دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
تعيش منطقة الشرق الاوسط هذه الايام حالة من “الزحام” الشديد في مختلف المجالات.. زحمة في الطائرات العسكرية التي تجوب اجوائها من كل الانواع والجنسيات.. زحمة في القوات الارضية.. زحمة في التحالفات ومجالس التعاون العربية والاسلامية.. وزحمة في الزيارات والجولات على الصعد كافة.. ومع ذلك لم يتم حسم اي من الحروب الدائرة.. ولم يتوقف سفك الدماء.. وما زالت عمليات الهروب الانساني بحثا عن ملاذ آمن على الشاطيء الشمالي من المتوسط على اشدها.
ما كاد غبار التحالف الاسلامي الذي اعلنت عن قيامه المملكة العربية السعودية قبل شهر يهدأ، ويكشف عن بلبلة وارتباك، وبراءات منه، من هنا وهناك، حتى فوجئنا بالامس بالاعلان عن تشكيل مجلس تعاون استراتيجي بين المملكة العربية السعودية وتركيا، جرى الاعلان عنه اثناء زيارة الرئيس التركي رجب طيب اردوغان الى العاصمة السعودية الرياض على رأس وفد كبير.
يصعب علينا ان نفهم طبيعة هذا المجلس الجديد، والاهداف التي يرمي الى تحقيقها، تماما مثلما كان عليه حالنا اثناء الاعلان عن “عاصفة الحزم”، والتحالفين العربي والاسلامي قبلها، مثلما يصعب علينا ان نفهم ايضا هذا “الهوس″ السعودي المفاجيء بالانخراط في تحالفات عسكرية وسياسية بتنا نلهث في احصائها، ومتابعتها وتحليلها، ورصد اهدافها، وفرص النجاح والفشل امامها.
***
نعتقد ان السيد سامح شكري وزير الخارجية المصري الذي طار فجأة الى الرياض في تزامن مع زيارة الرئيس التركي يشاركنا، وربما قيادته ايضا، “الحيرة” نفسها، اللهم الا اذا كانت هناك وساطة سعودية للتقريب بين العدوين الاقليميين اللدودين، تركيا ومصر، وهو ما نفاه الوزير المصري قبل سفره الى الرياض، مثلما نفى ايضا عقد اي لقاء بينه والرئيس التركي، او الوفد المرافق له.
صحيح ان القيادة المصرية غارقة حتى اذنيها في تداعيات سد النهضة الاثيوبي، الذي يمكن ان يهدد امنها المائي الاستراتيجي، وتخفيض حصصها من مياه النيل، ولكن اي تحالف استراتيجي سعودي تركي يصيبها بحالة من “الرعب”، وربما “العصاب”، اللهم الا اذا تنازل الرئيس اردوغان عن دعمه لـ”لاخوان المسلمين”، وقرر التخلي عنهم، واسكات قنواتهم التلفزيونية التي تبث ليل نهار برامج ضد النظام المصري، وتستقطب اعدادا كبيرة من المصريين الذين باتوا يعزفون عن معظم القنوات المصرية التي تسير في فلك النظام، وتفتقد اغلبيتها الى الحد الادنى من المهنية والموضوعية.
لا توجد اي مؤشرات عن احتمال تخلي الرئيس التركي عن حركة “الاخوان المسلمين”، او ابعاد قياداتها، او ادواتها الاعلامية، وان كان لافتا ان مجلس التعاون الاستراتيجي التركي الجديد استثنى عضوية دولة قطر فيه، وبات يعتقد الكثيرون ان هذا المجلس ربما يأتي “بديلا” عن التحالف الثلاثي السعودي القطري التركي، الذي ينسق بين اعضائه ومواقفهم في الملف السوري، وتأسس فور وصول العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز الى السلطة قبل عام تقريبا.
من غير المستبعد ان يكون هدف مجلس التعاون الجديد (لا نعرف كيف ستكون علاقته بمجلس تعاون آخر خليجي) تكوين جبهة عسكرية سعودية تركية بهدف توحيد جهود الدولتين من اجل التسريع بإسقاط الرئيس السوري بشار الاسد، ومواجهة كل من ايران وروسيا معا على الارض السورية، وجعل “جبهة النصرة” و”احرار الشام” هما رأس حربة في هذا المضمار، وتزويدهما بالمال والسلاح الى جانب فصائل اخرى، للتعجيل بهذه الاطاحة، ووقف التقدم الذي حققه الجيش السوري في اكثر من جبهة بدعم من الغطاء الجوي الروسي.
لا نعتقد انه من قبيل الصدفة ان يتم تأسيس مجلس التعاون الاستراتيجي هذا بعد اسبوعين من اغتيال قائد “جيش الاسلام” زهران علوش، ومجموعة من قيادات فصائل اخرى معارضة، وهو الرجل الذي يعتبر الحليف الاوثق للقيادتين السعودية والتركية، ومصدر التهديد الرئيسي، وربما الوحيد للعاصمة السورية.
القيادتان السعودية والتركية اصيبتا بمقتل باغتيال الراحل علوش الذي جاء ضربة قاتلة لجهودهما، لتشكيل وفد المعارضة المفاوض للنظام السوري بعد اجتماع الرياض، حتى ان الاولى، اي القيادة السعودية، رفضت استقبال مبعوثا روسيا زار تل ابيب والقاهرة، وكان من المقرر ان يزور الرياض في اطار تنسيق جهود الحل السياسي تعبيرا عن هذا الغضب، او الاهانة.
***
الاستراتيجيتان السعودية والتركية تتمحوران، ومنذ بدء الازمة السورية قبل خمس سنوات، حول هدف واحد، وهو اطاحة الرئيس الاسد، وجرى استثمار المليارات والجهود السياسية والدبلوماسية الضخمة في هذا الصدد، ومن شبه المستحيل ان يتنازلا عن هذا الهدف، وحتى في ظل اتفاق روسي امريكي للتركيز على الارهاب كأولوية في سورية، وقال الامير محمد بن نايف ولي ولي العهد السعودي ذلك صراحة في كلمته في افتتاح مؤتمر المعارضة السورية الاخير في الرياض.
التحالف بين الدولتين تركيا والسعودية ادى الى تأسيس “جيش الفتح”، وتسليحه مما ادى الى سيطرته على مدينتي ادلب وجسر الشغور وقاعدة عسكرية كبرى في الشمال الغربي لسورية، ولا بد ان هناك آمالا تداعب قيادتي الدولتين لتكرار التجربة وتوسيعها كطلقة اخيرة في جعبتهما، مع ارسال المزيد من الاسلحة والمعدات العسكرية النوعية الفتاكة.
الجانبان السعودي والتركي سيتكتمان على اتفاقهما، وسيبقيان اوراقهما قريبة الى صدريهما، ولكن نتائج زيارة وزير الخارجية المصري المفاجئة الى الرياض ربما ستكشف حتما عن حقيقة ما جرى، او سيجري، جزئيا او كليا، وما علينا الا متابعة الصحافة ومحطات التلفزة المصرية في الايام القليلة المقبلة، ورصد اتجاهاتها، والتعليمات الموجهة اليها، فهي “التيرموميتر” الذي يقيس درجة حرارة او برودة العلاقات المصرية السعودية، ولن يطول انتظارنا حتما.
المصدر :
راي اليوم / عبد الباري عطوان
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة