ضاق الأديب الفرنسي فيكتور هوغو ذرعا بممارسات المتدينين وحروبهم، فكتب: « نحن مع الدين لا مع الأديان». ومنذ رفع «أبو بكر البغدادي» من قلب العراق، شعار تصدير « الخلافة الإسلامية» الى الغرب بعد 15 عاما على الهجمات الإرهابية على نيويورك،

 

 يعيش المسلمون في أوروبا أسوأ أوقاتهم. صاروا هدفا لكل الشكوك والريب. بات كل مسلم إرهابيا حتى يثبت العكس.

 

لن نفاجأ مطلقا لو علت في الشهور والسنوات المقبلة الدعوات الغربية لطرد المسلمين والعرب، وقد لا نُفاجأ أيضا لو وقعت حوادث لها شكل حروب أهلية أو دينية صغيرة في الغرب. ليس مهما ان كان القاتل قد ولد في الغرب وترعرع في ضواحي المدن الأوروبية وجاء يقتل في العراق وسوريا وليبيا ومالي واليمن. الأهم هو ان المسؤول عن الإرهاب هو العربي والمسلم.

لا تنحصر المشكلة بين الإسلام والغرب. انها مشكلة انبعاث الأيديولوجيات الدينية بوجهها الدموي، في لحظة سقوط مدوية لكل الأيديولوجيات الأخرى. تكمن الخطورة القصوى في أن لا رادع واضحا لمستقبل الحروب الدينية المرشحة للتفاقم على أكثر من جبهة. فالحملات العسكرية ضد هذا الطرف أو ذاك بتهمة الإرهاب، تبدو عاجزة في المدى المنظور عن توفير حلول.

ان انتحال صفة الدين عند المسلمين لقتل المسلمين وذبح كل من يعارض توجها فكريا ظلامياً، يقابله انبعاث أفكار دينية أصولية عند الجميع. ما عاد أحد بريء من تهمة استخدام الدين لتحقيق انتصارات وهمية، أو لتعبئة الشعوب واقتيادها كقطعان الغنم لتذبح بعضها بعضا.

 

ليس المسلمون وحدهم

في (إسرائيل) مثلا، يتفكك المجتمع أكثر فأكثر تحت سطوة التطرف والأصولية. اسحق رابين رئيس الوزراء السابق كان ضحية التطرف الديني حين تجرأ على الذهاب صوب الرئيس الشهيد ياسر عرفات. حاليا، يهيمن المتطرفون على القرارات الحكومية الاسرائيلية مباشرة او عبر التخويف. كشف استطلاع للرأي نشره معهد «Rafi Smith» ان نحو 40 في المئة من الإسرائيليين يعتبرون ان الخطر الداخلي الأول هو الشرخ القائم بين الأصوليين اليهود والعلمانيين. ثم ان إسرائيل التي يعتبرها الغرب «الديمقراطية الوحيدة» في الشرق الأوسط، لا تزال محكومة بالدين وليس فيها دستور. فكيف لا يكون الدين هو سبب التطرف من المدارس الى الحكومة؟

هذا نفتالي تينت زعيم حزب «البيت اليهودي» العنصري المتطرف والشريك المهم في حكومة نتنياهو، يطالب بقتل كل منفذي العمليات دون محاكمة وحتى لو كانوا جرحى. هو كأحزاب كثيرة من التي باتت تشكل الحكومات الإسرائيلية لا يريدون السلام ولا مبدأ الدولتين. هم كنتنياهو يريدون دولة يهودية خالصة. الدين هو الأساس. يدعمهم في ذلك حاخامات يدعون لطرد كل العرب. يجاهرون بفرحهم بتدمير الدول العربية، ويطالبون بلف جثامين الفلسطينيين بجلود الخنازير.

في أميركا اظهر استطلاع للرأي نشره Bloomberg Politics، ان نسبة الأميركيين المؤيدين لإسرائيل تزيد أضعافا عند المتدينين الاميركيين. كشف الاستطلاع ان 58 في المئة من هؤلاء يدعمون الحكومات الإسرائيلية مقابل 35 في المئة فقط في الأوساط غير المسيحية او غير المتدينة.

لعل المثال الديني الأميركي الأكثر خطورة ودموية تمثل في الجنون» التبشيري» الذي غزا عقل جورج بوش الأبن حين غزا العراق، فحينها رفع شعار «الخير» ضد «الشر». يكفي ان نقرأ كتاب «العالم السري لجورج بوش» للكاتب الفرنسي أريك لوران، او كتاب «بوش في الحرب» للكاتب الأميركي بوب وود وورد، لنفهم تلك الجوانب الدينية المرضية عند الرئيس الأميركي السابق والتي على أساسها قتل مئات آلاف العراقيين. لنتذكر كم من المحافظين الجدد والمسيحيين المتصهينين دعموه في عمليات القتل المنظم.

وفي أوروبا نشهد نزوعا أكثر صوب الأحزاب اليمينية المتطرفة وذات الخلفيات الدينية. يتفاقم الأمر بسبب الأزمات الاقتصادية، وبعد تفكك الاتحاد السوفياتي وانعدام الفوارق الفعلية بين اليمين واليسار التقليديين، وازدياد الاسلاموفوبيا بسبب وصول عدد المسلمين في الاتحاد الأوروبي الى نحو 50 مليونا. صحيح ان متطرفين مسلمين يفجرون، ولكن الصحيح أيضا ان الاعتداءات على الأماكن الدينية الإسلامية في أوروبا ازدادت على نحو خطير، فضلا عن تفريخ عصابات صهيونية مثل «بيتار» وغيرها تضرب وتعتدي وتُرهب في وضح النهار كل عربي او مسلم يتظاهر نصرة للفلسطينيين.

 

لكن لنواجه واقعنا نحن؟

لو عدنا الى الأسباب الحقيقية التي ساعدت «حزب الله» في الانتصار على إسرائيل عام 2006، والأسباب الحقيقية التي تساعده حاليا في رفع مستوى التعبئة للقتال في سوريا، سنجد أن الايمان هو الأساس. هذا هو الأمر الذي أحدث الفرق. شهدت العقود الثلاثة التي تلت اجتياح إسرائيل للبنان عام 1982، غلبة الدين في الجنوب على الايديولوجيات اليسارية اللبنانية والفلسطينيىة التي فشلت في صد الاجتياحات، تماما كما ان متديني «حماس» و «الجهاد» هم الذين هزموا إسرائيل في غزة أكثر من مرة. العصبية الدينية التي ساعدت المهاجرين اليهود على إقامة دولة في منتصف القرن الماضي، لم تهزمها فعليا الا عصبية دينية أخرى .....

كان لا بد من تفكيك هذه العصبية الإسلامية إذاً. لا بد من فتنة مذهبية تقضي على ما بقي من أمل في هذه الأمة. وتقضي على مقاومة تآلفت من غزة الى لبنان وسوريا وصولا الى إيران.

صحيح ان الصراع اليوم هو سياسي بامتياز بين محاور إقليمية ودولية، لكن الصحيح أيضا، ان القتال بين المتدينين الشيعة والسنة في أكثر من ساحة عربية، يبدو حاسما في المعارك. يبدو كل طرف على قناعة تامة بأنه ذاهب الى الجنة إذا قضى على الآخر. لا مجال طبعا للمقارنة بين من هزم إسرائيل، ومن أتى ليهزم البشر والحجر والحضارة والتاريخ، لكن في الحالتين، يبدو الدين عاملا حاسما في المعارك والايديولوجيات.

على مستوى الإقليم، يبقى الدين أيضا عاملا استراتيجيا. نحن أمام إيران قائدة (الشيعة) في العالم، وأمام تركيا قائدة الاخوان المسلمين، وأمام السعودية قائدة الفكر الوهابي، وأمام قطر التي زاوجت بين الوهابية والاخوانية فصار أميرها السابق الشيخ حمد بن خليفة يقول: «انا هو الوهابي الأول في المنطقة».

 

روسيا أيضا

لو وسعنا النقاش أكثر، سنجد أن روسيا نفسها تعمل على خطين، أولهما ضرب الإرهاب الإسلامي من جهة ودعم الارثوذكسية من جهة ثانية. الإسلام قد يصبح الديانة الأولى في روسيا قبل عام 2050 وفق صحيفة «برافدا» الروسية. وزارة الدفاع الفنلندية توقعت ان يصبح مسلمو روسيا 20 مليونا فيشكلون غالبية المجندين في الجيش الروسي. جهاز الامن القومي الاوزباكستاني يكشف ان أكثر من 5 آلاف متطرف من «حركة اوزباكستان الإسلامية» يقاتلون مع «داعش». طاجكستان تتحدث عن 1000 مقاتل إرهابي غادروها الى «داعش» في سوريا والعراق. أشرس المقاتلين في سوريا هم شيشانيون.

 

نهاية الإرهاب ام الأديان؟

قد يذهب البعض الى حد الحديث عن مؤامرة ضد الإسلام يقودها منتحلو صفة رجال الدين. ثمة من يقول إن تسهيل صور وأفلام الإرهاب عبر شبكات التواصل الاجتماعي والإعلام، هدفه تشويه صورة الإسلام للقضاء عليه قبل ان يصبح المسلمون قوة سياسية وديموغرافية ضاربة في الغرب. ثمة من يرى ذلك وهماً. الأكيد ان بحور الدماء والرؤوس المقطوعة عبر الشاشات ووسائل التواصل الاجتماعي ستحتاج الى عقود طويلة لكي تغيب عن الذاكرة الجماعية.

 

هل ثمة من يواجه فعلا؟

ليس بعد. لم يفعل المتنورون في هذه الأمة شيئا مُهماً حتى الآن لتكفير مدَّعي الدين بالعلم والفقه وبتكذيب تأويلات الارهابيين للنصوص والأحاديث الشريفة. لا تزال المواجهة الفكرية الدينية تكتفي بالقشور ولا تدخل الى صلب الكارثة التي يتعرض لها القرآن الكريم من قِبَل من يحملونه زوراً ليحرقوا هنا او يذبحوا هناك او يدمروا في كل مكان.

 

هل الحل يأتي من رجال الدين؟

يبدو الامر صعبا. الشروخ الحالية وبحور الدماء ما عادت تسمح بوقف الكارثة. المصالح الدينية التي تقتل الأديان ما عادت تسمح بوقف الفتن والويلات والخراب. قد تكون الجيوش قادرة في المرحلة المقبلة على صد الإرهاب وتجميد تمدده والتخفيف من حضور أحزاب وحشود مسلحة تنوب عن الدول. لكن العالم بات بحاجة الى خطط قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى. قد ينجح فقهاء المسلمين المخلصين في التخفيف من الخراب، عبر قراءة النصوص والاتفاق على تأويلاتها وتوحيدها. لكن من واجب متنوري العالم من عرب وغربيين وديموقراطيين وليبراليين وعلمانيين ورجال دين اصلاحيين، وضع خطط فكرية وانمائية ومالية وسياسية تُعيد للناس ثقتهم بالدولة، وتؤسس لتفاهمات حضارية عابرة للدول.

ما لم يحصل هذا، فالعالم أجمع بشرقه وغربه، مقبلٌ على كوارث وبحور جديدة من الدماء باسم الأديان. يقول جان اوغوستان ايزوار: «حين يتحول الغضب الى دين، فان الأصولية تصبح سلاحا خطيرا في أيدي الظلاميين...». هذا للأسف حالنا اليوم. فكفانا أوهاما بالحديث عن انتصارات. الحضارة كلها مهزومة اليوم.

  • فريق ماسة
  • 2016-04-10
  • 12628
  • من الأرشيف

ربيع الأديان.. خريف الدين والدم

ضاق الأديب الفرنسي فيكتور هوغو ذرعا بممارسات المتدينين وحروبهم، فكتب: « نحن مع الدين لا مع الأديان». ومنذ رفع «أبو بكر البغدادي» من قلب العراق، شعار تصدير « الخلافة الإسلامية» الى الغرب بعد 15 عاما على الهجمات الإرهابية على نيويورك،    يعيش المسلمون في أوروبا أسوأ أوقاتهم. صاروا هدفا لكل الشكوك والريب. بات كل مسلم إرهابيا حتى يثبت العكس.   لن نفاجأ مطلقا لو علت في الشهور والسنوات المقبلة الدعوات الغربية لطرد المسلمين والعرب، وقد لا نُفاجأ أيضا لو وقعت حوادث لها شكل حروب أهلية أو دينية صغيرة في الغرب. ليس مهما ان كان القاتل قد ولد في الغرب وترعرع في ضواحي المدن الأوروبية وجاء يقتل في العراق وسوريا وليبيا ومالي واليمن. الأهم هو ان المسؤول عن الإرهاب هو العربي والمسلم. لا تنحصر المشكلة بين الإسلام والغرب. انها مشكلة انبعاث الأيديولوجيات الدينية بوجهها الدموي، في لحظة سقوط مدوية لكل الأيديولوجيات الأخرى. تكمن الخطورة القصوى في أن لا رادع واضحا لمستقبل الحروب الدينية المرشحة للتفاقم على أكثر من جبهة. فالحملات العسكرية ضد هذا الطرف أو ذاك بتهمة الإرهاب، تبدو عاجزة في المدى المنظور عن توفير حلول. ان انتحال صفة الدين عند المسلمين لقتل المسلمين وذبح كل من يعارض توجها فكريا ظلامياً، يقابله انبعاث أفكار دينية أصولية عند الجميع. ما عاد أحد بريء من تهمة استخدام الدين لتحقيق انتصارات وهمية، أو لتعبئة الشعوب واقتيادها كقطعان الغنم لتذبح بعضها بعضا.   ليس المسلمون وحدهم في (إسرائيل) مثلا، يتفكك المجتمع أكثر فأكثر تحت سطوة التطرف والأصولية. اسحق رابين رئيس الوزراء السابق كان ضحية التطرف الديني حين تجرأ على الذهاب صوب الرئيس الشهيد ياسر عرفات. حاليا، يهيمن المتطرفون على القرارات الحكومية الاسرائيلية مباشرة او عبر التخويف. كشف استطلاع للرأي نشره معهد «Rafi Smith» ان نحو 40 في المئة من الإسرائيليين يعتبرون ان الخطر الداخلي الأول هو الشرخ القائم بين الأصوليين اليهود والعلمانيين. ثم ان إسرائيل التي يعتبرها الغرب «الديمقراطية الوحيدة» في الشرق الأوسط، لا تزال محكومة بالدين وليس فيها دستور. فكيف لا يكون الدين هو سبب التطرف من المدارس الى الحكومة؟ هذا نفتالي تينت زعيم حزب «البيت اليهودي» العنصري المتطرف والشريك المهم في حكومة نتنياهو، يطالب بقتل كل منفذي العمليات دون محاكمة وحتى لو كانوا جرحى. هو كأحزاب كثيرة من التي باتت تشكل الحكومات الإسرائيلية لا يريدون السلام ولا مبدأ الدولتين. هم كنتنياهو يريدون دولة يهودية خالصة. الدين هو الأساس. يدعمهم في ذلك حاخامات يدعون لطرد كل العرب. يجاهرون بفرحهم بتدمير الدول العربية، ويطالبون بلف جثامين الفلسطينيين بجلود الخنازير. في أميركا اظهر استطلاع للرأي نشره Bloomberg Politics، ان نسبة الأميركيين المؤيدين لإسرائيل تزيد أضعافا عند المتدينين الاميركيين. كشف الاستطلاع ان 58 في المئة من هؤلاء يدعمون الحكومات الإسرائيلية مقابل 35 في المئة فقط في الأوساط غير المسيحية او غير المتدينة. لعل المثال الديني الأميركي الأكثر خطورة ودموية تمثل في الجنون» التبشيري» الذي غزا عقل جورج بوش الأبن حين غزا العراق، فحينها رفع شعار «الخير» ضد «الشر». يكفي ان نقرأ كتاب «العالم السري لجورج بوش» للكاتب الفرنسي أريك لوران، او كتاب «بوش في الحرب» للكاتب الأميركي بوب وود وورد، لنفهم تلك الجوانب الدينية المرضية عند الرئيس الأميركي السابق والتي على أساسها قتل مئات آلاف العراقيين. لنتذكر كم من المحافظين الجدد والمسيحيين المتصهينين دعموه في عمليات القتل المنظم. وفي أوروبا نشهد نزوعا أكثر صوب الأحزاب اليمينية المتطرفة وذات الخلفيات الدينية. يتفاقم الأمر بسبب الأزمات الاقتصادية، وبعد تفكك الاتحاد السوفياتي وانعدام الفوارق الفعلية بين اليمين واليسار التقليديين، وازدياد الاسلاموفوبيا بسبب وصول عدد المسلمين في الاتحاد الأوروبي الى نحو 50 مليونا. صحيح ان متطرفين مسلمين يفجرون، ولكن الصحيح أيضا ان الاعتداءات على الأماكن الدينية الإسلامية في أوروبا ازدادت على نحو خطير، فضلا عن تفريخ عصابات صهيونية مثل «بيتار» وغيرها تضرب وتعتدي وتُرهب في وضح النهار كل عربي او مسلم يتظاهر نصرة للفلسطينيين.   لكن لنواجه واقعنا نحن؟ لو عدنا الى الأسباب الحقيقية التي ساعدت «حزب الله» في الانتصار على إسرائيل عام 2006، والأسباب الحقيقية التي تساعده حاليا في رفع مستوى التعبئة للقتال في سوريا، سنجد أن الايمان هو الأساس. هذا هو الأمر الذي أحدث الفرق. شهدت العقود الثلاثة التي تلت اجتياح إسرائيل للبنان عام 1982، غلبة الدين في الجنوب على الايديولوجيات اليسارية اللبنانية والفلسطينيىة التي فشلت في صد الاجتياحات، تماما كما ان متديني «حماس» و «الجهاد» هم الذين هزموا إسرائيل في غزة أكثر من مرة. العصبية الدينية التي ساعدت المهاجرين اليهود على إقامة دولة في منتصف القرن الماضي، لم تهزمها فعليا الا عصبية دينية أخرى ..... كان لا بد من تفكيك هذه العصبية الإسلامية إذاً. لا بد من فتنة مذهبية تقضي على ما بقي من أمل في هذه الأمة. وتقضي على مقاومة تآلفت من غزة الى لبنان وسوريا وصولا الى إيران. صحيح ان الصراع اليوم هو سياسي بامتياز بين محاور إقليمية ودولية، لكن الصحيح أيضا، ان القتال بين المتدينين الشيعة والسنة في أكثر من ساحة عربية، يبدو حاسما في المعارك. يبدو كل طرف على قناعة تامة بأنه ذاهب الى الجنة إذا قضى على الآخر. لا مجال طبعا للمقارنة بين من هزم إسرائيل، ومن أتى ليهزم البشر والحجر والحضارة والتاريخ، لكن في الحالتين، يبدو الدين عاملا حاسما في المعارك والايديولوجيات. على مستوى الإقليم، يبقى الدين أيضا عاملا استراتيجيا. نحن أمام إيران قائدة (الشيعة) في العالم، وأمام تركيا قائدة الاخوان المسلمين، وأمام السعودية قائدة الفكر الوهابي، وأمام قطر التي زاوجت بين الوهابية والاخوانية فصار أميرها السابق الشيخ حمد بن خليفة يقول: «انا هو الوهابي الأول في المنطقة».   روسيا أيضا لو وسعنا النقاش أكثر، سنجد أن روسيا نفسها تعمل على خطين، أولهما ضرب الإرهاب الإسلامي من جهة ودعم الارثوذكسية من جهة ثانية. الإسلام قد يصبح الديانة الأولى في روسيا قبل عام 2050 وفق صحيفة «برافدا» الروسية. وزارة الدفاع الفنلندية توقعت ان يصبح مسلمو روسيا 20 مليونا فيشكلون غالبية المجندين في الجيش الروسي. جهاز الامن القومي الاوزباكستاني يكشف ان أكثر من 5 آلاف متطرف من «حركة اوزباكستان الإسلامية» يقاتلون مع «داعش». طاجكستان تتحدث عن 1000 مقاتل إرهابي غادروها الى «داعش» في سوريا والعراق. أشرس المقاتلين في سوريا هم شيشانيون.   نهاية الإرهاب ام الأديان؟ قد يذهب البعض الى حد الحديث عن مؤامرة ضد الإسلام يقودها منتحلو صفة رجال الدين. ثمة من يقول إن تسهيل صور وأفلام الإرهاب عبر شبكات التواصل الاجتماعي والإعلام، هدفه تشويه صورة الإسلام للقضاء عليه قبل ان يصبح المسلمون قوة سياسية وديموغرافية ضاربة في الغرب. ثمة من يرى ذلك وهماً. الأكيد ان بحور الدماء والرؤوس المقطوعة عبر الشاشات ووسائل التواصل الاجتماعي ستحتاج الى عقود طويلة لكي تغيب عن الذاكرة الجماعية.   هل ثمة من يواجه فعلا؟ ليس بعد. لم يفعل المتنورون في هذه الأمة شيئا مُهماً حتى الآن لتكفير مدَّعي الدين بالعلم والفقه وبتكذيب تأويلات الارهابيين للنصوص والأحاديث الشريفة. لا تزال المواجهة الفكرية الدينية تكتفي بالقشور ولا تدخل الى صلب الكارثة التي يتعرض لها القرآن الكريم من قِبَل من يحملونه زوراً ليحرقوا هنا او يذبحوا هناك او يدمروا في كل مكان.   هل الحل يأتي من رجال الدين؟ يبدو الامر صعبا. الشروخ الحالية وبحور الدماء ما عادت تسمح بوقف الكارثة. المصالح الدينية التي تقتل الأديان ما عادت تسمح بوقف الفتن والويلات والخراب. قد تكون الجيوش قادرة في المرحلة المقبلة على صد الإرهاب وتجميد تمدده والتخفيف من حضور أحزاب وحشود مسلحة تنوب عن الدول. لكن العالم بات بحاجة الى خطط قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى. قد ينجح فقهاء المسلمين المخلصين في التخفيف من الخراب، عبر قراءة النصوص والاتفاق على تأويلاتها وتوحيدها. لكن من واجب متنوري العالم من عرب وغربيين وديموقراطيين وليبراليين وعلمانيين ورجال دين اصلاحيين، وضع خطط فكرية وانمائية ومالية وسياسية تُعيد للناس ثقتهم بالدولة، وتؤسس لتفاهمات حضارية عابرة للدول. ما لم يحصل هذا، فالعالم أجمع بشرقه وغربه، مقبلٌ على كوارث وبحور جديدة من الدماء باسم الأديان. يقول جان اوغوستان ايزوار: «حين يتحول الغضب الى دين، فان الأصولية تصبح سلاحا خطيرا في أيدي الظلاميين...». هذا للأسف حالنا اليوم. فكفانا أوهاما بالحديث عن انتصارات. الحضارة كلها مهزومة اليوم.

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة