وضع الجيش السوري خريطة الأحداث في المنطقة الشمالية الشرقية أمام منعطف جديد قد يقلب المعادلة، ويغير موازين القوى ويؤثر في مآلات بعض المعارك.

فالتوجه نحو الرقة بهذا التوقيت، الذي يشهد انخراطاً أميركياً مباشراً في قيادة معركتَين مصيريتَين تقوم بهما «قوات سوريا الديموقراطية» الأولى نحو الرقة والثانية نحو منبج، سيؤدي إلى عرقلة المخططات الأميركية في المنطقة، ويكبح من جماح الاندفاعة الكردية التي ذهبت بعيداً في ضم الأراضي إلى كيانها الفدرالي من دون احتساب لمواقف الأطراف الأخرى. كما أن مجرد إطلاق الجيش حملة عسكرية باتجاه الرقة سيكون كافياً لتجديد مواقفه من قضايا التقسيم والفدرلة، وإبراز رفضه لمسألة التقوقع، ضمن إطار ما اصطلح على تسميته بـ «سوريا المفيدة».

ودشّن الجيش السوري طريقه إلى مدينة الرقة بافتتاحه، أمس، معركة عسكرية تأخرت لبضعة أشهر، بعد أن كان من المقرر أن تبدأ في شباط الماضي، لكنها توقفت آنذاك لاعتبارات ميدانية وسياسية عدة.

وانطلقت الحملة الجديدة من المنصة نفسها التي كان يفترض أن تنطلق منها الحملة السابقة، وهي محطة الضخ في منطقة أثريا بريف حماه الشرقي التي شهدت تجمع التعزيزات التي استقدمها الجيش خلال الأسبوع الماضي. وتشكل قوات «صقور الصحراء»، العمود الفقري في هذه التعزيزات، وهي قوات قامت بأدوار بارزة في معارك ريف اللاذقية ومعركتَي تدمر والقريتَين.

وشهدت الساعات الأولى من الهجوم الذي انطلق فجر أمس، تقدماً سريعاً لوحدات الجيش السوري التي توزعت على محاور عدة شمال وشرق أثريا. واستعادت الوحدات السيطرة على نقاط كان سبق للجيش أن سيطر عليها في شباط الماضي، وهي عبارة عن مجموعة من التلال المحيطة بالاوتستراد الواصل بين أثريا والطبقة، وأهم النقاط التي استعادها الجيش هي المسبح والعلم والنقطتان 11 و14.

وبحسب الناشط الإعلامي إياد الحسين الذي يواكب عمليات «صقور الصحراء» في مختلف الجبهات، فإن الجيش السوري تقدم مسافة 10 كيلومترات خلال وقت قصير نسبياً، تحت غطاء جوي روسي كثيف، مشيراً إلى أن العملية انطلقت بتنسيق ودعم ومساندة من «الحليف الروسي» الذي قامت طائراته بتأمين تغطية جوية كثيفة.

ورغم أن الحسين شدد على أن المعركة ستكون صعبة ومعقدة وطويلة، إلا أنه أشار إلى أن من حرّر جبال اللاذقية بتضاريسها الشديدة الوعورة خلال 10 أيام لن تصعب عليه الرقة وريفها. وإشارة الحسين إلى الأيام العشرة تحديداً ليست عبثية، لأن المعلومات التي حصلت عليها «السفير» تؤكد أن خطة العملية وضعت للقوات المهاجمة مهلة عشرة أيام كحد أقصى لتحقيق «أحد أهم الأهداف الإستراتيجية للمعركة»، وهو ما يوحي بالطابع المستعجل الذي يحيط بهذه العملية.

وتبعد منطقة أثريا عن مدينة الطبقة بريف الرقة الجنوبي حوالي 70 كيلومتراً، هي بغالبيتها مساحات صحراوية تخلو من أي مناطق مأهولة، باستثناء بعض التجمعات السكنية الصغيرة. ومن المتوقع أن يحاول الجيش السوري التقدم بسرعة نحو قرية زكية ذات الموقع الاستراتيجي على عقدة مواصلات بين محافظات عدة، والتي تبعد عن أثريا حوالي 30 كيلومتراً، بغية اتخاذها مركزاً للتحشيد والانطلاق باتجاه مطار الطبقة الذي يبعد عن مدينة الرقة حوالي 50 كيلومتراً. وتشير هذه المسافات الطويلة إلى مدى صعوبة المعركة المرتقبة.

وكانت «قوات سوريا الديموقراطية» قد أعلنت، قبل حوالي أسبوعين، عن إطلاق معركة للسيطرة على ريف الرقة الشمالي، بدعم من طائرات التحالف الدولي، الذي تقوده واشنطن، ثم أعلنت قبل أيام قليلة عن معركة جديدة باتجاه مدينة منبج شمال غرب الرقة في ريف حلب الشمالي، وبمساعدة أميركية أيضاً. وهذا يعني عملياً أن الطائرات الروسية والأميركية ستحلّق في المجال الجوي نفسه لتغطي كل منها عمليات حليفها على الأرض، لذلك من المستبعد ألا يكون هناك حد أدنى من التنسيق بين الطرفين، لا سيما بخصوص تنظيم الطلعات الجوية تفادياً لأي حوادث غير محسوبة، وهو ما شكل هاجساً لقيادة الدولتَين منذ أيلول الماضي، تاريخ التدخل الروسي في الحرب السورية، ودفعهما آنذاك لتوقيع أول اتفاق بينهما حول هذه النقطة.

في هذا الوقت، تعهدت «قوات سوريا الديموقراطية»، في بيان، بطرد «داعش» من منبج والمناطق المحيطة بها في شمال سوريا، وحثت السكان على تجنب مواقع التنظيم لأنها ستكون أهدافا لحملتها.

وقال وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر، خلال توجهه إلى سنغافورة لحضور اجتماع أمني إقليمي، إن تنظيم «داعش استخدم مدينة منبج قاعدة لتدبير مؤامرات ضد أوروبا وتركيا والولايات المتحدة، ما جعل من الضروري شن هجوم بدعم أميركي ضد التنظيم».

واعتبر رئيس النظام التركي رجب طيب إردوغان أن «قوات سوريا الديموقراطية» تتألف في معظمها من مقاتلين عرب، فيما تقدم قوات كردية الدعم اللوجستي. وقال، في مؤتمر صحافي في نيروبي، إن القوات التي تشن العملية العسكرية تضم 2500 مقاتل سوري عربي و450 عنصرا فقط من وحدات حماية الشعب الكردية حسب قوله.

 

القوات السورية تتقدم نحو الطبقة... وفي محيط تدمر ....حلب: الفصائل تستبق عملية الجيش؟

عبد الله سليمان علي | تتنافس مدينتا حلب والرقة على سرقة الأضواء؛ فبينما كان الجيش السوري يتقدم ويحط رحاله بالقرب من الحدود الإدارية لمحافظة الرقة، منطلقاً من أثريا في ريف حماه الشرقي، كانت مدينة حلب على موعد مع معركة ضخمة شنتها فصائل «جيش الفتح» في ريفها الجنوبي، الذي اعتاد مؤخراً على مثل هذه المعارك، لكن هذه المرة يبدو أن الطموحات أوسع من أي وقت سابق.

 وواصل الجيش السوري تقدمه على محور أثريا ـ الطبقة، حيث سيطر، أمس، على نقاط جديدة، تمثل أهمها بالوصول إلى مفرق قرية زكية وتلة السيريتل، ما يعني أنه أصبح على مسافة 40 إلى 50 كيلومتراً من مطار الطبقة. كما يعني أنه بات يقف بمحاذاة الحدود الإدارية لمحافظة الرقة. وقد وقعت بين الطرفين اشتباكات عنيفة تمكن خلالها الجيش من إفشال هجوم بسيارة مفخخة كان يستهدف قواته المتقدمة على محور زكية، كما غنم عربة «ب م ب» واعتقل عنصرَين من تنظيم «داعش».

وأفاد مصدر عسكري، في تصريح لوكالة الأنباء السورية ـ «سانا» أن «وحدات من الجيش والقوات المسلحة بالتعاون مع مجموعات الدفاع الشعبية وَسَّعت نطاق عملياتها في منطقة أثريا بريف حماه الشرقي، وأحكمت سيطرتها على عقدة طرق الزكية ـ مفرق دير حافر». وبَيَّن المصدر أنه بإحكام وحدات الجيش السيطرة على مفرق الطرق تكون بذلك «قطعت أهم خطوط إمداد تنظيم داعش الإرهابي في المنطقة».

وأحكمت وحدات من الجيش سيطرتها على جبال أبو الزين ومنطقة المسبح خلال عملية عسكرية في منطقة أثريا، بدأتها أمس بالتعاون مع مجموعات الدفاع الشعبية، وإسناد جوي سوري روسي.

وتعتبر قرية زكية، التي بات الجيش يقف على مشارفها، ذات موقع استراتيجي مهم، حيث تتوسط محافظات عدة، هي حماه، الرقة، دير الزور، حلب، حمص، الأمر الذي يجعلها عقدة مواصلات مهمة للغاية. وتبعد زكية عن مطار الطبقة حوالي 40 كيلومتراً، وهي عبارة عن مساحات صحراوية خالية، إلا من بعض التجمّعات السكنية الصغيرة. ومن المتوقع أن يتخذ الجيش قرية زكية مركزاً له بهدف التحشيد والانطلاق منها في عملياته العسكرية المستمرة في المنطقة.

معركة ريف حلب الجنوبي

في هذه الأثناء، أعلن «جيش الفتح» في حلب عن معركة جديدة في ريف حلب الجنوبي، استهدفت مناطق جنوب وشرق بلدة خان طومان التي سيطر عليها «جيش الفتح» في هجوم سابق.

وقد تمكن المهاجمون بعد معارك عنيفة من التقدم والسيطرة أولاً على مستودعات خان طومان ثم قرية معراتة وتلال الخلاصي، لتنتقل المعارك إلى قرية حميرة وخلصة ذات الأهمية الإستراتيجية. وقد قامت «جبهة النصرة» بتنفيذ عمليتَين انتحاريتين في قرية خلصة، نفذ إحداهما سوري يدعى أبو أحمد الحموي. وتأتي أهمية هذه القرية من كونها تشرف على ريف حلب الغربي وعلى أوتستراد حلب - دمشق، واستمرت الاشتباكات فيها حتى وقت متأخر من دون أن يحسم أمر السيطرة عليها.

وتحدثت مصادر إعلامية من المعارَضة أن الهدف النهائي من هذه المعركة هو محاولة فتح خط إمداد جديد نحو الأحياء الواقعة تحت سيطرة المسلحين في مدينة حلب، بعد أن قام الجيش السوري بإغلاق طريق الكاستيلو عبر استهدافه جواً، والذي كان يعتبر خط الإمداد الوحيد لهذه الأحياء. وفي هذه الحالة يفترض أن تتجه المعارك نحو الوضيحي ومن ثم معمل الاسمنت للوصول إلى طريق الشيخ سعيد، ما يعني أن المهمة ليست سهلة، خصوصاً أن الجيش السوري يبسط سيطرته على القسم الأكبر من ريف حلب الجنوبي، كما أن حماية هذا الطريق في حال التمكن من فتحه تبدو مهمة أكثر تعقيداً.

وتأتي هذه المعركة الجديدة إثر تسريبات تحدثت عن إمكانية قيام الجيش السوري وحلفائه بأخذ زمام المبادرة، وتحريك جبهة حلب، عبر عملية واسعة، نتيجة تدهور الوضع الأمني والعسكري في المحافظة مؤخراً. ويبدو أن خشية «جيش الفتح» من هذه المعلومات، بالإضافة إلى الضغط الذي شكله إغلاق طريق الكاستيلو كانا وراء مسارعته إلى استباق الجيش السوري وقيامه بفتح معركة تناسبه من حيث الزمان والمكان، بدل أن يجره الجيش إلى معركة مجهولة بالنسبة إليه.

في غضون ذلك، توقف النشاط العسكري لـ «قوات سوريا الديموقراطية» في ريف الرقة الشمالي من دون صدور أي بيان لتفسير ذلك، علماً أن حملة إعلامية ضخمة واكبت انطلاق العملية. وكان مسؤولون أكراد يعلقون عليها الكثير من الآمال، لدرجة أن بعضهم بدأ يتحدث عن وجوب ضم الرقة إلى مشروع الفدرالية الكردية. ومن غير الواضح هل لتوقف الهجوم الكردي على الرقة علاقة بالهجوم الذي بدأه الجيش السوري باتجاه الطبقة؟ أم كما قالت بعض وكالات الأنباء أن السبب هو الخسائر الفادحة التي لحقت بـ «قوات سوريا الديموقراطية»؟.

لكن المشهد كان مختلفاً على جبهات القتال في ريف مدينة منبج، حيث واصلت «قوات سوريا الديموقراطية»، التي يهيمن عليها الأكراد، تقدمها في المنطقة وسيطرت على عدد من القرى التي جعلتها تقترب لمسافة 12 كيلومتراً من مشارف المدينة الإستراتيجية، وذلك وسط اشتباكات عنيفة نفذ خلالها تنظيم «داعش» عمليتَين انتحاريتين في قرية قبر إيمو، كما قام بقصف بعض القرى بصواريخ «غراد»، ما أدَّى إلى وقوع إصابات في صفوف «لواء جند الحرمين». ومساء أفاد مصدر ميداني أن «قوات سوريا الديموقراطية» شرعت في فتح محور جديد للهجوم على مدينة منبج من جهة الشمال الشرقي، حيث وقعت اشتباكات في قريتَي قراطة والتوخار.

وقد حاول تنظيم «داعش» فتح جبهات قتال جديدة بهدف تشتيت القوات المهاجمة، حيث هاجم بلدة سلوك بواسطة مجموعة من الانغماسيين، إلا أن «قوات سوريا الديموقراطية» تمكنت من صد الهجوم، فيما لا يزال يحاول توسيع هجومه في ريف الحسكة بعد سيطرته على قريتَين، أمس الأول.

إلى ذلك تمكنت قوات الجيش السوري من التقدم في محيط مدينة تدمر، حيث سيطرت على منطقة الصوامع والتلال المحيطة بها التي كان «داعش» يسيطر عليها، وذلك بالتزامن مع اشتباكات بين الطرفين في منطقة المحطة الثالثة شرق مدينة تدمر، وفي محيط حقل آراك ببادية تدمر. في المقابل، أكد تنظيم «داعش»، عبر وكالة «أعماق» التابعة له، أن «مجموعاته تمكنت من السيطرة على نقطة مهمة في جبل ثردة تمكنها من الإشراف على كامل مطار دير الزور العسكري».

  • فريق ماسة
  • 2016-06-03
  • 14999
  • من الأرشيف

غطاء جوي روسي يزاحم الدعم الأميركي للأكراد الجيش السوري يتقدم: سباق نحو الرقة؟

وضع الجيش السوري خريطة الأحداث في المنطقة الشمالية الشرقية أمام منعطف جديد قد يقلب المعادلة، ويغير موازين القوى ويؤثر في مآلات بعض المعارك. فالتوجه نحو الرقة بهذا التوقيت، الذي يشهد انخراطاً أميركياً مباشراً في قيادة معركتَين مصيريتَين تقوم بهما «قوات سوريا الديموقراطية» الأولى نحو الرقة والثانية نحو منبج، سيؤدي إلى عرقلة المخططات الأميركية في المنطقة، ويكبح من جماح الاندفاعة الكردية التي ذهبت بعيداً في ضم الأراضي إلى كيانها الفدرالي من دون احتساب لمواقف الأطراف الأخرى. كما أن مجرد إطلاق الجيش حملة عسكرية باتجاه الرقة سيكون كافياً لتجديد مواقفه من قضايا التقسيم والفدرلة، وإبراز رفضه لمسألة التقوقع، ضمن إطار ما اصطلح على تسميته بـ «سوريا المفيدة». ودشّن الجيش السوري طريقه إلى مدينة الرقة بافتتاحه، أمس، معركة عسكرية تأخرت لبضعة أشهر، بعد أن كان من المقرر أن تبدأ في شباط الماضي، لكنها توقفت آنذاك لاعتبارات ميدانية وسياسية عدة. وانطلقت الحملة الجديدة من المنصة نفسها التي كان يفترض أن تنطلق منها الحملة السابقة، وهي محطة الضخ في منطقة أثريا بريف حماه الشرقي التي شهدت تجمع التعزيزات التي استقدمها الجيش خلال الأسبوع الماضي. وتشكل قوات «صقور الصحراء»، العمود الفقري في هذه التعزيزات، وهي قوات قامت بأدوار بارزة في معارك ريف اللاذقية ومعركتَي تدمر والقريتَين. وشهدت الساعات الأولى من الهجوم الذي انطلق فجر أمس، تقدماً سريعاً لوحدات الجيش السوري التي توزعت على محاور عدة شمال وشرق أثريا. واستعادت الوحدات السيطرة على نقاط كان سبق للجيش أن سيطر عليها في شباط الماضي، وهي عبارة عن مجموعة من التلال المحيطة بالاوتستراد الواصل بين أثريا والطبقة، وأهم النقاط التي استعادها الجيش هي المسبح والعلم والنقطتان 11 و14. وبحسب الناشط الإعلامي إياد الحسين الذي يواكب عمليات «صقور الصحراء» في مختلف الجبهات، فإن الجيش السوري تقدم مسافة 10 كيلومترات خلال وقت قصير نسبياً، تحت غطاء جوي روسي كثيف، مشيراً إلى أن العملية انطلقت بتنسيق ودعم ومساندة من «الحليف الروسي» الذي قامت طائراته بتأمين تغطية جوية كثيفة. ورغم أن الحسين شدد على أن المعركة ستكون صعبة ومعقدة وطويلة، إلا أنه أشار إلى أن من حرّر جبال اللاذقية بتضاريسها الشديدة الوعورة خلال 10 أيام لن تصعب عليه الرقة وريفها. وإشارة الحسين إلى الأيام العشرة تحديداً ليست عبثية، لأن المعلومات التي حصلت عليها «السفير» تؤكد أن خطة العملية وضعت للقوات المهاجمة مهلة عشرة أيام كحد أقصى لتحقيق «أحد أهم الأهداف الإستراتيجية للمعركة»، وهو ما يوحي بالطابع المستعجل الذي يحيط بهذه العملية. وتبعد منطقة أثريا عن مدينة الطبقة بريف الرقة الجنوبي حوالي 70 كيلومتراً، هي بغالبيتها مساحات صحراوية تخلو من أي مناطق مأهولة، باستثناء بعض التجمعات السكنية الصغيرة. ومن المتوقع أن يحاول الجيش السوري التقدم بسرعة نحو قرية زكية ذات الموقع الاستراتيجي على عقدة مواصلات بين محافظات عدة، والتي تبعد عن أثريا حوالي 30 كيلومتراً، بغية اتخاذها مركزاً للتحشيد والانطلاق باتجاه مطار الطبقة الذي يبعد عن مدينة الرقة حوالي 50 كيلومتراً. وتشير هذه المسافات الطويلة إلى مدى صعوبة المعركة المرتقبة. وكانت «قوات سوريا الديموقراطية» قد أعلنت، قبل حوالي أسبوعين، عن إطلاق معركة للسيطرة على ريف الرقة الشمالي، بدعم من طائرات التحالف الدولي، الذي تقوده واشنطن، ثم أعلنت قبل أيام قليلة عن معركة جديدة باتجاه مدينة منبج شمال غرب الرقة في ريف حلب الشمالي، وبمساعدة أميركية أيضاً. وهذا يعني عملياً أن الطائرات الروسية والأميركية ستحلّق في المجال الجوي نفسه لتغطي كل منها عمليات حليفها على الأرض، لذلك من المستبعد ألا يكون هناك حد أدنى من التنسيق بين الطرفين، لا سيما بخصوص تنظيم الطلعات الجوية تفادياً لأي حوادث غير محسوبة، وهو ما شكل هاجساً لقيادة الدولتَين منذ أيلول الماضي، تاريخ التدخل الروسي في الحرب السورية، ودفعهما آنذاك لتوقيع أول اتفاق بينهما حول هذه النقطة. في هذا الوقت، تعهدت «قوات سوريا الديموقراطية»، في بيان، بطرد «داعش» من منبج والمناطق المحيطة بها في شمال سوريا، وحثت السكان على تجنب مواقع التنظيم لأنها ستكون أهدافا لحملتها. وقال وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر، خلال توجهه إلى سنغافورة لحضور اجتماع أمني إقليمي، إن تنظيم «داعش استخدم مدينة منبج قاعدة لتدبير مؤامرات ضد أوروبا وتركيا والولايات المتحدة، ما جعل من الضروري شن هجوم بدعم أميركي ضد التنظيم». واعتبر رئيس النظام التركي رجب طيب إردوغان أن «قوات سوريا الديموقراطية» تتألف في معظمها من مقاتلين عرب، فيما تقدم قوات كردية الدعم اللوجستي. وقال، في مؤتمر صحافي في نيروبي، إن القوات التي تشن العملية العسكرية تضم 2500 مقاتل سوري عربي و450 عنصرا فقط من وحدات حماية الشعب الكردية حسب قوله.   القوات السورية تتقدم نحو الطبقة... وفي محيط تدمر ....حلب: الفصائل تستبق عملية الجيش؟ عبد الله سليمان علي | تتنافس مدينتا حلب والرقة على سرقة الأضواء؛ فبينما كان الجيش السوري يتقدم ويحط رحاله بالقرب من الحدود الإدارية لمحافظة الرقة، منطلقاً من أثريا في ريف حماه الشرقي، كانت مدينة حلب على موعد مع معركة ضخمة شنتها فصائل «جيش الفتح» في ريفها الجنوبي، الذي اعتاد مؤخراً على مثل هذه المعارك، لكن هذه المرة يبدو أن الطموحات أوسع من أي وقت سابق.  وواصل الجيش السوري تقدمه على محور أثريا ـ الطبقة، حيث سيطر، أمس، على نقاط جديدة، تمثل أهمها بالوصول إلى مفرق قرية زكية وتلة السيريتل، ما يعني أنه أصبح على مسافة 40 إلى 50 كيلومتراً من مطار الطبقة. كما يعني أنه بات يقف بمحاذاة الحدود الإدارية لمحافظة الرقة. وقد وقعت بين الطرفين اشتباكات عنيفة تمكن خلالها الجيش من إفشال هجوم بسيارة مفخخة كان يستهدف قواته المتقدمة على محور زكية، كما غنم عربة «ب م ب» واعتقل عنصرَين من تنظيم «داعش». وأفاد مصدر عسكري، في تصريح لوكالة الأنباء السورية ـ «سانا» أن «وحدات من الجيش والقوات المسلحة بالتعاون مع مجموعات الدفاع الشعبية وَسَّعت نطاق عملياتها في منطقة أثريا بريف حماه الشرقي، وأحكمت سيطرتها على عقدة طرق الزكية ـ مفرق دير حافر». وبَيَّن المصدر أنه بإحكام وحدات الجيش السيطرة على مفرق الطرق تكون بذلك «قطعت أهم خطوط إمداد تنظيم داعش الإرهابي في المنطقة». وأحكمت وحدات من الجيش سيطرتها على جبال أبو الزين ومنطقة المسبح خلال عملية عسكرية في منطقة أثريا، بدأتها أمس بالتعاون مع مجموعات الدفاع الشعبية، وإسناد جوي سوري روسي. وتعتبر قرية زكية، التي بات الجيش يقف على مشارفها، ذات موقع استراتيجي مهم، حيث تتوسط محافظات عدة، هي حماه، الرقة، دير الزور، حلب، حمص، الأمر الذي يجعلها عقدة مواصلات مهمة للغاية. وتبعد زكية عن مطار الطبقة حوالي 40 كيلومتراً، وهي عبارة عن مساحات صحراوية خالية، إلا من بعض التجمّعات السكنية الصغيرة. ومن المتوقع أن يتخذ الجيش قرية زكية مركزاً له بهدف التحشيد والانطلاق منها في عملياته العسكرية المستمرة في المنطقة. معركة ريف حلب الجنوبي في هذه الأثناء، أعلن «جيش الفتح» في حلب عن معركة جديدة في ريف حلب الجنوبي، استهدفت مناطق جنوب وشرق بلدة خان طومان التي سيطر عليها «جيش الفتح» في هجوم سابق. وقد تمكن المهاجمون بعد معارك عنيفة من التقدم والسيطرة أولاً على مستودعات خان طومان ثم قرية معراتة وتلال الخلاصي، لتنتقل المعارك إلى قرية حميرة وخلصة ذات الأهمية الإستراتيجية. وقد قامت «جبهة النصرة» بتنفيذ عمليتَين انتحاريتين في قرية خلصة، نفذ إحداهما سوري يدعى أبو أحمد الحموي. وتأتي أهمية هذه القرية من كونها تشرف على ريف حلب الغربي وعلى أوتستراد حلب - دمشق، واستمرت الاشتباكات فيها حتى وقت متأخر من دون أن يحسم أمر السيطرة عليها. وتحدثت مصادر إعلامية من المعارَضة أن الهدف النهائي من هذه المعركة هو محاولة فتح خط إمداد جديد نحو الأحياء الواقعة تحت سيطرة المسلحين في مدينة حلب، بعد أن قام الجيش السوري بإغلاق طريق الكاستيلو عبر استهدافه جواً، والذي كان يعتبر خط الإمداد الوحيد لهذه الأحياء. وفي هذه الحالة يفترض أن تتجه المعارك نحو الوضيحي ومن ثم معمل الاسمنت للوصول إلى طريق الشيخ سعيد، ما يعني أن المهمة ليست سهلة، خصوصاً أن الجيش السوري يبسط سيطرته على القسم الأكبر من ريف حلب الجنوبي، كما أن حماية هذا الطريق في حال التمكن من فتحه تبدو مهمة أكثر تعقيداً. وتأتي هذه المعركة الجديدة إثر تسريبات تحدثت عن إمكانية قيام الجيش السوري وحلفائه بأخذ زمام المبادرة، وتحريك جبهة حلب، عبر عملية واسعة، نتيجة تدهور الوضع الأمني والعسكري في المحافظة مؤخراً. ويبدو أن خشية «جيش الفتح» من هذه المعلومات، بالإضافة إلى الضغط الذي شكله إغلاق طريق الكاستيلو كانا وراء مسارعته إلى استباق الجيش السوري وقيامه بفتح معركة تناسبه من حيث الزمان والمكان، بدل أن يجره الجيش إلى معركة مجهولة بالنسبة إليه. في غضون ذلك، توقف النشاط العسكري لـ «قوات سوريا الديموقراطية» في ريف الرقة الشمالي من دون صدور أي بيان لتفسير ذلك، علماً أن حملة إعلامية ضخمة واكبت انطلاق العملية. وكان مسؤولون أكراد يعلقون عليها الكثير من الآمال، لدرجة أن بعضهم بدأ يتحدث عن وجوب ضم الرقة إلى مشروع الفدرالية الكردية. ومن غير الواضح هل لتوقف الهجوم الكردي على الرقة علاقة بالهجوم الذي بدأه الجيش السوري باتجاه الطبقة؟ أم كما قالت بعض وكالات الأنباء أن السبب هو الخسائر الفادحة التي لحقت بـ «قوات سوريا الديموقراطية»؟. لكن المشهد كان مختلفاً على جبهات القتال في ريف مدينة منبج، حيث واصلت «قوات سوريا الديموقراطية»، التي يهيمن عليها الأكراد، تقدمها في المنطقة وسيطرت على عدد من القرى التي جعلتها تقترب لمسافة 12 كيلومتراً من مشارف المدينة الإستراتيجية، وذلك وسط اشتباكات عنيفة نفذ خلالها تنظيم «داعش» عمليتَين انتحاريتين في قرية قبر إيمو، كما قام بقصف بعض القرى بصواريخ «غراد»، ما أدَّى إلى وقوع إصابات في صفوف «لواء جند الحرمين». ومساء أفاد مصدر ميداني أن «قوات سوريا الديموقراطية» شرعت في فتح محور جديد للهجوم على مدينة منبج من جهة الشمال الشرقي، حيث وقعت اشتباكات في قريتَي قراطة والتوخار. وقد حاول تنظيم «داعش» فتح جبهات قتال جديدة بهدف تشتيت القوات المهاجمة، حيث هاجم بلدة سلوك بواسطة مجموعة من الانغماسيين، إلا أن «قوات سوريا الديموقراطية» تمكنت من صد الهجوم، فيما لا يزال يحاول توسيع هجومه في ريف الحسكة بعد سيطرته على قريتَين، أمس الأول. إلى ذلك تمكنت قوات الجيش السوري من التقدم في محيط مدينة تدمر، حيث سيطرت على منطقة الصوامع والتلال المحيطة بها التي كان «داعش» يسيطر عليها، وذلك بالتزامن مع اشتباكات بين الطرفين في منطقة المحطة الثالثة شرق مدينة تدمر، وفي محيط حقل آراك ببادية تدمر. في المقابل، أكد تنظيم «داعش»، عبر وكالة «أعماق» التابعة له، أن «مجموعاته تمكنت من السيطرة على نقطة مهمة في جبل ثردة تمكنها من الإشراف على كامل مطار دير الزور العسكري».

المصدر : السفير/عبد الله سليمان علي


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة