حينما زار الرئيس ميشال عون دمشق، استقبله الرئيس بشّار الأسد عند الباب الخارجي للقصر الرئاسي. وحينما زارها الرئيس سعد الحريري استقبله في منتصف بهو القصر. ترى، أين يستقبل النائب وليد جنبلاط عندما يقصدها؟

أفضت الجهود الممهّدة للمصالحة بين رئيس الحزب التقدّمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط وسوريا، بعد مخاض طويل كان قد بدأ منذ منتصف الصيف الفائت، واتخذ في تشرين الأول الماضي بعداً خاصاً، إلى حصيلة بعض مؤشراتها الآتي:

أن الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله الذي قاد وساطة المصالحة مع النظام السوري منذ اجتماعه الثاني بجنبلاط في 10 تشرين الأول 2009 بات سرّ سوريا في لبنان. والرجل الذي ثبّتته قمّة دمشق في 26 شباط حليفاً استراتيجياً لسوريا وإيران في معادلة التوازن الإقليمي، أظهر موقعه الاستثنائي في سوريا ولدى رئيسها بالذات كشخصية تحظى بثقته المطلقة وباحترام خاص يكنّه لها وتقدير لدورها. أثبت نصر الله كذلك أنه مفتاح سوريا في لبنان، ومفتاح لبنان في سوريا، مؤثراً في القرار السوري في مسألة تعني لبنان، مقدار تأثيره في القرار اللبناني في مسألة تعني سوريا

ولأن الزعيم الدرزي يدرك أن أحداً سوى نصر الله لا يسعه إعادته إلى سوريا، بذل الزعيم الشيعي بدوره جهداً لدى الأسد أدى في الساعات القليلة التي فصلت بين مقابلة جنبلاط على فضائية الجزيرة مساء 13 آذار وبين تبلّغه استعداد الرئيس السوري لاستقباله مساء 15 آذار. إلى طيّ صفحة ماض قال جنبلاط يوماً إنه بلغ مع النظام السوري نقطة اللاعودة

لم ينطوِ أول ردّ فعل لدمشق على مواقف جنبلاط عبر فضائية الجزيرة على رضاها على ما كانت تتوقعه منه. لم تكن قد طلبت، ولا نصر الله خصوصاً، مواقف محدّدة، ولا اشترطت الاعتذار، مكتفية بالقول إن جنبلاط يعرف ماذا ينبغي أن تسمع منه سوريا. لكن الزعيم الدرزي بدا سبّاقاً إلى إبلاغ الأمين العام عشية المقابلة التلفزيونية أنه سيدلي بما يرضي الوسيط والخصم معاً. تبعاً لذلك، توقع حزب الله اعتذاراً علنياً استشم رغبة جنبلاط في إبدائه، وخصوصاً أن الأخير كان قد أبلغ إلى نصر الله استعداده لهذا الاعتذار إذا كان يرضي سوريا أخيراً. في خلاصة ما قاله في الفضائية أشعر الحزب بأن ما حصل كان نصف اعتذار في أحسن الأحوال. لكن عدم الرضى لم يقتصر عند هذا الحدّ. انزعجت دمشق أيضاً من مقايضة عرضها عليها لقاء المصالحة: كلاهما يسامح وينسى ما كان قد اقترفه في حق الآخر. اغتيال كمال جنبلاط في مقابل العداء الذي كان عليه جنبلاط الابن حيالها في المرحلة السابقة. لكن مقايضة كهذه، كي تمسي تسوية، ينبغي أن تحظى بتسليم طرفيها بها. لا تعتبر سوريا نفسها معنية باغتيال الزعيم الراحل

على أن جهود نصر الله حملت دمشق على تخطي العتبة الأخيرة لمصالحة كانت قد أضحت حتمية وضرورية للطرفين على السواء

  رغم الطابع الشخصي الذي أحاط بخلاف جنبلاط مع الأسد، وظَهَرَ سبباً جوهرياً للحؤول دون مصالحة محتملة بين الطرفين ما لم يقترن بأوسع تنازلات شخصية، كان للشقّ السياسي في الخلاف شأنه. مذ عَهَدَ جنبلاط في المصالحة إلى نصر الله، كان شرط سوريا التيقّن الفعلي من مدى جدّيته التزام خيار المقاومة، كانت تقول لمراجعيها بلسان عدد قليل من المسؤولين السوريين المحيطين بالأسد، المطّلعين على مسار وساطة نصر الله، إن المصالحة مع جنبلاط تصبح حقيقة واقعة عندما تتأكد المقاومة من أنه استقر أخيراً في خيارها. كانت طمأنة حزب الله باب الولوج إلى الرئيس السوري. على مرّ الأشهر الأخيرة، وخصوصاً مذ أعلن انفصاله عن حلفائه السابقين في قوى 14 آذار، دأب الزعيم الدرزي على إطلاق مواقف تؤكد تشبّثه بخيار المقاومة والمواجهة مع إسرائيل، والوقوف إلى جانب سوريا في حال حصول صدام محتمل مع الدولة العبرية. أفرط في الكلام عن العروبة وفلسطين والمصير المشترك للبنان وسوريا، وكذلك عن العمق السياسي والجغرافي للبنان لدى سوريا

لم تكن تلك المواقف، على وفرتها وكادت تكون مذ ذاك يومية، إلا صدى مناقشات مستفيضة كانت تدور بعيداً عن الأعين بين جنبلاط ونصر الله في ثلاثة اجتماعات طويلة عقداها بين عامي 2009 و2010: 18 حزيران و10 تشرين الأول 2009 و14 شباط 2010، إلى تبادل للرأي غير مباشر في السياق نفسه حمله موفدون بين جنبلاط ونصر الله دخل في عمق التزام خيار المقاومة، وفي الخيارات الاستراتيجية المفترضة للبنان مع نشوب مواجهة مع إسرائيل، وشملت أيضاً موقع لبنان وجنبلاط بالذات فيها. كذلك أعاد جنبلاط صوغ موقفه من العلاقات المميّزة اللبنانية  -  السورية لم يتردّد في المقابلة التلفزيونية الأخيرة من تعزيز نظرته إليها، بالقول تارة إنها في صلب اتفاق الطائف، وبإضفاء جرعة إيجابية طوراً على معاهدة التعاون والأخوة والتنسيق بين البلدين والمجلس الأعلى السوري  -  اللبناني.

لم يُفصَح عن تلك المناقشات المشابهة لما كان قد دار بين نصر الله والرئيس الراحل رفيق الحريري في اجتماعات طويلة مماثلة عقدت بعيدة عن الأضواء قبل أشهر من اغتيال الأخير عام 2005، ورمت إلى بناء علاقة تلائم بين موقع المقاومة وتحرّكها ودعم السلطة اللبنانية لها

كل تلك المناقشات حملها نصر الله إلى لقاءات اعتادت أن لا تكون معلنة مع الرئيس السوري، بغية إطلاعه على التقدّم المطّرد في مواقف الزعيم الدرزي وهو ينتقل من خيار سياسي إلى آخر نقيضه. بذلك أدّت مناقشات نصر الله  -  جنبلاط دوراً رئيسياً في حمل القيادة السورية على إبداء مرونة واضحة حيال استعادة جنبلاط إليها

كان الأخير قد أبدى، على خط مواز لذلك، استعداداً لاعتذار شخصي صريح يسرّع مصالحته مع الأسد. بعدما استقر الشقّ السياسي، فتحت الطريق أمام إزالة عقدة كانت بدورها جوهرية لدى سوريا، هي تذليل الخلاف الشخصي

أدركت سوريا باستمرار أن استعادتها جنبلاط إلى خيارها، لا يحصل إلا بالطريقة نفسها الذي أدت إلى طلاقه منها قبل خمس سنوات. بعدما كان قد خرج منها بوقائع متدرّجة، تستعيده بالتقسيط. أولى خطوات الانفصال كانت عام 2000 حينما طالب بإعادة نشر الجنود السوريين في لبنان، ما لبثت جهود اللواء غازي كنعان أن رأبت الصدع، فعاد الزعيم الدرزي إلى دمشق، إلى أن قرّر عام 2004 الخروج نهائياً من فلكها. مع صدور القرار 1559 الذي تجاهله ثم انضمّ إليه، ثم راح يسمّيه مشؤوماً وقد أشعره بأنه أدّى إلى اغتيال الحريري الأب، راهن على أن سوريا في ظلّ هذا القرار خسرت كل شيء في لبنان وفي المنطقة. وهو المنطق نفسه الذي يعيده الآن إلى الفلك السوري، إذ شعر بعد أحداث 7 أيار 2008 وإنذار فتنة سنّية  -  شيعية أن سوريا تكاد تربح كل شيء تقريباً. هكذا أتت المصالحة السعودية  -  السورية بعد أشهر، في كانون الثاني 2009، كي تؤكد صدقية مجازفته الجديدة التي تجعل حاجته ملحة إلى سوريا كحليف إقليمي له

في موازاة الاستعادة المتدرّجة للزعيم الدرزي إلى الخيار السوري، تفهّمت سوريا المنحى الذي يريد أن يعود جنبلاط من خلاله إليها، وهو فحوى ما استخلصه الرئيس السوري من تجربة علاقته بلبنان في السنوات الخمس الأولى من ولايته الرئاسية، قبل أن يقرّر، قبل أشهر قليلة من انسحاب الجيش السوري من لبنان في نيسان 2005، فصل الجانب الأمني في هذه العلاقة عن الجانب السياسي، هكذا أوحت نظرته الجديدة إلى لبنان بعد صدور القرار 1559 وتمديد ولاية الرئيس إميل لحود، عندما عَهَدَ إلى السفير وليد المعلم، على أثر تعيينه في 9 كانون الثاني 2005 نائباً لوزير الخارجية، في الملف اللبناني برمته، ساحباً إياه من الأجهزة الأمنية. أتاح ذلك للمعلم أن يلتقي الحريري الأب أو يخابره بين ذلك التاريخ واغتيال الرئيس السابق للحكومة أكثر من مرة في إشارة إلى مقاربة جديدة لدمشق في إدارة العلاقات اللبنانية  -  السورية

وعندما عزم على العودة إلى سوريا، اختار جنبلاط المصالحة مع الأسد توطئة لعلاقة سياسية تعيد إليه، وإلى دمشق، بريق التحالف السابق. على نحو كهذا اضطلع معاون رئيس الجمهورية اللواء محمد ناصيف بدور أساسي في المرحلة التي أعدّت للمصالحة، وهو الذي يرسم اليوم  -  بتكليف من الرئيس السوري  -  مسار العلاقة الجديدة مع جنبلاط والجوانب التفصيلية في الزيارة المرتقبة في الأيام المقبلة. ما إن تحصل تصبح علاقة جنبلاط بدمشق  -  إلى الأسد  -  مرتبطة بناصيف

الخيار الذي تجاهله رئيس الحكومة سعد الحريري عندما قرّر هو الآخر مصالحة الرئيس السوري. وعوض أن يحصر الطريق بالوجهة السياسية اختار  -  ولا يزال  -  الوجهة الأمنية في المراحل الأولى من العودة إلى الفلك السوري. ومن غير التخلي عن علاقة سياسية غير مباشرة بالأسد عبر مستشارته السياسية والإعلامية الوزيرة بثينة شعبان، فتح الحريري مع الأجهزة الأمنية خطّي اتصالات ناطهما بالمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي الذي يقصد سوريا للاجتماع برئيس الإدارة العامة للاستخبارات اللواء علي المملوك، ورئيس فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي العقيد وسام الحسن الذي يقصد دمشق بدوره للاجتماع برئيس فرع المنطقة (دمشق) ورئيس فرع ريف دمشق اللواء رستم غزالة
  • فريق ماسة
  • 2010-03-17
  • 8707
  • من الأرشيف

نصر اللّه مفتاح سوريا في لبنان ومفتاح لبنان في سوريا

حينما زار الرئيس ميشال عون دمشق، استقبله الرئيس بشّار الأسد عند الباب الخارجي للقصر الرئاسي. وحينما زارها الرئيس سعد الحريري استقبله في منتصف بهو القصر. ترى، أين يستقبل النائب وليد جنبلاط عندما يقصدها؟ أفضت الجهود الممهّدة للمصالحة بين رئيس الحزب التقدّمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط وسوريا، بعد مخاض طويل كان قد بدأ منذ منتصف الصيف الفائت، واتخذ في تشرين الأول الماضي بعداً خاصاً، إلى حصيلة بعض مؤشراتها الآتي: أن الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله الذي قاد وساطة المصالحة مع النظام السوري منذ اجتماعه الثاني بجنبلاط في 10 تشرين الأول 2009 بات سرّ سوريا في لبنان. والرجل الذي ثبّتته قمّة دمشق في 26 شباط حليفاً استراتيجياً لسوريا وإيران في معادلة التوازن الإقليمي، أظهر موقعه الاستثنائي في سوريا ولدى رئيسها بالذات كشخصية تحظى بثقته المطلقة وباحترام خاص يكنّه لها وتقدير لدورها. أثبت نصر الله كذلك أنه مفتاح سوريا في لبنان، ومفتاح لبنان في سوريا، مؤثراً في القرار السوري في مسألة تعني لبنان، مقدار تأثيره في القرار اللبناني في مسألة تعني سوريا ولأن الزعيم الدرزي يدرك أن أحداً سوى نصر الله لا يسعه إعادته إلى سوريا، بذل الزعيم الشيعي بدوره جهداً لدى الأسد أدى في الساعات القليلة التي فصلت بين مقابلة جنبلاط على فضائية الجزيرة مساء 13 آذار وبين تبلّغه استعداد الرئيس السوري لاستقباله مساء 15 آذار. إلى طيّ صفحة ماض قال جنبلاط يوماً إنه بلغ مع النظام السوري نقطة اللاعودة لم ينطوِ أول ردّ فعل لدمشق على مواقف جنبلاط عبر فضائية الجزيرة على رضاها على ما كانت تتوقعه منه. لم تكن قد طلبت، ولا نصر الله خصوصاً، مواقف محدّدة، ولا اشترطت الاعتذار، مكتفية بالقول إن جنبلاط يعرف ماذا ينبغي أن تسمع منه سوريا. لكن الزعيم الدرزي بدا سبّاقاً إلى إبلاغ الأمين العام عشية المقابلة التلفزيونية أنه سيدلي بما يرضي الوسيط والخصم معاً. تبعاً لذلك، توقع حزب الله اعتذاراً علنياً استشم رغبة جنبلاط في إبدائه، وخصوصاً أن الأخير كان قد أبلغ إلى نصر الله استعداده لهذا الاعتذار إذا كان يرضي سوريا أخيراً. في خلاصة ما قاله في الفضائية أشعر الحزب بأن ما حصل كان نصف اعتذار في أحسن الأحوال. لكن عدم الرضى لم يقتصر عند هذا الحدّ. انزعجت دمشق أيضاً من مقايضة عرضها عليها لقاء المصالحة: كلاهما يسامح وينسى ما كان قد اقترفه في حق الآخر. اغتيال كمال جنبلاط في مقابل العداء الذي كان عليه جنبلاط الابن حيالها في المرحلة السابقة. لكن مقايضة كهذه، كي تمسي تسوية، ينبغي أن تحظى بتسليم طرفيها بها. لا تعتبر سوريا نفسها معنية باغتيال الزعيم الراحل على أن جهود نصر الله حملت دمشق على تخطي العتبة الأخيرة لمصالحة كانت قد أضحت حتمية وضرورية للطرفين على السواء   رغم الطابع الشخصي الذي أحاط بخلاف جنبلاط مع الأسد، وظَهَرَ سبباً جوهرياً للحؤول دون مصالحة محتملة بين الطرفين ما لم يقترن بأوسع تنازلات شخصية، كان للشقّ السياسي في الخلاف شأنه. مذ عَهَدَ جنبلاط في المصالحة إلى نصر الله، كان شرط سوريا التيقّن الفعلي من مدى جدّيته التزام خيار المقاومة، كانت تقول لمراجعيها بلسان عدد قليل من المسؤولين السوريين المحيطين بالأسد، المطّلعين على مسار وساطة نصر الله، إن المصالحة مع جنبلاط تصبح حقيقة واقعة عندما تتأكد المقاومة من أنه استقر أخيراً في خيارها. كانت طمأنة حزب الله باب الولوج إلى الرئيس السوري. على مرّ الأشهر الأخيرة، وخصوصاً مذ أعلن انفصاله عن حلفائه السابقين في قوى 14 آذار، دأب الزعيم الدرزي على إطلاق مواقف تؤكد تشبّثه بخيار المقاومة والمواجهة مع إسرائيل، والوقوف إلى جانب سوريا في حال حصول صدام محتمل مع الدولة العبرية. أفرط في الكلام عن العروبة وفلسطين والمصير المشترك للبنان وسوريا، وكذلك عن العمق السياسي والجغرافي للبنان لدى سوريا لم تكن تلك المواقف، على وفرتها وكادت تكون مذ ذاك يومية، إلا صدى مناقشات مستفيضة كانت تدور بعيداً عن الأعين بين جنبلاط ونصر الله في ثلاثة اجتماعات طويلة عقداها بين عامي 2009 و2010: 18 حزيران و10 تشرين الأول 2009 و14 شباط 2010، إلى تبادل للرأي غير مباشر في السياق نفسه حمله موفدون بين جنبلاط ونصر الله دخل في عمق التزام خيار المقاومة، وفي الخيارات الاستراتيجية المفترضة للبنان مع نشوب مواجهة مع إسرائيل، وشملت أيضاً موقع لبنان وجنبلاط بالذات فيها. كذلك أعاد جنبلاط صوغ موقفه من العلاقات المميّزة اللبنانية  -  السورية لم يتردّد في المقابلة التلفزيونية الأخيرة من تعزيز نظرته إليها، بالقول تارة إنها في صلب اتفاق الطائف، وبإضفاء جرعة إيجابية طوراً على معاهدة التعاون والأخوة والتنسيق بين البلدين والمجلس الأعلى السوري  -  اللبناني. لم يُفصَح عن تلك المناقشات المشابهة لما كان قد دار بين نصر الله والرئيس الراحل رفيق الحريري في اجتماعات طويلة مماثلة عقدت بعيدة عن الأضواء قبل أشهر من اغتيال الأخير عام 2005، ورمت إلى بناء علاقة تلائم بين موقع المقاومة وتحرّكها ودعم السلطة اللبنانية لها كل تلك المناقشات حملها نصر الله إلى لقاءات اعتادت أن لا تكون معلنة مع الرئيس السوري، بغية إطلاعه على التقدّم المطّرد في مواقف الزعيم الدرزي وهو ينتقل من خيار سياسي إلى آخر نقيضه. بذلك أدّت مناقشات نصر الله  -  جنبلاط دوراً رئيسياً في حمل القيادة السورية على إبداء مرونة واضحة حيال استعادة جنبلاط إليها كان الأخير قد أبدى، على خط مواز لذلك، استعداداً لاعتذار شخصي صريح يسرّع مصالحته مع الأسد. بعدما استقر الشقّ السياسي، فتحت الطريق أمام إزالة عقدة كانت بدورها جوهرية لدى سوريا، هي تذليل الخلاف الشخصي أدركت سوريا باستمرار أن استعادتها جنبلاط إلى خيارها، لا يحصل إلا بالطريقة نفسها الذي أدت إلى طلاقه منها قبل خمس سنوات. بعدما كان قد خرج منها بوقائع متدرّجة، تستعيده بالتقسيط. أولى خطوات الانفصال كانت عام 2000 حينما طالب بإعادة نشر الجنود السوريين في لبنان، ما لبثت جهود اللواء غازي كنعان أن رأبت الصدع، فعاد الزعيم الدرزي إلى دمشق، إلى أن قرّر عام 2004 الخروج نهائياً من فلكها. مع صدور القرار 1559 الذي تجاهله ثم انضمّ إليه، ثم راح يسمّيه مشؤوماً وقد أشعره بأنه أدّى إلى اغتيال الحريري الأب، راهن على أن سوريا في ظلّ هذا القرار خسرت كل شيء في لبنان وفي المنطقة. وهو المنطق نفسه الذي يعيده الآن إلى الفلك السوري، إذ شعر بعد أحداث 7 أيار 2008 وإنذار فتنة سنّية  -  شيعية أن سوريا تكاد تربح كل شيء تقريباً. هكذا أتت المصالحة السعودية  -  السورية بعد أشهر، في كانون الثاني 2009، كي تؤكد صدقية مجازفته الجديدة التي تجعل حاجته ملحة إلى سوريا كحليف إقليمي له في موازاة الاستعادة المتدرّجة للزعيم الدرزي إلى الخيار السوري، تفهّمت سوريا المنحى الذي يريد أن يعود جنبلاط من خلاله إليها، وهو فحوى ما استخلصه الرئيس السوري من تجربة علاقته بلبنان في السنوات الخمس الأولى من ولايته الرئاسية، قبل أن يقرّر، قبل أشهر قليلة من انسحاب الجيش السوري من لبنان في نيسان 2005، فصل الجانب الأمني في هذه العلاقة عن الجانب السياسي، هكذا أوحت نظرته الجديدة إلى لبنان بعد صدور القرار 1559 وتمديد ولاية الرئيس إميل لحود، عندما عَهَدَ إلى السفير وليد المعلم، على أثر تعيينه في 9 كانون الثاني 2005 نائباً لوزير الخارجية، في الملف اللبناني برمته، ساحباً إياه من الأجهزة الأمنية. أتاح ذلك للمعلم أن يلتقي الحريري الأب أو يخابره بين ذلك التاريخ واغتيال الرئيس السابق للحكومة أكثر من مرة في إشارة إلى مقاربة جديدة لدمشق في إدارة العلاقات اللبنانية  -  السورية وعندما عزم على العودة إلى سوريا، اختار جنبلاط المصالحة مع الأسد توطئة لعلاقة سياسية تعيد إليه، وإلى دمشق، بريق التحالف السابق. على نحو كهذا اضطلع معاون رئيس الجمهورية اللواء محمد ناصيف بدور أساسي في المرحلة التي أعدّت للمصالحة، وهو الذي يرسم اليوم  -  بتكليف من الرئيس السوري  -  مسار العلاقة الجديدة مع جنبلاط والجوانب التفصيلية في الزيارة المرتقبة في الأيام المقبلة. ما إن تحصل تصبح علاقة جنبلاط بدمشق  -  إلى الأسد  -  مرتبطة بناصيف الخيار الذي تجاهله رئيس الحكومة سعد الحريري عندما قرّر هو الآخر مصالحة الرئيس السوري. وعوض أن يحصر الطريق بالوجهة السياسية اختار  -  ولا يزال  -  الوجهة الأمنية في المراحل الأولى من العودة إلى الفلك السوري. ومن غير التخلي عن علاقة سياسية غير مباشرة بالأسد عبر مستشارته السياسية والإعلامية الوزيرة بثينة شعبان، فتح الحريري مع الأجهزة الأمنية خطّي اتصالات ناطهما بالمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي الذي يقصد سوريا للاجتماع برئيس الإدارة العامة للاستخبارات اللواء علي المملوك، ورئيس فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي العقيد وسام الحسن الذي يقصد دمشق بدوره للاجتماع برئيس فرع المنطقة (دمشق) ورئيس فرع ريف دمشق اللواء رستم غزالة

المصدر : نقولا ناصيف


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة