اعتقد الكثيرون من المتابعين للملف السوري وتطوراته ان الهيئة العليا للمعارضة السورية التي انبثقت عن اجتماع في الرياض تحت رعاية السلطات السعودية ستكون اكثر تماسكا، واوسع تمثيلا،

 وافضل حظا من هيئات سابقة مثل المجلس الوطني السوري، او الائتلاف السوري، ولكن حالة الارتباك التي سادت هذه الهيئة يوم امس في اعقاب استقالة السيد محمد علوش، كبير وفدها المفاوض، وما تردد عن اقالة العميد اسعد الزعبي، رئيس الوفد، اثبتتا عكس هذه النظرية المتفائلة كليا.

 منذ اليوم الاول كانت هناك اعتراضات روسية وامريكية على مشاركة “جيش الاسلام” الذي تصنفه روسيا والسلطات السورية في دمشق كتنظيم ارهابي في مؤتمر المعارضة، الذي انبثقت عنه هذه الهيئة، بسبب اتهامات بارتكاب مجازر في الغوطة الشرقية، على حد ادبيات الجانبين الروسي والسوري، ولكن الحكومة السعودية لم تعبأ بهذه الاتهامات، واصرت على مشاركة “جيش الاسلام” في المؤتمر المذكور، وتحدث الطرفين الروسي والسوري، بتعين السيد علوش كبيرا للمفاوضين، في منصب مستحدث وذهابه الى جنيف للمشاركة في المفاوضات بالتالي.

 علوش لا يملك مؤهلات وخبرات سياسة او دبلوماسية عالية تؤهله لتولي هذا المنصب، حسب الكثير من الخبراء في الشأن السوري، وجرى تعيينه فيه بسبب صلة القرابة التي تربطه بقائد “جيش الاسلام” ومؤسسه زهران علوش (ابن عمه) المقرب من المملكة العربية السعودية، والذي اغتيل في الغوطة الشرقية في عملية تفجير يعتقد ان النظام في دمشق يقف خلفها.

الخطأ الاول والابرز الذي ارتكبه السيد علوش، في نظر المراقبين، تصريحه الشهير الذي ادلى به فور وصوله الى جنيف للمرة الاولى، وقبل يوم من استئناف المفاوضات، واكد فيه ان الرئيس الاسد يجب ان لا يكون له اي دور في المرحلة الانتقالية، وسيرحل من السلطة، اما من خلال الحل السياسي او الموت، الامر الذي فسره الكثير من المحليين بأن الكلمة الاخيرة، اي “الموت”، قد توحي بوجود خطة امريكية روسية سعودية متفق عليها بإغتيال الرئيس السوري.

الاسباب التي غلف فيها السيد علوش استقالته تبدو وجيهة، مثل قوله بـ”فشل محادثات السلام غير المباشرة بجولاتها الثلاث في جنيف مع استمرار المعارك وعدم احراز اي تقدم في الملف الانساني”، ولكن يبدو ان هناك اسبابا اخرى اكثر قوة، قد يكون ابرزها تجاوب المملكة العربية السعودية، ودول خليجية اخرى، لمطالب تقدم بها الجانب الروسي اثناء اللقاء الخليجي الروسي في موسكو قبل ايام، بضرورة ابعاد علوش و”جيش الاسلام” من الوفد المفاوض.

 حجاب رئيس الهيئة العليا السورية للمفاوضات اكد انه لن يتم البت باستقالة السيد علوش، لكن الامر المؤكد انها استقالة، او اقالة نهائية، والشيء نفسه يقال ايضا عن استقالة العميد اسعد الزعبي، رئيس الوفد.

هذه الهزة التي ضربت المعارضة السورية في الرياض قد تتبعها هزات واستقالات، او اقالات اخرى، بالنظر الى تجارب هيئات ومنظمات معارضة سابقة، مثل الائتلاف الوطني، وربما تكون بداية النهاية لمفاوضات جنيف في صيغتها الحالية، وهي على اي حال مفاوضات ظلت تدور في دائرة مفرغة، وباتت الآن في العناية المركزة، حيث من المستبعد ان تستأنف قبل عدة اسابيع او اشهر، بسبب بدء شهر رمضان المبارك، ومقدم الصيف، وانشغال القوتين الراعيين للقضاء على “داعش”، وبدء انتخابات الرئاسة الامريكية.

انهاء سيطرة قوات “داعش” في الفلوجة على يد القوات العراقية والحشد الشعبي بدعم وغطاء امريكيين، والتقدم الذي حققته قوات سورية الديمقراطية، ذات الاغلبية الكردية، ربما يجعلان من موقف المعارضة السورية صعبا للغاية.

المشهد السوري يتغير بسرعة، واستقالة علوش و”اقالة” الزعبي، وفي هذا التوقيت ابرز علامات هذا التغيير.
  • فريق ماسة
  • 2016-05-30
  • 10653
  • من الأرشيف

ما هي الاسباب الحقيقية لاستقالة علوش و”اقالة” الزعبي من هيئة المفاوضات السورية في الرياض؟ عبد الباري عطوان

اعتقد الكثيرون من المتابعين للملف السوري وتطوراته ان الهيئة العليا للمعارضة السورية التي انبثقت عن اجتماع في الرياض تحت رعاية السلطات السعودية ستكون اكثر تماسكا، واوسع تمثيلا،  وافضل حظا من هيئات سابقة مثل المجلس الوطني السوري، او الائتلاف السوري، ولكن حالة الارتباك التي سادت هذه الهيئة يوم امس في اعقاب استقالة السيد محمد علوش، كبير وفدها المفاوض، وما تردد عن اقالة العميد اسعد الزعبي، رئيس الوفد، اثبتتا عكس هذه النظرية المتفائلة كليا.  منذ اليوم الاول كانت هناك اعتراضات روسية وامريكية على مشاركة “جيش الاسلام” الذي تصنفه روسيا والسلطات السورية في دمشق كتنظيم ارهابي في مؤتمر المعارضة، الذي انبثقت عنه هذه الهيئة، بسبب اتهامات بارتكاب مجازر في الغوطة الشرقية، على حد ادبيات الجانبين الروسي والسوري، ولكن الحكومة السعودية لم تعبأ بهذه الاتهامات، واصرت على مشاركة “جيش الاسلام” في المؤتمر المذكور، وتحدث الطرفين الروسي والسوري، بتعين السيد علوش كبيرا للمفاوضين، في منصب مستحدث وذهابه الى جنيف للمشاركة في المفاوضات بالتالي.  علوش لا يملك مؤهلات وخبرات سياسة او دبلوماسية عالية تؤهله لتولي هذا المنصب، حسب الكثير من الخبراء في الشأن السوري، وجرى تعيينه فيه بسبب صلة القرابة التي تربطه بقائد “جيش الاسلام” ومؤسسه زهران علوش (ابن عمه) المقرب من المملكة العربية السعودية، والذي اغتيل في الغوطة الشرقية في عملية تفجير يعتقد ان النظام في دمشق يقف خلفها. الخطأ الاول والابرز الذي ارتكبه السيد علوش، في نظر المراقبين، تصريحه الشهير الذي ادلى به فور وصوله الى جنيف للمرة الاولى، وقبل يوم من استئناف المفاوضات، واكد فيه ان الرئيس الاسد يجب ان لا يكون له اي دور في المرحلة الانتقالية، وسيرحل من السلطة، اما من خلال الحل السياسي او الموت، الامر الذي فسره الكثير من المحليين بأن الكلمة الاخيرة، اي “الموت”، قد توحي بوجود خطة امريكية روسية سعودية متفق عليها بإغتيال الرئيس السوري. الاسباب التي غلف فيها السيد علوش استقالته تبدو وجيهة، مثل قوله بـ”فشل محادثات السلام غير المباشرة بجولاتها الثلاث في جنيف مع استمرار المعارك وعدم احراز اي تقدم في الملف الانساني”، ولكن يبدو ان هناك اسبابا اخرى اكثر قوة، قد يكون ابرزها تجاوب المملكة العربية السعودية، ودول خليجية اخرى، لمطالب تقدم بها الجانب الروسي اثناء اللقاء الخليجي الروسي في موسكو قبل ايام، بضرورة ابعاد علوش و”جيش الاسلام” من الوفد المفاوض.  حجاب رئيس الهيئة العليا السورية للمفاوضات اكد انه لن يتم البت باستقالة السيد علوش، لكن الامر المؤكد انها استقالة، او اقالة نهائية، والشيء نفسه يقال ايضا عن استقالة العميد اسعد الزعبي، رئيس الوفد. هذه الهزة التي ضربت المعارضة السورية في الرياض قد تتبعها هزات واستقالات، او اقالات اخرى، بالنظر الى تجارب هيئات ومنظمات معارضة سابقة، مثل الائتلاف الوطني، وربما تكون بداية النهاية لمفاوضات جنيف في صيغتها الحالية، وهي على اي حال مفاوضات ظلت تدور في دائرة مفرغة، وباتت الآن في العناية المركزة، حيث من المستبعد ان تستأنف قبل عدة اسابيع او اشهر، بسبب بدء شهر رمضان المبارك، ومقدم الصيف، وانشغال القوتين الراعيين للقضاء على “داعش”، وبدء انتخابات الرئاسة الامريكية. انهاء سيطرة قوات “داعش” في الفلوجة على يد القوات العراقية والحشد الشعبي بدعم وغطاء امريكيين، والتقدم الذي حققته قوات سورية الديمقراطية، ذات الاغلبية الكردية، ربما يجعلان من موقف المعارضة السورية صعبا للغاية. المشهد السوري يتغير بسرعة، واستقالة علوش و”اقالة” الزعبي، وفي هذا التوقيت ابرز علامات هذا التغيير.

المصدر : الراي اليوم/ عبد الباري عطوان


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة