الهدف الرئيس للهجمة التي تقودها السعودية على حزب الله هو التزلف للمحور الصهيو-أميركي الذي بدأ بإرسال إشارات تدل على استعداده للتخلي عن أنظمة آل سعود وأضرابهم في ظل استشعاره لتغير موازين القوى في المنطقة لصالح محور المقاومة والتحرر.

لو أن أحداً تنبأ في الستينات أو الخمسينات، أي في زمن الشعور العربي الحاد والجامع بنكبة فلسطين، والشوق الجامح لتحريرها من أيدي المغتصبين الصهاينة... لو تنبأ بأن يوماً سيأتي ليشهد اصطفاف معظم الأنظمة العربية خلف النظام السعودي، واصطفاف هذا الأخير خلف الكيان الصهيوني... لاتهم بالجنون الشديد، ولقتل شر قتلة، ولغمس الجميع أيديهم في دمه انتقاماً منه ومن افترائه على عروبة العرب، عبر اتهامهم بارتكاب مثل هذه الخيانة الشنيعة.

 خناجر الإجرام السعودي

 ولو أنه تنبأ بأن تلك الأنظمة العربية ستسل خناجر إجرامها لتغمدها في صدر كل من يرفع صوته أو سيفه دفاعاً عن فلسطين ومقدساتها الدينية والبشرية (خصوصاً دماء الصبايا التي تهرق بأيدي الجنود الصهاينة فوق أرصفة فلسطين)، لأمسكته الجماهير يومها ولقطعته إرباً إرباً عقاباً له على كل هذا الافتئات على نسل عدنان وقحطان ويعرب.

 ولو أنه تنبأ فوق ذلك بأن قسماً معتبراً من الجماهير العربية التي كانت تهتف من قبل لتحرير فلسطين وللثأر من الكيان الصهيوني، سيصطف هو أيضاً وراء الحكام العرب في اصطفافهم خلف السعودية في اصطفافها خلف الكيان الصهيوني، لفعلت به الأفاعيل، ولحولته إلى قصة من النوع الذي يستحق أن يكتب بالإبر على آماق البصر ليكون عبرة لمن اعتبر.

ومع هذا، حصل كل هذا. إن على مستوى معاداة إيران التي في أول يوم من ثورتها الإسلامية طردت البعثة الدبلوماسية الإسرائيلية وحولت سفارة الكيان الصهيوني في طهران إلى مقر لمنظمة التحرير الفلسطينية ولم تبخل، منذ ذلك الحين بشكل من أشكال الدعم إلا وبذلته لقضية فلسطين وتحريرها.

 العرب

 ومعاداة سوريا التي وقفت وحيدة بين الدول العربية لترفض حلول الاستسلام ولتتحمل نتيجة لهذا الرفض كل هذه الآلام الناشئة عن العدوان الذي يشن عليها من قبل معسكر الهيمنة الصهيو-أميركي وملحقاته العربية، وفي طليعتها المملكة السعودية.

 ومعاداة حزب الله، وهو الفئة القليلة التي، بشكل إعجازي، تمكنت من إلحاق الهزيمة بجيش الكيان الصهيوني الذي لوع جيوش معظم العرب، واشتهر بحروبه/النزهات وانتصاراته المدوية على تلك الجيوش.

 ومعاداة لبنان لأنه يرفض الانضمام إلى جوقة ما يسمى بـ "الإجماع العربي". إجماع عربي هو في الحقيقة بمستوى هزال أصحابه: النظام السعودي المترنح وأنظمة خليجية متهاوية وحفنة من أنظمة عربية يقودها "زعماء" مضحكون أقل ما يقال فيهم أنهم يعينون ويعزلون من قبل السيدين الأميركي والصهيوني، ويتعيشون على ما يتسولونه من أموال سعودية وخليجية هي في الأساس حقوق للأرامل واليتامى والمعدمين في بلاد العرب والمسلمين.

 الإجماع الأبتر

 وكيف يكون إجماعاً ذلك الإجماع الذي لم تنضم إليه سوريا والعراق والجزائر حواضر العرب الكبرى، ولبنان، زهرة هذا المشرق الذي اختمرت في حنايا بتلاتها بذرة حزب الله، حامل بشارة النصر الموعود القادم؟

 وكيف يكون إجماعاً ذلك الإجماع الأبتر الذي لا نرى لتداعياته حساً في شوارع بلدان العرب، ولا يحظى بغير الهزء والسخرية من قبل الناس المكلومين في بلاد العرب بفعل أفاعيل السعودية وإجرام آل سعود الممتد من ساحات سوريا والعراق إلى ساحات مصر وتونس ونيجيريا وشاطئ العاج، بعد المرور بالقطيف والبحرين، وليبيا واليمن، ولبنان والصومال، وسائر البقاع والأصقاع؟

 وكيف يكون إجماعاً وهو إجماع يحظى بتقدير الإسرائيليين الذين يرون فيه "تحولاً استراتيجياَ"، وفق تعبير تسيبي ليفني، بقدر ما يعتبر حزب الله "تنظيماً إرهابياً"، ما يعني تبرئة الحلف الصهيو-أميركي وامتداداته الإقليمية من صفة الإرهاب الحقيقي والفعلي ؟

 ما الذي يأمل آل سعود بتحقيقه من خلال توجيه هذه التهمة إلى حزب الله ؟ من غير المرجح أنهم يظنون بأن العرب والمسلمين سيصدقون مثل هذه الفرية التي ارتفعت الأصوات بإدانتها في أنحاء العالم العربي والإسلامي حتى قبل أن يبدأ تسعير الحملة الحالية على حزب الله.

 لكنهم يعلمون أن حزب الله هو في طليعة القوى التي تثير مخاوف وأحقاد الكيان الصهيوني وحماته الغربيين. لذلك فهم يظنون أن مناصبته العداء من شأنها أن تكسبهم شيئاً من الحظوة في نظر واشنطن وتل أبيب، وما يعنيه ذلك من تأمين الحماية لهم في وقت بدأوا يستشعرون فيه بداية نهايتهم المحتومة.

 لكنه ظن خائب. لأن واشنطن وتل أبيب اللتين وصلتا إلى حالة العجز عن المواجهة، واضطرتا إلى التخلي عن أساليب التدخل المباشر، تفضلان التخلي عن آل سعود وأضرابهم بدلاً من الدخول في مواجهات خاسرة سلفاً مع محور المقاومة، وخصوصاً مع حزب الله وإيران.

  • فريق ماسة
  • 2016-03-18
  • 13742
  • من الأرشيف

مهزلة الإجماع العربي في الزمن السعودي

الهدف الرئيس للهجمة التي تقودها السعودية على حزب الله هو التزلف للمحور الصهيو-أميركي الذي بدأ بإرسال إشارات تدل على استعداده للتخلي عن أنظمة آل سعود وأضرابهم في ظل استشعاره لتغير موازين القوى في المنطقة لصالح محور المقاومة والتحرر. لو أن أحداً تنبأ في الستينات أو الخمسينات، أي في زمن الشعور العربي الحاد والجامع بنكبة فلسطين، والشوق الجامح لتحريرها من أيدي المغتصبين الصهاينة... لو تنبأ بأن يوماً سيأتي ليشهد اصطفاف معظم الأنظمة العربية خلف النظام السعودي، واصطفاف هذا الأخير خلف الكيان الصهيوني... لاتهم بالجنون الشديد، ولقتل شر قتلة، ولغمس الجميع أيديهم في دمه انتقاماً منه ومن افترائه على عروبة العرب، عبر اتهامهم بارتكاب مثل هذه الخيانة الشنيعة.  خناجر الإجرام السعودي  ولو أنه تنبأ بأن تلك الأنظمة العربية ستسل خناجر إجرامها لتغمدها في صدر كل من يرفع صوته أو سيفه دفاعاً عن فلسطين ومقدساتها الدينية والبشرية (خصوصاً دماء الصبايا التي تهرق بأيدي الجنود الصهاينة فوق أرصفة فلسطين)، لأمسكته الجماهير يومها ولقطعته إرباً إرباً عقاباً له على كل هذا الافتئات على نسل عدنان وقحطان ويعرب.  ولو أنه تنبأ فوق ذلك بأن قسماً معتبراً من الجماهير العربية التي كانت تهتف من قبل لتحرير فلسطين وللثأر من الكيان الصهيوني، سيصطف هو أيضاً وراء الحكام العرب في اصطفافهم خلف السعودية في اصطفافها خلف الكيان الصهيوني، لفعلت به الأفاعيل، ولحولته إلى قصة من النوع الذي يستحق أن يكتب بالإبر على آماق البصر ليكون عبرة لمن اعتبر. ومع هذا، حصل كل هذا. إن على مستوى معاداة إيران التي في أول يوم من ثورتها الإسلامية طردت البعثة الدبلوماسية الإسرائيلية وحولت سفارة الكيان الصهيوني في طهران إلى مقر لمنظمة التحرير الفلسطينية ولم تبخل، منذ ذلك الحين بشكل من أشكال الدعم إلا وبذلته لقضية فلسطين وتحريرها.  العرب  ومعاداة سوريا التي وقفت وحيدة بين الدول العربية لترفض حلول الاستسلام ولتتحمل نتيجة لهذا الرفض كل هذه الآلام الناشئة عن العدوان الذي يشن عليها من قبل معسكر الهيمنة الصهيو-أميركي وملحقاته العربية، وفي طليعتها المملكة السعودية.  ومعاداة حزب الله، وهو الفئة القليلة التي، بشكل إعجازي، تمكنت من إلحاق الهزيمة بجيش الكيان الصهيوني الذي لوع جيوش معظم العرب، واشتهر بحروبه/النزهات وانتصاراته المدوية على تلك الجيوش.  ومعاداة لبنان لأنه يرفض الانضمام إلى جوقة ما يسمى بـ "الإجماع العربي". إجماع عربي هو في الحقيقة بمستوى هزال أصحابه: النظام السعودي المترنح وأنظمة خليجية متهاوية وحفنة من أنظمة عربية يقودها "زعماء" مضحكون أقل ما يقال فيهم أنهم يعينون ويعزلون من قبل السيدين الأميركي والصهيوني، ويتعيشون على ما يتسولونه من أموال سعودية وخليجية هي في الأساس حقوق للأرامل واليتامى والمعدمين في بلاد العرب والمسلمين.  الإجماع الأبتر  وكيف يكون إجماعاً ذلك الإجماع الذي لم تنضم إليه سوريا والعراق والجزائر حواضر العرب الكبرى، ولبنان، زهرة هذا المشرق الذي اختمرت في حنايا بتلاتها بذرة حزب الله، حامل بشارة النصر الموعود القادم؟  وكيف يكون إجماعاً ذلك الإجماع الأبتر الذي لا نرى لتداعياته حساً في شوارع بلدان العرب، ولا يحظى بغير الهزء والسخرية من قبل الناس المكلومين في بلاد العرب بفعل أفاعيل السعودية وإجرام آل سعود الممتد من ساحات سوريا والعراق إلى ساحات مصر وتونس ونيجيريا وشاطئ العاج، بعد المرور بالقطيف والبحرين، وليبيا واليمن، ولبنان والصومال، وسائر البقاع والأصقاع؟  وكيف يكون إجماعاً وهو إجماع يحظى بتقدير الإسرائيليين الذين يرون فيه "تحولاً استراتيجياَ"، وفق تعبير تسيبي ليفني، بقدر ما يعتبر حزب الله "تنظيماً إرهابياً"، ما يعني تبرئة الحلف الصهيو-أميركي وامتداداته الإقليمية من صفة الإرهاب الحقيقي والفعلي ؟  ما الذي يأمل آل سعود بتحقيقه من خلال توجيه هذه التهمة إلى حزب الله ؟ من غير المرجح أنهم يظنون بأن العرب والمسلمين سيصدقون مثل هذه الفرية التي ارتفعت الأصوات بإدانتها في أنحاء العالم العربي والإسلامي حتى قبل أن يبدأ تسعير الحملة الحالية على حزب الله.  لكنهم يعلمون أن حزب الله هو في طليعة القوى التي تثير مخاوف وأحقاد الكيان الصهيوني وحماته الغربيين. لذلك فهم يظنون أن مناصبته العداء من شأنها أن تكسبهم شيئاً من الحظوة في نظر واشنطن وتل أبيب، وما يعنيه ذلك من تأمين الحماية لهم في وقت بدأوا يستشعرون فيه بداية نهايتهم المحتومة.  لكنه ظن خائب. لأن واشنطن وتل أبيب اللتين وصلتا إلى حالة العجز عن المواجهة، واضطرتا إلى التخلي عن أساليب التدخل المباشر، تفضلان التخلي عن آل سعود وأضرابهم بدلاً من الدخول في مواجهات خاسرة سلفاً مع محور المقاومة، وخصوصاً مع حزب الله وإيران.

المصدر : العهد/ عقيل الشيخ حسين


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة