رغم أن تصريحات نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف ربما أُخرجت من سياقها الطبيعي، إذ ترك الرجل فيها الحرية للمفاوضين المحتملين على الدستور السوري مستقبلاً القرار بشأن التحوّل إلى اتحاد فدرالي أم لا، إلا أن التداول العلني لهذه الفكرة يشكل انعكاساً للواقع الميداني الذي اجترحته الحرب في الجسد الجغرافي للبلاد، وبالتالي في العقليات المسايرة لتطورات الحرب، ويعني بشكل رئيسي الأكراد أكثر من غيرهم.

وسواء كانت إجابة ريابكوف، من وحي السؤال الصحافي، أم رسالة مقصودة للأطراف الإقليمية، ولاسيما تركيا، فإنه تزامن مع تقدّم استراتيجي للأكراد في الشمال، قبل أيام من الهدنة السارية الآن.

فقد نجح الأكراد، الذين يسيطرون على القسم الأكبر من «قوات سوريا الديموقراطية»، خلال الأسبوع الماضي في الاستحواذ على حصة كبيرة من إنتاج النفط السوري الخارج عن سيطرة الدولة، ولا سيما بعد تمددهم شرقاً، وتمكنهم من السيطرة نسبياً على مدينة الشدادي وحقول الغاز والنفط المحيطة بها.

وبتقدم الأكراد إلى تلك المناطق ستزيد محصلة إنتاجهم النفطي عن 20 ألف برميل يومياً إلى ما يقارب ضعف هذا الرقم، إن تمكنوا بمساعدة الفنيين في حقول الجبسة وكبيبة من تنظيم عملية الاستجرار وتقنينها.

ولن يجد الأكراد صعوبة في الوصول لزبائن، على اعتبار أن تنظيم «داعش» المحاصر دولياً، كما هو مفترض، لم يكن يجد مشكلة في الوصول لزبائنه من المهربين سابقاً. وفي حالة الأكراد تصبح الأمور أسهل، إذا ما أخذت العلاقة المزدوجة القائمة بينهم وبين الدولة، من جهة، وتحالفاتهم الأخرى بعين الاعتبار.

ومنذ أيام، وفي السياق ذاته، أعلنت مواقع إعلامية عدة بدء صيانة خطوط التوتر بين محطة توليد سد تشرين، التي استعادتها «قوات سوريا الديموقراطية» من «داعش» منذ أسابيع، وبين مدينة الحسكة، معلنة عن وصول «شحنتين من المعدات الكهربائية، تتضمّن معدات أربعة أبراج وملحقاتها من أمراس وأسلاك وعوازل ومستلزمات الصيانة إلى مطار قامشلو (القامشلي)» لتركيبها عبر الورش التابعة لوزارة الكهرباء السورية.

كما عيّنت الحكومة السورية مديراً عاماً لحقول الجبسة لإنتاج الغاز، وطلبت من العاملين العودة لممارسة مهامهم بشكل كامل، بعد تنظيف الحقل والمعامل من الألغام والعبوات التي تركها «داعش» خلفه، علماً أن كافة العاملين لا زالوا يتلقون رواتبهم الشهرية من مصارف الحكومة لا غيرها.

إلا أن هذا لا يعني أن إنتاج تلك الحقول سيعود بالضرورة إلى مخازن الدولة. ووفقاً لمعلومات «السفير» يخضع الكثير من النفط المنتج في تلك المناطق للتصريف المحلي، عبر قنوات محلية، و «من الطبيعي أن يجد تحت سيطرة الأكراد هذه الآلية»، حيث الميل للاعتقاد بأن الحكومة السورية «ستتعاون، مع القوات المسيطرة على الآبار الشرقية لتعزيز إمداد مناطق الشمال الشرقي في الحسكة والقامشلي ودير الزور لاحقاً بالنفط والغاز»، وربما بغية تسيير خط الغاز لاحقاً بين تلك المناطق ومحطات التصفية في بانياس وحمص.

وكان سبق لمسؤول نفطي سوري أن قدّم إجابة غامضة في وقت سابق عن سؤال بخصوص «التعاون النفطي مع الأكراد» في حال تمكنوا من السيطرة علـى خطوط إمداد النفط في الجزيرة، مشيراً إلى أن هذا النوع من التعاون «لم يتم اختباره بعد».

ويتّهم المسؤولون السوريون منذ زمن تنظيم «داعش» بتهريب إنتاج النفط في تلك المناطق عبر وسطاء إلى تركيا، كما ينفون بالطبع اتهامات سيقت سابقاً عن تجارة يقوم بها الأكراد و «داعش» مع مناطق سيطرة الدولة، ولا سيما في مجال التبادل التجاري بين مواد الطاقة من جهة، والمواد الغذائية من جهة أخرى.

ويتحدث محليون وشهود عيان عن تجارة غير مثبتة تجري عبر قنوات معقدة من السماسرة وأمراء الحرب بين تلك المناطق، تتيح وصول مواد ومصنعات مناطق سيطرة الدولة، إلى مناطق خارج سيطرتها والعكس. ويُضاف إلى هذه الشبكات أخرى مختصة بالتهريب بين الأسواق الإقليمية، ولا سيما مع تركيا التي كانت تحصل على الحصة الأكبر من النفط المهرّب، وفقاً لتقارير رسمية سورية وروسية.

وبسيطرة «قوات سوريا الديموقراطية» على المدينة، خسر التنظيم حقل كبيبة النفطي، شمال شرقي مدينة الشدادي، وحقل ومعمل غاز الجبسة. وتنتج تلك المنطقة، في الظروف الحالية، ما يقارب 20 ألف برميل يومياً، وهو ضعف ما تنتجه الدولة من كامل مناطق سيطرتها في المنطقة الوسطى في حمص، ويقارب تسعة آلاف برميل.

من جهتها، تسيطر القوات الكردية على حقل الرميلان، الذي ينتج حوالي 35 ألف برميل نفط يومياً، يتم تكرير ثلثها للاستخدام المحلي ويُباع القسم الآخر. ويضمّ الرميلان 1322 حقلاً نفطياً، بعضها ذاتي الدفع، يُضاف إليها 25 بئر غاز في منطقة السويدية.

ووفقاً لمصادر إعلامية كردية تنتج شركة «توزيع محروقات الجزيرة»، وهي المرادف المحلي الكردي لشركة «سادكوب» الحكومية، حوالي 400 ألف ليتر مازوت يومياً، و 150 ألف ليتر بنزين يتمّ تكريرها في مصافٍ كهربائية استوردت لهذا الغرض.

وسيُضاف لهذه الإمكانيات الآن حقول الشدادي بإنتاج يزيد عن 20 ألف برميل في الظروف الطبيعية. أما معمل الغاز في الشدادي فيستطيع إنتاج نحو مليون ونصف المليون متر مكعب من الغاز يومياً، ويسمح بتغطية حاجة تلك المناطق من مادة الغاز، كما يؤمن حاجة المنشآت الكهربائية منه لتلك المنطقة، لكن مع الإشارة إلى الحاجة الدائمة لـ «مساعدة تقنية حكومية».

ويثير هذا الأمر مجدداً حالة تشابك المصالح القائمة بين الطرفين. ورغم أن الدولة تعتبر أن عودة الآبار والمعامل سليمة من يد «داعش» أمر إيجابي، ولا سيما بسبب التعاون الضمني القائم والممكن حالياً بين الأكراد والحكومة السورية، فإن نظرة الدولة تستند لتقييم «طويل الأمد، ومرتبطة بنهايات الصراع، التي تعني عودة إدارة وإنتاج الثروات للحكومة المركزية في دمشق». إلا أن الأرباح التي يمكن أن يجنيها الأكراد في الشمال من تلك السيطرة، حتى نهاية الصراع الأكبر، ربما تزيد الشأن السوري تعقيداً مستقبلاً.

  • فريق ماسة
  • 2016-03-02
  • 15014
  • من الأرشيف

أكراد سورية: مكاسب نفطية تعزّز دورهم مستقبلاً

  رغم أن تصريحات نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف ربما أُخرجت من سياقها الطبيعي، إذ ترك الرجل فيها الحرية للمفاوضين المحتملين على الدستور السوري مستقبلاً القرار بشأن التحوّل إلى اتحاد فدرالي أم لا، إلا أن التداول العلني لهذه الفكرة يشكل انعكاساً للواقع الميداني الذي اجترحته الحرب في الجسد الجغرافي للبلاد، وبالتالي في العقليات المسايرة لتطورات الحرب، ويعني بشكل رئيسي الأكراد أكثر من غيرهم. وسواء كانت إجابة ريابكوف، من وحي السؤال الصحافي، أم رسالة مقصودة للأطراف الإقليمية، ولاسيما تركيا، فإنه تزامن مع تقدّم استراتيجي للأكراد في الشمال، قبل أيام من الهدنة السارية الآن. فقد نجح الأكراد، الذين يسيطرون على القسم الأكبر من «قوات سوريا الديموقراطية»، خلال الأسبوع الماضي في الاستحواذ على حصة كبيرة من إنتاج النفط السوري الخارج عن سيطرة الدولة، ولا سيما بعد تمددهم شرقاً، وتمكنهم من السيطرة نسبياً على مدينة الشدادي وحقول الغاز والنفط المحيطة بها. وبتقدم الأكراد إلى تلك المناطق ستزيد محصلة إنتاجهم النفطي عن 20 ألف برميل يومياً إلى ما يقارب ضعف هذا الرقم، إن تمكنوا بمساعدة الفنيين في حقول الجبسة وكبيبة من تنظيم عملية الاستجرار وتقنينها. ولن يجد الأكراد صعوبة في الوصول لزبائن، على اعتبار أن تنظيم «داعش» المحاصر دولياً، كما هو مفترض، لم يكن يجد مشكلة في الوصول لزبائنه من المهربين سابقاً. وفي حالة الأكراد تصبح الأمور أسهل، إذا ما أخذت العلاقة المزدوجة القائمة بينهم وبين الدولة، من جهة، وتحالفاتهم الأخرى بعين الاعتبار. ومنذ أيام، وفي السياق ذاته، أعلنت مواقع إعلامية عدة بدء صيانة خطوط التوتر بين محطة توليد سد تشرين، التي استعادتها «قوات سوريا الديموقراطية» من «داعش» منذ أسابيع، وبين مدينة الحسكة، معلنة عن وصول «شحنتين من المعدات الكهربائية، تتضمّن معدات أربعة أبراج وملحقاتها من أمراس وأسلاك وعوازل ومستلزمات الصيانة إلى مطار قامشلو (القامشلي)» لتركيبها عبر الورش التابعة لوزارة الكهرباء السورية. كما عيّنت الحكومة السورية مديراً عاماً لحقول الجبسة لإنتاج الغاز، وطلبت من العاملين العودة لممارسة مهامهم بشكل كامل، بعد تنظيف الحقل والمعامل من الألغام والعبوات التي تركها «داعش» خلفه، علماً أن كافة العاملين لا زالوا يتلقون رواتبهم الشهرية من مصارف الحكومة لا غيرها. إلا أن هذا لا يعني أن إنتاج تلك الحقول سيعود بالضرورة إلى مخازن الدولة. ووفقاً لمعلومات «السفير» يخضع الكثير من النفط المنتج في تلك المناطق للتصريف المحلي، عبر قنوات محلية، و «من الطبيعي أن يجد تحت سيطرة الأكراد هذه الآلية»، حيث الميل للاعتقاد بأن الحكومة السورية «ستتعاون، مع القوات المسيطرة على الآبار الشرقية لتعزيز إمداد مناطق الشمال الشرقي في الحسكة والقامشلي ودير الزور لاحقاً بالنفط والغاز»، وربما بغية تسيير خط الغاز لاحقاً بين تلك المناطق ومحطات التصفية في بانياس وحمص. وكان سبق لمسؤول نفطي سوري أن قدّم إجابة غامضة في وقت سابق عن سؤال بخصوص «التعاون النفطي مع الأكراد» في حال تمكنوا من السيطرة علـى خطوط إمداد النفط في الجزيرة، مشيراً إلى أن هذا النوع من التعاون «لم يتم اختباره بعد». ويتّهم المسؤولون السوريون منذ زمن تنظيم «داعش» بتهريب إنتاج النفط في تلك المناطق عبر وسطاء إلى تركيا، كما ينفون بالطبع اتهامات سيقت سابقاً عن تجارة يقوم بها الأكراد و «داعش» مع مناطق سيطرة الدولة، ولا سيما في مجال التبادل التجاري بين مواد الطاقة من جهة، والمواد الغذائية من جهة أخرى. ويتحدث محليون وشهود عيان عن تجارة غير مثبتة تجري عبر قنوات معقدة من السماسرة وأمراء الحرب بين تلك المناطق، تتيح وصول مواد ومصنعات مناطق سيطرة الدولة، إلى مناطق خارج سيطرتها والعكس. ويُضاف إلى هذه الشبكات أخرى مختصة بالتهريب بين الأسواق الإقليمية، ولا سيما مع تركيا التي كانت تحصل على الحصة الأكبر من النفط المهرّب، وفقاً لتقارير رسمية سورية وروسية. وبسيطرة «قوات سوريا الديموقراطية» على المدينة، خسر التنظيم حقل كبيبة النفطي، شمال شرقي مدينة الشدادي، وحقل ومعمل غاز الجبسة. وتنتج تلك المنطقة، في الظروف الحالية، ما يقارب 20 ألف برميل يومياً، وهو ضعف ما تنتجه الدولة من كامل مناطق سيطرتها في المنطقة الوسطى في حمص، ويقارب تسعة آلاف برميل. من جهتها، تسيطر القوات الكردية على حقل الرميلان، الذي ينتج حوالي 35 ألف برميل نفط يومياً، يتم تكرير ثلثها للاستخدام المحلي ويُباع القسم الآخر. ويضمّ الرميلان 1322 حقلاً نفطياً، بعضها ذاتي الدفع، يُضاف إليها 25 بئر غاز في منطقة السويدية. ووفقاً لمصادر إعلامية كردية تنتج شركة «توزيع محروقات الجزيرة»، وهي المرادف المحلي الكردي لشركة «سادكوب» الحكومية، حوالي 400 ألف ليتر مازوت يومياً، و 150 ألف ليتر بنزين يتمّ تكريرها في مصافٍ كهربائية استوردت لهذا الغرض. وسيُضاف لهذه الإمكانيات الآن حقول الشدادي بإنتاج يزيد عن 20 ألف برميل في الظروف الطبيعية. أما معمل الغاز في الشدادي فيستطيع إنتاج نحو مليون ونصف المليون متر مكعب من الغاز يومياً، ويسمح بتغطية حاجة تلك المناطق من مادة الغاز، كما يؤمن حاجة المنشآت الكهربائية منه لتلك المنطقة، لكن مع الإشارة إلى الحاجة الدائمة لـ «مساعدة تقنية حكومية». ويثير هذا الأمر مجدداً حالة تشابك المصالح القائمة بين الطرفين. ورغم أن الدولة تعتبر أن عودة الآبار والمعامل سليمة من يد «داعش» أمر إيجابي، ولا سيما بسبب التعاون الضمني القائم والممكن حالياً بين الأكراد والحكومة السورية، فإن نظرة الدولة تستند لتقييم «طويل الأمد، ومرتبطة بنهايات الصراع، التي تعني عودة إدارة وإنتاج الثروات للحكومة المركزية في دمشق». إلا أن الأرباح التي يمكن أن يجنيها الأكراد في الشمال من تلك السيطرة، حتى نهاية الصراع الأكبر، ربما تزيد الشأن السوري تعقيداً مستقبلاً.

المصدر : السفير / زياد حيدر


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة