منذ إعلان وقف إطلاق النار في سورية والتزام الجيش السوري بالقرار، مستثنياً الجماعات الإرهابية أو محاولات متفرّقة لكسر الهدنة، كانت تأتي على شكل عملية استفزازية، والمجتمع الدولي يراهن على نجاح المساعي السياسية للموفد الأممي ستيفان دي ميستورا،

 

وقبل البدء باجتماعات جنيف هذا الشهر كانت الأوساط الدولية المعنية بالحرب على سورية ترفع من مستوى تصريحاتها لتعطيل أو منع السوريين من إتمام الانتخابات البرلمانية في موعدها، ومع انتهاء العملية الانتخابية راهن داعمو العدوان على سورية على ما أسموه «عملية تحرير حلب»، والتي تبنّتها «جبهة النصرة» المدعومة من تركيا والسعودية، ذلك الهجوم الذي فشل ولم يحقق أيّ تقدّم بل تكبّدت تلك الجماعات خسائر بالجملة لم تستطع أن تخفيها، بل أعلنت عبر وسائل إعلامية أنّ «النصرة» فتحت تحقيقاً داخلياً لشعور القادة الميدانيين أنّ الجبهة مخترقة أمنياً كلّ حركاتها مرصودة من قبل الجيش السوري.

 

في هذه الأثناء قرّر مشغلو وفد الرياض سحب الوفد من التفاوض من دون حجة مقنعة سياسياً، ولكن الرسالة كانت واضحة ومفادها أنّ وفد الرياض يعتمد على «جبهة النصرة» كذراع عسكري له مدعوم من تركيا في الشمال ومن «إسرائيل» في الجنوب، بالإضافة إلى التسهيلات اللوجستية من الأردن والتمويل السعودي الذي وصل إلى حدّ إمداد تلك الجماعات بالمضادات الجوية و«جبهة النصرة» المصنّفة دولياً ضمن الجماعات الإرهابية والتي ادّعت أميركا أنها تحاربها وتعتبرها رديفاً لـ«داعش» رغم ما يُشاع عن تناحر بين الأخوين التوأم الآتيين من رحم «القاعدة»، التي كانت السبب الأول في دخول أميركا إلى أفغانستان تحت شعار محاربة الإرهاب، هذا الإرهاب الذي صنّع أميركياً وبالمال العربي منذ نحو أربعة عقود وما زال يُدار من غرف سوداء موزعة بين عواصم عربية مهتمة بتمويله وعواصم غربية تسهّل له المرور والعبور بين مشارق الأرض ومغاربها.

 

فما يُسمّى وفد الرياض مكبّل تماماً بالتعليمات السعودية التي ترفض الحلّ السياسي في سورية، وينفذ هذا الوفد رغبة السعودية في السير إلى آخر الطريق موعوداً بزيادة دعم الجماعات الإرهابية أو ما يسمّيها هو «الجماعات المعتدلة»، تلك الجماعات التي تستهدف المدنيين وتلاحقهم في لقمة عيشهم وتمنع وصول المساعدات الإنسانية إليهم، فالوفد بشكله الديمقراطي يضمّ السلفيين والتكفيريين ولا يقبل أيّ حوار حتى من المعارضة السورية التي لا يتفق معها، وعملياً يتهم الوفد الوفود الأخرى بأنها من صنع النظام، ويدّعي وفد الرياض أنه الممثل الشرعي للشعب السوري في مفاوضات جنيف، هذا الادّعاء جاء نتيجة تسهيلات أميركية للحليف السعودي ولم يأت نتيجة إجماع الشعب السوري أو الجزء المعارض من الشعب السوري على هذا الوفد.

 

وما تراهن عليه السعودية اليوم هو عامل الوقت إلى حين انتهاء فترة حكم أوباما، فالخلافات بين الرياض وواشنطن أصبحت علنية وباراك أوباما يسير اليوم، حسب ما يدّعي من أجل مصالح أميركا حتى لو تخلى عن حلفاء تقليديين مثل السعودية وقطر، في المقابل تهدّد الرياض بسحب أصولها المالية المقدرة بمئات مليارات الدولارات من أميركا، تلك الأصول التي لم تفكر الرياض بسحبها في يوم من الأيام لإلزام أميركا بالضغط على «إسرائيل» لتنفيذ القرارات الدولية ووقف اعتداءاتها على أبناء الشعب الفلسطيني، كما لم تلوّح السعودية سابقاً لمنع أميركا من استخدام حق النقض ضدّ أيّ قرار لا يصبّ في مصلحة «إسرائيل»، ولم تستخدمها حتى عندما اعتقل سعوديون في غوانتانامو. ولكنها اليوم تهدّد بسحبها للضغط على الإدارة الأميركية وطبعاً من محاور الخلاف الحرب على سورية.

 

ما ينتظره وفد الرياض و«النصرة» اليوم هو المحافظة على ما تملكه «النصرة» ميدانياً إلى حين خروج أوباما من البيت الأبيض، والتوصّل مع الإدارة الأميركية الجديدة إلى اتفاق قد يكون دعم التدخل البري في سورية من خلال التحالف الدولي وعدم الاكتفاء بالضربات الجوية التي لم تستهدف حتى اليوم أيّ موقع من مواقع «داعش» أو «النصرة» بشكل حقيقي.

 

لقد حان الوقت أن تعلن الحكومة السورية رفض التفاوض مع وفد الرياض، فهذا الوفد يمثل الجناح الإرهابي المسلح في سورية، وهذا الوفد من خلال تصريحاته مرتبط دون أدنى شك مع جميع العصابات الإرهابية، وعلى السوريين تحريك قضايا دولية لملاحقة هذا الوفد الذي يتحدّث في جنيف وعلى وسائل الإعلام باسم الجماعات الإرهابية.

 

فالقصف العشوائي الذي يطاول المدنيين والسيارات المفخخة وقطع الطرق هي جرائم حرب وجرائم ضدّ الإنسانية، فكيف سنفاوض من يدعمون هذه الأعمال. ولن ننسى تصريحات أعضاء ما يسمّى ائتلاف الدوحة الخائن حول بنادق «النصرة» والتي أطلق عليها في حينه اسم «البنادق الشريفة»، وأيّ شرف هذا الذي تحمله تلك البنادق؟

 

إنّ إطالة الحرب أمر مؤلم، ولكن مصافحة الإرهابيين أكثر إيلاماً من الحرب نفسها.

  • فريق ماسة
  • 2016-04-28
  • 6279
  • من الأرشيف

«النصرة» ذراع عسكري لوفد الرياض

منذ إعلان وقف إطلاق النار في سورية والتزام الجيش السوري بالقرار، مستثنياً الجماعات الإرهابية أو محاولات متفرّقة لكسر الهدنة، كانت تأتي على شكل عملية استفزازية، والمجتمع الدولي يراهن على نجاح المساعي السياسية للموفد الأممي ستيفان دي ميستورا،   وقبل البدء باجتماعات جنيف هذا الشهر كانت الأوساط الدولية المعنية بالحرب على سورية ترفع من مستوى تصريحاتها لتعطيل أو منع السوريين من إتمام الانتخابات البرلمانية في موعدها، ومع انتهاء العملية الانتخابية راهن داعمو العدوان على سورية على ما أسموه «عملية تحرير حلب»، والتي تبنّتها «جبهة النصرة» المدعومة من تركيا والسعودية، ذلك الهجوم الذي فشل ولم يحقق أيّ تقدّم بل تكبّدت تلك الجماعات خسائر بالجملة لم تستطع أن تخفيها، بل أعلنت عبر وسائل إعلامية أنّ «النصرة» فتحت تحقيقاً داخلياً لشعور القادة الميدانيين أنّ الجبهة مخترقة أمنياً كلّ حركاتها مرصودة من قبل الجيش السوري.   في هذه الأثناء قرّر مشغلو وفد الرياض سحب الوفد من التفاوض من دون حجة مقنعة سياسياً، ولكن الرسالة كانت واضحة ومفادها أنّ وفد الرياض يعتمد على «جبهة النصرة» كذراع عسكري له مدعوم من تركيا في الشمال ومن «إسرائيل» في الجنوب، بالإضافة إلى التسهيلات اللوجستية من الأردن والتمويل السعودي الذي وصل إلى حدّ إمداد تلك الجماعات بالمضادات الجوية و«جبهة النصرة» المصنّفة دولياً ضمن الجماعات الإرهابية والتي ادّعت أميركا أنها تحاربها وتعتبرها رديفاً لـ«داعش» رغم ما يُشاع عن تناحر بين الأخوين التوأم الآتيين من رحم «القاعدة»، التي كانت السبب الأول في دخول أميركا إلى أفغانستان تحت شعار محاربة الإرهاب، هذا الإرهاب الذي صنّع أميركياً وبالمال العربي منذ نحو أربعة عقود وما زال يُدار من غرف سوداء موزعة بين عواصم عربية مهتمة بتمويله وعواصم غربية تسهّل له المرور والعبور بين مشارق الأرض ومغاربها.   فما يُسمّى وفد الرياض مكبّل تماماً بالتعليمات السعودية التي ترفض الحلّ السياسي في سورية، وينفذ هذا الوفد رغبة السعودية في السير إلى آخر الطريق موعوداً بزيادة دعم الجماعات الإرهابية أو ما يسمّيها هو «الجماعات المعتدلة»، تلك الجماعات التي تستهدف المدنيين وتلاحقهم في لقمة عيشهم وتمنع وصول المساعدات الإنسانية إليهم، فالوفد بشكله الديمقراطي يضمّ السلفيين والتكفيريين ولا يقبل أيّ حوار حتى من المعارضة السورية التي لا يتفق معها، وعملياً يتهم الوفد الوفود الأخرى بأنها من صنع النظام، ويدّعي وفد الرياض أنه الممثل الشرعي للشعب السوري في مفاوضات جنيف، هذا الادّعاء جاء نتيجة تسهيلات أميركية للحليف السعودي ولم يأت نتيجة إجماع الشعب السوري أو الجزء المعارض من الشعب السوري على هذا الوفد.   وما تراهن عليه السعودية اليوم هو عامل الوقت إلى حين انتهاء فترة حكم أوباما، فالخلافات بين الرياض وواشنطن أصبحت علنية وباراك أوباما يسير اليوم، حسب ما يدّعي من أجل مصالح أميركا حتى لو تخلى عن حلفاء تقليديين مثل السعودية وقطر، في المقابل تهدّد الرياض بسحب أصولها المالية المقدرة بمئات مليارات الدولارات من أميركا، تلك الأصول التي لم تفكر الرياض بسحبها في يوم من الأيام لإلزام أميركا بالضغط على «إسرائيل» لتنفيذ القرارات الدولية ووقف اعتداءاتها على أبناء الشعب الفلسطيني، كما لم تلوّح السعودية سابقاً لمنع أميركا من استخدام حق النقض ضدّ أيّ قرار لا يصبّ في مصلحة «إسرائيل»، ولم تستخدمها حتى عندما اعتقل سعوديون في غوانتانامو. ولكنها اليوم تهدّد بسحبها للضغط على الإدارة الأميركية وطبعاً من محاور الخلاف الحرب على سورية.   ما ينتظره وفد الرياض و«النصرة» اليوم هو المحافظة على ما تملكه «النصرة» ميدانياً إلى حين خروج أوباما من البيت الأبيض، والتوصّل مع الإدارة الأميركية الجديدة إلى اتفاق قد يكون دعم التدخل البري في سورية من خلال التحالف الدولي وعدم الاكتفاء بالضربات الجوية التي لم تستهدف حتى اليوم أيّ موقع من مواقع «داعش» أو «النصرة» بشكل حقيقي.   لقد حان الوقت أن تعلن الحكومة السورية رفض التفاوض مع وفد الرياض، فهذا الوفد يمثل الجناح الإرهابي المسلح في سورية، وهذا الوفد من خلال تصريحاته مرتبط دون أدنى شك مع جميع العصابات الإرهابية، وعلى السوريين تحريك قضايا دولية لملاحقة هذا الوفد الذي يتحدّث في جنيف وعلى وسائل الإعلام باسم الجماعات الإرهابية.   فالقصف العشوائي الذي يطاول المدنيين والسيارات المفخخة وقطع الطرق هي جرائم حرب وجرائم ضدّ الإنسانية، فكيف سنفاوض من يدعمون هذه الأعمال. ولن ننسى تصريحات أعضاء ما يسمّى ائتلاف الدوحة الخائن حول بنادق «النصرة» والتي أطلق عليها في حينه اسم «البنادق الشريفة»، وأيّ شرف هذا الذي تحمله تلك البنادق؟   إنّ إطالة الحرب أمر مؤلم، ولكن مصافحة الإرهابيين أكثر إيلاماً من الحرب نفسها.

المصدر : جمال محسن العفلق


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة