دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
تعرضت الجهود الأميركية ـ التركية المشتركة الرامية إلى تسليم الشريط السوري الحدودي لـ «فصائل منتقاة»، تحل محل تنظيم «داعش»، لنكسة قوية قد تضع حدّاً نهائياً لهذه الجهود. إذ تمكن التنظيم، خلال ساعات قليلة، من استعادة غالبية الأراضي التي فقدها في المنطقة قبل عدة أيام.
يأتي ذلك بينما تتواصل المعارك الخارقة للهدنة على جبهات عديدة بين الجيش السوري والفصائل المسلحة، وسط استمرار المساعي لعقد الجولة الثالثة من مؤتمر «جنيف 3» يوم غد.
وقد تواصلت مساعي «جبهة النصرة» وحلفائها لتغيير خريطة السيطرة على الأرض، قبل انعقاد مؤتمر جنيف، فاستمرت بخرق الهدنة وإطلاق الهجمات ضد مواقع الجيش السوري في جبهات عديدة. لكن الجيش تمكن من إفشال العديد من هذه الهجمات، كما في ريف حلب الجنوبي، كما استطاع أن يمتص زخم هجمات أخرى ومنعها من تحقيق تقدم استراتيجي كما في ريف اللاذقية، حيث استعاد بعض النقاط التي كانت تقدمت إليها «النصرة»، وأهمها جبل أبو علي والقاموع، وكذلك الأمر بالنسبة إلى سهل الغاب حيث نفذت «النصرة» وحلفاؤها، أمس الأول، هجوماً كبيراً تخلله تفجير عربتين مفخختين، وكان يستهدف الوصول إلى معسكر جورين الاستراتيجي، لكن الجيش تصدى للهجوم على خربة الناقوس والمنصورة وأجبر المهاجمين على التراجع.
وكان وزير الخارجية السوري وليد المعلم قد اتهم كلاً من السعودية وتركيا بتوجيه «المجموعات الإرهابية» لخرق الهدنة، وذلك خلال لقاء جمعه مع المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا، في دمشق أمس.
من جهة أخرى، بالرغم من التفاؤل الذي عبّرت عنه تصريحات مسؤولين أميركيين وأتراك، خلال الأيام الماضية، حول حصيلة المعارك الجارية في بلدات وقرى الشريط الحدودي بريف حلب الشمالي مع تركيا، ومسارعة بعض هؤلاء، مثل المتحدث باسم التحالف الدولي ستيف وارن ووزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، إلى امتداح أداء «الفصائل المنتقاة» أميركياً، إلا أن الوقائع الميدانية سرعان ما أثبتت أن هذا التفاؤل لم يكن في مكانه، وأن «الفصائل المنتقاة» فشلت فشلاً ذريعاً في تنفيذ المهمة المطلوبة منها، وهي دحر تنظيم «داعش» من الشريط الحدودي بين إعزاز وجرابلس تمهيداً لإقامة «منطقة آمنة للسوريين على الحدود»، كما قال جاويش أوغلو خلال مقابلة تلفزيونية السبت الماضي.
و «الفصائل المنتقاة» هي مجموعة من الفصائل التي تقول الولايات المتحدة إنها فحصتها وتحرت عنها، ووجدت أنها مؤهلة للتعاون معها في المعارك ضد «داعش». وكانت هذه الفصائل، وأهمها «أحرار الشام الإسلامية»، تمكنت، الأسبوع الماضي، من طرد تنظيم «داعش» من بلدة الراعي الإستراتيجية وقرى أخرى مجاورة لها، الأمر الذي اعتبره ستيف وارن، على «تويتر»، إنجازاً يستحق الإشادة به. كما سارع جاويش أوغلو إلى التأكيد بأن «المعارضة المعتدلة انتزعت ثقة التحالف الدولي لقتال داعش».
ولكن لم يطل الوقت، قبل أن يوجه التنظيم صفعة قوية إلى «الفصائل المنتقاة» ومن يقف خلفها، من خلال قيامه، صباح أمس، بهجوم معاكس تمكن خلاله من استعادة السيطرة على بلدة الراعي الإستراتيجية وسط انهيار في صفوف خصومه الذين ظهروا بمظهر العاجزين عن مواجهة التنظيم، في ظل غياب المدفعية التركية والطائرات الأميركية التي كانت قبل أيام قد مهدت لهم الطريق نحو الراعي. ثم كرّت سبحة البلدات والقرى التي أخذت تتساقط بأيدي التنظيم بسرعة كبيرة، حتى بلغ عدد القرى التي سيطر عليها حوالي 15 قرية.
وهذه ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها الجهود الأميركية لنكسة مماثلة. إذ قبل عدة أشهر انتهى برنامج تدريب «المعارضة المعتدلة» إلى فشل ذريع، بعد أن أنفقت عليه من خزانتها ما يقارب نصف مليار دولار. ولم يعد خافياً أن من أهم الأهداف التي كانت متوخاة من وراء دعم «الفصائل المنتقاة» في ريف حلب الشمالي، هو إلغاء مفاعيل سيطرة الجيش السوري على تدمر والقريتين، وإظهار أنه ليس لوحده من يملك القدرة على هزيمة «داعش».
وحذرت هيئة الأركان العامة للجيش الروسي من أن عناصر «جبهة النصرة» يحتشدون حول مدينة حلب السورية ويخططون لشن هجوم واسع النطاق. وأوضح قائد قيادة العمليات الرئيسية بهيئة الأركان العامة سيرغي رودسكوي أن المتشددين يخططون لقطع الطريق بين حلب ودمشق.
وفي جنوب دمشق، أعلن «داعش» سيطرته على معظم مخيم فلسطين، فيما تواصلت المعارك في مخيم اليرموك. ولم تتمكن «جبهة النصرة» من وقف تقدم التنظيم الذي بدا مصرّاً أكثر من أي وقت مضى على فرض سيطرته الكاملة على المخيم من دون أي منافس. وقال مصدر ميداني من داخل المخيم لـ «السفير» إن «التنظيم على وشك احتلال كامل المخيم، ولم يبقَ أمامه سوى بعض المقار الصغيرة للنصرة في دوار فلسطين وشارع جاعونة».
ومن الأسباب التي أدت إلى تسريع هزيمة «جبهة النصرة» أمام «داعش»، وقوف الأهالي ضدها وخروجهم بتظاهرات حاشدة للمطالبة بعدم السماح للمؤازرات بالدخول إلى المخيم، وذلك رداً على دور «النصرة» في إدخال «داعش» إلى المخيم قبل عام من الآن، حيث تواطأت معه آنذاك ضد «أكناف بيت المقدس». وهو ما اضطر قسماً كبيراً من عناصر «النصرة» إلى ترك السلاح وتسليم أنفسهم للتنظيم. وكانت المعارك التي اندلعت منذ الأربعاء الماضي، أدت إلى سيطرة التنظيم على معاقل «النصرة» في جورة الشريباتي وشارع 15 وحاجز العروبة. وكانت «جبهة النصرة»، في محاولة أخيرة منها لاستجلاب المؤازرات، أصدرت بياناً أعلنت فيه نفيها تكفير «جيش الإسلام»، وأكدت وقوفها ضد المصالحات مع النظام السوري، لكنّ ذلك لم ينفعها.
وعلى صعيد منفصل، تعقدت الأوضاع في محافظة درعا التي تعيش على وقع معارك ضارية ضد فصائل محسوبة على تنظيم «داعش» منذ عدة أسابيع، إذ أقدم «جيش العشائر» على اقتحام مقر «دار العدل» في بلدة غرز وأخرج معتقلين تابعين له من سجونها، ما أدى إلى استنفار الفصائل الأخرى، وسط مخاوف من توسع رقعة المعارك في ظل الفوضى التي تسود المحافظة.
المصدر :
السفير/ عبد الله علي
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة