دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
منذ اكثر من شهر، تعيش مدينة حلب حالة مأساوية بسبب خرق الهدنة من قبل الجماعات المسلحة، حيث كانت لحظة الذروة في خرقها، سيطرة الجماعات المسلحة على تل العيس وبعض المواقع المحيطة به، تبعها سلسلة من الهجمات ليس آخرها هجمات اليوم على منطقة الزهراء شمال حلب وعلى جبهة البحوث العلمية غرب المدينة، وهي هجمات تأتي بعد هجومين فاشلين على جبهة خان طومان وجبهة منيان .
هذه الهجمات التي يواكبها قصف غير مسبوق، بالقذائف الصاروخية ومدفعية الهاون وصواريخ ثقيلة من طراز حمم يصل وزن الرأس المتفجر لبعض انواعها الى 600 كلغ، وهي كمية متفجرات مدمرة يتم استخدامها على اهداف مدنية بهدف الحاق اكبر قدر من التدمير والضحايا، وهو ما يحصل فعلاً .
في المباشر، هي معركة اطلقتها الجماعات المسلحة، والهدف هو كسر ميزان القوى لاستثمار نتائجه في المفاوضات، وان كانت الجماعات المسلحة هي الأداة التنفيذية لهذه المعركة، فإن مطلب كسر موازين القوى في الحقيقة هو هدف اميركي مباشر تم التحضير له ما قبل الهدنة، وتمّ تتنفيذ آلياته عبر اعادة تنظيم صفوف الجماعات المسلحة وايصال 3000 طن من الأسلحة النوعية، ووضع ما يلزم من الخطط العسكرية اعدّت في غرفة العمليات المشتركة في تركيا، ويتم من خلالها الإشراف على عمليات القصف والهجمات المتلاحقة .
هذه الهجمات وعمليات القصف تحصل بغطاء سياسي اميركي مباشر من خلال عرقلة تصنيف الجماعات المسلحة ومحاولة رسم خطوط حمراء بمواجهة الجيش السوري .
المعادلة القائمة يراد لها ان تستمر وتتحول الى حالة استنزاف دائم، ان لم تستطع الجماعات المسلحة تحقيق انجازات ميدانية، بهدف ارهاق سكان المدينة والضغط عليهم بشكل يومي وصولاً الى تهجيرهم وتفريغ المدينة من سكانها .
وقبل الإجابة على عنوان الموضوع لماذا تتأخر العملية العسكرية للجيش السوري لا بد من استعراض سريع لموازين القوى العسكرية وخرائط السيطرة الحالية والإنطلاق منها للإجابة على السؤال .
خلال سنتين واربعة اشهر من المواجهة، وتحديداً منذ اطلاق الجماعات المسلحة معركة “بتر الكافرين” مطلع العام 2014 ما تغير في خرائط السيطرة منذ ذلك الوقت كان لمصلحة الجيش السوري وليس لمصلحة الجماعات المسلحة، بدءاً من تحرير السجن المركزي والمدينة الصناعية، وصولاً الى عمليات الريف الجنوبي الغربي والريف الجنوبي الشرقي وتحرير نبل والزهراء. ما يعني ان الجماعات المسلحة باتت تعمل ضمن جيوب منعزلة عن بعضها رغم امتلاكها لخطوط امداد لهذه الجيوب كما هو الحال في الريف الشمالي الذي لا يزال يحصل على امدادات من تركيا، عبر معبر السلامة قرب اعزاز والريف الغربي الذي يحصل على امدادات من معبر باب الهوا، وكذلك الأحياء الشرقية لمدينة حلب التي لا تزال تحصل على امدادات عبر طريق الكاستيلو المرتبط بالريف الغربي لحلب .
المناطق التي يسيطر عليها الجيش السوري هي نقاط ارتكاز اساسية باتت تشكل محيطاً جغرافيا واسعاً حول حلب يؤمن لحلب نطاق آمان واسع وحصين يصعّب على الجماعات المسلحة احداث خروقات كبيرة، يمكن من خلالها التحدث عن تغيير ميداني كاسر للتوازن، والدليل ان هذه الجماعات لا تزال تهاجم من المحاور ذاتها على مدى سنتين واكثر سواء في محور الزهراء او محور البحوث العلمية .
اضافة الى هذه المعطيات، فإن حجم القوات ونوعية الدعم والأسلحة الموجودة لدى الجيش السوري وحلفائه باتت افضل وأفعل خصوصاً بعد دخول الطيران الروسي على خط المعارك وامكانية عودته الى سابق زخمه وفعاليته في اللحظة الضرورية .
العائق الأكبر امام بدء الجيش السوري لعملياته العسكرية في حلب ومحاورها، هو حالة المراوحة السياسية والحملات الإعلامية الكبيرة والمنظمة التي تحصل، وهو أمر ليس بالسهل حيث يجب تذليله والعمل على تخطيه، قبل البدء باية عملية عسكرية رغم ان منطق الصراع وبعد سلسلة التجارب في هذا الصدد، تستدعي عدم الإلتفات لهذه المعوقات لأنها تندرج ضمن حلقة من الخداع المتواصل والتردد السياسي، تقوده وتنظمه اميركا مع حلفائها الإقليميين .
في المبدأ الضرورة تفرض عدم اتاحة الفرصة للجماعات المسلحة وداعميها بادخال الوضع في المراوحة والإستنزاف، والبدء بالعملية العسكرية التي تتوفر لها امكانيات اطلاقها وكسر الخطوط الحمر الأميركية وغير الأميركية، لأنها اللغة الوحيدة التي تفهمها اميركا وادواتها. الا ان المنطق يقتضي عدم استخدام الوضع الإنساني الناتج عن همجية الجماعات المسلحة وسيلة ضغط على الجيش السوري وقيادته في استعجال العمليات وترك التوقيت مرتبطاً بإعتبارات الميدان حيث يعلم القاصي والداني اهمية حلب ومعركتها فالنصر في هذه المعركة يعني ان وجه المنطقة بكليته سيتأثر، في حين ان التأني في خوضها مفترض ان يشكل الناظم الأساسي، واي استعجال غير مدروس قد يؤدي الى نتائج سلبية تعقّد الصراع اكثر وتطيل امد المواجهة .
المصدر :
بيروت برس/ عمر معربوني
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة