هي الحرب ضد إيران، أخرجتها السعودية إلى العلن، بعدما بقيت لعقود تجري بالوكالة. إجراءات عقابية إنما تكشف عن ضعف الرياض، التي لم تستطع، في أوج تحشيدها، سوى أن تطوّع البحرين والسودان

بدا واضحاً أمس أن السعودية، التي أوغلت في ممارسة الكيدية في وجه إيران، انتقلت في حربها المضمرة ضد الأخيرة إلى مرحلة العلانية، بقطع العلاقات، في خطوة أتبعتها بتحشيد غير مسبوق للحلفاء للحذو حذوها، لم تفلح إلا في إخضاع البحرين والسودان ــ الواقعتين تحت الهيمنة السعودية ــ فيما أبدت الإمارات حداً أدنى من المسايرة، من خلال خفض التمثيل الدبلوماسي الإيراني لديها، خصوصاً أن مصالحها الاقتصادية والتجارية مع إيران تمنعها من رفع سقف تجاوبها مع السعار السعودي.

 

لكن الضربة الأشد جاءت من أنقرة، التي أسست والرياض قبل أيام مجلساً أعلى للتعاون الاستراتيجي. لم تكتف تركيا بإدانة إعدام نمر النمر، بل دفعت موقفها إلى وضع السعودية مع طهران في نفس خانة «الأصدقاء» الذين لا تريدهم أن «يقتتلوا»، وذلك في موقف ترافق مع نأي واشنطن بنفسها عن الملف، في الوقت الذي كان فيه وزير الخارجية السعودي عادل الجبير يضفي المزيد من التشويق في سبيل جذب الانتباه إلى حراك المملكة، من خلال الإعلان أنها ستوقف حركة الطيران والعلاقات التجارية مع الجمهورية الإسلامية التي قال إن عليها «التصرّف كدولة طبيعية»، لتعود العلاقات الدبلوماسية المقطوعة.

وكعادته، منذ تسلّمه منصبه، قام بترداد الأقاويل ذاتها التي تندرج في إطار صناعة السعودية للحدث، فقد أكد في مقابلة مع وكالة «رويترز» أن الرياض سترد «على الاعتداء الإيراني»، مكرراً اتهام طهران بإرسال مقاتلين لدول عربية والتخطيط لشن هجمات في المملكة وجاراتها في الخليج. لكنه أضاف: «سنوقف حركة الملاحة الجوية من إيران وإليها. وسنوقف جميع العلاقات التجارية مع إيران. وسنفرض حظراً على سفر الناس إلى إيران».

بدا استحقاق يوم أمس إشارة أخرى إلى أن السياسة السعودية، الممارَسة منذ أقل من عام، لا تبدو مقنعة، بما يكفي، بالنسبة إلى أقرب الحلفاء، فردود الفعل الصادرة عنهم لم ترقَ إلى مستوى الضجيج الذي أحدثته السعودية. هم يعرفون خفايا سياسة الرياض الحالية، ويدركون أنه ما إن تخطو إحدى خطواتها المتهوّرة، عليهم أن يلجؤوا إلى مداراتها، آخذين في الاعتبار القيادة الشابة الجديدة، والخلافات على السلطة ضمن العائلة الحاكمة والتي تؤدي، إضافة إلى الظروف الإقليمية وفقدان وهج النفوذ السعودي في المنطقة، إلى التخبّط يميناً ويساراً. ولكن مع ما تحمله القرقعة السعودية الأخيرة من فراغ على مستوى التأثير الظرفي، هي أيضاً تنطوي على آثار سيئة وأذيّة غير مباشرة، حاول حلفاء آخرون، مثل تركيا، تلقفها بإعلان المتحدث باسم الحكومة التركية نعمان كورتولموش أن بلاده «لا يمكنها تأييد تنفيذ حكم الإعدام بحق الشيخ نمر النمر، لأن أنقرة تعارض هذه العقوبة»، مؤكداً أن هذا الإعدام «لا يساعد على تحقيق السلام في المنطقة». كورتولموش أضاف: «لكن تربطنا صداقة بالسعودية وإيران، ولا نريد لهما أن تقتتلا، لأن هذا هو آخر شيء تحتاجه المنطقة».

تفاوت ردود حلفاء السعودية، قد يُسهم في إخراجها عن طورها، بالتوازي مع الصمت الإيراني المدوّي. الولايات المتحدة من جهتها، أكملت في سياسة النأي بالنفس المتبعة منذ بدء العدوان على اليمن، بالتوازي مع دعوات خجولة إلى تهدئة التوتر، وذلك فيما عرضت موسكو استعدادها للقيام بـ»وساطة» من أجل حل الأزمة. فقد أعلن البيت الأبيض أن الولايات المتحدة حذرت في الآونة الأخيرة السعودية من عمليات الإعدام وعبرت بشكل متكرر عن قلقها إزاء وضع حقوق الإنسان في السعودية، فيما كشف دبلوماسي أميركي عن أن وزير الخارجية الأميركي جون كيري اتصل بنظيريه السعودي والإيراني ودعاهما إلى الهدوء. في المقابل، أعلن مصدر دبلوماسي روسي أن بلاده «مستعدة لاستضافة محادثات بين وزيري خارجية إيران محمد جواد ظريف، والسعودية عادل الجبير»، وقال: «إذا أبدى شركاؤنا، السعودية وإيران، استعدادهم ورغبتهم، فإن مبادرتنا تبقى مطروحة على الطاولة».

وفي القاهرة، أفاد نائب الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد بن حلي عن اجتماع طارئ لوزراء الخارجية، الأحد، بهدف «إدانة انتهاكات إيران لحرمة سفارة السعودية في طهران وقنصليّتها في مشهد»، إضافة إلى «إدانة التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية للدول العربية».

كذلك دعت فرنسا إلى «وقف تصعيد» التوتر بين السعودية وإيران، بحسب تصريحات للمتحدث باسم الحكومة الفرنسية ستيفان لوفول، الذي اعتبر أن «تميّز فرنسا هو قدرتها على الحوار مع الجميع، وقد ذكر وزير الخارجية (لوران فابيوس) بالرغبة في وقف التصعيد». كذلك، دعت برلين عبر المتحدث باسم المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، ستيفن سيبرت، إلى بذل كل ما في وسعهما «لاستئناف علاقاتهما».

وفي الأمم المتحدة، صرح ستيفان دوجاريك المتحدث باسم الأمين العام، بان كي مون، بأن الأخير أبلغ وزير الخارجية السعودية عادل الجبير أن قرار الرياض قطع العلاقات الدبلوماسية مع طهران مقلق للغاية. وقال دوجاريك، للصحافيين: «جدّد الأمين العام القول إن الهجوم على السفارة السعودية في طهران مستنكر»، لكنه أضاف أن «إعلان قطع العلاقات الدبلوماسية السعودية مع طهران أمر مقلق للغاية».

وأشار دوجاريك إلى أن بان تحدث هاتفياً مع الجبير، كما فعل مع وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف يوم الأحد. وقال المتحدث «الأمين العام حث وزيري الخارجية على تجنب أي أفعال قد تفاقم الوضع أكثر بين البلدين وفي المنطقة عموماً».

  • فريق ماسة
  • 2016-01-04
  • 14607
  • من الأرشيف

جنون السعودية يقلق العالم..تحشيد لا يتلقفه سوى البحرين والسودان ..والضربة الاشد من انقرة؟

هي الحرب ضد إيران، أخرجتها السعودية إلى العلن، بعدما بقيت لعقود تجري بالوكالة. إجراءات عقابية إنما تكشف عن ضعف الرياض، التي لم تستطع، في أوج تحشيدها، سوى أن تطوّع البحرين والسودان بدا واضحاً أمس أن السعودية، التي أوغلت في ممارسة الكيدية في وجه إيران، انتقلت في حربها المضمرة ضد الأخيرة إلى مرحلة العلانية، بقطع العلاقات، في خطوة أتبعتها بتحشيد غير مسبوق للحلفاء للحذو حذوها، لم تفلح إلا في إخضاع البحرين والسودان ــ الواقعتين تحت الهيمنة السعودية ــ فيما أبدت الإمارات حداً أدنى من المسايرة، من خلال خفض التمثيل الدبلوماسي الإيراني لديها، خصوصاً أن مصالحها الاقتصادية والتجارية مع إيران تمنعها من رفع سقف تجاوبها مع السعار السعودي.   لكن الضربة الأشد جاءت من أنقرة، التي أسست والرياض قبل أيام مجلساً أعلى للتعاون الاستراتيجي. لم تكتف تركيا بإدانة إعدام نمر النمر، بل دفعت موقفها إلى وضع السعودية مع طهران في نفس خانة «الأصدقاء» الذين لا تريدهم أن «يقتتلوا»، وذلك في موقف ترافق مع نأي واشنطن بنفسها عن الملف، في الوقت الذي كان فيه وزير الخارجية السعودي عادل الجبير يضفي المزيد من التشويق في سبيل جذب الانتباه إلى حراك المملكة، من خلال الإعلان أنها ستوقف حركة الطيران والعلاقات التجارية مع الجمهورية الإسلامية التي قال إن عليها «التصرّف كدولة طبيعية»، لتعود العلاقات الدبلوماسية المقطوعة. وكعادته، منذ تسلّمه منصبه، قام بترداد الأقاويل ذاتها التي تندرج في إطار صناعة السعودية للحدث، فقد أكد في مقابلة مع وكالة «رويترز» أن الرياض سترد «على الاعتداء الإيراني»، مكرراً اتهام طهران بإرسال مقاتلين لدول عربية والتخطيط لشن هجمات في المملكة وجاراتها في الخليج. لكنه أضاف: «سنوقف حركة الملاحة الجوية من إيران وإليها. وسنوقف جميع العلاقات التجارية مع إيران. وسنفرض حظراً على سفر الناس إلى إيران». بدا استحقاق يوم أمس إشارة أخرى إلى أن السياسة السعودية، الممارَسة منذ أقل من عام، لا تبدو مقنعة، بما يكفي، بالنسبة إلى أقرب الحلفاء، فردود الفعل الصادرة عنهم لم ترقَ إلى مستوى الضجيج الذي أحدثته السعودية. هم يعرفون خفايا سياسة الرياض الحالية، ويدركون أنه ما إن تخطو إحدى خطواتها المتهوّرة، عليهم أن يلجؤوا إلى مداراتها، آخذين في الاعتبار القيادة الشابة الجديدة، والخلافات على السلطة ضمن العائلة الحاكمة والتي تؤدي، إضافة إلى الظروف الإقليمية وفقدان وهج النفوذ السعودي في المنطقة، إلى التخبّط يميناً ويساراً. ولكن مع ما تحمله القرقعة السعودية الأخيرة من فراغ على مستوى التأثير الظرفي، هي أيضاً تنطوي على آثار سيئة وأذيّة غير مباشرة، حاول حلفاء آخرون، مثل تركيا، تلقفها بإعلان المتحدث باسم الحكومة التركية نعمان كورتولموش أن بلاده «لا يمكنها تأييد تنفيذ حكم الإعدام بحق الشيخ نمر النمر، لأن أنقرة تعارض هذه العقوبة»، مؤكداً أن هذا الإعدام «لا يساعد على تحقيق السلام في المنطقة». كورتولموش أضاف: «لكن تربطنا صداقة بالسعودية وإيران، ولا نريد لهما أن تقتتلا، لأن هذا هو آخر شيء تحتاجه المنطقة». تفاوت ردود حلفاء السعودية، قد يُسهم في إخراجها عن طورها، بالتوازي مع الصمت الإيراني المدوّي. الولايات المتحدة من جهتها، أكملت في سياسة النأي بالنفس المتبعة منذ بدء العدوان على اليمن، بالتوازي مع دعوات خجولة إلى تهدئة التوتر، وذلك فيما عرضت موسكو استعدادها للقيام بـ»وساطة» من أجل حل الأزمة. فقد أعلن البيت الأبيض أن الولايات المتحدة حذرت في الآونة الأخيرة السعودية من عمليات الإعدام وعبرت بشكل متكرر عن قلقها إزاء وضع حقوق الإنسان في السعودية، فيما كشف دبلوماسي أميركي عن أن وزير الخارجية الأميركي جون كيري اتصل بنظيريه السعودي والإيراني ودعاهما إلى الهدوء. في المقابل، أعلن مصدر دبلوماسي روسي أن بلاده «مستعدة لاستضافة محادثات بين وزيري خارجية إيران محمد جواد ظريف، والسعودية عادل الجبير»، وقال: «إذا أبدى شركاؤنا، السعودية وإيران، استعدادهم ورغبتهم، فإن مبادرتنا تبقى مطروحة على الطاولة». وفي القاهرة، أفاد نائب الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد بن حلي عن اجتماع طارئ لوزراء الخارجية، الأحد، بهدف «إدانة انتهاكات إيران لحرمة سفارة السعودية في طهران وقنصليّتها في مشهد»، إضافة إلى «إدانة التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية للدول العربية». كذلك دعت فرنسا إلى «وقف تصعيد» التوتر بين السعودية وإيران، بحسب تصريحات للمتحدث باسم الحكومة الفرنسية ستيفان لوفول، الذي اعتبر أن «تميّز فرنسا هو قدرتها على الحوار مع الجميع، وقد ذكر وزير الخارجية (لوران فابيوس) بالرغبة في وقف التصعيد». كذلك، دعت برلين عبر المتحدث باسم المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، ستيفن سيبرت، إلى بذل كل ما في وسعهما «لاستئناف علاقاتهما». وفي الأمم المتحدة، صرح ستيفان دوجاريك المتحدث باسم الأمين العام، بان كي مون، بأن الأخير أبلغ وزير الخارجية السعودية عادل الجبير أن قرار الرياض قطع العلاقات الدبلوماسية مع طهران مقلق للغاية. وقال دوجاريك، للصحافيين: «جدّد الأمين العام القول إن الهجوم على السفارة السعودية في طهران مستنكر»، لكنه أضاف أن «إعلان قطع العلاقات الدبلوماسية السعودية مع طهران أمر مقلق للغاية». وأشار دوجاريك إلى أن بان تحدث هاتفياً مع الجبير، كما فعل مع وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف يوم الأحد. وقال المتحدث «الأمين العام حث وزيري الخارجية على تجنب أي أفعال قد تفاقم الوضع أكثر بين البلدين وفي المنطقة عموماً».

المصدر : الأخبار


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة