تتوالى الأسئلة من جديد على خلفية سلسلة العمليات الإرهابية التي أودت بحياة العشرات في عاصمة الاتحاد الأوروبي ومقر حلف الناتو.

 فهل تتنازل أوروبا عن منظومة القيم التي ترسخت فيها طوال القرون الأخيرة، والتي دفعت المجتمعات الأوروبية ثمنها أنهارا من الدماء؟.

 نبرة الشماتة تظهر بوضوح في تصريحات وتلميحات ساسة ووسائل إعلام، وتأكيدات على أن ما يحدث في أوروبا هو نتيجة لفتح أبوابها أمام قادة التطرف، والتعاطف مع المتطرفين والمتشددين.

 وآخرون يؤكدون أن عدم احترام الغرب للعادات والتقاليد والمثل الإسلامية للاجئين والمهاجرين تسبب في انكفاء هذه الأقليات على نفسها والذهاب إلى أبعد من ذلك!!

 الرؤية العربية والعربية – الإسلامية، وربما رؤية الإعلام أيضا تحمل أوروبا المسؤولية الكاملة عن ما يجري وما سيجري، بل ويذهبون إلى أن أوروبا هي المذنبة في تفاقم الإرهاب فيها، وهي المتسببة في انتشاره أيضا في تلك الدول العربية والإسلامية، أي أن أوروبا هي السبب في كل شيء.

 مثل هذه الرؤى وترويجها يتوخى عدة أهداف، على رأسها:

 - إعفاء الأنظمة والدول والحكومات العربية والإسلامية عن مسؤوليتها في تنشئة الإرهاب وتوفير كل الظروف (الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتعليمية) المناسبة لظهوره وتفشيه وتصديره إلى دول أخرى.

 - إبعاد النظر عن مؤسسات وصناديق وشخصيات مرموقة تنتمي إلى أنظمة وأسر حاكمة ساهمت في التمويل والرعاية والتصدير.

 - تخفيف الضغط على الولايات المتحدة التي قامت بدور هائل في انتشار الإرهاب واستخدامه كأداة لتصفية حساباتها السياسية والجيوسياسية، وذلك بالتحالف مع وكلاء إقليميين في منطقة الشرق الأوسط.

 هناك أهداف أخرى كثيرة لطمس دور الأنظمة السياسية في دول الشرق الأوسط في تنشئة ورعاية وتمويل الإرهاب، وبالذات تلك التي تعاني الأمرين الآن في مواجهة الإرهاب، ومع كل ذلك، تعلو أصوات المتطرفين والسذج والحالمين بأن الديمقراطية الأوروبية والحريات المتاحة هناك هي السبب في الضربات الموجهة إليها، وكأنهم يدينون أوروبا على تبنيها منظومة قيم مختلفة تماما عن ما نشأوا وتربوا عليه.

 منظومة القيم الأوروبية تكونت على مدى مئات السنوات، ودفع الأوروبيون ثمنها غاليا، والآن يتم استغلال هذه المنظومة لضرب أوروبا ذاتها، بينما الإدانات توجه إلى الأوروبيين!!، هذا المنطق الأعوج يساهم بدرجات كثيرة وبطرق مختلفة في تبرير الإرهاب من جهة، وإبعاد الأنظار عن الأسباب الحقيقية لهذا الإرهاب من جهة أخرى.

 وفي الوقت ذاته، من الصعب أن نتجاهل سياسات الأنظمة الأوروبية التي بدأت تتعارض مع منظومة القيم الأوروبية وتضحيات الأوروبيين طوال سنوات عديدة من أجل الوصول إلى تلك المنظومة.

 فالأنظمة السياسية الأوروبية تعمل ضد منظومات قيم شعوبها باستخدام الإرهاب وتوظيفه تارة، والتعامل معه ومع الإرهابيين بمعايير مزدوجة تارة أخرى، بينما الإرهاب ذاته يضرب حياة الناس ومصالحهم.

 الخطير في الضربات الأخيرة في بروكسل، هو أن هذه المدينة هي مقر الاتحاد الأوروبي، ومقر حلف الناتو الذي تترأسه الولايات المتحدة، وبالتالي، فسلسلة العمليات التي وقعت في بلجيكا لا يمكن أن تمر مثل العمليات التي وقعت في فرنسا أو مصر أو تونس، إنها لا تقل خطورة عن هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001 في نيويورك من حيث المعنى والمغزى.

 فأين مخابرات حلف الناتو، والاستخبارات الأمريكية على الأقل لحماية ليس حلفائها، وإنما لحماية مقرها الذي تترأسه واشنطن؟.. وأين استخبارات الاتحاد الأوروبي لحماية عاصمتها ومقرها؟!، تساؤلات تبدو عادية ومتكررة، ولكنها مهمة وضرورية في الحالة البلجيكية تحديدا.

  • فريق ماسة
  • 2016-03-22
  • 9661
  • من الأرشيف

دماء الأوروبيين بين نفاق ساستهم والمخاوف من التخلي عن قيم الحرية والديمقراطية

تتوالى الأسئلة من جديد على خلفية سلسلة العمليات الإرهابية التي أودت بحياة العشرات في عاصمة الاتحاد الأوروبي ومقر حلف الناتو.  فهل تتنازل أوروبا عن منظومة القيم التي ترسخت فيها طوال القرون الأخيرة، والتي دفعت المجتمعات الأوروبية ثمنها أنهارا من الدماء؟.  نبرة الشماتة تظهر بوضوح في تصريحات وتلميحات ساسة ووسائل إعلام، وتأكيدات على أن ما يحدث في أوروبا هو نتيجة لفتح أبوابها أمام قادة التطرف، والتعاطف مع المتطرفين والمتشددين.  وآخرون يؤكدون أن عدم احترام الغرب للعادات والتقاليد والمثل الإسلامية للاجئين والمهاجرين تسبب في انكفاء هذه الأقليات على نفسها والذهاب إلى أبعد من ذلك!!  الرؤية العربية والعربية – الإسلامية، وربما رؤية الإعلام أيضا تحمل أوروبا المسؤولية الكاملة عن ما يجري وما سيجري، بل ويذهبون إلى أن أوروبا هي المذنبة في تفاقم الإرهاب فيها، وهي المتسببة في انتشاره أيضا في تلك الدول العربية والإسلامية، أي أن أوروبا هي السبب في كل شيء.  مثل هذه الرؤى وترويجها يتوخى عدة أهداف، على رأسها:  - إعفاء الأنظمة والدول والحكومات العربية والإسلامية عن مسؤوليتها في تنشئة الإرهاب وتوفير كل الظروف (الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتعليمية) المناسبة لظهوره وتفشيه وتصديره إلى دول أخرى.  - إبعاد النظر عن مؤسسات وصناديق وشخصيات مرموقة تنتمي إلى أنظمة وأسر حاكمة ساهمت في التمويل والرعاية والتصدير.  - تخفيف الضغط على الولايات المتحدة التي قامت بدور هائل في انتشار الإرهاب واستخدامه كأداة لتصفية حساباتها السياسية والجيوسياسية، وذلك بالتحالف مع وكلاء إقليميين في منطقة الشرق الأوسط.  هناك أهداف أخرى كثيرة لطمس دور الأنظمة السياسية في دول الشرق الأوسط في تنشئة ورعاية وتمويل الإرهاب، وبالذات تلك التي تعاني الأمرين الآن في مواجهة الإرهاب، ومع كل ذلك، تعلو أصوات المتطرفين والسذج والحالمين بأن الديمقراطية الأوروبية والحريات المتاحة هناك هي السبب في الضربات الموجهة إليها، وكأنهم يدينون أوروبا على تبنيها منظومة قيم مختلفة تماما عن ما نشأوا وتربوا عليه.  منظومة القيم الأوروبية تكونت على مدى مئات السنوات، ودفع الأوروبيون ثمنها غاليا، والآن يتم استغلال هذه المنظومة لضرب أوروبا ذاتها، بينما الإدانات توجه إلى الأوروبيين!!، هذا المنطق الأعوج يساهم بدرجات كثيرة وبطرق مختلفة في تبرير الإرهاب من جهة، وإبعاد الأنظار عن الأسباب الحقيقية لهذا الإرهاب من جهة أخرى.  وفي الوقت ذاته، من الصعب أن نتجاهل سياسات الأنظمة الأوروبية التي بدأت تتعارض مع منظومة القيم الأوروبية وتضحيات الأوروبيين طوال سنوات عديدة من أجل الوصول إلى تلك المنظومة.  فالأنظمة السياسية الأوروبية تعمل ضد منظومات قيم شعوبها باستخدام الإرهاب وتوظيفه تارة، والتعامل معه ومع الإرهابيين بمعايير مزدوجة تارة أخرى، بينما الإرهاب ذاته يضرب حياة الناس ومصالحهم.  الخطير في الضربات الأخيرة في بروكسل، هو أن هذه المدينة هي مقر الاتحاد الأوروبي، ومقر حلف الناتو الذي تترأسه الولايات المتحدة، وبالتالي، فسلسلة العمليات التي وقعت في بلجيكا لا يمكن أن تمر مثل العمليات التي وقعت في فرنسا أو مصر أو تونس، إنها لا تقل خطورة عن هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001 في نيويورك من حيث المعنى والمغزى.  فأين مخابرات حلف الناتو، والاستخبارات الأمريكية على الأقل لحماية ليس حلفائها، وإنما لحماية مقرها الذي تترأسه واشنطن؟.. وأين استخبارات الاتحاد الأوروبي لحماية عاصمتها ومقرها؟!، تساؤلات تبدو عادية ومتكررة، ولكنها مهمة وضرورية في الحالة البلجيكية تحديدا.

المصدر : الماسة السورية/اشر الصباغ


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة