« حيرتني تلك الأشهر الستة ... لمَ هي!؟ ».  تساءل بسخرية، وهو يصغي إلى قرار المحكمة الصهيونية التي حكمته بـ 542 سنة ونصف. استجاب القاضي لعناده وقال له : «لأنك دخلت أرض "إسرائيل" بشكل غير شرعي». ضحك قبل أن يقول بثقة: « المرّة المقبلة سآخذ تأشيرة دخول من شرطة الحدود الفلسطينية»، وتابع ردّه «لا أكترث للحكم، أنا سعيد لأني جئت إلى فلسطين، وأنا مؤمن بأنه سيأتي يوم ويستعيد الشعب الفلسطيني أرضه وهويته وحقه. إذا كنت تتوقع أن "دولة إسرائيل" ستستمر على قيد الحياة لـ 542 سنة ونصف، فأنت مخطئ وواهم»..

كانَ يقترب من السابعة عشر من عمره، حين هبط مع رفاقه الثلاثة، على شاطئ فلسطين المحتلة. ثبتّ الزورق المطاطي إلى صخور الشاطئ، قبل أن ينطلق الفدائيون الأربعة لتنفيذ عمليتهم ليل 22 نيسان 1979.

فلسطين التي كان يرسم خارطتها وعلمها على دفاتره المدرسية، لم تكن أطلالا للرثاء. عن السبب الذي يدفع شابا في مثل عمره، لتنفيذ عملية في الأرض المحتلة، يقول بأنه ولِدَ في واقع مليء بالهزائم، قرر البعض أن يقفز فوق المأساة الفلسطينية إلى أحضان الغرب، ويتبنوا نظرته "الموضوعية" وقيمه ومعاييره، والبعض فرّ إلى الماضي، وأصبح متطرفا جدا وأضاع البوصلة. اخترت الطريق الثالث. الطريق الذي يجعلني متوازنا مع نفسي. العمل لتغيير الواقع. لذلك كان يكتب تحت خارطة فلسطين وعلمها: « الشهيد سمير القنطار»!.

مع إتفاقية «كامب ديفيد»، بات الرئيس المصري السابق «أنور السادات» في الأحضان الغربية والإسرائيلية. «عملية جمال عبد الناصر» في نيسان 1979، كانت رسالة من القنطار ورفاقه، برفض كامب ديفيد، وأنه لا يمكن لأي اتفاقية أن توقف مقاومة الشعب الفلسطيني.

أمام الزورق المطاطي المثبت إلى صخرته، مع جسدين مليئين بالجراح، يسقط القنطار ورفيقه أسيرين ، ويستشهد رفيقاه الآخران، لتبدأ معها رحلة الأسر، التي وعد خلالها رئيس الوزراء الصهيوني «مناحيم بيغن»، وهو يسير في جنازة قتلاه، بأنه يفكر «بانتقام لم يخترعه الشيطان».

 بعد ثلاثة عقود، يعود القنطار من سجون الشيطان إلى أرض لبنان. يقف على المنصة، ينظر إلى الحشود. يتساءل: «من أين آتي بالكلام!؟». لم يكن مستعدا لهذه اللحظة. ثمّ يصرخ بما كان يفكر به: « صدّقوني لم أعد إلى هنا إلا لأعود إلى فلسطين. عدت لأعود ...».

 

 

 

عن الفرق بين صورة العالم من بين القضبان، وصورته بعد أن أصبح حرا، قال بأنه لم يتعرض لصدمة في الوعي أو خيبة الأمل، فقد خرجت من السجن إلى دائرة المقاومة المنسجمة مع قناعاتي وعالمي الذي أؤمن به. لم يخرج القنطار ليعوّض سنوات أسره، لم يعتبر يوما أنه خسر ثلاثين عاما من عمره .. كان يقول دائما: «هذا واجب قدمته وله ثمن» .. حياته خارج السجن استمرار لسنوات نضاله وصموده الطويلة .. لم ينفصل عن المقاومة ودوره المقاوم ..

بعد عام على تحريره، يطلّ القنطار على فلسطين من معتقل الخيام اللبناني، ببدلة المقاومة وسلاحه على صدره. يقول: كم هي بعيدة زمنيا، وكم هي قريبة جغرافيا .. يمدّ يده نحو فلسطين ويتابع قائلا: مئات من الأمتار فقط، تفصلنا عن ستين عاما من الإغتصاب .. هذا يدلّ على واقع الأمة السيء. كنت أنتظر يوم حريتي لأخرج من السجن، اليوم أنتظر يوم العودة إلى هناك، قال القنطار وعيناه تحلقان في سماء فلسطين، وكفاه تطوقان سلاحا على صدره.

في المحاولة السابعة، تصيب صواريخ الغدر الإسرائيلي هدفها، ليل التاسع عشر من كانون الأول 2015، فيسقط عميد الأسرى شهيدا، بعد سنوات الحرية السبع، التي أمضاها على جبهات المقاومة، فقد قال يوما: ولدت لأحمل في يدي: بندقية أو أغلالاً!.

  • فريق ماسة
  • 2015-12-26
  • 10965
  • من الأرشيف

سمير القنطار: «حيرتني تلك الأشهر الستة، لمَ هي!؟ »

« حيرتني تلك الأشهر الستة ... لمَ هي!؟ ».  تساءل بسخرية، وهو يصغي إلى قرار المحكمة الصهيونية التي حكمته بـ 542 سنة ونصف. استجاب القاضي لعناده وقال له : «لأنك دخلت أرض "إسرائيل" بشكل غير شرعي». ضحك قبل أن يقول بثقة: « المرّة المقبلة سآخذ تأشيرة دخول من شرطة الحدود الفلسطينية»، وتابع ردّه «لا أكترث للحكم، أنا سعيد لأني جئت إلى فلسطين، وأنا مؤمن بأنه سيأتي يوم ويستعيد الشعب الفلسطيني أرضه وهويته وحقه. إذا كنت تتوقع أن "دولة إسرائيل" ستستمر على قيد الحياة لـ 542 سنة ونصف، فأنت مخطئ وواهم».. كانَ يقترب من السابعة عشر من عمره، حين هبط مع رفاقه الثلاثة، على شاطئ فلسطين المحتلة. ثبتّ الزورق المطاطي إلى صخور الشاطئ، قبل أن ينطلق الفدائيون الأربعة لتنفيذ عمليتهم ليل 22 نيسان 1979. فلسطين التي كان يرسم خارطتها وعلمها على دفاتره المدرسية، لم تكن أطلالا للرثاء. عن السبب الذي يدفع شابا في مثل عمره، لتنفيذ عملية في الأرض المحتلة، يقول بأنه ولِدَ في واقع مليء بالهزائم، قرر البعض أن يقفز فوق المأساة الفلسطينية إلى أحضان الغرب، ويتبنوا نظرته "الموضوعية" وقيمه ومعاييره، والبعض فرّ إلى الماضي، وأصبح متطرفا جدا وأضاع البوصلة. اخترت الطريق الثالث. الطريق الذي يجعلني متوازنا مع نفسي. العمل لتغيير الواقع. لذلك كان يكتب تحت خارطة فلسطين وعلمها: « الشهيد سمير القنطار»!. مع إتفاقية «كامب ديفيد»، بات الرئيس المصري السابق «أنور السادات» في الأحضان الغربية والإسرائيلية. «عملية جمال عبد الناصر» في نيسان 1979، كانت رسالة من القنطار ورفاقه، برفض كامب ديفيد، وأنه لا يمكن لأي اتفاقية أن توقف مقاومة الشعب الفلسطيني. أمام الزورق المطاطي المثبت إلى صخرته، مع جسدين مليئين بالجراح، يسقط القنطار ورفيقه أسيرين ، ويستشهد رفيقاه الآخران، لتبدأ معها رحلة الأسر، التي وعد خلالها رئيس الوزراء الصهيوني «مناحيم بيغن»، وهو يسير في جنازة قتلاه، بأنه يفكر «بانتقام لم يخترعه الشيطان».  بعد ثلاثة عقود، يعود القنطار من سجون الشيطان إلى أرض لبنان. يقف على المنصة، ينظر إلى الحشود. يتساءل: «من أين آتي بالكلام!؟». لم يكن مستعدا لهذه اللحظة. ثمّ يصرخ بما كان يفكر به: « صدّقوني لم أعد إلى هنا إلا لأعود إلى فلسطين. عدت لأعود ...».       عن الفرق بين صورة العالم من بين القضبان، وصورته بعد أن أصبح حرا، قال بأنه لم يتعرض لصدمة في الوعي أو خيبة الأمل، فقد خرجت من السجن إلى دائرة المقاومة المنسجمة مع قناعاتي وعالمي الذي أؤمن به. لم يخرج القنطار ليعوّض سنوات أسره، لم يعتبر يوما أنه خسر ثلاثين عاما من عمره .. كان يقول دائما: «هذا واجب قدمته وله ثمن» .. حياته خارج السجن استمرار لسنوات نضاله وصموده الطويلة .. لم ينفصل عن المقاومة ودوره المقاوم .. بعد عام على تحريره، يطلّ القنطار على فلسطين من معتقل الخيام اللبناني، ببدلة المقاومة وسلاحه على صدره. يقول: كم هي بعيدة زمنيا، وكم هي قريبة جغرافيا .. يمدّ يده نحو فلسطين ويتابع قائلا: مئات من الأمتار فقط، تفصلنا عن ستين عاما من الإغتصاب .. هذا يدلّ على واقع الأمة السيء. كنت أنتظر يوم حريتي لأخرج من السجن، اليوم أنتظر يوم العودة إلى هناك، قال القنطار وعيناه تحلقان في سماء فلسطين، وكفاه تطوقان سلاحا على صدره. في المحاولة السابعة، تصيب صواريخ الغدر الإسرائيلي هدفها، ليل التاسع عشر من كانون الأول 2015، فيسقط عميد الأسرى شهيدا، بعد سنوات الحرية السبع، التي أمضاها على جبهات المقاومة، فقد قال يوما: ولدت لأحمل في يدي: بندقية أو أغلالاً!.

المصدر : م. سامر عبد الكريم منصور


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة