وامكانياته في صراع لا يبدو انه سينتهي في القريب والمتوسط المنظور.

المصدر : عمر معربوني


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة