للوهلة الأولى يبدو أنّ الولايات المتحدة تدعم كلّ ما يقوم به الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وحتى اعتراضها على منطقة الحظر الجوي أو المنطقة الآمنة، هو اعتراض ينحصر في ردّ محاولات إلزام الولايات المتحدة المشاركة في إقامتها وتحمّل الأعباء، وليس اعتراضاً على المبدأ.

لكن في واقع الحال، ثمة لعبة مزدوجة تحكم علاقة الولايات المتحدة الأميركية مع تركيا أردوغان.

من جهة ترى الولايات المتحدة في تركيا مصدراً هاماً لنفوذ الولايات المتحدة في المنطقة، ولا سيما في ضوء عدم الرهان الكبير على التواجد الأميركي المباشر بعد فشل الاحتلال الأميركي للعراق. ومن جهة أخرى تراود الولايات المتحدة شكوك حول مدى انضباط حكومات الرئيس أردوغان في إطار الاستراتيجية العامة في المنطقة، لا سيما أنّ اجتهادات أردوغان في السياسات الإقليمية تتجاوز أحياناً مدى قدرات الولايات المتحدة وحلفائها على تحقيقها، الأمر الذي يجعل واشنطن تخشى نوعاً من التهوّر في السياسة التركية.

هذه اللعبة المزدوجة عكستها تعليقات وتحليلات بعض المراكز البحثية ووسائل إعلام أميركية أخرى.

مساعد للرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان، الرئيس الجمهوري ورمز المحافظين الجدد، هو دوف باندو نشر بحثاً لمصلحة «معهد كاتو» الذي يشغل فيه منصب «زميل بارز»، ألقى الضوء على بعض جوانب هذه اللعبة المزدوجة، وخلفيات عدم التطابق الكامل في السياسات والتوجهات الأميركية والتركية، على الرغم من تطابق الأهداف الإقليمية، ولاسيما في سورية والعراق. يقول باندو «لقد أمضت أنقرة سنوات في حملتها الوحشية ضدّ الانفصاليين الأكراد، واحتلت أكثر من ثلث جمهورية قبرص. كما تحوّلت تركيا إلى نظام استبدادي وإسلامي مع تخلي رجب طيب أردوغان عن أفكاره التحرّرية». وعن إسقاط تركيا الطائرة الروسية يوحي تعليق الباحث بأنه عمل طائش تحركه دوافع تخصّ أنقرة أكثر ما تعبّر عن الاستراتيجية الأميركية التركية المشتركة. يقول باندو «الأسوأ من ذلك عدم تحمّل أنقرة لمسؤولية إسقاط الطائرة الروسية. قد تكون تركيا تعمل على حماية تجارة النفط السرية، أو حماية المتمرّدين في إحدى المناطق التي تسيطر عليها «جبهة النصرة» المنتمية لتنظيم «القاعدة»، أو تحاول معاقبة موسكو على دعم الرئيس السوري بشار الأسد». وحول عدم تطابق المواقف والمصالح الأميركية مع السياسة التركية هذه، يقول باندو« الحالة الأولى تقوّض من المصالح الأميركية. في حين أنّ الحالة الثانية تعمل ضدّ هدف تدمير الدولة الإسلامية الرئيسي» ويختم قائلاً بحزم:

«لا يوجد أيّ شيء يبرّر السماح لأنقرة جرّ حلف الناتو في حرب مع روسيا».

لعبة مزدوجة لا يمكن الاستنتاج بأنها سوف تستمرّ إلى ما لا نهاية، لأنّ الاستقطاب الإقليمي، بل الدولي الحادّ، لا سيما في العراق وسورية، كفيل بوضع حدّ لها آجلاً أو عاجلاً باتجاه، إما التطابق مع السياسة التركية، أو إرغام أنقرة على الانضباط الكامل في السياسة والاستراتيجية الأميركية.

  • فريق ماسة
  • 2015-12-20
  • 9871
  • من الأرشيف

الولايات المتحدة وتركيا: اللعبة المزدوجة

للوهلة الأولى يبدو أنّ الولايات المتحدة تدعم كلّ ما يقوم به الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وحتى اعتراضها على منطقة الحظر الجوي أو المنطقة الآمنة، هو اعتراض ينحصر في ردّ محاولات إلزام الولايات المتحدة المشاركة في إقامتها وتحمّل الأعباء، وليس اعتراضاً على المبدأ. لكن في واقع الحال، ثمة لعبة مزدوجة تحكم علاقة الولايات المتحدة الأميركية مع تركيا أردوغان. من جهة ترى الولايات المتحدة في تركيا مصدراً هاماً لنفوذ الولايات المتحدة في المنطقة، ولا سيما في ضوء عدم الرهان الكبير على التواجد الأميركي المباشر بعد فشل الاحتلال الأميركي للعراق. ومن جهة أخرى تراود الولايات المتحدة شكوك حول مدى انضباط حكومات الرئيس أردوغان في إطار الاستراتيجية العامة في المنطقة، لا سيما أنّ اجتهادات أردوغان في السياسات الإقليمية تتجاوز أحياناً مدى قدرات الولايات المتحدة وحلفائها على تحقيقها، الأمر الذي يجعل واشنطن تخشى نوعاً من التهوّر في السياسة التركية. هذه اللعبة المزدوجة عكستها تعليقات وتحليلات بعض المراكز البحثية ووسائل إعلام أميركية أخرى. مساعد للرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان، الرئيس الجمهوري ورمز المحافظين الجدد، هو دوف باندو نشر بحثاً لمصلحة «معهد كاتو» الذي يشغل فيه منصب «زميل بارز»، ألقى الضوء على بعض جوانب هذه اللعبة المزدوجة، وخلفيات عدم التطابق الكامل في السياسات والتوجهات الأميركية والتركية، على الرغم من تطابق الأهداف الإقليمية، ولاسيما في سورية والعراق. يقول باندو «لقد أمضت أنقرة سنوات في حملتها الوحشية ضدّ الانفصاليين الأكراد، واحتلت أكثر من ثلث جمهورية قبرص. كما تحوّلت تركيا إلى نظام استبدادي وإسلامي مع تخلي رجب طيب أردوغان عن أفكاره التحرّرية». وعن إسقاط تركيا الطائرة الروسية يوحي تعليق الباحث بأنه عمل طائش تحركه دوافع تخصّ أنقرة أكثر ما تعبّر عن الاستراتيجية الأميركية التركية المشتركة. يقول باندو «الأسوأ من ذلك عدم تحمّل أنقرة لمسؤولية إسقاط الطائرة الروسية. قد تكون تركيا تعمل على حماية تجارة النفط السرية، أو حماية المتمرّدين في إحدى المناطق التي تسيطر عليها «جبهة النصرة» المنتمية لتنظيم «القاعدة»، أو تحاول معاقبة موسكو على دعم الرئيس السوري بشار الأسد». وحول عدم تطابق المواقف والمصالح الأميركية مع السياسة التركية هذه، يقول باندو« الحالة الأولى تقوّض من المصالح الأميركية. في حين أنّ الحالة الثانية تعمل ضدّ هدف تدمير الدولة الإسلامية الرئيسي» ويختم قائلاً بحزم: «لا يوجد أيّ شيء يبرّر السماح لأنقرة جرّ حلف الناتو في حرب مع روسيا». لعبة مزدوجة لا يمكن الاستنتاج بأنها سوف تستمرّ إلى ما لا نهاية، لأنّ الاستقطاب الإقليمي، بل الدولي الحادّ، لا سيما في العراق وسورية، كفيل بوضع حدّ لها آجلاً أو عاجلاً باتجاه، إما التطابق مع السياسة التركية، أو إرغام أنقرة على الانضباط الكامل في السياسة والاستراتيجية الأميركية.

المصدر : حميدي العبدالله


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة