دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
فسطاط المسلمين بحسب ما يقول منظرو “التيار السلفي” في سوريا، وفيها الملحمة الكبرى. اشتعلت فيها نار الحرب بين جيش الإسلام بما يمثل من جهة، وجبهة النصرة وفيلق الرحمن من جهة أخرى، في معركة تعتبر من تجليات صراع فكري وسياسي على أرض الشام بين المدارس التكفيرية، يتداخل فيه العوامل الإقليمية والدولية، بالإضافة إلى الحسابات الشخصية.
أولى تلك المدارس، تنظيم القاعدة، الذي تتبع له جبهة النصرة، والساعية إلى اختزال ما يسمى “الجهاد في الشام”، من خلال القضاء على جميع المنافسين المحتملين، بدءاً من فصائل الجيش الحر، مروراً بجيش الإسلام، وليس من الواضح من سيكون التالي، رغم أن المؤشرات تدل على أن أحرار الشام، على لائحة الفصائل المنوي تصفيتها من قبل القاعدة، بعدما تخلت الحركة عن مبادئ “الولاء والبراء”، وباتت أقرب إلى فصائل “الناتو”، بحسب ما يقول أتباع الجبهة.
النصرة ذات الصيت السيء في سوريا بين الجماعات المسلحة، تيقنت أن المطلوب تصفيتها، بقرار دولي وإقليمي، تشاركت فيه السعودية وتركيا من جهة، والإدارة الأميركية في جهة أخرى، في إطار سعي الإقليم إلى تقديم “الولاء” للغرب، من خلال التخلص من الجماعات المصنفة إرهابية، وبالتالي الحصول على مكاسب سياسية على طاولة المفاوضات.
جبهة النصرة التي راهنت على المتغيرات الدولية، قدم متزعمها أبو محمد الجولاني للأميركيين العديد من قادتها قتلى، وآخرهم القيادي البارز على مستوى تنظيم القاعدة “ابو فراس السوري”، وفي باله أن ذلك يؤمن له مؤطئاً في الشام، يقيم عليه إمارته، على اعتبار أن الأزمة السورية مستمرة إلى ما لا نهاية، لكن يبدو ان هذا الأمر قد انتهى، وبات رأس القاعدة هو المطلوب.
زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، المختفي عن الأنظار، يبدو أنه بات يدرك أن جماعته في الشام، في أيامها الأخيرة، رغم أنه قدم لأجل تمكينها تنازلات شتى، اولها التخلي عن العداء مع أميركا، واستبداله بحرب مع المسلمين، تحت عناوين “التكفير” و “الردة”. فلا وليد نهجه “داعش” استطاع المحافظة على المكتسبات، ولا ذراعه الرسمي في سوريا، نجح في تقديم نموذج لباقي الجماعات في المناطق التي سيطر عليها، فخاض حروباً مع جماعات دعمته في السنين السابقة وحمته من نار داعش، كما طارد من بايعه سراً من قادة فصائل الجيش الحر، ما جعل الجميع ينفر من سلوك الجبهة، ويوجه لها الإنتقادات.
هو اذن يوم الملحمة، الذي سوقت له التيارات التكفيرية ضد أبناء الوطن، وضد المسلمين، فهو ينقلب عليها، قتالاً ومزيداً من الدماء، التي تسقط قرباناً لمغامرات من ادعت يوما انها “جهاد”، وجرت ويلات على الأمة الإسلامية بدءاً من 11 أيلول عام 2000 وما تلاها من احداث، إلى يومنا هذا.
جيش الإسلام الذي يقاتل جبهة النصرة وملحقاتها تحت شعار “قتال الخوارج”، نسي أو تناسى أنه يتبع لنفس المدرسة الفكرية التي أنتجت تنظيم القاعدة، وهي الوهابية، وهي نفسها التي يحملها تنظيم داعش، فيما إشادة مؤسسه زهران علوش بمقاتلي النصرة ما تزال موجودة على مواقع التواصل. لكن هذا الجيش الذي يحمل من الإسلام عنواناً له، يقوم الآن بحروب وكالة ضد الفصائل الاخرى، بهدف حجز مقعد له على طاولة المفاوضات.
ويريد جيش الإسلام من خلال هذه المعركة، إرسال إشارة إلى اللاعب الدولي في جنيف، بأنه قادر على محاربة الجماعات الإرهابية في سوريا، وبالتالي المحافظة على وضعه ككبير للتفاوض في هذه المرحلة، خصوصاً بعد سقطته في المحادثات التي انتهت قبل أيام، والتي لم يظهر فيها لاعباً قوياً ممسكاً بالميدان، لا بل على العكس، ظهر هزيلاً، بأن الميدان في واد وهو في واد آخر.
تصفية الحساب
وتأتي معركة الغوطة في سياق محاولة السعودية لغسل يدها من تهمة دعم الجماعات الإرهابية المصنفة دوليا، إذا ما تم ربطها بما يجري في اليمن من حملة لدول العدوان على تنظيم القاعدة هناك، الذي كان رأس حربة في محاربة الجيش واللجان الشعبية، فيما يبدو أنه مقدمة لتسوية إقليمية، تريد منها الرياض تثبيت مكتسباتها الميدانية، مقابل سعي تركيا لتحقيق “منطقة آمنة” في الشمال الحلبي.
وتعاني المملكة السعودية من وضع لا يحسد عليه، بدءأ من تدهور العلاقة مع الإدارة الاميركية، وصولاً إلى وضع إقتصادي غير سليم، نتيجة الحروب التي دعمتها وأججتها في المنطقة.
وللمحافظة على دورها، وإعادة العلاقات مع واشنطن كما كانت، تسعى الرياض لمحاربة الجماعات الإرهابية وفق التصنيف الدولي، وبالتالي محاربة تنظيم القاعدة كجزء من هذه المنظومة الإرهابية العالمية، وما حرب الغوطة التي تقودها الذراع السعودية في سوريا، ما هي إلا احدى مفرزات هذه الخطوات، التي يقودها ولي ولي العهد محمد بن سلمان، الساعي إلى التقرب من الأميركيين.
كما أن حرب بن سلمان ضد القاعدة بذراعيها اليمني والسوري، يعطيه حذوة في الداخل السعودي، كوريث محتمل للعرش، بعد سلمان بن عبد العزيز، كون حساب الرياض مع القاعدة طويل، يمتد من أيام تكفير اسامة بن لادن للأسرة الحاكمة في السعودية، وشن حرب ضدها.
خلفية
بدأت المواجهات في الغوطة الشرقية بعد مهاجمة مسلحي فيلق الرحمن و جيش الفسطاط الذي تقوده جبهة النصرة مقرات جيش الإسلام في مدن وبلدات القطاع الأوسط، ما أدى إلى مقتل وإصابة العديد من المسلحين. وأصدر جيش الاسلام “البيان الاول” والذي اتهم به الفصائل الأخرى بـ “البغي”، وحذرهم من أن الجيش قادم إليهم.
وجاءت هذه المواجهات بعد إصدار الفيلق بيانا قبل أيام اتهم فيها جيش الاسلام بالقيام بمحاولات اغتيال في الغوطة، طالت مؤخراً القاضي العام السابق للغوطة الشرقية خالد طفور، وهو مسؤول شرعي في الفيلق.
المصدر :
الماسة السورية/ أحمد فرحات
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة