بعد تدهور علاقات تركيا مع سوريا والعراق وليبيا ومصر والكيان الاسرائيلي، فقدت البلاد نفوذها الاقتصادي والسياسي والدبلوماسي في الشرق الأوسط وهي الآن على وشك فقدان آسيا الوسطى بسبب الأزمة بين أنقرة وروسيا إزاء الأحداث في سوريا.

أما العقوبات التي فرضتها موسكو بعد حادثة إسقاط الطائرة الروسية في 24 تشرين الثاني/نوفمبر، فلا تنفك تنتشر في مجالات النفوذ الروسية في آسيا الوسطى والقوقاز، فيما تستعد دول آسيا الوسطى التي ربطتها بأنقرة علاقات وثيقة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي للنأي بنفسها عن تركيا.

أضف أن هناك أصواتا دعت تركيا للاعتذار من روسيا في خلال قمة رابطة الدول المستقلة التي تضم ولايات قيرغيزستان وكازاخستان وطاجيكستان التركية بالإضافة إلى روسيا وأذربيجان ومولدافيا وروسيا البيضاء وأرمينيا، وقد عقدت هذه الرابطة قمة لها في موسكو في كانون الأول / ديسمبر 2015.

تجدر الإشارة إلى أن أرمينيا تتولى رئاسة منظمة معاهدة الأمن الجماعي التابعة للرابطة، والمنظمة عبارة عن تحالف عسكري من الجمهوريات السوفيتية السابقة. وقد اجتمع قادة الدول الأعضاء العسكريين قبل اجتماع رؤساء الدول للاستماع إلى الجنرال يوري خاشاتوروف، أي الرئيس الأرمني لهيئة الأركان العامة ورئيسهم الحالي، وهو ينتقد تركيا نقدا لاذعاً. فقال خاشاتوروف: «في حين دعم رؤساء اركان الدول الأعضاء في المنظمة الإجراءات الروسية واستنكروا الهجوم التركي ضد طائرة سو 24 الذي شكل هجوما وقحا وتحريضيا، سارعت روسيا للإدلاء بتصريح بعد الهجوم، ونعتبر من جهتنا أن الهجوم بمثابة طعنة في الظهر».

في السياق نفسه، طلب الرئيس الأرميني والرئيس الحالي لرابطة الدول المستقلة سيرج سركسيان من القمة التعبير عن دعمها لروسيا والتنديد بتركيا قائلا: «كدول أعضاء، أعلنا دعمنا للموقف الروسي وقررنا عدم التردد في إعلان وحدتنا إزاء مواجهة الإرهاب. أما موقف تركيا وإسقاطها للطائرة الروسية فبمثابة انتكاسة في مكافحة الإرهاب».

 

إلا أن ما شكل الصدمة الحقيقية لأنقرة لم تكن كلمات سركسيان بل كلمات رئيس قيرغيزستان ألمازبيك اتامباييف، الذي كان قد توجه للرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالقول «أخي الكبير.» وبعد الانتخابات الرئاسية التي تمت في آب / أغسطس 2014، ظهر اتامباييف مع أردوغان الذي كان يدلي بخطاب النصر وأشاد به بسخاء. أما في قمة رابطة الدول المستقلة، فقد أعرب اتامباييف عن دعمه لموسكو والرئيس الروسي فلاديمير بوتين مقترحا أن يعتذر أردوغان وتركيا من روسيا.

 

وما شكل صدمة لتركيا هو الدعم الذي نالته روسيا من جمهوريات آسيا الوسطى التركية، التي كانت تلقت مليارات الدولارات من القروض والدعم المالي من تركيا. أضف إلى ذلك أن اتامباييف دعا تركيا للاعتذار مخيبا بذلك آمال أردوغان وحكومة حزب العدالة والتنمية. ففي عام 2014، كانت وكالة التعاون والتنسيق التركية قد قدمت للجمهوريات ما يزيد عن 3.5 مليار دولار أميركي. وردا على سؤال حول تعليق اتامباييف، قال المتحدث باسم أردوغان إبراهيم كالين: «أقل ما يمكن قوله هو أنه بيان مؤسف».

 

هذا من جهة. أما من جهة أخرى، وبعد أن قامت روسيا بتجميد إصدار تصاريح العبور لسائقي الشاحنات التركية في تشرين الأول / أكتوبر، فقد توقفت الصادرات التركية إلى جمهوريات آسيا الوسطى. وفي ظل مخاوف إزاء احتمال فقدان سوق آسيا الوسطى، حيث تتمتع تركيا بعقود بناء واستثمارات كبيرة، لجأت أنقرة إلى بحر قزوين لتصدير منتجاتها بعدما فتحت أذربيجان أبوابها.

 

أما رئيس أذربيجان إلهام علييف، فقد أمر بزيادة الطاقة الاستيعابية لميناء بحر قزوين وعدم الإصرار على وثائق العبور إذا كانت الشاحنات تركية. لكن حتى ولو وصل عدد الشاحنات التركية العابرة لبحر قزوين إلى 50،000 في السنة، يبقى العدد غير كاف للحفاظ على مستوى الصادرات إلى سوق آسيا الوسطى.

 

أضف أنه في ظل الانخفاض الحاد في أسعار النفط والغاز الطبيعي، كان على أذربيجان خفض قيمة عملتها بنسبة 47٪ مقابل الدولار واليورو. وبالنظر إلى الاختناقات الاقتصادية التي يرزح البلد تحت أعبائها، قد لا تتمكن أذربيجان من الاستمرار في تلبية احتياجات تركيا التجارية والخاصة بالطاقة.

 

علاوة على ذلك، لم يسفر اجتماع علييف - سركسيان الذي عُقد في سويسرا في 19 كانون الأول / ديسمبر عن حل لأزمة ناغورنو – كاراباخ. فقد أعلن كل من البلدين أن وقف إطلاق النار قد انتهى، وهو تطور يقلق تركيا كثيرا لأنه قد يؤثر سلبا على استخدامها الطريق الأذربيجاني لتصدير منتجاتها. في الوقت نفسه، قررت روسيا وأرمينيا توسيع تعاونهما العسكري أيضا بعد أن قامتا بتعزيز علاقاتهما السياسية والاقتصادية في أواخر كانون الأول / ديسمبر.

 

وفي منتصف ديسمبر، أعلن بوتين أنه سيتم تسهيل متطلبات التأشيرة لمواطني جورجيا على أن تلغى هذه الشروط بعد ذلك. وقد بات واضحا أن اتفاق الدفاع الجوي الروسي الأرميني وتطبيع العلاقات الروسية الجورجية واستئناف القتال بين أذربيجان وأرمينيا هي عوامل تعوق وصول تركيا إلى القوقاز في ظل مخاوف أن تقوم روسيا، التي أطلقت صواريخ كروز من أسطولها الحربي في بحر قزوين، بمنع استخدام ذلك البحر وفرض قيود مشددة تمنع وصول تركيا إلى سوق آسيا الوسطى عبر هذا الطريق.

 

وقد استغلت روسيا الاتحاد الاقتصادي الأوروبي الآسيوي لإلحاق الضرر بعلاقات تركيا مع الجمهوريات التركية فيما علقت المفاوضات بين تركيا والاتحاد الاقتصادي الأوروبي الآسيوي الهادفة إلى إنشاء منطقة تجارة حرة، فأعلن بوتين عوضا عن ذلك أن الاتحاد الاقتصادي الأوروبي الآسيوي سيبدأ مفاوضات مع إيران. وهكذا تساهم روسيا في تعزيز المصالح الاقتصادية الإيرانية في آسيا الوسطى عن طريق منع تركيا من تأييد اتحاد جمركي وتجارة حرة إقليمية. ولا شك أن ذلك يساهم في فقدان تركيا لآسيا الوسطى في أعقاب عزلتها في الشرق الأوسط.

  • فريق ماسة
  • 2016-01-10
  • 12861
  • من الأرشيف

بعد الشرق الأوسط، آسيا الوسطى تفلت من تركيا

بعد تدهور علاقات تركيا مع سوريا والعراق وليبيا ومصر والكيان الاسرائيلي، فقدت البلاد نفوذها الاقتصادي والسياسي والدبلوماسي في الشرق الأوسط وهي الآن على وشك فقدان آسيا الوسطى بسبب الأزمة بين أنقرة وروسيا إزاء الأحداث في سوريا. أما العقوبات التي فرضتها موسكو بعد حادثة إسقاط الطائرة الروسية في 24 تشرين الثاني/نوفمبر، فلا تنفك تنتشر في مجالات النفوذ الروسية في آسيا الوسطى والقوقاز، فيما تستعد دول آسيا الوسطى التي ربطتها بأنقرة علاقات وثيقة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي للنأي بنفسها عن تركيا. أضف أن هناك أصواتا دعت تركيا للاعتذار من روسيا في خلال قمة رابطة الدول المستقلة التي تضم ولايات قيرغيزستان وكازاخستان وطاجيكستان التركية بالإضافة إلى روسيا وأذربيجان ومولدافيا وروسيا البيضاء وأرمينيا، وقد عقدت هذه الرابطة قمة لها في موسكو في كانون الأول / ديسمبر 2015. تجدر الإشارة إلى أن أرمينيا تتولى رئاسة منظمة معاهدة الأمن الجماعي التابعة للرابطة، والمنظمة عبارة عن تحالف عسكري من الجمهوريات السوفيتية السابقة. وقد اجتمع قادة الدول الأعضاء العسكريين قبل اجتماع رؤساء الدول للاستماع إلى الجنرال يوري خاشاتوروف، أي الرئيس الأرمني لهيئة الأركان العامة ورئيسهم الحالي، وهو ينتقد تركيا نقدا لاذعاً. فقال خاشاتوروف: «في حين دعم رؤساء اركان الدول الأعضاء في المنظمة الإجراءات الروسية واستنكروا الهجوم التركي ضد طائرة سو 24 الذي شكل هجوما وقحا وتحريضيا، سارعت روسيا للإدلاء بتصريح بعد الهجوم، ونعتبر من جهتنا أن الهجوم بمثابة طعنة في الظهر». في السياق نفسه، طلب الرئيس الأرميني والرئيس الحالي لرابطة الدول المستقلة سيرج سركسيان من القمة التعبير عن دعمها لروسيا والتنديد بتركيا قائلا: «كدول أعضاء، أعلنا دعمنا للموقف الروسي وقررنا عدم التردد في إعلان وحدتنا إزاء مواجهة الإرهاب. أما موقف تركيا وإسقاطها للطائرة الروسية فبمثابة انتكاسة في مكافحة الإرهاب».   إلا أن ما شكل الصدمة الحقيقية لأنقرة لم تكن كلمات سركسيان بل كلمات رئيس قيرغيزستان ألمازبيك اتامباييف، الذي كان قد توجه للرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالقول «أخي الكبير.» وبعد الانتخابات الرئاسية التي تمت في آب / أغسطس 2014، ظهر اتامباييف مع أردوغان الذي كان يدلي بخطاب النصر وأشاد به بسخاء. أما في قمة رابطة الدول المستقلة، فقد أعرب اتامباييف عن دعمه لموسكو والرئيس الروسي فلاديمير بوتين مقترحا أن يعتذر أردوغان وتركيا من روسيا.   وما شكل صدمة لتركيا هو الدعم الذي نالته روسيا من جمهوريات آسيا الوسطى التركية، التي كانت تلقت مليارات الدولارات من القروض والدعم المالي من تركيا. أضف إلى ذلك أن اتامباييف دعا تركيا للاعتذار مخيبا بذلك آمال أردوغان وحكومة حزب العدالة والتنمية. ففي عام 2014، كانت وكالة التعاون والتنسيق التركية قد قدمت للجمهوريات ما يزيد عن 3.5 مليار دولار أميركي. وردا على سؤال حول تعليق اتامباييف، قال المتحدث باسم أردوغان إبراهيم كالين: «أقل ما يمكن قوله هو أنه بيان مؤسف».   هذا من جهة. أما من جهة أخرى، وبعد أن قامت روسيا بتجميد إصدار تصاريح العبور لسائقي الشاحنات التركية في تشرين الأول / أكتوبر، فقد توقفت الصادرات التركية إلى جمهوريات آسيا الوسطى. وفي ظل مخاوف إزاء احتمال فقدان سوق آسيا الوسطى، حيث تتمتع تركيا بعقود بناء واستثمارات كبيرة، لجأت أنقرة إلى بحر قزوين لتصدير منتجاتها بعدما فتحت أذربيجان أبوابها.   أما رئيس أذربيجان إلهام علييف، فقد أمر بزيادة الطاقة الاستيعابية لميناء بحر قزوين وعدم الإصرار على وثائق العبور إذا كانت الشاحنات تركية. لكن حتى ولو وصل عدد الشاحنات التركية العابرة لبحر قزوين إلى 50،000 في السنة، يبقى العدد غير كاف للحفاظ على مستوى الصادرات إلى سوق آسيا الوسطى.   أضف أنه في ظل الانخفاض الحاد في أسعار النفط والغاز الطبيعي، كان على أذربيجان خفض قيمة عملتها بنسبة 47٪ مقابل الدولار واليورو. وبالنظر إلى الاختناقات الاقتصادية التي يرزح البلد تحت أعبائها، قد لا تتمكن أذربيجان من الاستمرار في تلبية احتياجات تركيا التجارية والخاصة بالطاقة.   علاوة على ذلك، لم يسفر اجتماع علييف - سركسيان الذي عُقد في سويسرا في 19 كانون الأول / ديسمبر عن حل لأزمة ناغورنو – كاراباخ. فقد أعلن كل من البلدين أن وقف إطلاق النار قد انتهى، وهو تطور يقلق تركيا كثيرا لأنه قد يؤثر سلبا على استخدامها الطريق الأذربيجاني لتصدير منتجاتها. في الوقت نفسه، قررت روسيا وأرمينيا توسيع تعاونهما العسكري أيضا بعد أن قامتا بتعزيز علاقاتهما السياسية والاقتصادية في أواخر كانون الأول / ديسمبر.   وفي منتصف ديسمبر، أعلن بوتين أنه سيتم تسهيل متطلبات التأشيرة لمواطني جورجيا على أن تلغى هذه الشروط بعد ذلك. وقد بات واضحا أن اتفاق الدفاع الجوي الروسي الأرميني وتطبيع العلاقات الروسية الجورجية واستئناف القتال بين أذربيجان وأرمينيا هي عوامل تعوق وصول تركيا إلى القوقاز في ظل مخاوف أن تقوم روسيا، التي أطلقت صواريخ كروز من أسطولها الحربي في بحر قزوين، بمنع استخدام ذلك البحر وفرض قيود مشددة تمنع وصول تركيا إلى سوق آسيا الوسطى عبر هذا الطريق.   وقد استغلت روسيا الاتحاد الاقتصادي الأوروبي الآسيوي لإلحاق الضرر بعلاقات تركيا مع الجمهوريات التركية فيما علقت المفاوضات بين تركيا والاتحاد الاقتصادي الأوروبي الآسيوي الهادفة إلى إنشاء منطقة تجارة حرة، فأعلن بوتين عوضا عن ذلك أن الاتحاد الاقتصادي الأوروبي الآسيوي سيبدأ مفاوضات مع إيران. وهكذا تساهم روسيا في تعزيز المصالح الاقتصادية الإيرانية في آسيا الوسطى عن طريق منع تركيا من تأييد اتحاد جمركي وتجارة حرة إقليمية. ولا شك أن ذلك يساهم في فقدان تركيا لآسيا الوسطى في أعقاب عزلتها في الشرق الأوسط.

المصدر : ذوالفقار دوغان / المونيتور


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة