العالم في مرمى «داعش». حان وقت تسمية الأشياء باسمائها: هذا هو الإرهاب. ما عداه، عنف هواة. بات للإرهاب «دولة عظمى»، لا شبيه لها من قبل. يصعب تقليدها في ما بعد. «دولة» الخلافة، تستمد من الماضي، حضورها ومستقبلها. دولة ببعد معولم، بهدف «أسلمة العالم». تبسط سلطتها بعنف «إلهي» غير مسبوق. لا أحد يضاهيها في توحشها، لا تتسع مخيلة لوسائل القتل، ولجرأة التحدي بالموت والانتحار المكافأ بملذات الجنة.

العالم في مرمى «داعش». غداً يوم آخر، بعده، مذبحة أخرى، وترتبك الأمكنة، وتستعد لنهارات لا تحتمل. بالأمس، أصيب قلب أوروبا. أقفلت بروكسل شوارعها، سدّت أبوابها، ألغت الحياة، رفعت شارة الحداد: «الحياة ملغاة والدهشة مسّ من جنون». القتل يختبئ في مكان ما، بل، في الأمكنة كلها. ولا جواب على «داعش» غير اعلان الحرب عليها بالكلمات. الكلمات القاصرة عن أن تصير لكمات.

العالم في مرمى «داعش». تخوض حربا عالمية، ضد كل من لا يتشبه بها. ليست سوريا مسرحاً وحيداً لها. ليس العراق ملعباً وحيداً. هي في بروكسل وفي باريس وفي انقرة وإسطنبول، هي في القارة الافريقية: ليبيا جبهة متقدمة ولّادة غزوات باتجاه تونس والجزائر. القارة السوداء تتشح بدمها. ليس من عاصمة في العالم لا تخشى «داعش». سيناء منصة لعنف في مصر. اليمن مسرح لعنف مدمر. لا ينسى ما فعلته في القارة الأميركية، وما ارتكبته في اوستراليا... حدث ويحدث وسيحدث ذلك مراراً، قبل ان يهتدي العالم إلى لغة تسمي الأشياء بأسمائها: «حرب داعش العالمية» على كل العالم.

لا يتحمل الذين سقطوا شهداء في أي مكان، أي ذنب أو مسؤولية. انهم وقود المعركة. لتركيع السلطات وفرض إرادة العنف على قرارات مستحيلة... لا يتحمل الإسلام مسؤولية أي اعتداء أو توحش. هذا دين كسواه من الديانات. يمكن توظيف الدين لارتقاء الروح إلى سماوات الحب والعطاء والكمال، ويمكن توظيفه لبلوغ الجحيم. «داعش»، تبشر بدين للجحيم فقط.

فلنسم الأشياء بأسمائها.

نقول: لم تعلن حرب على «داعش» بعد. الدول والرؤساء والملوك، يلوكون كلاماً مبتذلاً، لا يساوي حروفه. يحوّرون الموضوع. يدورون في فراغ الفعل. عندما ضرب الإرهاب الداعشي باريس، ارتعبت دول وشعوب. خرج الرئيس الفرنسي ليعلن: «الحرب على داعش». كيف؟ متى؟ أين؟ لا تكفي إعلانات حالة الطوارئ. تشديد القبضة الأمنية. مشروعات تعديل مواد قانونية لنزع «الجنسية» عمن يشتبه به... لا يعوّض الحرب على «داعش» الكلام في فقه العنف، وعلاقته بالدين الإسلامي، و «تنامي الاسلاموفوبيا»... بالفم الملآن، لا علاقة للإسلام بهذا التوحش. هو منه براء نصاً وروحاً. ولم تكن للمسيحية أية علاقة بالتوحش الاستعماري ابان افتتاح القارة الجديدة، او ابان الغزو الاستعماري للجنس الأبيض لقارات الدنيا المستضعفة... المشكلة ليست في الدين. إذاً، أين هي؟ إذا لم تكن «داعش» بنت النص، فمن أي رحم جاءت؟ إذا لم تحصل الإجابة الدقيقة عن هذا السؤال، فستكون المسؤولية على من يتجنب توصيف الداء بعلته. وعندها، يحصل الارتكاب الفظيع، ما يشهد على ذلك، ان المسؤولين عن أسباب الإرهاب في دنيا العرب، استبدلوا الإرهاب الوبائي، بالمقاومة في لبنان. السعودية، ومعها الدول التابعة في الخليج، والدول «الناعمة» في الغرب، سارعت إلى تسمية «حزب الله» وتناست واجبها في مهمات «الحرب على داعش».

من المعيب ألا تسكب دموع على من سقط في بروكسل وعلى من قتل في باريس وعلى من أصيب في اسطمبول، وعلى من اقتلعت منه الحياة في كل مكان بلغته قبضة «داعش». يتساوى هؤلاء، مع لبنانيين في الضاحية وسوريين في مدن وبلدات، وعراقيين في دساكرهم ومصريين وتوانسة و... قليل من الدمع كاف ليعيد للبشر نصاب انسانيتهم ويشحذ رغبتهم في وضع حد لهذا التوحش... ومن المعيب أكثر ان لا يتجرأ أحد على تسمية الأشياء باسمائها، بعدما بلغت «الدولة الإسلامية في العراق والشام» مرتبة «الدولة العظمى» التي لا شبيه لها.

أولاً: هذه الدولة ولدت هنا بأدوات من عندنا، بيئتها الحاضنة لها سابقة لولادتها. بيئة وهابية سلفية محروسة بنظام دقيق ومستفيد، يحظى بتفهم غربي ورعاية أميركية ودعم عالمي، وذيلية عربية غير مسبوقة. «داعش» ليس صناعة سعودية، ولكن ما كان لـ «داعش» أن توجد من دون هذه الدعوة، التي جنّدت «جيشاً» من الإسلاميين الوهابيين والسلفيين، لمحاربة «الكفار» السوفيات في أفغانستان. الرحم الوهابي من عندنا.

ثانياً: هذه الدولة الداعشية ولدت هنا، بعدما قضى الاستبداد الحزبي والعسكري والأمني على كل فكر وعقل ونقد، واقفل أبواب السياسة والمشاركة أمام أبرياء الناس واتقياء المستقبل. لقد أعدم الاستبداد الأمل وجعل البلاد مشاعاً له...

ثالثاً: هذه الدولة الداعشية، هي البنت الشرعية لنظام العولمة المتوحش اقتصاداً وسوقا، والذي عمّم الفقر وعالجه بالإحسان الـN.J.O.

أسوأ ما أصيبت به شعوب هذه المنطقة، ما سماه نعوم تشومسكي: انعدام الأفق. سدّت الآفاق كلها. فلم يبق أمام هؤلاء البؤساء، غير العودة إلى الدين، ليصير مشروعاً سياسياً، بوهم العدالة... فبئس هذه العودة، واللعنة على هذا العالم الثلاثي الأبعاد: الوهابي والاستبدادي والعولمة.

الحرب على «داعش» تأخرت. حرب «داعش» على العالم، هي العنوان. ليس في الأفق إلا مناوشة «داعش» بالتقسيط... اننا بانتظار «الأيام السود».

  • فريق ماسة
  • 2016-03-22
  • 4140
  • من الأرشيف

إصابة أوروبا في القلب.. التوحش ليس إسلامياً

العالم في مرمى «داعش». حان وقت تسمية الأشياء باسمائها: هذا هو الإرهاب. ما عداه، عنف هواة. بات للإرهاب «دولة عظمى»، لا شبيه لها من قبل. يصعب تقليدها في ما بعد. «دولة» الخلافة، تستمد من الماضي، حضورها ومستقبلها. دولة ببعد معولم، بهدف «أسلمة العالم». تبسط سلطتها بعنف «إلهي» غير مسبوق. لا أحد يضاهيها في توحشها، لا تتسع مخيلة لوسائل القتل، ولجرأة التحدي بالموت والانتحار المكافأ بملذات الجنة. العالم في مرمى «داعش». غداً يوم آخر، بعده، مذبحة أخرى، وترتبك الأمكنة، وتستعد لنهارات لا تحتمل. بالأمس، أصيب قلب أوروبا. أقفلت بروكسل شوارعها، سدّت أبوابها، ألغت الحياة، رفعت شارة الحداد: «الحياة ملغاة والدهشة مسّ من جنون». القتل يختبئ في مكان ما، بل، في الأمكنة كلها. ولا جواب على «داعش» غير اعلان الحرب عليها بالكلمات. الكلمات القاصرة عن أن تصير لكمات. العالم في مرمى «داعش». تخوض حربا عالمية، ضد كل من لا يتشبه بها. ليست سوريا مسرحاً وحيداً لها. ليس العراق ملعباً وحيداً. هي في بروكسل وفي باريس وفي انقرة وإسطنبول، هي في القارة الافريقية: ليبيا جبهة متقدمة ولّادة غزوات باتجاه تونس والجزائر. القارة السوداء تتشح بدمها. ليس من عاصمة في العالم لا تخشى «داعش». سيناء منصة لعنف في مصر. اليمن مسرح لعنف مدمر. لا ينسى ما فعلته في القارة الأميركية، وما ارتكبته في اوستراليا... حدث ويحدث وسيحدث ذلك مراراً، قبل ان يهتدي العالم إلى لغة تسمي الأشياء بأسمائها: «حرب داعش العالمية» على كل العالم. لا يتحمل الذين سقطوا شهداء في أي مكان، أي ذنب أو مسؤولية. انهم وقود المعركة. لتركيع السلطات وفرض إرادة العنف على قرارات مستحيلة... لا يتحمل الإسلام مسؤولية أي اعتداء أو توحش. هذا دين كسواه من الديانات. يمكن توظيف الدين لارتقاء الروح إلى سماوات الحب والعطاء والكمال، ويمكن توظيفه لبلوغ الجحيم. «داعش»، تبشر بدين للجحيم فقط. فلنسم الأشياء بأسمائها. نقول: لم تعلن حرب على «داعش» بعد. الدول والرؤساء والملوك، يلوكون كلاماً مبتذلاً، لا يساوي حروفه. يحوّرون الموضوع. يدورون في فراغ الفعل. عندما ضرب الإرهاب الداعشي باريس، ارتعبت دول وشعوب. خرج الرئيس الفرنسي ليعلن: «الحرب على داعش». كيف؟ متى؟ أين؟ لا تكفي إعلانات حالة الطوارئ. تشديد القبضة الأمنية. مشروعات تعديل مواد قانونية لنزع «الجنسية» عمن يشتبه به... لا يعوّض الحرب على «داعش» الكلام في فقه العنف، وعلاقته بالدين الإسلامي، و «تنامي الاسلاموفوبيا»... بالفم الملآن، لا علاقة للإسلام بهذا التوحش. هو منه براء نصاً وروحاً. ولم تكن للمسيحية أية علاقة بالتوحش الاستعماري ابان افتتاح القارة الجديدة، او ابان الغزو الاستعماري للجنس الأبيض لقارات الدنيا المستضعفة... المشكلة ليست في الدين. إذاً، أين هي؟ إذا لم تكن «داعش» بنت النص، فمن أي رحم جاءت؟ إذا لم تحصل الإجابة الدقيقة عن هذا السؤال، فستكون المسؤولية على من يتجنب توصيف الداء بعلته. وعندها، يحصل الارتكاب الفظيع، ما يشهد على ذلك، ان المسؤولين عن أسباب الإرهاب في دنيا العرب، استبدلوا الإرهاب الوبائي، بالمقاومة في لبنان. السعودية، ومعها الدول التابعة في الخليج، والدول «الناعمة» في الغرب، سارعت إلى تسمية «حزب الله» وتناست واجبها في مهمات «الحرب على داعش». من المعيب ألا تسكب دموع على من سقط في بروكسل وعلى من قتل في باريس وعلى من أصيب في اسطمبول، وعلى من اقتلعت منه الحياة في كل مكان بلغته قبضة «داعش». يتساوى هؤلاء، مع لبنانيين في الضاحية وسوريين في مدن وبلدات، وعراقيين في دساكرهم ومصريين وتوانسة و... قليل من الدمع كاف ليعيد للبشر نصاب انسانيتهم ويشحذ رغبتهم في وضع حد لهذا التوحش... ومن المعيب أكثر ان لا يتجرأ أحد على تسمية الأشياء باسمائها، بعدما بلغت «الدولة الإسلامية في العراق والشام» مرتبة «الدولة العظمى» التي لا شبيه لها. أولاً: هذه الدولة ولدت هنا بأدوات من عندنا، بيئتها الحاضنة لها سابقة لولادتها. بيئة وهابية سلفية محروسة بنظام دقيق ومستفيد، يحظى بتفهم غربي ورعاية أميركية ودعم عالمي، وذيلية عربية غير مسبوقة. «داعش» ليس صناعة سعودية، ولكن ما كان لـ «داعش» أن توجد من دون هذه الدعوة، التي جنّدت «جيشاً» من الإسلاميين الوهابيين والسلفيين، لمحاربة «الكفار» السوفيات في أفغانستان. الرحم الوهابي من عندنا. ثانياً: هذه الدولة الداعشية ولدت هنا، بعدما قضى الاستبداد الحزبي والعسكري والأمني على كل فكر وعقل ونقد، واقفل أبواب السياسة والمشاركة أمام أبرياء الناس واتقياء المستقبل. لقد أعدم الاستبداد الأمل وجعل البلاد مشاعاً له... ثالثاً: هذه الدولة الداعشية، هي البنت الشرعية لنظام العولمة المتوحش اقتصاداً وسوقا، والذي عمّم الفقر وعالجه بالإحسان الـN.J.O. أسوأ ما أصيبت به شعوب هذه المنطقة، ما سماه نعوم تشومسكي: انعدام الأفق. سدّت الآفاق كلها. فلم يبق أمام هؤلاء البؤساء، غير العودة إلى الدين، ليصير مشروعاً سياسياً، بوهم العدالة... فبئس هذه العودة، واللعنة على هذا العالم الثلاثي الأبعاد: الوهابي والاستبدادي والعولمة. الحرب على «داعش» تأخرت. حرب «داعش» على العالم، هي العنوان. ليس في الأفق إلا مناوشة «داعش» بالتقسيط... اننا بانتظار «الأيام السود».

المصدر : السفير - نصري الصايغ


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة