دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
نظم عرض عسكري ضخم في موسكو، أمس، احتفالاً بالذكرى الحادية والسبعين لانتصار الاتحاد السوفياتي على ألمانيا النازية. وفي الصورة (ا ب ا) جنود روس خلال العرض في العاصمة الروسية.
البيان الروسي ـ الأميركي يجدد رهان موسكو على إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما قبل خروجه من البيت الأبيض كفرصة أخيرة لحل سياسي في سوريا، أو مواجهة حرب استنزاف.
على المدى المباشر والأقصر، يبعث البيان في توقيت إصداره، برسائل تلتف على من اجتمعوا في باريس أيضاً أمس من وزراء خارجية وممثلي 10 دول، هي فرنسا وبريطانيا وألمانيا وقطر والسعودية وتركيا والإمارات والأردن والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، الذين التزموا بلهجة «تهدئة» مشابهة ودعوة إلى استئناف الحوار، بعدما كان الهدف من دعوة الفرنسيين للاجتماع هو تقديم التغطية السياسية لرئيس وفد الرياض رياض حجاب، ومن خلفه السعودية في اندفاعها نحو معركة حلب، التي مددت الهدنة فيها لمدة 48 ساعة.
البيان يبادل موافقة أميركا تحديد مناطق وجود «جبهة النصرة» وتنظيم «داعش» مقابل الضغط الروسي على دمشق «كي تقلل من استخدام الطيران في المناطق التي يكثر فيها المدنيون أو التنظيمات التي تلتزم الهدنة».
قبول واشنطن المستجد بوضع «جبهة النصرة» رسمياً في دائرة الاستهداف أسوة بـ «داعش» يتناقض وموقفها الداعم على الأرض للجبهة، خصوصا أنها تلعب دوراً كبيراً في هجوم «جيش الفتح» على جبهات حلب، بدعم سعودي - تركي، ذلك أن واشنطن لم تتوقف عن مطالبة موسكو بعدم الإغارة على مواقع «النصرة» منذ دخول الهدنة حيز التنفيذ في 27 شباط الماضي.
العبارات الأخرى لا تبدو قابلة للتصديق، أو حتى للتحقيق. الالتزامات التي قدمتها واشنطن بالضغط على حلفائها الإقليميين لتنفيذ القرار 2253 وعرقلة «وصول المساعدات العينية أو المادية للإرهابيين، ومنعهم من عبور حدودهم»، لم تحترمها واشنطن نفسها في الماضي. وهي لم تتوقف خلال العملية العسكرية الروسية - السورية المشتركة عن إعادة ترميم البنى التحتية التسليحية، لكل المجموعات المسلحة.
وكانت مجلة «جينز» المتخصصة بشؤون الدفاع قد كشفت، قبل شهر، عن إرسال الأميركيين ثلاثة آلاف طن من الأسلحة، تضم بنادق كلاشنيكوف ومدافع عيار 12.7 و14.5 ومتفجرات، وما يقارب الـ800 صاروخ «فاكتوريا» المضادة للدبابات والمدرعات. وكانت الشحنة الأولى التي تضم 994 طناً قد انطلقت من ميناء في بلغاريا في 4 كانون الأول الماضي، أي بعد 20 يوما على تفاهم فيينا الأميركي الروسي على إطلاق العملية السياسية في سوريا، لتصل بعد 10 أيام في 81 حاوية إلى ميناء العقبة الأردني.
ويمكن التشكيك أيضاً ليس في مصداقية الأميركيين وجدية تفاهمهم مع الروس، بل التساؤل عما إذا كان هذا التفاهم من «جانب روسي» واحد. إذ انطلقت عملية إعادة التسليح الأميركية نحو الموانئ الأردنية والتركية، بعد مرور شهر بالتمام من إعلان الهدنة في سوريا، وهو ما يعني أن إعداد الولايات المتحدة، ومعها الأطراف الإقليمية الأخرى لإعادة التسليح، وبناء ما دمرته الغارات الروسية من مستودعات أسلحة وبنى تحتية بلغت 80 في المئة من قدراتها، كان يسير بالتوازي مع «التفاهم» مع الروس، ليس للدخول في تسوية جدية وإنما لانتهاز الهدنة وإعادة الأمور إلى نقطة الصفر، أو المربع الذي كانت عليه ما قبل انطلاق العملية الروسية نهاية أيلول الماضي.
ويشيع ديبلوماسيون روس قي قلب الملف السوري تفاؤلاً أبعد من مجرد الإصرار على هدنة تبدو حتى الآن من جانب واحد، وثقة بحسن النيات الأميركية. ومن نافل القول إن الجيش السوري يدفع ثمنها قبل غيره، بعد الانسحاب الجزئي الروسي المفاجئ في شباط الماضي، والمجاني، في لحظة اقتراب الجيش السوري وحلفائه من قلب موازين القوى في سوريا، وفي قلبها حلب بعد سلسلة العمليات التي أفضت خلال الخريف وجزء من الشتاء، إلى استعادة شطر كبير من الطوق الحلبي شمالا وشرقا وجنوبا، من أيدي المجموعات المسلحة.
والاهم أن القرار الروسي بالذهاب إلى الهدنة من دون ضمانات حقيقية تحصن الهدنة، كإغلاق الحدود مع تركيا، ومن دون «خطة ب» للعودة بسرعة إلى الميدان، حال دون الحصول على أي تنازلات في «جنيف 3» من الولايات المتحدة والسعودية ووفد الرياض، بل إن التفاوض من دون الضغط العسكري لدعم العملية السياسية أدى في النهاية إلى تآكل جزء كبير من مفاعيل العملية الروسية، التي أخرجت الجيش السوري من جدران سوريا المفيدة، وأعادته إلى قلب المناطق التي لم يدخل الكثير منها منذ 3 إلى 4 أعوام في شمال اللاذقية وأرياف حلب والغوطة.
وتبين في ما بعد أن الخطأ التكتيكي الروسي قد أضاع على دمشق والسوريين والمنطقة فرصة حقيقية لإخراج الأتراك من الشمال السوري، وضرب العمود الفقري للمجموعات التي تدعمها، وعزل «النصرة» والمتطرفين وفتح الطريق أمام تسوية محتملة للحرب المستمرة منذ خمسة أعوام، وتقوية عناصر الحل الداخلي وإعادة جزء كبير من القرار السوري إلى الداخل، والكتلة التي يمثلها الجيش والدولة السورية، على حساب القوى الدولية والإقليمية، وهي فرصة قد لا تتكرر.
ويقول مسؤول روسي في الخارجية، يمثل الجناح الأقرب إلى التسوية مع الأميركيين، «إننا والأميركيين حريصون على الوصول إلى تفاهم قبل آب المقبل، لأنه سيكون شهراً مفصلياً في تاريخ الأزمة السورية». يمثل آب هاجساً كبيراً لموسكو، بإخراجه الإدارة الأميركية من حيز السياسة الخارجية، ودخول أميركا مرحلة الانتخابات الرئاسية، واستنكاف الرئيس الأميركي عن اتخاذ المزيد من القرارات التي تلزم في الأشهر الأخيرة الإدارة المقبلة.
وشرح المسؤول الروسي، أمام مقربين في عاصمة عربية زارها في الساعات الماضية، سبب الرهان على الهدنة رغم انهيارها، بأن الإدارة الروسية تسابق الوقت للتوصل إلى «الآليات لتنفيذ التفاهمات مع الأميركيين قبل رحيل الإدارة الحالية، وهو أمر صعب ومعقد». ويقول المسؤول إن «العناوين العريضة للتفاهمات مع الأميركيين حول سوريا، قد وُضعت، وان الرئيس فلاديمير بوتين لن يخاطر بتأجيلها حتى رحيل إدارة باراك اوباما، لأننا لا نثق بالإدارة المقبلة، كما أننا نسابق الوقت لعقد صفقة في ملفات أخرى ضاغطة وإقليمية وعالمية».
وجلي أن الروس قد قطعوا شوطا بعيدا في التفاهم مع الأميركيين على سيناريو للحل السياسي. اذ يقول المسؤول الروسي إن «الدستور سيوضع موضع التنفيذ في آب المقبل، ونحن نواصل التفاهم مع الأميركيين حوله». وتطرح مجموعة من 25 إلى 30 فقرة دستورية نقاشاً واسعاً بين الطرفين، لاشتمالها على المواد المتعلقة بالصلاحيات الرئاسية. ويقول المسؤول إن «نسخة قد عرضت على الرئيس بشار الأسد، وقد أبدى ملاحظاته على بعض مواده».
ويذهب الرهان الروسي على صلابة التفاهم إلى القول بأنه أعاد خلط الأوراق كلياً في المنطقة إلى حد انقلاب المشهد الإقليمي، وان «هناك اليوم خلافا كبيرا بيننا نحن الروس والأميركيين من جهة والدول الإقليمية من جهة أخرى، كإيران وتركيا والسعودية، لان هذه الدول لا تريد التسليم بالوقائع الجديدة التي خلقها الانخراط الروسي في سوريا، والتفاهم مع الأميركيين».
المصدر :
محمد بلوط
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة