يفرض السؤال نفسه، وبشكل موضوعي، بعدما وصلت السعودية في مغامرتها الإقليمية، وغضبها على لبنان، إلى مدى بعيد، يهدد بتداعيات على المملكة وحلفائها قبل خصومها.

 وإذا كان الهدف السعودي من الهجوم المضاد الذي تشنه على جبهات المنطقة إضعاف النفوذ الإيراني وتقليص دور حليفه الاستراتيجي المتمثل في «حزب الله»، فإن الأكيد هو أن من شأن العقوبات السعودية العشوائية والاعتباطية بحق لبنان أن تعطي مفعولاً عكسياً، إذ إن الفراغ الذي تتركه المملكة في معرض «انسحابها الهجومي» من المواقع التقليدية في لبنان سيسمح لطهران والحزب بمزيد من الأريحية والأرجحية على الساحة اللبنانية.

وقد واصلت السعودية قيادة حملة الضغط على لبنان و«حزب الله»، خلال اجتماع الدورة الـ 138 لوزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي في الرياض، بمشاركة وزير الخارجية الأردني ناصر جودة، ونائب عن وزير خارجية المملكة المغربية، وبرئاسة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير.

أكد الوزراء في الاجتماع القرار الصادر عن الدورة (33) لمجلس وزراء الداخلية العرب في تونس، والذي اعتبر «حزب الله» إرهابياً، «لما يقوم به من أعمال خطرة لزعزعة الأمن والسلم الاجتماعي في بعض الدول العربية».

وأشاد الوزراء بجهود الأجهزة الأمنية في مملكة البحرين «التي تمكنت من إحباط مخطط إرهابي (كانون الثاني 2016) وإلقاء القبض على أعضاء التنظيم الإرهابي الموكل إليه تنفيذ هذا المخطط، والمدعوم من قبل الحرس الثوري الإيراني وحزب الله الإرهابي».

وأكد وزير الخارجية البحريني الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة وجود إجماع خليجي على «تحديد ماهية الآليات الخاصة بوقف تمدد الهيمنة الإيرانية، عبر أذرعها في المنطقة ودول مجلس التعاون، والمتمثلة بميليشيات حزب الله اللبناني، والحوثيين، وميليشيات الحشد الشعبي».

وأشار الجبير الى أن إطلاق الوزير السابق ميشال سماحة من قبل محكمة عسكرية ليس مؤشراً إيجابياً على استقلال الجيش عن نفوذ «حزب الله»، «ولذا تم اتخاذ القرار بوقف المنح إلى الجيش والأمن اللبنانييْن وتحويلها إلى الجيش والأمن في السعودية».

واعتبر الجبير أن لبنان يُحكم الآن من قبل «حزب الله»، مضيفاً أن «المزعج في موضوع لبنان أن ميليشيا مصنفة كمنظمة إرهابية صارت تسيطر على القرار في لبنان».

ورداً على سؤال حول العقوبات ضد «حزب الله»، قال الجبير إن وزراء خارجية مجلس التعاون قرروا (أمس) أنهم سينظرون «في الإجراءات التي يجب أن نتخذها بغية التصدي لحزب الله ووضع حد لقدراته على الاستفادة من التعامل مع أي من دول مجلس التعاون».

 الانزعاج الأميركي

وفيما تصر المملكة على المضي في قرار إلغاء الهبة المخصصة للجيش اللبناني، لم تُخفِ واشنطن انزعاجها الصريح من الموقف السعودي حيال الجيش الذي تراهن عليه الولايات المتحدة لإقامة توازن نسبي مع «حزب الله»، على المدى الطويل، وهذا ما عبّر عنه المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية عند ما قال أمس الأول إن المساعدة للقوات اللبنانية المسلحة وغيرها من المؤسسات الشرعية «أساسية للمساعدة في تحجيم حزب الله ورعاته الأجانب»، مؤكداً أن المساعدات الأميركية للجيش اللبناني ستستمر «ولا نريد ترك الساحة خالية لحزب الله أو رعاته».

وكان الوفد النيابي اللبناني الذي زار واشنطن مؤخراً قد تبلغ من المسؤولين الأميركيين إصراراً على دعم الجيش، وسمع الوفد في وزارتي الخارجية والدفاع ومجلس الأمن القومي تأكيداً بإن الإدارة الأميركية ستتواصل مع الرياض لمناقشتها في قرارها والتعبير عن الامتعاض منه.

يشعر الأميركيون والأوروبيون أن المملكة تكاد تهدد بتصرفاتها، التي لا تخلو أحياناً من بعض المراهقة أو الانفعال، مصالحهم الاستراتيجية، وهو الأمر الذي عكسته صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية التي نقلت عن مسؤولين عرب قولهم إن إدارة الرئيس باراك أوباما تضغط على السعودية حتى لا تقوم بخطوات إضافية لمعاقبة لبنان اقتصادياً انتقاماً من الدور السياسي المتصاعد لـ «حزب الله» المدعوم من إيران.

واعتبرت الصحيفة أن الخلاف بشأن لبنان يمثل أحدث انقسام في السياسة الخارجية يظهر بين واشنطن والرياض الحليفين منذ عقود، خصوصاً في ما يتعلق بالدور الإقليمي الذي تلعبه إيران ووكلاؤها.

وكشفت عن أن دبلوماسيين أميركيين رفيعي المستوى ومن بينهم وزير الخارجية جون كيري حذروا سراً السعودية ودول خليجية أخرى من أنهم يبالغون في رد الفعل ويخاطرون بزعزعة استقرار اقتصاد لبنان.

ووفقاً لمسؤول أميركي مطلع على الاتصالات مع السعودية فإن الولايات المتحدة تعتقد أن الإجراءات متهورة وتخاطر بقيادة لبنان بشكل أكبر إلى أيدي إيران، مضيفاً أن رد الفعل يبدو مبالغاً فيه بشكل كبير. وتابع: أنا أتفهم الغضب السعودي.. عندما يفشل أحد ما فإنه يغضب، وأقلّ ما يمكنه فعله هو الغضب.

وأشارت الصحيفة الى أن الحكومة الفرنسية بقيادة الرئيس فرانسوا هولاند أثارت هي الأخرى المخاوف بشأن لبنان في الاجتماعات الأخيرة مع الحكومة السعودية، وذلك وفقاً لمسؤولين أميركيين وعرب.

 الحسابات السعودية

ويقول العارفون بالمزاج السعودي في معرض محاولة فهم سلوك المملكة إن الرياض تشعر بخطر وجودي، أو أقله استراتيجي، آتٍ من اليمن الواقعة على حدودها مباشرة، حيث لا تحتمل الرياض أي خسارة لأنها ستصيب «رأس المال»، في حين أن إيران تلعب «خارج أرضها» وإذا أصيبت بانتكاسة في اليمن فإنها تستطيع تحملها أو تعويضها.

وعندما اجتاح صدام حسين الكويت، سُئل أحد أمراء السعودية عن خيارات الرياض إذا قرر الرئيس العراقي حينها التمدد في اتجاهها وعمن سيحمي المملكة في مثل هذه الحالة، فأجاب الأمير: نستأجر البيض (الاميركيون) ليدافعوا عنها.

لكن المشكلة التي واجهت الرياض، ولا تزال، في عهد إدارة الرئيس باراك أوباما، أن الإدارة الأميركية عدلت استراتيجيتها وغيّرت وجهة سيرها، بحيث لم تعد مستعدة لإرسال جيوشها الى الخارج للقتال، دفاعاً عن المملكة او غيرها، خصوصاً أن مرتبة النفط الخليجي تراجعت في أولويات واشنطن التي أصبحت تملك مخزوناً استراتيجياً منه.

وفي المقابل، تآكلت سطوة السعودية في العالم النفطي بعدما تناقص إنتاج «أوبيك»، فيما تحولت روسيا وأميركا الى لاعبيْن أساسييْن في السوق البترولية.

ولعله يمكن اختصار الفارق بين المقاربتين الأميركيتين، السابقة والحالية، للعلاقة مع السعودية بمعادلة منسوبة لأحد المسؤولين الأميركيين وفحواها: لقد تحملنا في السابق القليل من الوهابية من أجل الكثير من النفط. لن نتحمل الآن الكثير من الوهابية من أجل القليل من النفط.

ومع هبوب الرياح الباردة على التحالف الغربي - السعودي، وتيقن المملكة، بعد الاتفاق النووي مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، أن الغرب تبدل وأن بطاقة التأمين الأميركية انتهت صلاحيتها.. تضاعف القلق لدى الرياض من دون أن تنجح محاولات طمأنتها، فكان لا بد لها من البحث عن بدائل، تبدأ بالاتكال على الذات كما حصل في اليمن ولا تنتهي بالانفتاح على إسرائيل.

أما لبنانياً، فإن المملكة اصطدمت أيضاً بحقائق مريرة، بعدما اكتشفت، في لحظة الحقيقة، أن كل الاستثمارالسياسي والمالي ذهب هباءً، وأن حلفاءها ليسوا قادرين على صناعة التوازن المطلوب مع «حزب الله»، بل إنهم يضطرون في كل مرة إلى إبرام تسوية معه ربطاً بموازين القوى من جهة، وبتوازنات التركيبة اللبنانية الدقيقة من جهة أخرى.

في الأساس، كان جزء من النفوذ السعودي في لبنان يمر بـ «طريقة توافقية» عبر القناة السورية، خلال مرحلة التعاون والتنسيق بين الدولتين والتي قادت في حينه الملك عبدالله والرئيس بشار الأسد لزيارة قصر بعبدا معاً.

كان السعوديون يفترضون أنه بالإمكان من خلال العلاقة مع دمشق تشذيب دور «حزب الله» وتكييفه مع متطلبات مصالحهم. لكن، وعند حصول التحولات الدراماتيكية في المنطقة والانقلاب في النظرة الى النظام السوري الذي أصبح عدواً من الدرجة الأولى، اعتقدت الرياض أن بالإمكان المحافظة على نفوذها في لبنان من خلال قناة وسيطة أخرى تتمثل في الأميركيين، قبل أن تسوء العلاقة معهم أيضاً، ليصبح لبنان مركز توازن وتعايش بين واشنطن وطهران اللتين تقاطعتا عند الحاجة الى محاربة الإرهاب، وحماية الحد الأدنى القائم من الاستقرار اللبناني.

  • فريق ماسة
  • 2016-03-11
  • 13362
  • من الأرشيف

بعد مغامراتها الاقليمية ....السعودية.. إلى أين؟

يفرض السؤال نفسه، وبشكل موضوعي، بعدما وصلت السعودية في مغامرتها الإقليمية، وغضبها على لبنان، إلى مدى بعيد، يهدد بتداعيات على المملكة وحلفائها قبل خصومها.  وإذا كان الهدف السعودي من الهجوم المضاد الذي تشنه على جبهات المنطقة إضعاف النفوذ الإيراني وتقليص دور حليفه الاستراتيجي المتمثل في «حزب الله»، فإن الأكيد هو أن من شأن العقوبات السعودية العشوائية والاعتباطية بحق لبنان أن تعطي مفعولاً عكسياً، إذ إن الفراغ الذي تتركه المملكة في معرض «انسحابها الهجومي» من المواقع التقليدية في لبنان سيسمح لطهران والحزب بمزيد من الأريحية والأرجحية على الساحة اللبنانية. وقد واصلت السعودية قيادة حملة الضغط على لبنان و«حزب الله»، خلال اجتماع الدورة الـ 138 لوزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي في الرياض، بمشاركة وزير الخارجية الأردني ناصر جودة، ونائب عن وزير خارجية المملكة المغربية، وبرئاسة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير. أكد الوزراء في الاجتماع القرار الصادر عن الدورة (33) لمجلس وزراء الداخلية العرب في تونس، والذي اعتبر «حزب الله» إرهابياً، «لما يقوم به من أعمال خطرة لزعزعة الأمن والسلم الاجتماعي في بعض الدول العربية». وأشاد الوزراء بجهود الأجهزة الأمنية في مملكة البحرين «التي تمكنت من إحباط مخطط إرهابي (كانون الثاني 2016) وإلقاء القبض على أعضاء التنظيم الإرهابي الموكل إليه تنفيذ هذا المخطط، والمدعوم من قبل الحرس الثوري الإيراني وحزب الله الإرهابي». وأكد وزير الخارجية البحريني الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة وجود إجماع خليجي على «تحديد ماهية الآليات الخاصة بوقف تمدد الهيمنة الإيرانية، عبر أذرعها في المنطقة ودول مجلس التعاون، والمتمثلة بميليشيات حزب الله اللبناني، والحوثيين، وميليشيات الحشد الشعبي». وأشار الجبير الى أن إطلاق الوزير السابق ميشال سماحة من قبل محكمة عسكرية ليس مؤشراً إيجابياً على استقلال الجيش عن نفوذ «حزب الله»، «ولذا تم اتخاذ القرار بوقف المنح إلى الجيش والأمن اللبنانييْن وتحويلها إلى الجيش والأمن في السعودية». واعتبر الجبير أن لبنان يُحكم الآن من قبل «حزب الله»، مضيفاً أن «المزعج في موضوع لبنان أن ميليشيا مصنفة كمنظمة إرهابية صارت تسيطر على القرار في لبنان». ورداً على سؤال حول العقوبات ضد «حزب الله»، قال الجبير إن وزراء خارجية مجلس التعاون قرروا (أمس) أنهم سينظرون «في الإجراءات التي يجب أن نتخذها بغية التصدي لحزب الله ووضع حد لقدراته على الاستفادة من التعامل مع أي من دول مجلس التعاون».  الانزعاج الأميركي وفيما تصر المملكة على المضي في قرار إلغاء الهبة المخصصة للجيش اللبناني، لم تُخفِ واشنطن انزعاجها الصريح من الموقف السعودي حيال الجيش الذي تراهن عليه الولايات المتحدة لإقامة توازن نسبي مع «حزب الله»، على المدى الطويل، وهذا ما عبّر عنه المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية عند ما قال أمس الأول إن المساعدة للقوات اللبنانية المسلحة وغيرها من المؤسسات الشرعية «أساسية للمساعدة في تحجيم حزب الله ورعاته الأجانب»، مؤكداً أن المساعدات الأميركية للجيش اللبناني ستستمر «ولا نريد ترك الساحة خالية لحزب الله أو رعاته». وكان الوفد النيابي اللبناني الذي زار واشنطن مؤخراً قد تبلغ من المسؤولين الأميركيين إصراراً على دعم الجيش، وسمع الوفد في وزارتي الخارجية والدفاع ومجلس الأمن القومي تأكيداً بإن الإدارة الأميركية ستتواصل مع الرياض لمناقشتها في قرارها والتعبير عن الامتعاض منه. يشعر الأميركيون والأوروبيون أن المملكة تكاد تهدد بتصرفاتها، التي لا تخلو أحياناً من بعض المراهقة أو الانفعال، مصالحهم الاستراتيجية، وهو الأمر الذي عكسته صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية التي نقلت عن مسؤولين عرب قولهم إن إدارة الرئيس باراك أوباما تضغط على السعودية حتى لا تقوم بخطوات إضافية لمعاقبة لبنان اقتصادياً انتقاماً من الدور السياسي المتصاعد لـ «حزب الله» المدعوم من إيران. واعتبرت الصحيفة أن الخلاف بشأن لبنان يمثل أحدث انقسام في السياسة الخارجية يظهر بين واشنطن والرياض الحليفين منذ عقود، خصوصاً في ما يتعلق بالدور الإقليمي الذي تلعبه إيران ووكلاؤها. وكشفت عن أن دبلوماسيين أميركيين رفيعي المستوى ومن بينهم وزير الخارجية جون كيري حذروا سراً السعودية ودول خليجية أخرى من أنهم يبالغون في رد الفعل ويخاطرون بزعزعة استقرار اقتصاد لبنان. ووفقاً لمسؤول أميركي مطلع على الاتصالات مع السعودية فإن الولايات المتحدة تعتقد أن الإجراءات متهورة وتخاطر بقيادة لبنان بشكل أكبر إلى أيدي إيران، مضيفاً أن رد الفعل يبدو مبالغاً فيه بشكل كبير. وتابع: أنا أتفهم الغضب السعودي.. عندما يفشل أحد ما فإنه يغضب، وأقلّ ما يمكنه فعله هو الغضب. وأشارت الصحيفة الى أن الحكومة الفرنسية بقيادة الرئيس فرانسوا هولاند أثارت هي الأخرى المخاوف بشأن لبنان في الاجتماعات الأخيرة مع الحكومة السعودية، وذلك وفقاً لمسؤولين أميركيين وعرب.  الحسابات السعودية ويقول العارفون بالمزاج السعودي في معرض محاولة فهم سلوك المملكة إن الرياض تشعر بخطر وجودي، أو أقله استراتيجي، آتٍ من اليمن الواقعة على حدودها مباشرة، حيث لا تحتمل الرياض أي خسارة لأنها ستصيب «رأس المال»، في حين أن إيران تلعب «خارج أرضها» وإذا أصيبت بانتكاسة في اليمن فإنها تستطيع تحملها أو تعويضها. وعندما اجتاح صدام حسين الكويت، سُئل أحد أمراء السعودية عن خيارات الرياض إذا قرر الرئيس العراقي حينها التمدد في اتجاهها وعمن سيحمي المملكة في مثل هذه الحالة، فأجاب الأمير: نستأجر البيض (الاميركيون) ليدافعوا عنها. لكن المشكلة التي واجهت الرياض، ولا تزال، في عهد إدارة الرئيس باراك أوباما، أن الإدارة الأميركية عدلت استراتيجيتها وغيّرت وجهة سيرها، بحيث لم تعد مستعدة لإرسال جيوشها الى الخارج للقتال، دفاعاً عن المملكة او غيرها، خصوصاً أن مرتبة النفط الخليجي تراجعت في أولويات واشنطن التي أصبحت تملك مخزوناً استراتيجياً منه. وفي المقابل، تآكلت سطوة السعودية في العالم النفطي بعدما تناقص إنتاج «أوبيك»، فيما تحولت روسيا وأميركا الى لاعبيْن أساسييْن في السوق البترولية. ولعله يمكن اختصار الفارق بين المقاربتين الأميركيتين، السابقة والحالية، للعلاقة مع السعودية بمعادلة منسوبة لأحد المسؤولين الأميركيين وفحواها: لقد تحملنا في السابق القليل من الوهابية من أجل الكثير من النفط. لن نتحمل الآن الكثير من الوهابية من أجل القليل من النفط. ومع هبوب الرياح الباردة على التحالف الغربي - السعودي، وتيقن المملكة، بعد الاتفاق النووي مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، أن الغرب تبدل وأن بطاقة التأمين الأميركية انتهت صلاحيتها.. تضاعف القلق لدى الرياض من دون أن تنجح محاولات طمأنتها، فكان لا بد لها من البحث عن بدائل، تبدأ بالاتكال على الذات كما حصل في اليمن ولا تنتهي بالانفتاح على إسرائيل. أما لبنانياً، فإن المملكة اصطدمت أيضاً بحقائق مريرة، بعدما اكتشفت، في لحظة الحقيقة، أن كل الاستثمارالسياسي والمالي ذهب هباءً، وأن حلفاءها ليسوا قادرين على صناعة التوازن المطلوب مع «حزب الله»، بل إنهم يضطرون في كل مرة إلى إبرام تسوية معه ربطاً بموازين القوى من جهة، وبتوازنات التركيبة اللبنانية الدقيقة من جهة أخرى. في الأساس، كان جزء من النفوذ السعودي في لبنان يمر بـ «طريقة توافقية» عبر القناة السورية، خلال مرحلة التعاون والتنسيق بين الدولتين والتي قادت في حينه الملك عبدالله والرئيس بشار الأسد لزيارة قصر بعبدا معاً. كان السعوديون يفترضون أنه بالإمكان من خلال العلاقة مع دمشق تشذيب دور «حزب الله» وتكييفه مع متطلبات مصالحهم. لكن، وعند حصول التحولات الدراماتيكية في المنطقة والانقلاب في النظرة الى النظام السوري الذي أصبح عدواً من الدرجة الأولى، اعتقدت الرياض أن بالإمكان المحافظة على نفوذها في لبنان من خلال قناة وسيطة أخرى تتمثل في الأميركيين، قبل أن تسوء العلاقة معهم أيضاً، ليصبح لبنان مركز توازن وتعايش بين واشنطن وطهران اللتين تقاطعتا عند الحاجة الى محاربة الإرهاب، وحماية الحد الأدنى القائم من الاستقرار اللبناني.

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة