دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
لا تزال أنقرة بقيادة حزب "العدالة والتنمية" الإسلامي المحافظ تواصل سياسات التقسيم الطائفي والعرقي، والانتقام من خصومها، سواء في الداخل أو الخارج.
وتتجلى هذه السياسات في عمليات الانتقام المتواصلة من الأكراد، وخلط الأوراق في سوريا وحولها، ومغازلة بعض الدول العربية على الرغم من أنها لا تثق بقدرات تلك الدول فيما يتعلق بإمكانية تنفيذ سيناريوهات أنقرة العسكرية. وإذا كانت التقارير وتقديرات الخبراء ومراكز الأبحاث تشير إلى أن نجم أردوغان يخبو تدريجيا، فالعديد من وسائل الإعلام الأخرى الأكثر قربا من تركيا وحلفائها تحاول التأكيد على أن أردوغان بطل قومي، نجح في تغيير الدستور وعزل المؤسسة العسكرية بمباركة الشعب. بل وتذهب إلى أن أردوغان، على الرغم من المعارضة الداخلية، قد فاز بجدارة في الانتخابات، وإذا أجريت أي انتخابات رئاسية فسوف يفوز أردوغان.
من الواضح أن هناك حملة للتأكيد على أن أردوغان قد أصبح بطلا شعبيا تركيا، حتى وإن كان يمحو آثار ما أرساه مصطفى كمال أتاتورك، الأب الروحي الحقيقي لتركيا العلمانية الحديثة. ويبدو أيضا أن هذه الحملة تسعى لقصر الديمقراطية ومفهومها وجوهرها على صناديق الاقتراع، متجاهلة أن عمليات الاقتراع لا يمكن أن تمثل جوهر الديمقراطية، لأن الديمقراطية ببساطة عبارة عن جملة أو سلسلة من الإجراءات المترابطة، والتي تمثل فيها صناديق الاقتراع إحدى الحلقات وليس الجوهر أو المحور الرئيس.
وفي المقابل، وعلى خلفية حملة "صناعة البطل الشعبي التركي"، يقوم "البطل" نفسه بجملة من المغامرات التي تحرج أنصاره داخليا، وحلفاءه خارجيا، حتى وإن كانت واشنطن ممثلة بالرئيس باراك أوباما تحاول مغازلته والإدلاء بتصريحات مطاطة لا معنى لها من أجل عدم إغضابه أو التقليل من شأنه. فواشنطن لا تزال بحاجة إليه. وهو يعرف هذا الأمر أيضا، ويستخدمه بدرجات متفاوتة من المكر لا لتحقيق مصالح تركيا، وإنما للانتقام من خصومه الداخليين والخارجيين.
وذلك في انتظار قرار من واشنطن نفسها لكي يطلق يده عبر مغامرات قد تشعل ليس فقط الشرق الأوسط، بل منطقة البحر الأسود وأوروبا والبلقان. إن روسيا تواصل التحذير من مغامرات أردوغان، ليس فقط في سوريا وحولها، بل في العديد من الملفات والمناطق الأخرى، وتعتبر مغامرات زعيم حزب "العدالة والتنمية" الإسلامي المحافظ قنبلة موقوتة، على حد وصف نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف. وفي الحقيقة، فهذه القنبلة الموقوتة ليست موجهة فقط إلى الهدنة في سوريا، بل إلى دول أخرى يعتبرها أردوغان عدوة له بالدرجة الأولى.
فهو يرفض أي معادلات وتقريبات في الملف السوري، ويرى أن "الفكرة التركية الأردوغانية" هي الأنسب لحل الأزمة السورية. وفي الوقت نفسه لا يستطيع التحرك إلى الأمام في تنفيذ هذه "الفكرة الأردوغانية"، لأنه لا يثق في حلفائه ولا في قدراتهم على الرغم من تلويحه الدائم بأنه قد يستخدمهم ويستعين بقواتهم وأسلحتهم. ولكنه لم يفعل إلى الآن، ويبدو أنه لن يفعل أمام الحراك السياسي – الدبلوماسي الذي تشارك فيه واشنطن الزعيمة الحقيقية لحلف الناتو، والتي لا تروق لها مغامرات الحلف التركي الذي وقع في فخ العزلة وأصبح يعادي العالم، ويشعر بأنه قد أصبح منبوذا.
المصدر :
أشرف الصباغ
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة