الوثائق التي نشرتها وزارة الخارجية الروسية تقطع الشك باليقين أن واشنطن تراجعت عن “التعاون مع موسكو” في سوريا على فصل النصرة و”داعش” عن الجماعات المسلّحة الأخرى.

 

وبهذا أفشلت واشنطن الاتفاق الروسي ــ الاميركي على التعاون لتهدئة جبهة حلب وإدخال المساعدات الانسانية للمحاصرين، لكنها أفشلت أيضاً “التعاون” في جهود حلٍّ سياسي مدخله معادلات حلب.

 

 

 

التراجع الأميركي ربما يشير إلى أن واشنطن لم تستطع احترام تعهداتها الميدانية مدخلاً للحل السياسي، بسبب رفض وزارة الدفاع الأميركية كما اتهمتها موسكو. لكن هذا الأمر يدلُّ على أن التعطيل يحمل في طيّاته مراهنات أخرى في مجرى التحالف الأميركي ــ السعودي، أملاً في تغيير المعادلات الميدانية على جبهة حلب خصوصاً.

 

فما أتاح التعويل الروسي على إمكانية حل سياسي متوازن بالتفاهم مع واشنطن، هو نجاح طوق حلب في إرساء معادلات التوازن السياسي. وهو توازن بحسب تفاهمات فيينا وميونيخ يؤدي إلى مرحلة انتقالية في حكومة وحدة وطنية أولويتها مواجهة الارهاب. وقد يكون تراجع واشنطن مراهنة أميركية ــ سعودية على كسر الطوق (أو أكثر)، تعويلاً على ما سماه مؤتمر “الهيئة العليا للتفاوض” في الرياض “مرحلة انتقالية من دون الأسد”. وهو ما تبناه مؤتمر لندن “لدول أصدقاء سوريا” لتعطيل دعوة موسكو لعرض الاتفاق الروسي ــ الاميركي على مجلس الأمن.

 

 

 

ميدانياً تصدّرت جبهة النصرة المعارك على جبهات حلب لتعطيل الاتفاق على ممرات الإغاثة الانسانية، كما تصدّرت تعطيل المحاولة التركية للتهدئة في حلب والتوجه مع حلفائها في أحرار الشام وبعض الجماعات الأخرى للدخول مع تركيا في درع الفرات ومعركة “الباب”. فجبهة حلب كما تراها النصرة وفق أبو محمد الجولاني، ترسم مصير سوريا والمنطقة في اتجاه سيطرة الجهاديين أو في اتجاه هزيمتهم. وفي هذا السياق تسعى النصرة لتكرار تجربة خان طومان في النفاذ من التجاذبات الروسية ــ الاميركية لتحشيد الجماعات المسلّحة في المراهنة على حلب. وهو الأمر الذي يدفع في المقابل موسكو والجيش السوري وحلفائه إلى منع نجاح التحشيد وإلى خوض معركة طاحنة أفضت إلى استعادة الجيش السوري حي الفرافرة شمالي غرب قلعة حلب.

 

 

 

بناء على هذه الوقائع في مراهنة واشنطن والسعودية على معركة حلب وتعطيل إمكانية ولوج الحل السياسي، يقول الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله إننا أمام انعدام أفق الحل السياسي. فالكلمة الفصل هي للميدان كما يوضح ولا وجود لمعارضة معتدلة بل هي جماعات “داعش” أو النصرة.

 

واللافت أن المتحدث الرسمي السابق باسم جماعة الأخوان المسلمين في سوريا زهير سالم يقرّ بهذا الواقع في دعوته للتظاهر في اسطنبول احتجاجاً على محاولة أنقرة شق حلفائها في معركة درع الفرات عن النصرة. كما أن واشنطن التي تعطّل الاتفاق مع موسكو بتعطيل التخلّي عن النصرة في فصلها عن الجماعات الأخرى، ربما تعطّله لأنها قد لا تجد أمامها غير”داعش” أو النصرة.

 

 

 

فبينما تأخذ واشنطن بآمالها طرد “داعش” من نينوى والموصل، مفتاحاً تفتح به طريق هيلاري كلنتون إلى البيت الأبيض، قد تكون النصرة جيشها الاحتياطي في سوريا.

 

في هذا السبيل تبدأ بتدمير الجسور التي تفصل بين ضفتي نهر الفرات كجسر الميادين والعشارة، متوقعة منع “داعش” من اكتساح “داعش” في تمدده من الرقة في حال هزيمته العراقية. بموازاة ذلك تشجّع دولاً حليفة غربية على تزويد النصرة وحلفائها بصواريخ “غراد” أكثر تطوراً مما وصل إلى سوريا حتى اليوم. وقد يكون الإعلان عن هذا الخبر مؤشراً أولياً على حماية النصرة ولا سيما في حلب، بتزويدها بأسلحة مضادة للطائرات حين تتجاوز المعركة الخطوط الحمراء.

 

 

 

في جلسة استماع أمام لجنة القوات المسلحة في الكونغرس الأميركي، يتوعّد رئيس هيئة الأركان المشتركَة “جوزيف دانفورد” بأنه “لدينا مجموعة واسعة من الخيارات العسكرية التي يمكن أن تساعد في تغيير الحسابات الروسية في سوريا”.

 

فهذه الحسابات هي ما اتفقت عليه موسكو مع واشنطن في التمهيد للحل السياسي. وتغيير هذه الحسابات يفضي إلى كلمة الفصل في الميدان حيث فشلت مراهنات تحالف واشنطن في تغيير المعادلات، وحيث دمار الحرب على ما نذوق في سوريا ونعلم.

  • فريق ماسة
  • 2016-09-28
  • 4384
  • من الأرشيف

“النصرة” جيش واشنطن الاحتياطي

الوثائق التي نشرتها وزارة الخارجية الروسية تقطع الشك باليقين أن واشنطن تراجعت عن “التعاون مع موسكو” في سوريا على فصل النصرة و”داعش” عن الجماعات المسلّحة الأخرى.   وبهذا أفشلت واشنطن الاتفاق الروسي ــ الاميركي على التعاون لتهدئة جبهة حلب وإدخال المساعدات الانسانية للمحاصرين، لكنها أفشلت أيضاً “التعاون” في جهود حلٍّ سياسي مدخله معادلات حلب.       التراجع الأميركي ربما يشير إلى أن واشنطن لم تستطع احترام تعهداتها الميدانية مدخلاً للحل السياسي، بسبب رفض وزارة الدفاع الأميركية كما اتهمتها موسكو. لكن هذا الأمر يدلُّ على أن التعطيل يحمل في طيّاته مراهنات أخرى في مجرى التحالف الأميركي ــ السعودي، أملاً في تغيير المعادلات الميدانية على جبهة حلب خصوصاً.   فما أتاح التعويل الروسي على إمكانية حل سياسي متوازن بالتفاهم مع واشنطن، هو نجاح طوق حلب في إرساء معادلات التوازن السياسي. وهو توازن بحسب تفاهمات فيينا وميونيخ يؤدي إلى مرحلة انتقالية في حكومة وحدة وطنية أولويتها مواجهة الارهاب. وقد يكون تراجع واشنطن مراهنة أميركية ــ سعودية على كسر الطوق (أو أكثر)، تعويلاً على ما سماه مؤتمر “الهيئة العليا للتفاوض” في الرياض “مرحلة انتقالية من دون الأسد”. وهو ما تبناه مؤتمر لندن “لدول أصدقاء سوريا” لتعطيل دعوة موسكو لعرض الاتفاق الروسي ــ الاميركي على مجلس الأمن.       ميدانياً تصدّرت جبهة النصرة المعارك على جبهات حلب لتعطيل الاتفاق على ممرات الإغاثة الانسانية، كما تصدّرت تعطيل المحاولة التركية للتهدئة في حلب والتوجه مع حلفائها في أحرار الشام وبعض الجماعات الأخرى للدخول مع تركيا في درع الفرات ومعركة “الباب”. فجبهة حلب كما تراها النصرة وفق أبو محمد الجولاني، ترسم مصير سوريا والمنطقة في اتجاه سيطرة الجهاديين أو في اتجاه هزيمتهم. وفي هذا السياق تسعى النصرة لتكرار تجربة خان طومان في النفاذ من التجاذبات الروسية ــ الاميركية لتحشيد الجماعات المسلّحة في المراهنة على حلب. وهو الأمر الذي يدفع في المقابل موسكو والجيش السوري وحلفائه إلى منع نجاح التحشيد وإلى خوض معركة طاحنة أفضت إلى استعادة الجيش السوري حي الفرافرة شمالي غرب قلعة حلب.       بناء على هذه الوقائع في مراهنة واشنطن والسعودية على معركة حلب وتعطيل إمكانية ولوج الحل السياسي، يقول الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله إننا أمام انعدام أفق الحل السياسي. فالكلمة الفصل هي للميدان كما يوضح ولا وجود لمعارضة معتدلة بل هي جماعات “داعش” أو النصرة.   واللافت أن المتحدث الرسمي السابق باسم جماعة الأخوان المسلمين في سوريا زهير سالم يقرّ بهذا الواقع في دعوته للتظاهر في اسطنبول احتجاجاً على محاولة أنقرة شق حلفائها في معركة درع الفرات عن النصرة. كما أن واشنطن التي تعطّل الاتفاق مع موسكو بتعطيل التخلّي عن النصرة في فصلها عن الجماعات الأخرى، ربما تعطّله لأنها قد لا تجد أمامها غير”داعش” أو النصرة.       فبينما تأخذ واشنطن بآمالها طرد “داعش” من نينوى والموصل، مفتاحاً تفتح به طريق هيلاري كلنتون إلى البيت الأبيض، قد تكون النصرة جيشها الاحتياطي في سوريا.   في هذا السبيل تبدأ بتدمير الجسور التي تفصل بين ضفتي نهر الفرات كجسر الميادين والعشارة، متوقعة منع “داعش” من اكتساح “داعش” في تمدده من الرقة في حال هزيمته العراقية. بموازاة ذلك تشجّع دولاً حليفة غربية على تزويد النصرة وحلفائها بصواريخ “غراد” أكثر تطوراً مما وصل إلى سوريا حتى اليوم. وقد يكون الإعلان عن هذا الخبر مؤشراً أولياً على حماية النصرة ولا سيما في حلب، بتزويدها بأسلحة مضادة للطائرات حين تتجاوز المعركة الخطوط الحمراء.       في جلسة استماع أمام لجنة القوات المسلحة في الكونغرس الأميركي، يتوعّد رئيس هيئة الأركان المشتركَة “جوزيف دانفورد” بأنه “لدينا مجموعة واسعة من الخيارات العسكرية التي يمكن أن تساعد في تغيير الحسابات الروسية في سوريا”.   فهذه الحسابات هي ما اتفقت عليه موسكو مع واشنطن في التمهيد للحل السياسي. وتغيير هذه الحسابات يفضي إلى كلمة الفصل في الميدان حيث فشلت مراهنات تحالف واشنطن في تغيير المعادلات، وحيث دمار الحرب على ما نذوق في سوريا ونعلم.

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة