يوم الجمعة الماضي، استقبل الرئيس المكلف تأليف الحكومة، نجيب ميقاتي، شخصيتين أوفدهما رئيس حكومة تصريف الأعمال، سعد الحريري. المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي، ورئيس فرع المعلومات العقيد وسام الحسن. كان الرجلان المقربان من الحريري، اللذان تربطهما علاقة طيبة بميقاتي، يسعيان إلى إقناع الأخير، بمنح صوته وصوت النائب أحمد كرامي للرئيس سعد الحريري في الاستشارات النيابية. بحسب مطّلعين على اللقاء، لم ينطق ميقاتي بما يطمئن الضابطَين. وبالعكس من ذلك، فإنه قال لهما إن «البلاد تمر في أزمة حرجة. وأنا أخشى أن تؤدي تسمية الرئيس عمر كرامي في الاستشارات إلى تفجير الشارع، وخاصة في طرابلس. وبرأيي، يجب البحث عن حل لإنقاذ الأوضاع». خرج الضابطان متفاجئين. فهما أن ميقاتي حاسم من جهة مسألة فوز الرئيس كرامي بالاستشارات. ومن جهة أخرى، وصلتهما إشارة ميقاتي التي تفيد بأنه ينوي طرح نفسه مرشحاً ثالثاً لرئاسة الحكومة.

بين ليل الجمعة ويوم الاثنين، حُسم أمر وصول ميقاتي إلى السرايا الحكومية. وعشية اليوم الذي أريد له أن يكون «نهار غضب»، كانت مدينة طرابلس مسرحاً للتوتر الأمني والشائعات الفالتة من كل عقال. أشرف ريفي، الحاضر شعبياً في عاصمة الشمال، والذي ترتبط به أكثر من مجموعة من أبناء المدينة، كان يعطي الأوامر «لمناصريه» بأن التزموا الهدوء، «ولا أريد أن أرى أحداً منكم في الشارع». بعد ذلك، أدى اللواء دوراً في حصر التحرك الشعبي داخل حدود ساحة النور، وإبعاده قدر الإمكان عن منزل ميقاتي. وعشية اليوم ذاته، أمر رجال قوى الأمن الداخلي ببذل كل جهد ممكن لحماية منزل ميقاتي ومؤسساته. ورغم اطمئنانه إلى أن «الطبقة الوسطى في طرابلس لا تستجيب لدعوات الغضب»، فإنه لم يكن يرى أمامه سوى صورة سوداء عن مشهد المدينة في اليوم التالي. لكن اليوم الطرابلسي مر بأقل خسارة ممكنة على المدينة وأهلها.

العارفون بريفي يؤكدون أن الرجل لم يكن يقدم أوراق اعتماده لدى ميقاتي. فالصلة بينهما لم تهتز يوماً. رئيس حكومة الانسحاب السوري من لبنان لم يعين أشرف ريفي على رأس المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي عام 2005، بسبب رضى آل الحريري عنه وحسب، بل لأنه يعرف «معدن ابن مدينته»، على حد قول أحد عارفي الرجلين. واليوم، يمارس ريفي اقتناعاته، بحسب أحد المقربين منه. فهو يرى أن وصول ميقاتي إلى رئاسة الحكومة كان الخيار الأفضل، بعد تعذر عودة سعد الحريري إلى السرايا.

لكن ماذا ينتظر ريفي بعد ذلك؟

ميقاتي، وفي إطلالاته التلفزيونية أول من أمس. قال: أنا عينتهما (ريفي وسعيد ميرزا). نزلت هذه العبارة برداً وسلاماً على قلوب أمنيّي الحريري. ففي أول إشارة إليهما، لم يهددهما الرئيس المكلف بالانتقام. «هو أصلاً ليس ذا شخصية انتقامية»، يقول مقرب من أحدهم. هل يعني ذلك أن الثنائي ريفي ـــــ الحسن باقٍ في موقعيه؟ يجيب أحد عارفي الرجلين بالقول إن ثمة فيتو جدياً لدى معظم فريق الأكثرية الجديدة على بقاء وسام الحسن في منصبه. وكلام ميقاتي لم يشمله، لكونه لم يعينه في منصبه. وأبعد من ذلك، فإن الحسن هو أحد مستشاري الحريري، ومن الصعب على أي كان تسويق بقائه في مركزه. أما ريفي، فلا مشكلة جدية في شخصه. إلا أن السؤال المركزي هو عما إذا كان هو سيستمر في موقعه، إذا خرج سعد الحريري من السلطة نهائياً، واستمر بسياسة القطيعة مع ميقاتي. يقول مقربون من ريفي إن الرجل يعرف جيداً متى يحين موعد تأدية التحية والخروج من المكتب إلى المنزل. وهو راغب في المحافظة على ما صنعته يداه خلال السنوات الست الماضية. لكنه حتى اليوم لم يحسم أمره، وينتظر انقشاع الرؤية. «وإذا طلب ميقاتي منه البقاء في موقعه، فإنه سيستجيب حتماً، إلا إذا أبلغه سعد الحريري قراراً مخالفاً لذلك»، يقول أحد المقربين من المدير العام.

أما بعض المقربين من ميقاتي فيؤكدون أنه لن يبقي «تركة الحريري» في الأمن، بغض النظر عما إذا كان سيقيل بعضهم أو أنه سيدفعهم إلى الاستقالة. لكن الرئيس المكلف أكد أمس عكس ذلك، إذ أشار إلى أن ريفي لا يزال يتمتع بصفات المناقبية والكفاءة والنزاهة التي عُيّن على أساسها عام 2005.

وغير بعيد عن ريفي، ثمة حالة إحباط واضح لدى الكثير من الضباط المؤيدين لقوى 14 آذار، أو المحسوبين عليها. بدأوا يرددون الكلام الذي اعتادته أروقة الثكنات عند تبدل العهود السياسية. بعض من كانوا محظيين خلال السنوات الماضية، لناحية مراكز خدمتهم، يتندرون بالقول إن «فوج الطوارئ (يُصنّف كأسوأ مكان للخدمة) لا يشكو من شيء». هؤلاء، يخشون انتقام قوى الأكثرية الجديدة منهم. ثمة شعور عام بتغيير قاس مقبل عليهم. وأهون ما يعدّون أنفسهم لاستقباله، هو انهيار «منظومة وسام الحسن».

الأيام الفاصلة بين الحديث عن احتمال وصول الرئيس عمر كرامي إلى السرايا الحكومة، وإعلان ترشيح نجيب ميقاتي للرئاسة الثالثة، شهدت ظاهرة تشي بما يدور في المديرية. يشير أمنيون إلى زملاء لهم، كانوا معروفين بتقربهم الدائم من رموز الحريرية في الأمن الداخلي. ومذ لاحت بشائر ترشيح كرامي، بدأ كل منهم يعرض «تاريخه المقاوم». لم تتوقف هواتف بعض المحسوبين على الأفندي عن الرنين. هنا ضابط يريد التهنئة. وهناك أمني يطمع بموقع متقدم، وثالث يسأل العفو عمّا مضى. اليوم، انقلب هؤلاء، وتذكر معظمهم أن لهم زميلاً برتبة رائد، يدعى نبيل خنكرلي (مرافق ميقاتي).

بعض محظيي المرحلة السابقة فعلوا ذلك. لكن بعضهم الآخر يتحسر منذ الآن على «ما سيُدمَّر». يرى أن ثمة تحولاً كبيراً شهدته المديرية خلال السنوات الماضية، وأدى إلى وضعها للمرة الأولى، في مصاف الأجهزة الأمنية الحقيقية، بعيداً عن مخالفات البناء والكسارات وآبار المياه. كل ذلك اليوم مهدد بالانهيار. ولم يكن لدى ريفي مرشح لخلافته والحفاظ على ما بُني خلال نصف العقد الأخير سوى وسام الحسن. أما اليوم، فبات قائد منطقة الجنوب الإقليمية، العميد منذر الأيوبي، المرشح الأوفر حظاً لخلافة ريفي، في حال استقالته.

  • فريق ماسة
  • 2011-01-26
  • 9595
  • من الأرشيف

هل تنهار منظومة وسام الحسن؟

يوم الجمعة الماضي، استقبل الرئيس المكلف تأليف الحكومة، نجيب ميقاتي، شخصيتين أوفدهما رئيس حكومة تصريف الأعمال، سعد الحريري. المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي، ورئيس فرع المعلومات العقيد وسام الحسن. كان الرجلان المقربان من الحريري، اللذان تربطهما علاقة طيبة بميقاتي، يسعيان إلى إقناع الأخير، بمنح صوته وصوت النائب أحمد كرامي للرئيس سعد الحريري في الاستشارات النيابية. بحسب مطّلعين على اللقاء، لم ينطق ميقاتي بما يطمئن الضابطَين. وبالعكس من ذلك، فإنه قال لهما إن «البلاد تمر في أزمة حرجة. وأنا أخشى أن تؤدي تسمية الرئيس عمر كرامي في الاستشارات إلى تفجير الشارع، وخاصة في طرابلس. وبرأيي، يجب البحث عن حل لإنقاذ الأوضاع». خرج الضابطان متفاجئين. فهما أن ميقاتي حاسم من جهة مسألة فوز الرئيس كرامي بالاستشارات. ومن جهة أخرى، وصلتهما إشارة ميقاتي التي تفيد بأنه ينوي طرح نفسه مرشحاً ثالثاً لرئاسة الحكومة. بين ليل الجمعة ويوم الاثنين، حُسم أمر وصول ميقاتي إلى السرايا الحكومية. وعشية اليوم الذي أريد له أن يكون «نهار غضب»، كانت مدينة طرابلس مسرحاً للتوتر الأمني والشائعات الفالتة من كل عقال. أشرف ريفي، الحاضر شعبياً في عاصمة الشمال، والذي ترتبط به أكثر من مجموعة من أبناء المدينة، كان يعطي الأوامر «لمناصريه» بأن التزموا الهدوء، «ولا أريد أن أرى أحداً منكم في الشارع». بعد ذلك، أدى اللواء دوراً في حصر التحرك الشعبي داخل حدود ساحة النور، وإبعاده قدر الإمكان عن منزل ميقاتي. وعشية اليوم ذاته، أمر رجال قوى الأمن الداخلي ببذل كل جهد ممكن لحماية منزل ميقاتي ومؤسساته. ورغم اطمئنانه إلى أن «الطبقة الوسطى في طرابلس لا تستجيب لدعوات الغضب»، فإنه لم يكن يرى أمامه سوى صورة سوداء عن مشهد المدينة في اليوم التالي. لكن اليوم الطرابلسي مر بأقل خسارة ممكنة على المدينة وأهلها. العارفون بريفي يؤكدون أن الرجل لم يكن يقدم أوراق اعتماده لدى ميقاتي. فالصلة بينهما لم تهتز يوماً. رئيس حكومة الانسحاب السوري من لبنان لم يعين أشرف ريفي على رأس المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي عام 2005، بسبب رضى آل الحريري عنه وحسب، بل لأنه يعرف «معدن ابن مدينته»، على حد قول أحد عارفي الرجلين. واليوم، يمارس ريفي اقتناعاته، بحسب أحد المقربين منه. فهو يرى أن وصول ميقاتي إلى رئاسة الحكومة كان الخيار الأفضل، بعد تعذر عودة سعد الحريري إلى السرايا. لكن ماذا ينتظر ريفي بعد ذلك؟ ميقاتي، وفي إطلالاته التلفزيونية أول من أمس. قال: أنا عينتهما (ريفي وسعيد ميرزا). نزلت هذه العبارة برداً وسلاماً على قلوب أمنيّي الحريري. ففي أول إشارة إليهما، لم يهددهما الرئيس المكلف بالانتقام. «هو أصلاً ليس ذا شخصية انتقامية»، يقول مقرب من أحدهم. هل يعني ذلك أن الثنائي ريفي ـــــ الحسن باقٍ في موقعيه؟ يجيب أحد عارفي الرجلين بالقول إن ثمة فيتو جدياً لدى معظم فريق الأكثرية الجديدة على بقاء وسام الحسن في منصبه. وكلام ميقاتي لم يشمله، لكونه لم يعينه في منصبه. وأبعد من ذلك، فإن الحسن هو أحد مستشاري الحريري، ومن الصعب على أي كان تسويق بقائه في مركزه. أما ريفي، فلا مشكلة جدية في شخصه. إلا أن السؤال المركزي هو عما إذا كان هو سيستمر في موقعه، إذا خرج سعد الحريري من السلطة نهائياً، واستمر بسياسة القطيعة مع ميقاتي. يقول مقربون من ريفي إن الرجل يعرف جيداً متى يحين موعد تأدية التحية والخروج من المكتب إلى المنزل. وهو راغب في المحافظة على ما صنعته يداه خلال السنوات الست الماضية. لكنه حتى اليوم لم يحسم أمره، وينتظر انقشاع الرؤية. «وإذا طلب ميقاتي منه البقاء في موقعه، فإنه سيستجيب حتماً، إلا إذا أبلغه سعد الحريري قراراً مخالفاً لذلك»، يقول أحد المقربين من المدير العام. أما بعض المقربين من ميقاتي فيؤكدون أنه لن يبقي «تركة الحريري» في الأمن، بغض النظر عما إذا كان سيقيل بعضهم أو أنه سيدفعهم إلى الاستقالة. لكن الرئيس المكلف أكد أمس عكس ذلك، إذ أشار إلى أن ريفي لا يزال يتمتع بصفات المناقبية والكفاءة والنزاهة التي عُيّن على أساسها عام 2005. وغير بعيد عن ريفي، ثمة حالة إحباط واضح لدى الكثير من الضباط المؤيدين لقوى 14 آذار، أو المحسوبين عليها. بدأوا يرددون الكلام الذي اعتادته أروقة الثكنات عند تبدل العهود السياسية. بعض من كانوا محظيين خلال السنوات الماضية، لناحية مراكز خدمتهم، يتندرون بالقول إن «فوج الطوارئ (يُصنّف كأسوأ مكان للخدمة) لا يشكو من شيء». هؤلاء، يخشون انتقام قوى الأكثرية الجديدة منهم. ثمة شعور عام بتغيير قاس مقبل عليهم. وأهون ما يعدّون أنفسهم لاستقباله، هو انهيار «منظومة وسام الحسن». الأيام الفاصلة بين الحديث عن احتمال وصول الرئيس عمر كرامي إلى السرايا الحكومة، وإعلان ترشيح نجيب ميقاتي للرئاسة الثالثة، شهدت ظاهرة تشي بما يدور في المديرية. يشير أمنيون إلى زملاء لهم، كانوا معروفين بتقربهم الدائم من رموز الحريرية في الأمن الداخلي. ومذ لاحت بشائر ترشيح كرامي، بدأ كل منهم يعرض «تاريخه المقاوم». لم تتوقف هواتف بعض المحسوبين على الأفندي عن الرنين. هنا ضابط يريد التهنئة. وهناك أمني يطمع بموقع متقدم، وثالث يسأل العفو عمّا مضى. اليوم، انقلب هؤلاء، وتذكر معظمهم أن لهم زميلاً برتبة رائد، يدعى نبيل خنكرلي (مرافق ميقاتي). بعض محظيي المرحلة السابقة فعلوا ذلك. لكن بعضهم الآخر يتحسر منذ الآن على «ما سيُدمَّر». يرى أن ثمة تحولاً كبيراً شهدته المديرية خلال السنوات الماضية، وأدى إلى وضعها للمرة الأولى، في مصاف الأجهزة الأمنية الحقيقية، بعيداً عن مخالفات البناء والكسارات وآبار المياه. كل ذلك اليوم مهدد بالانهيار. ولم يكن لدى ريفي مرشح لخلافته والحفاظ على ما بُني خلال نصف العقد الأخير سوى وسام الحسن. أما اليوم، فبات قائد منطقة الجنوب الإقليمية، العميد منذر الأيوبي، المرشح الأوفر حظاً لخلافة ريفي، في حال استقالته.

المصدر : حسن عليق


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة