لست في وارد تقييم الرجل –الشيخ نمر باقر النمر- فقد قال من هم خير مني رأيهم فيه؛ بل سأحاول بكل بساطة تقديم قراءة متواضعة لهذا الحدث، الاعدام بالسيف لرجل لم يمارس سوى حق التعبير.

من الواضح أن هناك موجة سوداء تجتاح المنطقة العربية والعالم الاسلامي، عنوانها الكبير المذهبة والتطييف، حتى أصبح العثور على تصريح لمسؤول أو مقال لكاتب... دون ورود ألفاظ تحمل هذه الدلالات أمر في غاية الصعوبة من جهة، ومن جهة ثانية، يلاحظ أن هناك ضفة من طرفي الصراع استحوذت على النصيب الأوفر من هذا الخطاب المذهبي والطائفي. أن يأتي هذا القتل في مثل هذه الأجواء المسمومة ليسعر أوارها وينشر نارانها... يصبح السؤال الأكثر مشروعية: ما هي خلفيات القرار، ولماذا الآن؟ سأذكر هنا بعض من الأسباب الحاسمة –برأيي المتواضع- لهذه الجريمة-المأزق:

 

* عناصر في خلفية القرار:

 

1- حالة إستعصاء ومراوحة أورثت إستنزافاً سياسياً وعسكرياً وإقتصادياً... في اليمن.

2- إنهيار متسارع لأدوات الغزو الإرهابي في سورية، وكان آخرها سقوط "رأس" زهران علوش.

3- في زيارته الأخيرة لمملكة آل سعود، تحسس أردوغان وسلمان مخاطر إنهيار "مشروعهما" في المنطقة، وأتفقا على التصعيد داخياً –في بلديهما- وإقليمياً في ميادين الاشتباك الاقليمي.

4- إنهيار أسعار النفط، ودخول المملكة في دوامة العجز المتزايد، والإستدانة المتصاعده... ما يهددها بفقدان أحد أمضى أسلحتها، الرشوة، سواء في علاقتها مع الناس في الداخل –تغييب الحقوق مقابل المال- أو مع دول الاقليم والعالم.

5- تراجع الدور الأمريكي في المنطقة والعالم... ولنتذكر ما قاله وزير الحرب الأمريكي غيتس لعبد الله بن العزيز: أنت تريد مني أن أرسل أبناء الجيش الامريكي ليقاتلوا عنكم.

6- تراجع مكانة آل سعود أمريكياً بعد استئنافها تصدير النفط، لتصبح أكبر مستهلك وأحد كبار المصدرين.

7- صعود "صاروخي" في المعسكر المقابل: ايران،روسيا،الصين... ولنتذكر أن الصين لوحدها قررت إستثمار 1000 مليار دولار في السنوات الخمس القادمة، ومن جهة ثانية إعتمادها –الاقتصاد الثاني عالمياً- المتزايد على النفط الايراني والغاز الروسي.

 

* من أهم أسباب القرار:

 

1- عندما تُسخر "دولة" بأكملها لتنفيذ مشروع ما، وفي اللحظة التي تشعر فيها بأن هذا المشروع مهدد بالفشل في ظرف دولي يتراجع فيه نفوذ القطب –امريكا- الذي يقدم لها "مظلة" الحماية الدولية، مع "تصادف" بزوغ قطب دولي جديد –روسيا- كانت هي أحد أهم أدوات محاربته، وعند تغليب المنطق الثأري-الجاهلي-التآمري في السياسة... لا تملك هذه "الدولة" من خيارات سوى المزيد من التصعيد في كافة المجالات، والمزيد من العنف والقمع، والهروب بسرعة أكبر الى الأمام، حيث الهاوية... وهذا حال مملكة آل سعود اليوم، فلا تستغربوا التصعيد، ولا يصدمنكم إنفتاحهم الحتمي والتحالف مع الكيان الصهيوني قريباً إن إستمرت الأمور على حالها.

2- لطالما إستخدم آل سعود الفائض المالي-النفطي الهائل في ترسيخ حكمهم، وإدامة سلطانهم... لكن مع تدني أسعار النفط، وتراجع العائدات بشكل هائل جداً، وتآكل المدخرات وإرتفاع المديونية... ظهرت الحاجة الماسة لتعويض دور "الرشوة" في تماسك حكمهم... المال شحيح، والإنفاق في إطراد لتزايد عدد الامراء والحروب والفتن... "فاضطروا" إلى اللجوء الى ملاط من نوع آخر يحفظ بقائهم؛ إنها الفتنة المذهبية والتجييش الطائفي إلى الحدود القصوى، فكان إعدام الشيخ النمر. هكذا يبعثوا برسالة مزدوجة إلى الداخل تقول: أنتم في خطر بسبب التمرد والتمدد الشيعيين ويجب التضحية بالرفاه الذي عشتموه، تعايشوا مع رفع المحروقات والضرائب والطاقة، وإلا فالخطر قادم... وثانياً، من يفكر بالمعارضة أو الإختلاف معنا فلا مصير ينتظره سوى هذا المصير... تذكروا بأن شعار مملكتهم نخلة يحيط بها سيفان: إتبع خطنا تنال التمر، وإذا إنحرفت عنه فالسيف هو الجزاء.

3- في غمرة إندفاعهم الى الهاوية، سيزداد ضيق آل سعود حتى من حلفائهم وأصدقائهم في المنطقة والعالم، وسوف تزداد عدوانيتهم بسبب الخوف الذي يجتاحهم من خطر وجودي ماحق يشبه تجارب الخراب التي عانتها "مملكتهم" منذ قرنين تقريباً وحتى الأمس القريب... لهذا أيدها أقرب حلفائها فوراً – الامارات والبحرين وسعد الحريري...- وجميعهم لهم تجارب تاريخية مريرة مع "غضب" آل سعود. وهذا السلوك البربري يستخدمه آل سعود لإظهار تأييد حلفائهم في المنطقة والعالم لإبراز سطوتهم وقوتهم... ومعالجة مخاوفهم المزمنة.

4- جرّ مصر الى مواجهة عبثية مع ايران تجعلها بالضرورة حليفة لآل سعود، تابعة لسياساتها، غارقة في مخططاتها... ومن غير المستبعد أن هذا الأمر كان جزءً من نقاشات سلمان-اردوغان، بحيث تقوم تركيا بمبادرة ما نحو مصر، ويمكن التدليل على هذا الاستنتاج من خلال أمرين على الاقل: المبادرة التي طرحها الاخوان المسلمين في مصر تجاه القيادة المصرية، والإعلان عن إستئناف "عاصفة الحزم" على اليمن والتي تمثل أحد اهم القنوات العسكرية المشتركة بين مصر وآل سعود.

5- قبل أيام معدودة فقط من إغتيال "النمر" نبّه الامام الخامنئي إلى تواتر إستخدام واشنطن لمصطلحات السنة والشيعة في أدبياتها السياسة، كنذير شؤم... وفي إطار تعليقه على تصفية الشيخ النمر، قدم بالأمس سماحة السيد حسن نصر الله معطى غاية في الأهمية والخطورة: سعي أمريكي لتقسيم "مملكة" آل سعود وصل حدود مناقشة هذه الفكرة مع أطراف من هذه المملكة، وتحديداً مع الشيخ الشهيد ذاته، ولكنه رفض وتابع نضاله الاصلاحي السلمي. إغتيل "النمر" لكن من يضمن أن هذا المسعى الأمريكي توقف؟ ومن يضمن أن لا يقبل آخرون بما رفضه الشهيد؟... أسئلة خطيرة للغاية تبقى معلقة بوجه آل سعود!. من غير المستبعد أن آل سعود عرفوا بهذا المخطط الأمريكي عبر أطراف في الادارة الأمريكية في حادثة مشابهة لما أورده سيمور هيرش، عن تسريب الاركان الامريكية معلومات محددة عن الجماعات الارهابية الى المانيا وروسيا كي تصل الى القيادة السورية، لتستخدمها ضدها ويسقط المشروع الفوضوي الامريكي-الوهابي-الصهيوني... أو بطرق أخرى، فكان ردّ آل سعود الهستيري على المخطط الامريكي بإعدام من رفض التعاون معهم، لوأد المشروع أمريكياً، وإرهاب من قد يتعاون معه محليّاً.

 

* كلمة أخيرة:

 

في المستقبل القريب، الأزمات الى المزيد تصعيد، والمنطقة الى المزيد من التسخين، والتسويات تتراجع فرصها... لكنّ فرص هزيمة المعسكر الصهيو-امريكي-الرجعي العربي في تزايد مضطرد... ليس في الامر أمنيات، وإنما هي موازين القوى، وقدرة كل طرف على الإمساك بأحشاء المنطقة. هًم كما قال "موشي ديان" يوماً: نحن نهرب من حتف إلى حتف.

 

  • فريق ماسة
  • 2016-01-04
  • 14455
  • من الأرشيف

آل سعود، الهروب إلى الهاوية

لست في وارد تقييم الرجل –الشيخ نمر باقر النمر- فقد قال من هم خير مني رأيهم فيه؛ بل سأحاول بكل بساطة تقديم قراءة متواضعة لهذا الحدث، الاعدام بالسيف لرجل لم يمارس سوى حق التعبير. من الواضح أن هناك موجة سوداء تجتاح المنطقة العربية والعالم الاسلامي، عنوانها الكبير المذهبة والتطييف، حتى أصبح العثور على تصريح لمسؤول أو مقال لكاتب... دون ورود ألفاظ تحمل هذه الدلالات أمر في غاية الصعوبة من جهة، ومن جهة ثانية، يلاحظ أن هناك ضفة من طرفي الصراع استحوذت على النصيب الأوفر من هذا الخطاب المذهبي والطائفي. أن يأتي هذا القتل في مثل هذه الأجواء المسمومة ليسعر أوارها وينشر نارانها... يصبح السؤال الأكثر مشروعية: ما هي خلفيات القرار، ولماذا الآن؟ سأذكر هنا بعض من الأسباب الحاسمة –برأيي المتواضع- لهذه الجريمة-المأزق:   * عناصر في خلفية القرار:   1- حالة إستعصاء ومراوحة أورثت إستنزافاً سياسياً وعسكرياً وإقتصادياً... في اليمن. 2- إنهيار متسارع لأدوات الغزو الإرهابي في سورية، وكان آخرها سقوط "رأس" زهران علوش. 3- في زيارته الأخيرة لمملكة آل سعود، تحسس أردوغان وسلمان مخاطر إنهيار "مشروعهما" في المنطقة، وأتفقا على التصعيد داخياً –في بلديهما- وإقليمياً في ميادين الاشتباك الاقليمي. 4- إنهيار أسعار النفط، ودخول المملكة في دوامة العجز المتزايد، والإستدانة المتصاعده... ما يهددها بفقدان أحد أمضى أسلحتها، الرشوة، سواء في علاقتها مع الناس في الداخل –تغييب الحقوق مقابل المال- أو مع دول الاقليم والعالم. 5- تراجع الدور الأمريكي في المنطقة والعالم... ولنتذكر ما قاله وزير الحرب الأمريكي غيتس لعبد الله بن العزيز: أنت تريد مني أن أرسل أبناء الجيش الامريكي ليقاتلوا عنكم. 6- تراجع مكانة آل سعود أمريكياً بعد استئنافها تصدير النفط، لتصبح أكبر مستهلك وأحد كبار المصدرين. 7- صعود "صاروخي" في المعسكر المقابل: ايران،روسيا،الصين... ولنتذكر أن الصين لوحدها قررت إستثمار 1000 مليار دولار في السنوات الخمس القادمة، ومن جهة ثانية إعتمادها –الاقتصاد الثاني عالمياً- المتزايد على النفط الايراني والغاز الروسي.   * من أهم أسباب القرار:   1- عندما تُسخر "دولة" بأكملها لتنفيذ مشروع ما، وفي اللحظة التي تشعر فيها بأن هذا المشروع مهدد بالفشل في ظرف دولي يتراجع فيه نفوذ القطب –امريكا- الذي يقدم لها "مظلة" الحماية الدولية، مع "تصادف" بزوغ قطب دولي جديد –روسيا- كانت هي أحد أهم أدوات محاربته، وعند تغليب المنطق الثأري-الجاهلي-التآمري في السياسة... لا تملك هذه "الدولة" من خيارات سوى المزيد من التصعيد في كافة المجالات، والمزيد من العنف والقمع، والهروب بسرعة أكبر الى الأمام، حيث الهاوية... وهذا حال مملكة آل سعود اليوم، فلا تستغربوا التصعيد، ولا يصدمنكم إنفتاحهم الحتمي والتحالف مع الكيان الصهيوني قريباً إن إستمرت الأمور على حالها. 2- لطالما إستخدم آل سعود الفائض المالي-النفطي الهائل في ترسيخ حكمهم، وإدامة سلطانهم... لكن مع تدني أسعار النفط، وتراجع العائدات بشكل هائل جداً، وتآكل المدخرات وإرتفاع المديونية... ظهرت الحاجة الماسة لتعويض دور "الرشوة" في تماسك حكمهم... المال شحيح، والإنفاق في إطراد لتزايد عدد الامراء والحروب والفتن... "فاضطروا" إلى اللجوء الى ملاط من نوع آخر يحفظ بقائهم؛ إنها الفتنة المذهبية والتجييش الطائفي إلى الحدود القصوى، فكان إعدام الشيخ النمر. هكذا يبعثوا برسالة مزدوجة إلى الداخل تقول: أنتم في خطر بسبب التمرد والتمدد الشيعيين ويجب التضحية بالرفاه الذي عشتموه، تعايشوا مع رفع المحروقات والضرائب والطاقة، وإلا فالخطر قادم... وثانياً، من يفكر بالمعارضة أو الإختلاف معنا فلا مصير ينتظره سوى هذا المصير... تذكروا بأن شعار مملكتهم نخلة يحيط بها سيفان: إتبع خطنا تنال التمر، وإذا إنحرفت عنه فالسيف هو الجزاء. 3- في غمرة إندفاعهم الى الهاوية، سيزداد ضيق آل سعود حتى من حلفائهم وأصدقائهم في المنطقة والعالم، وسوف تزداد عدوانيتهم بسبب الخوف الذي يجتاحهم من خطر وجودي ماحق يشبه تجارب الخراب التي عانتها "مملكتهم" منذ قرنين تقريباً وحتى الأمس القريب... لهذا أيدها أقرب حلفائها فوراً – الامارات والبحرين وسعد الحريري...- وجميعهم لهم تجارب تاريخية مريرة مع "غضب" آل سعود. وهذا السلوك البربري يستخدمه آل سعود لإظهار تأييد حلفائهم في المنطقة والعالم لإبراز سطوتهم وقوتهم... ومعالجة مخاوفهم المزمنة. 4- جرّ مصر الى مواجهة عبثية مع ايران تجعلها بالضرورة حليفة لآل سعود، تابعة لسياساتها، غارقة في مخططاتها... ومن غير المستبعد أن هذا الأمر كان جزءً من نقاشات سلمان-اردوغان، بحيث تقوم تركيا بمبادرة ما نحو مصر، ويمكن التدليل على هذا الاستنتاج من خلال أمرين على الاقل: المبادرة التي طرحها الاخوان المسلمين في مصر تجاه القيادة المصرية، والإعلان عن إستئناف "عاصفة الحزم" على اليمن والتي تمثل أحد اهم القنوات العسكرية المشتركة بين مصر وآل سعود. 5- قبل أيام معدودة فقط من إغتيال "النمر" نبّه الامام الخامنئي إلى تواتر إستخدام واشنطن لمصطلحات السنة والشيعة في أدبياتها السياسة، كنذير شؤم... وفي إطار تعليقه على تصفية الشيخ النمر، قدم بالأمس سماحة السيد حسن نصر الله معطى غاية في الأهمية والخطورة: سعي أمريكي لتقسيم "مملكة" آل سعود وصل حدود مناقشة هذه الفكرة مع أطراف من هذه المملكة، وتحديداً مع الشيخ الشهيد ذاته، ولكنه رفض وتابع نضاله الاصلاحي السلمي. إغتيل "النمر" لكن من يضمن أن هذا المسعى الأمريكي توقف؟ ومن يضمن أن لا يقبل آخرون بما رفضه الشهيد؟... أسئلة خطيرة للغاية تبقى معلقة بوجه آل سعود!. من غير المستبعد أن آل سعود عرفوا بهذا المخطط الأمريكي عبر أطراف في الادارة الأمريكية في حادثة مشابهة لما أورده سيمور هيرش، عن تسريب الاركان الامريكية معلومات محددة عن الجماعات الارهابية الى المانيا وروسيا كي تصل الى القيادة السورية، لتستخدمها ضدها ويسقط المشروع الفوضوي الامريكي-الوهابي-الصهيوني... أو بطرق أخرى، فكان ردّ آل سعود الهستيري على المخطط الامريكي بإعدام من رفض التعاون معهم، لوأد المشروع أمريكياً، وإرهاب من قد يتعاون معه محليّاً.   * كلمة أخيرة:   في المستقبل القريب، الأزمات الى المزيد تصعيد، والمنطقة الى المزيد من التسخين، والتسويات تتراجع فرصها... لكنّ فرص هزيمة المعسكر الصهيو-امريكي-الرجعي العربي في تزايد مضطرد... ليس في الامر أمنيات، وإنما هي موازين القوى، وقدرة كل طرف على الإمساك بأحشاء المنطقة. هًم كما قال "موشي ديان" يوماً: نحن نهرب من حتف إلى حتف.  

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة