وعد الرئيس السوري بشار الأسد بالعفو عن أي مسلح يرمي سلاحه ويسلم نفسه للأجهزة المختصة لتسوية وضعه. وفي حلب ثاني أكبر مدينة سورية حيث يحاصر الجيش السوري المجموعات الإرهابية المسلحة كان قد أعلن عن إقامة ممرات إنسانية ليستطيع من أراد تسليم نفسه العبور باتجاه مواقع الجيش السوري. ولكن قلائل هم الذين يجرؤون على العبور بسبب تهديد الإرهابيين لهم بالقتل.

 

 

 

وبالتعاون مع قوات الجيش السوري استطاع مراسل وكالة "نوفوستي" الروسية إجراء حديث مع بعض المقاتلين والمدنيين ممن تمكنوا من الخروج أحياءً وبمجموعات صغيرة (في حدود 30 شخصا إجمالا) من الأحياء الواقعة بشرق حلب والتي تخضع لسيطرة الإرهابيين.

 

 

 

هربنا ليلاً

 

تجمع الناس بعد خروجهم الناجح عند الحافلات. كتب الجنود الأسماء في قوائم، عندها وصل الأطباء لمعاينة الهاربين من الإرهابيين. وبعد كل هذه الإجراءات سيتم نقلهم إلى أماكن مؤقتة خاصة باللاجئين لتقديم الطعام الساخن لهم ومكان للراحة. وأثناء تسجيل الأسماء، طلبت النساء المياه والمساعدات الطبية لأطفالهم. وقالت فتاة وقد غطت وجهها بالنقاب: "لقد كنا نعلم أن مهمة الوصول إلى هنا فيها مخاطرة كبيرة، لقد هددونا بأخذ اطفالنا أو قتلنا. ولكن العيش معهم أصبح لا يطاق. لذلك تجمعنا بمجموعات صغيرة وانطلقنا في ظلام الليل مع أطفالنا باتجاه حاجز الجيش السوري. كان هذا مرعبا جداً." وقالت امرأة أخرى: "لقد أخذوا كل طعامنا، لم يتركوا لنا شيئاً، كل هذا لأن ليس لدينا رجال يقاتلون معهم. وكانوا يقولون إن جوعنا وقلة الطعام هي بسبب الجيش السوري، كنا نعرف أنهم كاذبون لذلك أتينا إلى الجيش السوري لنجد الأمان والطعام لأطفالنا ولم نكن مخطئين"

 

صدق وعده

 

يأخذني الضابط لنصبح على حدة ويخبرني بأنه أتى أيضاً مقاتلان إثنان ويتم الآن الاستجواب والتحقيق معهما. وهمس الضابط: "لقد علمت أنك تريد التحدث إلى المقاتلين، سوف نعطيك القليل من الوقت للحديث معهما. بعد إنهاء الاستجواب، سيرشدك الجندي إلى غرفة التحقيق، ليست ببعيدة من هنا." قاد الجندي بنا السيارة لمدة عشر دقائق، ثم وصلنا إلى مكان التحقيق. المكان محروس بشكل جيد، الكثير من الجنود وأبواب من حديد. دخلنا إلى إحدى الغرف وكان يجلس هناك رجلان في الأربعين من عمرهما يلبسان لباساً مدنياً وبدون لحى. قال لي العميد "مازن" (تم تغيير الإسم): "حسناً إذاً، لقد وعدتك وها أنا أوفي بوعدي. هذان الرجلان قررا رمي السلاح والعودة إلى الحياة المدنية، بإمكاننا الجلوس معهما لنشرب الشاي ونحادثهما" قاد الجنود المقاتلين إلى غرفة أخرى بدون توثيق أيديهما. الجو بشكل عام كان هادئا ولا يمكن التوقع بأنهما كانا إرهابيين.

 

أجبرونا على القتال

 

بدأ المقاتلان حديثهما بأنهما لم يقتلا أحداً. الأول كان يعبئ اسطوانات الغاز والآخر كان يقف على الحاجز.

 

بدأ الأول بالحديث: "عندما دخل "الجيش الحر" إلى منطقتنا وضعونا أمام خيارين، إما نقاتل معهم أو نحن أعداؤهم. لكنني لم أقتل أحداً. كنت أقوم بتعبئة اسطوانات الغاز وأعيل عائلتي"

 

وأكمل الآخر "في الشهرين الأخيرين تغير الوضع في المناطق الشرقية لمدينة حلب، حيث دخلت "جبهة النصرة" وكتائب "نور الدين زنكي" ومجموعات متشددة أخرى ليحلوا محل "الجيش الحر". الآن في هذه الأثناء في المناطق الشرقية يوجد قادة من السعودية ومصر. دائماً كانوا يخطبون في الجوامع ويحثونا على حمل السلاح وإلا سيكون هذا السلاح موجهاً ضدنا" كان الرجلان يحاولان ألا يتكلما كثيراً بالتفاصيل، خوفاً من أن يسجل حديثهما ويستخدم ضدهما. وقال العميد مازن بكل ثقة وهو ينظر إلى الرجلين: "لا شيء يخفى لوقت طويل، الناس هنا كلهم يعرفون بعضهم بعضاً، وعندما ستتحرر المنطقة وسيتم تأمين الأهالي سوف يخبرونا، من قتل الأطفال والنساء ومن كان يعبئ اسطوانات الغاز. لكن الإرهابيين الأجانب، هنا لا مكان لهم"

 

كنا ننتظر أن يتغير الوضع إلى الأفضل

 

قال الرجل الآخر "الكثير من رجال المنطقة الشرقية لحلب لا يريدون القتال، ولكن لعدة أعوام كانوا يقولون لنا إنه إذا رمينا السلاح فإن الجيش سوف يقتلنا في السجون. ولكن كان لدينا شك بهذا الكلام ولذلك أتينا إلى هنا، أريد القول أنني ما زلت خائفاً، وعندما بدأت "الثورة" كنت من داعميها ولكن لم أكن لأدعم المتشددين والأجانب. أردت كما الكثيرين أن يتم تغيير في البلاد إلى الأفضل " الرجلان، على حد قولهما، لم يكونا راضيين عن السياسة الداخلية للحزب الحاكم، ولكن لم يتوقعا أبداً أن تصل الأمور إلى هذه الدرجة وأن يملأ الحي الذي يعيشان فيه بالأجانب المرتزقة من مختلف دول العالم أو أن يجبرا على العيش بقانون "الشريعة" الذي أتى به هؤلاء الأجانب. بعد جلوس "الثائرين" في مقر الاستجواب والتحقيق معنا لمدة ساعة كانا قد اعتادا الجو، وقالا للمحقق بأنهما جاهزان للإتصال بأصدقائهما وإخبارهم بأنهما غير محتجزين والعفو الرئاسي حقيقي وليس أسطورة أو كذبة. يوجد في المناطق الشرقية لمدينة حلب 200-300 ألف مدني. أغلبية السوريين الذين حملوا السلاح لعدة سنوات أصبحوا الآن تحت قيادات أجنبية متشددة إرهابية لأسباب عدة. الكثير منهم بسبب المبالغ المالية التي تدفع لهم، آخرون لخوفهم على حياتهم وحياة أقربائهم، والباقون بسبب غسيل الأدمغة الممنهج الذي تمارسه هذه المجموعات الإرهابية على الشباب. وأثناء خروجنا من مقر الاستجواب والتحقيق أضاف العميد مازن: "الكثيرون ممن مروا على قسمنا كانوا يؤكدون أن الحياة تحت وطأة هؤلاء المتشددين الأجانب لم تعد محتملة، حتى أولئك الذين يعتبرون متشددين من السوريين بدأوا بفضح القصص التي تحكي عن "مجازر" الجيش بحق المدنيين" " وأبدى العميد أمله بأن هذين الرجلين سوف يكتشفان الفرق بين الحياة المدنية وحياة الإرهاب ولعلهما سيتواصلان مع أصدقائهما هناك لإقناعهم برمي السلاح والعودة إلى الحياة المدنية، ما سينقذ حياة الكثير من الناس وقد يسرّع من إنهاء الحرب التي أخذت أرواح مئات الآلاف من السوريين.

 

  • فريق ماسة
  • 2016-09-22
  • 9866
  • من الأرشيف

ماذا قال الهاربون من "جبهة النصرة" في حلب الشرقية؟

وعد الرئيس السوري بشار الأسد بالعفو عن أي مسلح يرمي سلاحه ويسلم نفسه للأجهزة المختصة لتسوية وضعه. وفي حلب ثاني أكبر مدينة سورية حيث يحاصر الجيش السوري المجموعات الإرهابية المسلحة كان قد أعلن عن إقامة ممرات إنسانية ليستطيع من أراد تسليم نفسه العبور باتجاه مواقع الجيش السوري. ولكن قلائل هم الذين يجرؤون على العبور بسبب تهديد الإرهابيين لهم بالقتل.       وبالتعاون مع قوات الجيش السوري استطاع مراسل وكالة "نوفوستي" الروسية إجراء حديث مع بعض المقاتلين والمدنيين ممن تمكنوا من الخروج أحياءً وبمجموعات صغيرة (في حدود 30 شخصا إجمالا) من الأحياء الواقعة بشرق حلب والتي تخضع لسيطرة الإرهابيين.       هربنا ليلاً   تجمع الناس بعد خروجهم الناجح عند الحافلات. كتب الجنود الأسماء في قوائم، عندها وصل الأطباء لمعاينة الهاربين من الإرهابيين. وبعد كل هذه الإجراءات سيتم نقلهم إلى أماكن مؤقتة خاصة باللاجئين لتقديم الطعام الساخن لهم ومكان للراحة. وأثناء تسجيل الأسماء، طلبت النساء المياه والمساعدات الطبية لأطفالهم. وقالت فتاة وقد غطت وجهها بالنقاب: "لقد كنا نعلم أن مهمة الوصول إلى هنا فيها مخاطرة كبيرة، لقد هددونا بأخذ اطفالنا أو قتلنا. ولكن العيش معهم أصبح لا يطاق. لذلك تجمعنا بمجموعات صغيرة وانطلقنا في ظلام الليل مع أطفالنا باتجاه حاجز الجيش السوري. كان هذا مرعبا جداً." وقالت امرأة أخرى: "لقد أخذوا كل طعامنا، لم يتركوا لنا شيئاً، كل هذا لأن ليس لدينا رجال يقاتلون معهم. وكانوا يقولون إن جوعنا وقلة الطعام هي بسبب الجيش السوري، كنا نعرف أنهم كاذبون لذلك أتينا إلى الجيش السوري لنجد الأمان والطعام لأطفالنا ولم نكن مخطئين"   صدق وعده   يأخذني الضابط لنصبح على حدة ويخبرني بأنه أتى أيضاً مقاتلان إثنان ويتم الآن الاستجواب والتحقيق معهما. وهمس الضابط: "لقد علمت أنك تريد التحدث إلى المقاتلين، سوف نعطيك القليل من الوقت للحديث معهما. بعد إنهاء الاستجواب، سيرشدك الجندي إلى غرفة التحقيق، ليست ببعيدة من هنا." قاد الجندي بنا السيارة لمدة عشر دقائق، ثم وصلنا إلى مكان التحقيق. المكان محروس بشكل جيد، الكثير من الجنود وأبواب من حديد. دخلنا إلى إحدى الغرف وكان يجلس هناك رجلان في الأربعين من عمرهما يلبسان لباساً مدنياً وبدون لحى. قال لي العميد "مازن" (تم تغيير الإسم): "حسناً إذاً، لقد وعدتك وها أنا أوفي بوعدي. هذان الرجلان قررا رمي السلاح والعودة إلى الحياة المدنية، بإمكاننا الجلوس معهما لنشرب الشاي ونحادثهما" قاد الجنود المقاتلين إلى غرفة أخرى بدون توثيق أيديهما. الجو بشكل عام كان هادئا ولا يمكن التوقع بأنهما كانا إرهابيين.   أجبرونا على القتال   بدأ المقاتلان حديثهما بأنهما لم يقتلا أحداً. الأول كان يعبئ اسطوانات الغاز والآخر كان يقف على الحاجز.   بدأ الأول بالحديث: "عندما دخل "الجيش الحر" إلى منطقتنا وضعونا أمام خيارين، إما نقاتل معهم أو نحن أعداؤهم. لكنني لم أقتل أحداً. كنت أقوم بتعبئة اسطوانات الغاز وأعيل عائلتي"   وأكمل الآخر "في الشهرين الأخيرين تغير الوضع في المناطق الشرقية لمدينة حلب، حيث دخلت "جبهة النصرة" وكتائب "نور الدين زنكي" ومجموعات متشددة أخرى ليحلوا محل "الجيش الحر". الآن في هذه الأثناء في المناطق الشرقية يوجد قادة من السعودية ومصر. دائماً كانوا يخطبون في الجوامع ويحثونا على حمل السلاح وإلا سيكون هذا السلاح موجهاً ضدنا" كان الرجلان يحاولان ألا يتكلما كثيراً بالتفاصيل، خوفاً من أن يسجل حديثهما ويستخدم ضدهما. وقال العميد مازن بكل ثقة وهو ينظر إلى الرجلين: "لا شيء يخفى لوقت طويل، الناس هنا كلهم يعرفون بعضهم بعضاً، وعندما ستتحرر المنطقة وسيتم تأمين الأهالي سوف يخبرونا، من قتل الأطفال والنساء ومن كان يعبئ اسطوانات الغاز. لكن الإرهابيين الأجانب، هنا لا مكان لهم"   كنا ننتظر أن يتغير الوضع إلى الأفضل   قال الرجل الآخر "الكثير من رجال المنطقة الشرقية لحلب لا يريدون القتال، ولكن لعدة أعوام كانوا يقولون لنا إنه إذا رمينا السلاح فإن الجيش سوف يقتلنا في السجون. ولكن كان لدينا شك بهذا الكلام ولذلك أتينا إلى هنا، أريد القول أنني ما زلت خائفاً، وعندما بدأت "الثورة" كنت من داعميها ولكن لم أكن لأدعم المتشددين والأجانب. أردت كما الكثيرين أن يتم تغيير في البلاد إلى الأفضل " الرجلان، على حد قولهما، لم يكونا راضيين عن السياسة الداخلية للحزب الحاكم، ولكن لم يتوقعا أبداً أن تصل الأمور إلى هذه الدرجة وأن يملأ الحي الذي يعيشان فيه بالأجانب المرتزقة من مختلف دول العالم أو أن يجبرا على العيش بقانون "الشريعة" الذي أتى به هؤلاء الأجانب. بعد جلوس "الثائرين" في مقر الاستجواب والتحقيق معنا لمدة ساعة كانا قد اعتادا الجو، وقالا للمحقق بأنهما جاهزان للإتصال بأصدقائهما وإخبارهم بأنهما غير محتجزين والعفو الرئاسي حقيقي وليس أسطورة أو كذبة. يوجد في المناطق الشرقية لمدينة حلب 200-300 ألف مدني. أغلبية السوريين الذين حملوا السلاح لعدة سنوات أصبحوا الآن تحت قيادات أجنبية متشددة إرهابية لأسباب عدة. الكثير منهم بسبب المبالغ المالية التي تدفع لهم، آخرون لخوفهم على حياتهم وحياة أقربائهم، والباقون بسبب غسيل الأدمغة الممنهج الذي تمارسه هذه المجموعات الإرهابية على الشباب. وأثناء خروجنا من مقر الاستجواب والتحقيق أضاف العميد مازن: "الكثيرون ممن مروا على قسمنا كانوا يؤكدون أن الحياة تحت وطأة هؤلاء المتشددين الأجانب لم تعد محتملة، حتى أولئك الذين يعتبرون متشددين من السوريين بدأوا بفضح القصص التي تحكي عن "مجازر" الجيش بحق المدنيين" " وأبدى العميد أمله بأن هذين الرجلين سوف يكتشفان الفرق بين الحياة المدنية وحياة الإرهاب ولعلهما سيتواصلان مع أصدقائهما هناك لإقناعهم برمي السلاح والعودة إلى الحياة المدنية، ما سينقذ حياة الكثير من الناس وقد يسرّع من إنهاء الحرب التي أخذت أرواح مئات الآلاف من السوريين.  

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة