دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
لا يبدو أن شهر رمضان سيكون مختلفاً عن باقي الأشهر في سوريا. فلا بوادر لفرض هدنة أو نظام تهدئة، أو غيرها من إبداعات التفاهم الأميركي - الروسي خلاله بما يسمح للناس على الأقل ممارسة صيامهم بعيداً عن يوميات مشاهد القتل، بل على العكس فإن جميع المؤشرات تدل على أن شهر رمضان هذا العام قد يشهد تصعيداً كبيراً، خصوصاً في ظل تسريبات حول نية «جبهة النصرة» استثمار المناخ الديني الذي يسود خلاله، لإشعال المعارك في أكثر من مكان.
وقد تجددت الاشتباكات، أمس، في محيط قرية خلصة في ريف حلب، حيث أفادت مصادر إعلامية عن سقوط طائرة حربية سورية بسبب انفجار صاروخ قبل انطلاقه منها.
وتحاول «جبهة النصرة»، تحت عباءة «جيش الفتح»، استكمال معركة ريف حلب الجنوبي، بعد أن استطاع الجيش السوري وحلفاؤه احتواء الهجوم الذي شنته، الجمعة الماضي، ومنعها من تحقيق أهدافها من ورائه.
وبالرغم من أنها سيطرت على بعض النقاط المهمة، إلا أن عدم وصولها إلى قرية خلصة يعد بمثابة فشل الهجوم في مرحلته الأولى، حيث كان الهدف اتخاذ هذه القرية منطلقاً لمعركة جديدة تهدف لفتح خط إمداد لأحياء مدينة حلب الواقعة تحت سيطرة الفصائل، مع محاصرة قوات الجيش السوري في الأحياء الغربية.
ولكن ليس هذا ما فشل وحسب، بل إن الثمن الكبير الذي دفعته «جبهة النصرة» يشير إلى أن المعركة في ريف حلب الجنوبي تتحول إلى حرب استنزاف قاسية لكل الأطراف، فليس من طرف يستطيع أن يحيد نفسه من الخسائر فيها. وفي المعركة الأخيرة كانت خسائر «جبهة النصرة» على مستوى القيادات العسكرية والميدانية كبيرة وفادحة. فقد خسرت أحد أهم «عقولها العسكرية»، وهو عمر الداغستاني، أحد رفقاء «القائد خطاب» (ثامر سويلم) في الشيشان، وقائد عسكري سابق في «جيش المهاجرين والأنصار» الذي كان يقوده عمر الشيشاني.
ولعل مقتل الداغستاني الذي جاء بسبب صاروخ «تاو» أطلقه عن طريق الخطأ أحد رماة «فيلق الشام»، المشارك في تشكيل «جيش الفتح»، كان السبب الرئيسي في فشل الهجوم على قرية خلصة الإستراتيجية، حيث كان يقود الهجوم بنفسه. كما خسرت «النصرة» كلا من قادتها الميدانيين: الفاروق الشامي (الديري) وأبو عمر تديل وأبو عدنان الحمصي وأبو بكر جديد.
وضمن استعداداتها لإحياء شهر رمضان على طريقتها، عرضت «جبهة النصرة» على فصائل «جيش الفتح» خططاً عسكرية لشن هجمات على ريف اللاذقية وحماه خلال الشهر، لكن غالبية الفصائل رفضت الفكرة لما فيها من مغامرة غير محسوبة النتائج، خصوصاً في «جبهة الساحل» حيث لن يتسامح الروس مع أي عملية من هذا النوع، علاوة على صعوبة هذه المعركة من الناحية الجغرافية. إلا أن هذا الرفض لم يمنع «جبهة النصرة» من التحرك بعيداً عن إطار «جيش الفتح» والتنسيق مع «التركستانيين» و «القوقاز» لتنفيذ مخططاتها. وحسب ما رشح من الاجتماع القيادي الأخير الذي عقدته «جبهة النصرة» مع بعض قادة الفصائل المقربة منها، الأسبوع الماضي، فإن «شهر رمضان سيكون ساخناً لجهة المعارك النوعية التي تنوي القيام بها».
وذكر «المرصد السوري »، في بيان، أن مناطق خاضعة لسيطرة المسلحين داخل حلب وحولها، تعرضت لما يقرب من 50 غارة جوية أمس، أدت إلى مقتل 32 شخصاً، فيما تعرضت مناطق تسيطر القوات السورية عليها إلى قصف عنيف. وذكرت وسائل إعلام حكومية أن صواريخ أطلقها المسلحون على الحمدانية والميدان وأحياء أخرى خلفت 20 قتيلا على الأقل، في اليوم الثاني من القصف المكثف من المناطق الخاضعة لسيطرة المسلحين. وكان قتل، أمس الأول، 13 شخصا في حي الشيخ مقصود، الذي يسيطر عليه الأكراد.
من جهة أخرى، وبعد توقف عملياته على محور أثريا ـ الطبقة، أمس الأول، بسبب هبوب عاصفة ترابية جعلت الرؤية منعدمة تماماً، استأنف الجيش السوري، أمس، تقدمه في المنطقة حيث بسط سيطرته على قرية أبو العلاج، فيما كان سلاحا الجو السوري والروسي يستهدفان بكثافة مواقع مسلحي «داعش» بمحيط حقل الحباري ومفرق الرصافة وقريتي الشعيب غرب الطبقة، وجب الغولي جنوبها.
أما في ريف حلب الشمالي الشرقي، فقد استمرت «قوات سوريا الديموقراطية» (قسد) بالتقدم في محيط مدينة منبج، حتى باتت، أمس، على مسافة تراوح بين 4 إلى 8 كيلومترات بحسب الجهة التي يتم القياس منها، حيث المسافة أقرب من جهة الجنوب. ووصلت الاشتباكات عبر المحور الذي انطلق من جسر قرة قوزاق، إلى محيط قرية عون الدادات حيث طلب التنظيم من أهالي القرية إخلاءها لاقتراب «قسد» منها. وكانت «قسد» سيطرت قبل ذلك على قرى الريفية وأم عظام، كما قطعت خط إمداد التنظيم المتمثل بالطريق بين منبج والرقة. لكن «داعش» ما زال يحافظ على مراكزه في ناحية أبو قلقل وفي قلعة نجم ومجموعة من القرى في ريف منبج الشرقي، ما يعطيه هامشاً لإطالة أمد المعركة.
ومع اقتراب المعارك من مدينة منبج، لا يمكن التكهن بطبيعة المعركة التي ستدور فيها، خصوصاً أن المدينة كبيرة من حيث المساحة وعدد السكان، فمساحتها 200 هكتار تقريباً، وكان يقطنها حوالي 700 ألف شخص قبل بدء الأزمة السورية، أي ضعف عدد سكان مدينة الفلوجة العراقية. والسؤال الذي يطرح نفسه هو هل يشير انسحاب «داعش» من القرى إلى انهياره أم هي خطة لجمع أكبر كتلة من مقاتليه في المدينة لخوض معركة طويلة فيها قد لا تنتهي قبل تدمير المدينة بالكامل، كما حصل في عين العرب بسوريا والرمادي بالعراق من قبل؟
وكان فيصل أبو ليلى، قائد «كتائب شمس الشمال» وعضو «قيادة المجلس العسكري في منبج» وأحد قادة الهجوم البارزين على منبج، لقي مصرعه، أمس، إثر جراح أصيب بها قبل يومين، جراء سقوط صاروخ «غراد» في قرية خفية أبو قلقل.
«أحرار الشام» تخسر كادر التصنيع
وفي ضربة قد تكون الثانية من نوعها في مستوى إيلامها، بعد الاغتيال الجماعي لقادتها نهاية عام 2014، تعرضت حركة «أحرار الشام» خلال أربع وعشرين ساعة الماضية لعمليتي اغتيال، أودت بحياة كبار قادة الفريق الخاص بالتصنيع العسكري والتفخيخ.
فقد سقط أبو خليل تصنيع (تلمنس) قتيلاً جراء استهداف سيارته، أمس الأول، بعبوة على طريق معرشورين – تلمنس في ريف إدلب الجنوبي. وهو مسؤول عام التصنيع في الحركة ومهندس المفخخات السيّارة (من دون انتحاري) التي كانت تنفذها الحركة.
وكان يمكن وضع هذا الاستهداف في إطار عمليات الاغتيال التي لم تغب عن محافظة إدلب منذ سيطرة «جيش الفتح» عليها، وكان لحركة «أحرار الشام» نصيب الأسد منها؛ غير أن الاستهداف الذي جرى، أمس، في مدينة أريحا بإدلب، وطال ثلاثة من كبار قادة فريق التصنيع في الحركة، من بينهم نائب مسؤول التصنيع عبدو حجي أبو إبراهيم، وهاشم أبو الفاروق (عسكري منشق) وهو شقيق أبو أيمن رام حمدان الذي قتل في عملية المقر صفر، وأسامة حج سليمان أبو عبدالله، أظهر الأمر وكأنه استهداف احترافي، الغاية منه تصفية كوادر الحركة في مجال التصنيع العسكري وفن التفخيخ.
وبالرغم من أن القيادي في الحركة أبو خالد أنس وجه الاتهام كالعادة إلى «داعش»، إلا أن ثمة شكوكا واسعة حول إمكانية التنظيم تنفيذ هذه العمليات المتقنة، في الوقت الذي يتعرض فيه لضغوط عسكرية على مختلف الجبهات. ولم يخفِ بعض النشطاء اعتقادهم أن أجهزة استخبارات أجنبية قد تكون مشاركة في مثل هذه الاغتيالات.
المصدر :
السفير/عبد الله سليمان علي
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة