شّكل قرار سحب (القوة الرئيسية) السورية من سورية، فرصة لقوى معادية للحكومة السورية، كي تعتبر أن هذا الإجراء يدل على خلاف روسي – سوري من جهة، ويتسبب بإضعاف سورية عسكرياً، كما أن تزامن هذه الخطوة مع انطلاق جولة مباحثات جنيف السورية – السورية جعل القوى المعادية للحكومة السورية ترى فيه دليلاً على ممارسة موسكو للضغط على دمشق كي تكون أكثر تجاوباً وتعاوناً في مباحثات جنيف.

 

من جهتها، فإن روسيا ومع إعلانها عن سحب قوتها الرئيسية من سورية اوضحت أنها قامت بهذه الخطوة بالتنسيق مع القيادة السورية وأوضحت موسكو أن أسباب هذه الخطوة أن القوات الروسية انجزت معظم المهام التي جاءت لتنفيذها. وضربت مراكز التدريب والقيادة والسيطرة للفصائل المسلحة الإرهابية، ودمرت مصادرها النفطية، وطرق تهريب النفط كما قتلت معظم قادة هذه الفصائل، وساعدت الجيش السوري على استعادة مئات من القرى والبلدات وعدلت ميزان القوى العسكرية، بحيث بات الجيش العربي السوري يمسك بزمام المبادرة الاستراتيجية في الميدان – ولم يفت موسكو أن تذكر وهي تعلن قرار سحب قوتها العسكرية أن يكون هذا الإجراء رسالة ايجابية لجميع الأطراف للانخراط في العملية السياسية بشكل فعال وايجابي .... كل ذلك لم يغير من احتفال أعداء الحكومة السورية.

 

بهذا الإجراء، ولم تتزحزح هذه القوى سواء المعارضة، أو الدول الخليجية والغربية وتركيا، عن أن هذا الاجراء هو حركة اضعاف للقيادة السورية، وضغط عليها لتسلم بما يطرح في جنيف.

 

أما الحكومة السورية وبعد إعلان موسكو قرار بوتين بعدة ساعات أعلنت أن الرئيسان بوتين والأسد اتفقا في اتصال هاتفي على قرار سحب القوة الرئيسية الروسية من سورية ... و في الحقيقة كان الإعلام السوري في الـ 24 ساعة التي تلت الخبر مرتبكاً وضعيفاً في ترسيخ الموقف الرسمي السوري من الخطوة – وربما هذا ما شجع القوى المعادية للحكومة السورية بأن تستمر وتصعد من استثمار الخبر سياسياً وإعلامياً، للتأثير على الرأي العام – وبالفعل فقد ارتفع سعر الدولار في الساعتين اللتين اعقبتا القرار، وبمقدار عشرة ليرات للدولار الواحد.

 

بعد يومين أقامت القيادة الروسية حفلاً لتكريم القوات الروسية العائدة من سورية  وألقى الرئيس بوتين كلمة أعاد فيها التأكيد على ان قرار سحب القوات الرئيسية الروسية من سورية اتخذ بالتشارك مع القيادة السورية خاصة وان وقف العمليات القتالية وانجازها للمهام التي أوكلت لها جعل من غير الضروري تحمل تكاليف بقائها لعدم الحاجة لها وعاد بوتين ليذكر العالم أن الجيش العربي السوري بات يمسك بزمام المبادرة الاستراتيجية في الميدان وأنه يتجه لتحرير تدمر، وشدد بوتين أن روسيا مستمرة بدعم الجمهورية السورية في حربها ضد الارهاب، عسكرياً، واقتصادياً، ومالياً، وبكل الاشكال و بعبارة لافتة أكد بوتين أن روسيا تستطيع إعادة قواتها الرئيسية إلى سورية خلال ساعات عند الحاجة لذلك وكان بوتين شديد الوضوح في تأكيده على ايجابية تعامل الرئيس الأسد مع المسار السياسي وباختصار جاء خطاب بوتين ليبرز من جديد قوة التحالف لروسي السوري وقوة الدعم الروسي لسورية بقيادة الأسد.

 

في الاحتفال الروسي لتكريم القوات الروسية العائدة من سورية قام الرئيس بوتين بتقليد قائد القوة وساماً رفيعاً وقام قائد القوة الروسية بعد تقلده هذا الوسام بتقديم هدية إلى الرئيس بوتين باسم القوات العائدة من سورية، وهذه الهدية كانت عبارة عن صورة مكبرة التقطها مصور روسي من طائرة هيلوكابتر روسية لأحدى المناطق السورية حيث ظهر سطح أحد البيوت وقد دهن باللون الأحمر وكتب عليه بالابيض، وباللغة الروسية: ( شكراً روسيا، أنتم أصدقاء وأخوة حقيقيون، شكراً لكم)...

 

ومع الاهتمام الروسي بما يثار إعلامياً حول سحب قواتها الاساسية خاصة لجهة ايضاح أن هذه العملية لا علاقة لها بأي ضغط روسي يمارس على سورية لتقديم أي شيء في جنيف – كما أنه لا علاقة ولا تأثير له على التحالف والتعاون السوري الروسي ضد الارهاب ومع هذا الاهتمام الروسي بالرد على الاعلام العربي – تجاهلت سورية الحملات الإعلامية وما تضمنه من تأثير سحب القوات الروسية على الموقف السوري واستمرت سورية إعلامياً بتقديم مواقفها تجاه المسار السياسي وتجاه مواجهتها وحربها ضد كل من يحمل السلاح ضد الدولة.

 

وبعد حوالي اسبوعين من سحب القوات الاساسية الروسية من سورية شن الجيش العربي السوري هجوماً شاملاً من ثلاث محاور على مدينة تدمر وتقدم الجيش تحت غطاء من سلاح الجو السوري ون القوات الجوية الروسية وبدعم من اللجان الشعبية وحزب الله ونجح الجيش السوري بدعم من حلفائه استطاع تحرير مدينة تدمر وتظهيرها من داعش الأمر الذي حمل دلالات سياسية وعسكرية وإستراتيجية عميقة جعلت الكثير من القوى تعيد النظر أو على الاقل تحاول فهم ما جرى ومعناه.

 

سارع الرئيس بوتين للاتصال بالرئيس الأسد ليهنئه بتحرير تدمر، واستعادتها لسورية وللعالم خاصة وأنها قيمة تاريخية ملك للإنسانية جمعاء كما أعرب بوتين عن استمرار دعم سورية في حربها ضد الارهاب وفي سعيها لاستعادة الاستقرار والأمان من جهته شكر الرئيس الأسد نظيره الروسي وابدى امتنان سورية لما تقدمه روسيا للشعب السوري وقال (لولا دعمكم لكان من المستحيل انجاز تحرير تدمر) الأمر الذي أوضح للعالم كله أن التحالف أو التعاون الروسي السوري مستمر وفعال وأن كل ما اشيع ونشر عن خلافات روسية سورية أدت لسحب القوات ما هو إلا تمنيات جهات معادية لسورية، ولم يكتف بوتين بإعلان استمرار الدعم العسكري الجوي، بل ارسل خبراء وريموتات للمساعدة على فك الالغام لأن داعش لغمت كل حجر في تدمر كما ابلغ بوتين اليونسكو ان روسيا وسوريا ستقدمان تقييماً للوضع في تدمر ولمدى الخراب  والتدمير الذي أحدثته داعش فيها، كي يبدأ في إعادة ترميمها، وطالب بوتين اليونسكو بضرورة تعاون العالم في ترميم تدمر، لأنها كنز من كنوز البشرية.

 

الولايات المتحدة الأميركية لم تؤيد تحرير تدمر مباشرة، وبدا أنها غير راضية تماماً وبعد يومين وبعد أن قام بان كي مون باعتبار تحرير تدمر انجازاً للبشرية اضطرت الإدارة الأميركية لأن تعلن موقفاً اعتبر فيه أن تحرير تدمر ( أمراً جيداً) ولكنها ضمنت موقفها أنها غير متأكدة بمدى تأثير هذا الحدث على العملية السياسية في سورية الأمر الذي يشير إلى تخوف أميركي من أن يكون انتصار الرئيس الأسد في تحرير تدمر عاملاً يزيد في قوته ويساعده في مباحثات جنيف.

 

معارضة هيئة التفاوض ومنذ اللحطة الأولى لتحرير تدمر، لم تستطع أن تعترف بأي ايجابية لهذا التحرير رغم أنه انتصار على داعش ودحر لمسلحين ورددت هذه المعارضة ان داعش هي من انسحبت وأخلت تدمر للنظام واستعادت هيئة التفاوض وكل المعارضة الرافضة لحكم الرئيس الأسد موضوعة ان (داعش ضيعه النظام) أو ان (داعش والقوات النظامية يعملان بتنسيق كامل) رغم أن هذه الطروحات تفتقر إلى ادنى عناصر المنطق العادي الطبيعي.

 

الرئيس الأسد اعتبر أن (تحرير تدمر يسهل الوصول إلى حلول سياسية في جنيف) ويقدم مثالاً ناجحاً لمحاربة الارهاب، ودعا الرئيس الأسد إلى تحالف دولي لاستكمال محاربة الارهاب وابدى استعداد سورية للتعاون مع أي قوة (أميركا) في الحرب على الارهاب وهذا ما جعل سورية تضع انجاز تحرير تدمر الذي اعتبره الرئيس الأسد (انجازاً هاماً) كأساس يسهل الوصول إلى حلول سياسية، وهذا يؤكد ما تقوله سورة دائماً بأولوية محاربة الارهاب ومن يبحث عن الحل وفق الرؤية السورية يجد في تحرير تدمر ما يساعده على انجاح الوصول لهذا الحل، أما من يبحث عن كسر الدولة السورية للوصول إلى كرسي الحكم، فإن تحرير تدمر يؤكد شرعية وقوة الرئيس الأسد.

 

إن أي محلل متابع لمجريات الحرب في سورية لابد أن يرى تحرير تدمر كإنجاز هام، يضيف لرصيد الجيش العربي السورين وحلفائه، قيمة عسكرية، وقوة استراتيجية، وفعلاً سياسياً، وأي دارس لحركة وتوجهات الأحداث السورية لا بد أن يتوقف عند ما قاله الرئيس الأسد من أن الجيش وبعد تحرير تدمر من الضروري أن يتوجه شرقاً لتحرير دير الزور، ومع التأكيد أن من الهام الاتجاه إلى الرقة لاستعادتها من داعش، وترجمة كل ذلك أن التوجه الاستراتيجي للجيش يمكن اختصاره بما قاله الرئيس الأسد مرة – (سنحرر ككل شبر من سورية) – الأمر الذي يرجح أن سورية تعمل وفق استراتيجية تثمير القوة. واستثمار الانتصار، في استكمال الهدف الأشمل( تحرر كل شبر من سورية) بالتوازي مع أسس لمصالحات الوطنية التي أطلقها الرئيس الأسد كأساس من اسس استراتيجية العمل الوطني – وعلى ارضية كل ذلك يذهب وفد الجمهورية العربية السورية - إلى جنيف – لجعل المسار السياسي حل وطني يوقف النزف السوري، ويوحد جميع القوى ضد الارهاب ويحفظ سيادة واستقلال سورية، ويصون شعبها وأرضها ، ويكفل استمرارية مؤسساتها...

 

عندما أعلن الرئيس بوتين قراره بسحب القوة الرئيسية من قواته المتواجدة في سورية لدعم الجيش والدولة السوريان ضد الارهاب، فرح أعداء الحكومة السورية باعتبار هذا الإجراء ما هو إلا تعبير عن فراق أو شقاق بين روسيا وسوريا، وهو الأمر الذي سيضعف سورية بقيادة الأسد في الميدان العسكري، وفي المسار السياسي، وجاء تحرير تدمر على يد الجيش العربي السوري، وبدعم من الطيران الروسي، وليثبت حقائق لم يعد مفيداً تجاهلاً:

 

أولها: قوة الجيش العربي السوري بحيث أنه ويحق يمسك بزمام المبادرة الاستراتيجية في الميدان، كما اكد الرئيس بوتين.

 

ثانيهما: قوة التعاون الروسي السوري عسكرياً وسياسياً و اقتصادياً، كما أكد الرئيس بوتين في حفل تكريم القوات العائدة من سورية.

 

ثالثهما: تأكيد حقيقة ان محاربة الارهاب تستلزم التعاون مع الجيش الهربي السوري هذه الحقيقة التي جعلت التعاون الروسي السوري يحقق انتصارات ضد الارهاب في غضون شهور أكبر واعمق مما حققه التحالف الدولي بقيادة اميركية في سنتين.

 

ورابعهما: أن توقيت تحرير تدمر، وتزامنه مع مباحثات جنيف وما ظهر من تعاون روسي سوري، ابرز حقيقة أن التعاون الشامل بين روسيا وسورية يعمل على تحقيق الاستقرار والأمن في المنطقة كقاعدة تؤسس لتوفير الاستقرار والأمن في العالم، عبر حمايته من الارهاب.

 

لم يكن سحب القوات الروسية اكثر من ترتيب ينظم هذه القوات ضمن الوسائل التي تعتمدها روسيا وسورية، في تعاونهما لترتيب وتنظيم استقرار المنطقة، وحماية الدولة السورية عبر كسر الارهاب وهزيمته وعبر حل سياسي ينتقل بسورية لوضع يجعلها أقوى وارقى وأكثر فعلاُ وتأثيراً في المنطقة والعالم ... وكل الانظار تتجه نحو الاسابيع القادمة لترى منعكسات كل ذلك، سواء في جنيف، وما يصدر عنه من نتائج، وسواء في الميدان وما سيحققه الجيش العربي السوري وحلفاءه في إطار محاربة الارهاب وهزيمته.

 

  • فريق ماسة
  • 2016-04-03
  • 8609
  • من الأرشيف

سحب القوات الروسية وتحرير تدمر ....

شّكل قرار سحب (القوة الرئيسية) السورية من سورية، فرصة لقوى معادية للحكومة السورية، كي تعتبر أن هذا الإجراء يدل على خلاف روسي – سوري من جهة، ويتسبب بإضعاف سورية عسكرياً، كما أن تزامن هذه الخطوة مع انطلاق جولة مباحثات جنيف السورية – السورية جعل القوى المعادية للحكومة السورية ترى فيه دليلاً على ممارسة موسكو للضغط على دمشق كي تكون أكثر تجاوباً وتعاوناً في مباحثات جنيف.   من جهتها، فإن روسيا ومع إعلانها عن سحب قوتها الرئيسية من سورية اوضحت أنها قامت بهذه الخطوة بالتنسيق مع القيادة السورية وأوضحت موسكو أن أسباب هذه الخطوة أن القوات الروسية انجزت معظم المهام التي جاءت لتنفيذها. وضربت مراكز التدريب والقيادة والسيطرة للفصائل المسلحة الإرهابية، ودمرت مصادرها النفطية، وطرق تهريب النفط كما قتلت معظم قادة هذه الفصائل، وساعدت الجيش السوري على استعادة مئات من القرى والبلدات وعدلت ميزان القوى العسكرية، بحيث بات الجيش العربي السوري يمسك بزمام المبادرة الاستراتيجية في الميدان – ولم يفت موسكو أن تذكر وهي تعلن قرار سحب قوتها العسكرية أن يكون هذا الإجراء رسالة ايجابية لجميع الأطراف للانخراط في العملية السياسية بشكل فعال وايجابي .... كل ذلك لم يغير من احتفال أعداء الحكومة السورية.   بهذا الإجراء، ولم تتزحزح هذه القوى سواء المعارضة، أو الدول الخليجية والغربية وتركيا، عن أن هذا الاجراء هو حركة اضعاف للقيادة السورية، وضغط عليها لتسلم بما يطرح في جنيف.   أما الحكومة السورية وبعد إعلان موسكو قرار بوتين بعدة ساعات أعلنت أن الرئيسان بوتين والأسد اتفقا في اتصال هاتفي على قرار سحب القوة الرئيسية الروسية من سورية ... و في الحقيقة كان الإعلام السوري في الـ 24 ساعة التي تلت الخبر مرتبكاً وضعيفاً في ترسيخ الموقف الرسمي السوري من الخطوة – وربما هذا ما شجع القوى المعادية للحكومة السورية بأن تستمر وتصعد من استثمار الخبر سياسياً وإعلامياً، للتأثير على الرأي العام – وبالفعل فقد ارتفع سعر الدولار في الساعتين اللتين اعقبتا القرار، وبمقدار عشرة ليرات للدولار الواحد.   بعد يومين أقامت القيادة الروسية حفلاً لتكريم القوات الروسية العائدة من سورية  وألقى الرئيس بوتين كلمة أعاد فيها التأكيد على ان قرار سحب القوات الرئيسية الروسية من سورية اتخذ بالتشارك مع القيادة السورية خاصة وان وقف العمليات القتالية وانجازها للمهام التي أوكلت لها جعل من غير الضروري تحمل تكاليف بقائها لعدم الحاجة لها وعاد بوتين ليذكر العالم أن الجيش العربي السوري بات يمسك بزمام المبادرة الاستراتيجية في الميدان وأنه يتجه لتحرير تدمر، وشدد بوتين أن روسيا مستمرة بدعم الجمهورية السورية في حربها ضد الارهاب، عسكرياً، واقتصادياً، ومالياً، وبكل الاشكال و بعبارة لافتة أكد بوتين أن روسيا تستطيع إعادة قواتها الرئيسية إلى سورية خلال ساعات عند الحاجة لذلك وكان بوتين شديد الوضوح في تأكيده على ايجابية تعامل الرئيس الأسد مع المسار السياسي وباختصار جاء خطاب بوتين ليبرز من جديد قوة التحالف لروسي السوري وقوة الدعم الروسي لسورية بقيادة الأسد.   في الاحتفال الروسي لتكريم القوات الروسية العائدة من سورية قام الرئيس بوتين بتقليد قائد القوة وساماً رفيعاً وقام قائد القوة الروسية بعد تقلده هذا الوسام بتقديم هدية إلى الرئيس بوتين باسم القوات العائدة من سورية، وهذه الهدية كانت عبارة عن صورة مكبرة التقطها مصور روسي من طائرة هيلوكابتر روسية لأحدى المناطق السورية حيث ظهر سطح أحد البيوت وقد دهن باللون الأحمر وكتب عليه بالابيض، وباللغة الروسية: ( شكراً روسيا، أنتم أصدقاء وأخوة حقيقيون، شكراً لكم)...   ومع الاهتمام الروسي بما يثار إعلامياً حول سحب قواتها الاساسية خاصة لجهة ايضاح أن هذه العملية لا علاقة لها بأي ضغط روسي يمارس على سورية لتقديم أي شيء في جنيف – كما أنه لا علاقة ولا تأثير له على التحالف والتعاون السوري الروسي ضد الارهاب ومع هذا الاهتمام الروسي بالرد على الاعلام العربي – تجاهلت سورية الحملات الإعلامية وما تضمنه من تأثير سحب القوات الروسية على الموقف السوري واستمرت سورية إعلامياً بتقديم مواقفها تجاه المسار السياسي وتجاه مواجهتها وحربها ضد كل من يحمل السلاح ضد الدولة.   وبعد حوالي اسبوعين من سحب القوات الاساسية الروسية من سورية شن الجيش العربي السوري هجوماً شاملاً من ثلاث محاور على مدينة تدمر وتقدم الجيش تحت غطاء من سلاح الجو السوري ون القوات الجوية الروسية وبدعم من اللجان الشعبية وحزب الله ونجح الجيش السوري بدعم من حلفائه استطاع تحرير مدينة تدمر وتظهيرها من داعش الأمر الذي حمل دلالات سياسية وعسكرية وإستراتيجية عميقة جعلت الكثير من القوى تعيد النظر أو على الاقل تحاول فهم ما جرى ومعناه.   سارع الرئيس بوتين للاتصال بالرئيس الأسد ليهنئه بتحرير تدمر، واستعادتها لسورية وللعالم خاصة وأنها قيمة تاريخية ملك للإنسانية جمعاء كما أعرب بوتين عن استمرار دعم سورية في حربها ضد الارهاب وفي سعيها لاستعادة الاستقرار والأمان من جهته شكر الرئيس الأسد نظيره الروسي وابدى امتنان سورية لما تقدمه روسيا للشعب السوري وقال (لولا دعمكم لكان من المستحيل انجاز تحرير تدمر) الأمر الذي أوضح للعالم كله أن التحالف أو التعاون الروسي السوري مستمر وفعال وأن كل ما اشيع ونشر عن خلافات روسية سورية أدت لسحب القوات ما هو إلا تمنيات جهات معادية لسورية، ولم يكتف بوتين بإعلان استمرار الدعم العسكري الجوي، بل ارسل خبراء وريموتات للمساعدة على فك الالغام لأن داعش لغمت كل حجر في تدمر كما ابلغ بوتين اليونسكو ان روسيا وسوريا ستقدمان تقييماً للوضع في تدمر ولمدى الخراب  والتدمير الذي أحدثته داعش فيها، كي يبدأ في إعادة ترميمها، وطالب بوتين اليونسكو بضرورة تعاون العالم في ترميم تدمر، لأنها كنز من كنوز البشرية.   الولايات المتحدة الأميركية لم تؤيد تحرير تدمر مباشرة، وبدا أنها غير راضية تماماً وبعد يومين وبعد أن قام بان كي مون باعتبار تحرير تدمر انجازاً للبشرية اضطرت الإدارة الأميركية لأن تعلن موقفاً اعتبر فيه أن تحرير تدمر ( أمراً جيداً) ولكنها ضمنت موقفها أنها غير متأكدة بمدى تأثير هذا الحدث على العملية السياسية في سورية الأمر الذي يشير إلى تخوف أميركي من أن يكون انتصار الرئيس الأسد في تحرير تدمر عاملاً يزيد في قوته ويساعده في مباحثات جنيف.   معارضة هيئة التفاوض ومنذ اللحطة الأولى لتحرير تدمر، لم تستطع أن تعترف بأي ايجابية لهذا التحرير رغم أنه انتصار على داعش ودحر لمسلحين ورددت هذه المعارضة ان داعش هي من انسحبت وأخلت تدمر للنظام واستعادت هيئة التفاوض وكل المعارضة الرافضة لحكم الرئيس الأسد موضوعة ان (داعش ضيعه النظام) أو ان (داعش والقوات النظامية يعملان بتنسيق كامل) رغم أن هذه الطروحات تفتقر إلى ادنى عناصر المنطق العادي الطبيعي.   الرئيس الأسد اعتبر أن (تحرير تدمر يسهل الوصول إلى حلول سياسية في جنيف) ويقدم مثالاً ناجحاً لمحاربة الارهاب، ودعا الرئيس الأسد إلى تحالف دولي لاستكمال محاربة الارهاب وابدى استعداد سورية للتعاون مع أي قوة (أميركا) في الحرب على الارهاب وهذا ما جعل سورية تضع انجاز تحرير تدمر الذي اعتبره الرئيس الأسد (انجازاً هاماً) كأساس يسهل الوصول إلى حلول سياسية، وهذا يؤكد ما تقوله سورة دائماً بأولوية محاربة الارهاب ومن يبحث عن الحل وفق الرؤية السورية يجد في تحرير تدمر ما يساعده على انجاح الوصول لهذا الحل، أما من يبحث عن كسر الدولة السورية للوصول إلى كرسي الحكم، فإن تحرير تدمر يؤكد شرعية وقوة الرئيس الأسد.   إن أي محلل متابع لمجريات الحرب في سورية لابد أن يرى تحرير تدمر كإنجاز هام، يضيف لرصيد الجيش العربي السورين وحلفائه، قيمة عسكرية، وقوة استراتيجية، وفعلاً سياسياً، وأي دارس لحركة وتوجهات الأحداث السورية لا بد أن يتوقف عند ما قاله الرئيس الأسد من أن الجيش وبعد تحرير تدمر من الضروري أن يتوجه شرقاً لتحرير دير الزور، ومع التأكيد أن من الهام الاتجاه إلى الرقة لاستعادتها من داعش، وترجمة كل ذلك أن التوجه الاستراتيجي للجيش يمكن اختصاره بما قاله الرئيس الأسد مرة – (سنحرر ككل شبر من سورية) – الأمر الذي يرجح أن سورية تعمل وفق استراتيجية تثمير القوة. واستثمار الانتصار، في استكمال الهدف الأشمل( تحرر كل شبر من سورية) بالتوازي مع أسس لمصالحات الوطنية التي أطلقها الرئيس الأسد كأساس من اسس استراتيجية العمل الوطني – وعلى ارضية كل ذلك يذهب وفد الجمهورية العربية السورية - إلى جنيف – لجعل المسار السياسي حل وطني يوقف النزف السوري، ويوحد جميع القوى ضد الارهاب ويحفظ سيادة واستقلال سورية، ويصون شعبها وأرضها ، ويكفل استمرارية مؤسساتها...   عندما أعلن الرئيس بوتين قراره بسحب القوة الرئيسية من قواته المتواجدة في سورية لدعم الجيش والدولة السوريان ضد الارهاب، فرح أعداء الحكومة السورية باعتبار هذا الإجراء ما هو إلا تعبير عن فراق أو شقاق بين روسيا وسوريا، وهو الأمر الذي سيضعف سورية بقيادة الأسد في الميدان العسكري، وفي المسار السياسي، وجاء تحرير تدمر على يد الجيش العربي السوري، وبدعم من الطيران الروسي، وليثبت حقائق لم يعد مفيداً تجاهلاً:   أولها: قوة الجيش العربي السوري بحيث أنه ويحق يمسك بزمام المبادرة الاستراتيجية في الميدان، كما اكد الرئيس بوتين.   ثانيهما: قوة التعاون الروسي السوري عسكرياً وسياسياً و اقتصادياً، كما أكد الرئيس بوتين في حفل تكريم القوات العائدة من سورية.   ثالثهما: تأكيد حقيقة ان محاربة الارهاب تستلزم التعاون مع الجيش الهربي السوري هذه الحقيقة التي جعلت التعاون الروسي السوري يحقق انتصارات ضد الارهاب في غضون شهور أكبر واعمق مما حققه التحالف الدولي بقيادة اميركية في سنتين.   ورابعهما: أن توقيت تحرير تدمر، وتزامنه مع مباحثات جنيف وما ظهر من تعاون روسي سوري، ابرز حقيقة أن التعاون الشامل بين روسيا وسورية يعمل على تحقيق الاستقرار والأمن في المنطقة كقاعدة تؤسس لتوفير الاستقرار والأمن في العالم، عبر حمايته من الارهاب.   لم يكن سحب القوات الروسية اكثر من ترتيب ينظم هذه القوات ضمن الوسائل التي تعتمدها روسيا وسورية، في تعاونهما لترتيب وتنظيم استقرار المنطقة، وحماية الدولة السورية عبر كسر الارهاب وهزيمته وعبر حل سياسي ينتقل بسورية لوضع يجعلها أقوى وارقى وأكثر فعلاُ وتأثيراً في المنطقة والعالم ... وكل الانظار تتجه نحو الاسابيع القادمة لترى منعكسات كل ذلك، سواء في جنيف، وما يصدر عنه من نتائج، وسواء في الميدان وما سيحققه الجيش العربي السوري وحلفاءه في إطار محاربة الارهاب وهزيمته.  

المصدر : مركز شام للدراسات


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة