- إعدام السلطات السعودية لزعيم المعارضة الشيخ نمر النمر لم يمرّ كحدث قانوني سعودي محلي، كما أراده أصحابه، فالحجج القانونية والتصريحات الهادفة لإضفاء هذا الطابع على الحادث هشة وغير قابلة للتسويق، طالما أنّ المعنيّ رجل معروف السيرة والمواقف كداعية وزعيم جماعة وصاحب كلمة، وكلّ ما يقوله مبنيّ على التمسك بسلمية الحراك ورفض الانجرار إلى العنف، والإصرار على رفض التداعيات الخارجية باعتباره حدثاً محلياً تلاشى مع الساعات الأولى، فزعماء الجماعات الدينية والروحية والقومية والعرقية، يعامَلون من قبل رؤساء الدول معاملة خاصة، حتى لو كانوا معارضين لحكومات بلادهم، وحتى لو كان تكريمهم يستجلب غضب هذه الحكومات، كما هو حال التعامل الأميركي مع الدالاي لاما زعيم تيبت الصين، فهم خصوصية لها حصانتها، طالما هم زعماء يتمسكون بسلمية التحرك، ويرفضون اللجوء إلى العنف.

 

- صار الحادث دولياً حكماً، بسقوط الإصرار على الطابع المحلي والقانوني، خصوصاً أنّ الرياض استضافت قبل أسابيع مؤتمراً للمعارضة السورية، وضمّ شخصيات متّهمة بالانتماء إلى الإرهاب، ودأبت منذ سنوات على الإصرار على رحيل الرئيس السوري بداعي حقها بالتدخل في شؤون سواها، وشنّت حرباً على اليمن بالداعي ذاته، وتوجّهت نحو روسيا باللوم لمقتل زهران علوش المتهم بأعمال إرهابية، وهو ليس سعودياً ولم يُقتل في السعودية، وطالما أنّ ضمّ ملفّ الشيخ النمر إلى ملفات إرهابيين جرى إعدامهم صعّد من ردود الأفعال بدلاً من أن يطفئها، بما تضمّنه من إصرار على دمج القتل بالإهانة وتقليل المكانة.

 

- صار الحدث دولياً، لأنها المرة الأولى منذ زمن طويل تتجرّأ فيه حكومة على إعدام زعيم للمعارضة يتمسّك بالحراك السلمي، وهو ما تفادى الوقوع به نظام التمييز العنصري في جنوب أفريقيا بحق الزعيم الراحل نلسون مانديلا، وما تحاشت بريطانيا فعله بحق الزعيم الهندي الراحل المهاتما غاندي، وإعدام هذا الزعيم المعارض يقع على مجموعة فوالق زلزالية في منطقة تجهد القوى الكبرى لوضعها على سكة التسويات، فغابة الشرق الأوسط مليئة بالمواد المشتعلة، والحطب المتيبّس، وأوراق الخريف الجاهزة للاشتعال، ومساعي التسويات التي أنشئت لها منصات، من سورية إلى اليمن، يتوقف إقلاعها على قدر من الليونة في العلاقات السعودية الإيرانية من جهة، بدأت الآمال بها مع عودة السفراء بين الرياض وطهران، وتبريد خطوط التماس المفتوحة التي تقع على توترٍ عالٍ بين جماعتين مكونتين في المنطقة هما الشيعة والسنة وقد أصيبت العلاقة الإيرانية السعودية بالحادث بإصابة أشدّ قسوة من حادث مقتل الحجاج الإيرانيين في منى، كما أصيب توتر العلاقات المذهبية بما لا يمكن تجاهله، مع الحادث الذي يشبه بأصدائه وتداعياته على علاقة الشيعة والسنة، إعدام الأميركيين الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، بغطاء محلي عراقي.

 

- غابة الشرق الأوسط تشتعل غضباً قد يتحوّل إلى نار حقيقية مع أول احتكاك، فالحريق يبتدئ هكذا، وليس واضحاً بعد ما إذا كان ثمة من أوحى للسعوديين بفعل ما فعلوا بهدف توريطهم، وتوريط المنطقة بالحريق عبرهم، أم أنهم فعلوا ذلك هم لتوريط حلفائهم ووضعهم أمام الأمر الواقع… لحريق كبير.

  • فريق ماسة
  • 2016-01-03
  • 8553
  • من الأرشيف

إعدام «النمر» سيُشعل الغابة ....ناصر قنديل

- إعدام السلطات السعودية لزعيم المعارضة الشيخ نمر النمر لم يمرّ كحدث قانوني سعودي محلي، كما أراده أصحابه، فالحجج القانونية والتصريحات الهادفة لإضفاء هذا الطابع على الحادث هشة وغير قابلة للتسويق، طالما أنّ المعنيّ رجل معروف السيرة والمواقف كداعية وزعيم جماعة وصاحب كلمة، وكلّ ما يقوله مبنيّ على التمسك بسلمية الحراك ورفض الانجرار إلى العنف، والإصرار على رفض التداعيات الخارجية باعتباره حدثاً محلياً تلاشى مع الساعات الأولى، فزعماء الجماعات الدينية والروحية والقومية والعرقية، يعامَلون من قبل رؤساء الدول معاملة خاصة، حتى لو كانوا معارضين لحكومات بلادهم، وحتى لو كان تكريمهم يستجلب غضب هذه الحكومات، كما هو حال التعامل الأميركي مع الدالاي لاما زعيم تيبت الصين، فهم خصوصية لها حصانتها، طالما هم زعماء يتمسكون بسلمية التحرك، ويرفضون اللجوء إلى العنف.   - صار الحادث دولياً حكماً، بسقوط الإصرار على الطابع المحلي والقانوني، خصوصاً أنّ الرياض استضافت قبل أسابيع مؤتمراً للمعارضة السورية، وضمّ شخصيات متّهمة بالانتماء إلى الإرهاب، ودأبت منذ سنوات على الإصرار على رحيل الرئيس السوري بداعي حقها بالتدخل في شؤون سواها، وشنّت حرباً على اليمن بالداعي ذاته، وتوجّهت نحو روسيا باللوم لمقتل زهران علوش المتهم بأعمال إرهابية، وهو ليس سعودياً ولم يُقتل في السعودية، وطالما أنّ ضمّ ملفّ الشيخ النمر إلى ملفات إرهابيين جرى إعدامهم صعّد من ردود الأفعال بدلاً من أن يطفئها، بما تضمّنه من إصرار على دمج القتل بالإهانة وتقليل المكانة.   - صار الحدث دولياً، لأنها المرة الأولى منذ زمن طويل تتجرّأ فيه حكومة على إعدام زعيم للمعارضة يتمسّك بالحراك السلمي، وهو ما تفادى الوقوع به نظام التمييز العنصري في جنوب أفريقيا بحق الزعيم الراحل نلسون مانديلا، وما تحاشت بريطانيا فعله بحق الزعيم الهندي الراحل المهاتما غاندي، وإعدام هذا الزعيم المعارض يقع على مجموعة فوالق زلزالية في منطقة تجهد القوى الكبرى لوضعها على سكة التسويات، فغابة الشرق الأوسط مليئة بالمواد المشتعلة، والحطب المتيبّس، وأوراق الخريف الجاهزة للاشتعال، ومساعي التسويات التي أنشئت لها منصات، من سورية إلى اليمن، يتوقف إقلاعها على قدر من الليونة في العلاقات السعودية الإيرانية من جهة، بدأت الآمال بها مع عودة السفراء بين الرياض وطهران، وتبريد خطوط التماس المفتوحة التي تقع على توترٍ عالٍ بين جماعتين مكونتين في المنطقة هما الشيعة والسنة وقد أصيبت العلاقة الإيرانية السعودية بالحادث بإصابة أشدّ قسوة من حادث مقتل الحجاج الإيرانيين في منى، كما أصيب توتر العلاقات المذهبية بما لا يمكن تجاهله، مع الحادث الذي يشبه بأصدائه وتداعياته على علاقة الشيعة والسنة، إعدام الأميركيين الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، بغطاء محلي عراقي.   - غابة الشرق الأوسط تشتعل غضباً قد يتحوّل إلى نار حقيقية مع أول احتكاك، فالحريق يبتدئ هكذا، وليس واضحاً بعد ما إذا كان ثمة من أوحى للسعوديين بفعل ما فعلوا بهدف توريطهم، وتوريط المنطقة بالحريق عبرهم، أم أنهم فعلوا ذلك هم لتوريط حلفائهم ووضعهم أمام الأمر الواقع… لحريق كبير.

المصدر : ناصر قنديل


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة