تسير العمليات العسكرية ضد "داعش" في العراق بوتيرة متسارعة أكثر مما هي عليه في سوريا، وذلك لإصرار أطراف دولية على عدم التنسيق مع الجيش السوري، فما هي التداعيات التي قد تنجم عن ذلك؟

تصعب الإجابة على مثل هذا السؤال بشكل دقيق لأن الأوضاع في العراق وسوريا معقدة ولا يمكن التنبؤ بمجريات أحداثها، لكن إذا تواصل زخم المعارك في العراق على الوتيرة الحالية، ووصلت طلائع القوات العراقية النظامية وقوات الحشد الشعبي الرديفة إلى الموصل بعد بسط السيطرة التامة على الرمادي، فقد ينسحب مسلحو "داعش" من العراق ويعبرون الحدود إلى سوريا.

 ويمكن القول إن مثل هذا السيناريو سيكون وبالا على الأوضاع في سوريا وعلى أوضاع المنطقة بأسرها، إذ يمكن لهؤلاء المسلحين أن يجدوا ملاجئ في أكثر من منطقة، كما يمكن أن يتغلغل الكثير منهم في صفوف فصائل توصف بالمعتدلة، ومن ثم قد ينجحون في تذويبها وتركيز تطرفها كما فعلوا ذلك في بداية ظهورهم في سوريا.

 مثل هذا التطور إن حدث، سيعقد الأوضاع في هذا البلد، وسيزيد من حدة الصراع وسيخلط الأوراق ما سيجعل من المستحيل تمييز المعتدل عن المتطرف، وذلك لأن الفصائل المسلحة ستحاول الاستفادة من هؤلاء المسلحين ذوي الخبرة القتالية العالية لتعزيز صفوفها، وهي ستظن أنها قادرة على استيعابهم وهضمهم قبل أن تتلاشى فجأة.

 هذا السياق للأحداث يمكن أن يصبح واقعا في حال انكسر تنظيم "داعش" في العراق وفقد ملاجئه الآمنة في الموصل وفي الرقة، لكن إذا تمكن التنظيم من الاحتفاظ بتماسكه في الرقة فسيفر المسلحون من العراق إلى هناك، ما سيعزز صفوف التنظيم ويجعله قادرا على الصمود، وربما يدفعه إلى الهجوم وفتح جبهات جديدة.

 يمكن أن يحدث ذلك على الرغم من أن قوات كردستان العراق لم تعد الآن تشارك في القتال ضد "داعش" بفعالية كما في السابق، إلا أن بغداد تعتمد على استعدادات الجيش العراقي والقوات المساعدة، وتصميمها على سحق مسلحي التنظيم وهي في هذه المرحلة أقوى وأكثر فعالية.

 لكن إذا ما تمكن مسلحو "داعش" في نهاية المطاف من الانسحاب والتجمع في سوريا، فسيبقى أمن العراق في خطر، إذ يمكن لهؤلاء أن يعاودوا الكرة، ويجدوا ثغرة مناسبة وفرصة سانحة ليضربوا بقوة داخل العراق كما فعلوا صيف عام 2014 في الموصل.

 وفي كل حال إذا ما زاد الضغط على داعش في سوريا، وتهدد وجوده في الرقة بشكل حاسم  فسيحاول عناصره، كما في حالات الانفجار، أن يبحثوا عن نقاط ضعف للهروب إلى دول الجوار، وبخاصة الأردن ولبنان.

 وحتى إذا هُزم التنظيم بشكل ساحق في العراق وفي سوريا فلن يزول خطره بشكل تام، وسيعود إلى العمل السري، وسيجد حواضن تساعده على استعادة أنفاسه، ما يعني أن أي انتصار عسكري على "داعش" لن يكون تاما من دون إنهاء الفوضى وتحقيق استقرار حقيقي كامل الأركان في دول المنطقة، وخاصة في سوريا والعراق.

  • فريق ماسة
  • 2016-06-19
  • 14220
  • من الأرشيف

ماذا لو تجمع "الدواعش" في سوريا؟

تسير العمليات العسكرية ضد "داعش" في العراق بوتيرة متسارعة أكثر مما هي عليه في سوريا، وذلك لإصرار أطراف دولية على عدم التنسيق مع الجيش السوري، فما هي التداعيات التي قد تنجم عن ذلك؟ تصعب الإجابة على مثل هذا السؤال بشكل دقيق لأن الأوضاع في العراق وسوريا معقدة ولا يمكن التنبؤ بمجريات أحداثها، لكن إذا تواصل زخم المعارك في العراق على الوتيرة الحالية، ووصلت طلائع القوات العراقية النظامية وقوات الحشد الشعبي الرديفة إلى الموصل بعد بسط السيطرة التامة على الرمادي، فقد ينسحب مسلحو "داعش" من العراق ويعبرون الحدود إلى سوريا.  ويمكن القول إن مثل هذا السيناريو سيكون وبالا على الأوضاع في سوريا وعلى أوضاع المنطقة بأسرها، إذ يمكن لهؤلاء المسلحين أن يجدوا ملاجئ في أكثر من منطقة، كما يمكن أن يتغلغل الكثير منهم في صفوف فصائل توصف بالمعتدلة، ومن ثم قد ينجحون في تذويبها وتركيز تطرفها كما فعلوا ذلك في بداية ظهورهم في سوريا.  مثل هذا التطور إن حدث، سيعقد الأوضاع في هذا البلد، وسيزيد من حدة الصراع وسيخلط الأوراق ما سيجعل من المستحيل تمييز المعتدل عن المتطرف، وذلك لأن الفصائل المسلحة ستحاول الاستفادة من هؤلاء المسلحين ذوي الخبرة القتالية العالية لتعزيز صفوفها، وهي ستظن أنها قادرة على استيعابهم وهضمهم قبل أن تتلاشى فجأة.  هذا السياق للأحداث يمكن أن يصبح واقعا في حال انكسر تنظيم "داعش" في العراق وفقد ملاجئه الآمنة في الموصل وفي الرقة، لكن إذا تمكن التنظيم من الاحتفاظ بتماسكه في الرقة فسيفر المسلحون من العراق إلى هناك، ما سيعزز صفوف التنظيم ويجعله قادرا على الصمود، وربما يدفعه إلى الهجوم وفتح جبهات جديدة.  يمكن أن يحدث ذلك على الرغم من أن قوات كردستان العراق لم تعد الآن تشارك في القتال ضد "داعش" بفعالية كما في السابق، إلا أن بغداد تعتمد على استعدادات الجيش العراقي والقوات المساعدة، وتصميمها على سحق مسلحي التنظيم وهي في هذه المرحلة أقوى وأكثر فعالية.  لكن إذا ما تمكن مسلحو "داعش" في نهاية المطاف من الانسحاب والتجمع في سوريا، فسيبقى أمن العراق في خطر، إذ يمكن لهؤلاء أن يعاودوا الكرة، ويجدوا ثغرة مناسبة وفرصة سانحة ليضربوا بقوة داخل العراق كما فعلوا صيف عام 2014 في الموصل.  وفي كل حال إذا ما زاد الضغط على داعش في سوريا، وتهدد وجوده في الرقة بشكل حاسم  فسيحاول عناصره، كما في حالات الانفجار، أن يبحثوا عن نقاط ضعف للهروب إلى دول الجوار، وبخاصة الأردن ولبنان.  وحتى إذا هُزم التنظيم بشكل ساحق في العراق وفي سوريا فلن يزول خطره بشكل تام، وسيعود إلى العمل السري، وسيجد حواضن تساعده على استعادة أنفاسه، ما يعني أن أي انتصار عسكري على "داعش" لن يكون تاما من دون إنهاء الفوضى وتحقيق استقرار حقيقي كامل الأركان في دول المنطقة، وخاصة في سوريا والعراق.

المصدر : الماسة السورية/محمد الطاهر


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة