تتزايد منذ بضعة أشهر الهزائم العسكرية التي تلحق بتنظيم داعش في كل من سورية والعراق . وصارت  « خلافة « أبو بكر البغدادي على ما يبدو في طور الاحتضار.

بينما يسجل الوضع العسكري في ليبيا بعض الإيجابيات , حيث باتت السيطرة على مدينة سيرت من قبل القوات الحكومية قاب قوسين أو أدنى . وهذا يدفعنا للتساؤل : هل يعني ذلك نهاية داعش وعروض مجازرها وإعداماتها الإعلامية وأعمال دمارها ؟ ولكن تقودنا حادثة قتل عنصري الشرطة في باريس على يد إرهابي ينتمي لداعش , وقبلها ببضع ساعات أقدم إرهابي آخر على قتل 50 شخصاً في ملهى ليلي في اورلاندو إلى استنتاج آخر بعيد عن مسألة نهاية هذا التنظيم . ففي الحادثتين , كان يكفي قيام أي شخص بمفرده يحمل سكيناً أو بندقية أن يشن هجوماً على أهداف مختارة مدعياً أنه من تنظيم داعش .

 وللمفارقة , أنه كلما تقلصت مساحة الأراضي التي تسيطر عليها داعش , كلما ازدادت وتيرة أعمالها الإرهابية في مدننا الأوروبية . فقد انعكست  هزيمة داعش لدى سعيها للسيطرة على مدينة ( كوباني ) عين العرب الواقعة على الحدود السورية – التركية في شهر كانون الثاني من عام 2015 على الفور إلى هجمات نفذها التنظيم في العاصمة الفرنسية باريس مستهدفاً صحيفة شارلي ايبدو , ومهاجمة متجر هيبركاشير . وقد اتاح اندفاعهم المدوي في عملياتهم الهجومية إلى إخفاء إحدى الهزائم الأولية الرئيسية للتنظيم في استراتيجيته في الغزو البري . البعض يشير إلى ظهور ما دعوه الإرهاب « المنخفض التكاليف « أو « جهاد الفقير» من أجل تحديد شكل جديد للإرهاب المستند على موارد بشرية ومادية قليلة , والبعيد كل البعد عن مشاهد اعتداءات 11 أيلول الفظيعة والمدهشة .‏

 والسؤال المطروح : هل هذه الأوصاف هي الأكثر ملاءمة لتحديد الشكل الجديد للإرهاب بنسخته الداعشية ؟ ألسنا أمام نوع من التأقلم مع وسائل ما  لتبني استراتيجية جديدة تستند على أهداف وأغراض مختلفة ؟ أي استراتيجية جهادية بأهداف جديدة . وهي تجنيد مقاتلين ليس للقتال في سورية والعراق , وإنما لتنفيذ أعمال قتل في دول أوروبية وأميركية . في فيديو تم بثه في شهر أيلول عام 2014 أعلن أبو محمد العدناني , الناطق الرسمي باسم داعش قائلاً « في حال لم تعثروا على القنبلة المتفجرة أو على الذخائر , حددوا الأميركي الكافر أو الفرنسي الكافر أو أي من حلفائهم واهرسوا رأسه بحجر , اقتلوه بسكين ادهسوه بسيارتكم وارموه في الفراغ خنقاً أو مسموماً . «‏

 ونظراً لأن الاحتلال البري بالنسبة لداعش في الوقت الحالي أصبح من المستحيل . فإن الرعب والترهيب هما دون شك استراتيجية من أجل كسب الوقت وتغيير الرأي العام في الدول الأوروبية والولايات المتحدة لوقف المعارك في سورية والعراق . ويعتمد هذا النوع من الرعب بشكل أكثر على السهولة والسرعة وتكرار الأعمال الإرهابية بكثرة وخلال مدد متقاربة . وأستطيع القول الاعتماد على التقارب بين الأهداف والمهاجمين . إننا نشهد نوعاً جديداً من أشكال عصابات المدن , إرهاب من نوع « اقتل بشكل سريع وسهل ( القتل بين يديك ) .‏

 هذا وقد تمدد « جهاد الإرهاب « بفضل تقنيات الشبكة العنكبوتية والقدرات الهائلة لمواقع التواصل الاجتماعي ليصبح عالمياً . والخلافة التي يدعونها تكيفت مع تلك التقنيات وأصبحت خلافة سيبرالية , وباتت خطيرة إلى درجة بات من الصعب كشفها وتقريباً صعب الإمساك بها . وغالباً يكون أولئك المقاتلون في صفوف هذا النوع الجديد من الحرب وفي بلداننا الأوروبية من المجرمين الجناة المولودين أو الناشئين في فرنسا . وقد جرى تجنيدهم عن طريق مساجد سرية أو في السجون . وليسوا بحاجة للذهاب للقتال في سورية لكي يصبحوا من فرسان داعش . ومكسب هؤلاء المقاتلين الجدد تكمن بشكل أساسي في تفاهة العبور بالنسبة لهم إلى العمل الجرمي , وفي سهولة حصولهم على السلاح والمتفجرات ولا سيما قدراتهم في الاستفادة من التواطؤ معهم  ومن شبكات التواصل الاجتماعي .‏

 وكذلك صار من الصعب على الأجهزة المكلفة بمكافحة الإرهاب كشف هؤلاء لأنهم لم يمروا من مربع سورية أو العراق . والهجمات التي تتعرض لها الشرطة أو الجيش ليست بالضرورة جميعها منسوبة إلى داعش , بل ثمة تنظيمات إرهابية استهدفت في الماضي قوى الأمن . ففي عام 1968 قتلت منظمة الايتا في إقليم الباسك الاسباني حارساً في مدينة سيباستيان . وفي عام 2009 ادعى الجيش الجمهوري الايرلندي في ايرلندا قتله جنديين وشرطي .‏

 ولا تعتبر الاعتداءات الإرهابية التي تتعرض لها قوى الشرطة في فرنسا بالجديدة . فقد ارتكبت عصابة روبيه في عام 1996 , وهي القريبة من تنظيم القاعدة والمؤلفة من بضع عشرات الأفراد والذين قاتلوا في البوسنة في عام 1994 – 1995 العشرات من عمليات السطو بهدف تمويل الحرب المقدسة لديهم. وقد أدت محاولتهم في تفجير سيارة مفخخة أمام مركز شرطة مدينة ليل قبيل اجتماع مجموعة دول السبع بيومين إلى تدخل وحدة  RAID ومقتل أربعة أشخاص من العصابة بينما تمكن الباقون من الفرار قبل أن يتم إلقاء القبض عليهم بعد تلك الحادثة ببضعة أعوام . وذهب بعض إرهابيي مرسيليا إلى أبعد من ذلك خلال أعوام التسعينات , حيث أعدوا لعمليات خطف وتعذيب عناصر شرطة وعائلاتهم من أجل الحصول على معلومات حول التحقيقات الجارية حينها .‏

 لقد أثبتت حادثة قتل الشرطي وزوجته في مدينة مانانفيل عن تصميم داعش الاعتداء على أولئك الذين يدافعون عن قيمنا وقوانيننا . ومن خلال التعرض لعائلات الشرطة يسعى داعش لإضعاف الروح القتالية لدى أولئك الشرطة وفعاليتهم في محاربة الإرهاب.‏

  • فريق ماسة
  • 2016-07-01
  • 6954
  • من الأرشيف

عن صحيفة لوموند| « بأقل تكلفة».. استراتيجية جديدة للإرهابيين في أوروبا

تتزايد منذ بضعة أشهر الهزائم العسكرية التي تلحق بتنظيم داعش في كل من سورية والعراق . وصارت  « خلافة « أبو بكر البغدادي على ما يبدو في طور الاحتضار. بينما يسجل الوضع العسكري في ليبيا بعض الإيجابيات , حيث باتت السيطرة على مدينة سيرت من قبل القوات الحكومية قاب قوسين أو أدنى . وهذا يدفعنا للتساؤل : هل يعني ذلك نهاية داعش وعروض مجازرها وإعداماتها الإعلامية وأعمال دمارها ؟ ولكن تقودنا حادثة قتل عنصري الشرطة في باريس على يد إرهابي ينتمي لداعش , وقبلها ببضع ساعات أقدم إرهابي آخر على قتل 50 شخصاً في ملهى ليلي في اورلاندو إلى استنتاج آخر بعيد عن مسألة نهاية هذا التنظيم . ففي الحادثتين , كان يكفي قيام أي شخص بمفرده يحمل سكيناً أو بندقية أن يشن هجوماً على أهداف مختارة مدعياً أنه من تنظيم داعش .  وللمفارقة , أنه كلما تقلصت مساحة الأراضي التي تسيطر عليها داعش , كلما ازدادت وتيرة أعمالها الإرهابية في مدننا الأوروبية . فقد انعكست  هزيمة داعش لدى سعيها للسيطرة على مدينة ( كوباني ) عين العرب الواقعة على الحدود السورية – التركية في شهر كانون الثاني من عام 2015 على الفور إلى هجمات نفذها التنظيم في العاصمة الفرنسية باريس مستهدفاً صحيفة شارلي ايبدو , ومهاجمة متجر هيبركاشير . وقد اتاح اندفاعهم المدوي في عملياتهم الهجومية إلى إخفاء إحدى الهزائم الأولية الرئيسية للتنظيم في استراتيجيته في الغزو البري . البعض يشير إلى ظهور ما دعوه الإرهاب « المنخفض التكاليف « أو « جهاد الفقير» من أجل تحديد شكل جديد للإرهاب المستند على موارد بشرية ومادية قليلة , والبعيد كل البعد عن مشاهد اعتداءات 11 أيلول الفظيعة والمدهشة .‏  والسؤال المطروح : هل هذه الأوصاف هي الأكثر ملاءمة لتحديد الشكل الجديد للإرهاب بنسخته الداعشية ؟ ألسنا أمام نوع من التأقلم مع وسائل ما  لتبني استراتيجية جديدة تستند على أهداف وأغراض مختلفة ؟ أي استراتيجية جهادية بأهداف جديدة . وهي تجنيد مقاتلين ليس للقتال في سورية والعراق , وإنما لتنفيذ أعمال قتل في دول أوروبية وأميركية . في فيديو تم بثه في شهر أيلول عام 2014 أعلن أبو محمد العدناني , الناطق الرسمي باسم داعش قائلاً « في حال لم تعثروا على القنبلة المتفجرة أو على الذخائر , حددوا الأميركي الكافر أو الفرنسي الكافر أو أي من حلفائهم واهرسوا رأسه بحجر , اقتلوه بسكين ادهسوه بسيارتكم وارموه في الفراغ خنقاً أو مسموماً . «‏  ونظراً لأن الاحتلال البري بالنسبة لداعش في الوقت الحالي أصبح من المستحيل . فإن الرعب والترهيب هما دون شك استراتيجية من أجل كسب الوقت وتغيير الرأي العام في الدول الأوروبية والولايات المتحدة لوقف المعارك في سورية والعراق . ويعتمد هذا النوع من الرعب بشكل أكثر على السهولة والسرعة وتكرار الأعمال الإرهابية بكثرة وخلال مدد متقاربة . وأستطيع القول الاعتماد على التقارب بين الأهداف والمهاجمين . إننا نشهد نوعاً جديداً من أشكال عصابات المدن , إرهاب من نوع « اقتل بشكل سريع وسهل ( القتل بين يديك ) .‏  هذا وقد تمدد « جهاد الإرهاب « بفضل تقنيات الشبكة العنكبوتية والقدرات الهائلة لمواقع التواصل الاجتماعي ليصبح عالمياً . والخلافة التي يدعونها تكيفت مع تلك التقنيات وأصبحت خلافة سيبرالية , وباتت خطيرة إلى درجة بات من الصعب كشفها وتقريباً صعب الإمساك بها . وغالباً يكون أولئك المقاتلون في صفوف هذا النوع الجديد من الحرب وفي بلداننا الأوروبية من المجرمين الجناة المولودين أو الناشئين في فرنسا . وقد جرى تجنيدهم عن طريق مساجد سرية أو في السجون . وليسوا بحاجة للذهاب للقتال في سورية لكي يصبحوا من فرسان داعش . ومكسب هؤلاء المقاتلين الجدد تكمن بشكل أساسي في تفاهة العبور بالنسبة لهم إلى العمل الجرمي , وفي سهولة حصولهم على السلاح والمتفجرات ولا سيما قدراتهم في الاستفادة من التواطؤ معهم  ومن شبكات التواصل الاجتماعي .‏  وكذلك صار من الصعب على الأجهزة المكلفة بمكافحة الإرهاب كشف هؤلاء لأنهم لم يمروا من مربع سورية أو العراق . والهجمات التي تتعرض لها الشرطة أو الجيش ليست بالضرورة جميعها منسوبة إلى داعش , بل ثمة تنظيمات إرهابية استهدفت في الماضي قوى الأمن . ففي عام 1968 قتلت منظمة الايتا في إقليم الباسك الاسباني حارساً في مدينة سيباستيان . وفي عام 2009 ادعى الجيش الجمهوري الايرلندي في ايرلندا قتله جنديين وشرطي .‏  ولا تعتبر الاعتداءات الإرهابية التي تتعرض لها قوى الشرطة في فرنسا بالجديدة . فقد ارتكبت عصابة روبيه في عام 1996 , وهي القريبة من تنظيم القاعدة والمؤلفة من بضع عشرات الأفراد والذين قاتلوا في البوسنة في عام 1994 – 1995 العشرات من عمليات السطو بهدف تمويل الحرب المقدسة لديهم. وقد أدت محاولتهم في تفجير سيارة مفخخة أمام مركز شرطة مدينة ليل قبيل اجتماع مجموعة دول السبع بيومين إلى تدخل وحدة  RAID ومقتل أربعة أشخاص من العصابة بينما تمكن الباقون من الفرار قبل أن يتم إلقاء القبض عليهم بعد تلك الحادثة ببضعة أعوام . وذهب بعض إرهابيي مرسيليا إلى أبعد من ذلك خلال أعوام التسعينات , حيث أعدوا لعمليات خطف وتعذيب عناصر شرطة وعائلاتهم من أجل الحصول على معلومات حول التحقيقات الجارية حينها .‏  لقد أثبتت حادثة قتل الشرطي وزوجته في مدينة مانانفيل عن تصميم داعش الاعتداء على أولئك الذين يدافعون عن قيمنا وقوانيننا . ومن خلال التعرض لعائلات الشرطة يسعى داعش لإضعاف الروح القتالية لدى أولئك الشرطة وفعاليتهم في محاربة الإرهاب.‏

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة