ليست المرة الاولى التي يعلن فيها الامين العام للامم المتحدة بان كي مون انه من غير المقبول ربط مصير سوريا بمستقبل شخص واحد هو الرئيس السوري بشار الاسد. وكي لا يفهم كلامه على انه مع رحيل الاسد دون شروط، وهو ما يعيق حالياً التقدم بمفاوضات السلام، اتبع قوله بالتأكيد ان مصير الاسد يقرره الشعب السوري.

هذه العبارة لطالما رددها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الايراني حسن روحاني، ولكنها كانت عرضة للانتقاد من دول الغرب بشكل عام، مراعاة لمشاعر الدول العربية وتحديداً الخليجية منها. لكن الغرب واوروبا بدأ ينحو نحو غض النظر عن بقاء الاسد لفترة من الوقت يسمونها "فترة انتقالية" تكون كافية لارساء بنود التسوية التي سيتم الاتفاق عليها، ويمكن عندها وضعها موضع التنفيذ.

وعلى الرغم من التسليم مسبقاً بأن بان كي مون ليس الرجل الفاعل في وضع السياسات والقرارات الدولية، كما انه ليس بالشخص القادر على تغيير موازين النفوذ والقوى في السياسة، الا ان لمنصبه خاصة معنوية، وهو ما يجعل الدول غالباً ما تلجأ الى الامم المتحدة قبل القيام بعمل عسكري ما او لفرض قرار سياسي. وهذا الموقف تحديداً اتى ليتماشى مع مواقف عديدة صدرت في الآونة الاخيرة في اوروبا ولعل اهمها ما قالته المستشارة الالمانية انجيلا ميركل(1)، حيث يجدر التوقف عند تحديدها عبارة "حل طويل الامد". ان ابرز المتفائلين ببقاء الرئيس الروسي لا يتوقعون رؤيته في السلطة لفترة طويلة من الزمن، فالوضع في الدول العربية ككل بدأ يتغيّر، ويتوقع الكثيرون الا نشهد مجدداً رؤساء لعقود طويلة، خصوصاً بعد الصورة الجديدة التي سيرسو عليها الشرق الاوسط، وفي ظل التواجد الروسي العسكري القوي في سوريا وربما في دول اخرى ايضاً.

وعملياً، يمكن القول ان وقوف الامم المتحدة الى جانب روسيا وايران، قد يضعف مواقف الدول الاخرى الرافضة (ولو بخجل)، للتفاوض مع الاسد او بقائه لفترة محدودة. ومن الممكن ان يشكل هذا الموقف ذريعة كافية لهذه الدول للانطلاق في طريق ايجاد مخرج لائق وحفظ ماء الوجه امام المواطنين والمؤيدين الذين تعلقوا بمواقف السقف العالي الذي وضعه مسؤولو هذه الدول منذ بداية الازمة السورية.

 

ولعل ما اعلنه بوتين بالامس لجهة عدم الموافقة على فرض اي قوة خارجية من سيحكم سوريا، يوضح بما لا يقبل الشك ان شروط التفاوض التي ارسيت غير قابلة للنقاش، وبالتالي ان اي تعديل عليها سيؤدي الى اعادة الامور الى نقطة الصفر. ويستقوي بوتين طبعاً بأن عامل الوقت يقف الى جانبه، فقواته الجوية حققت اهدافاً كبيرة في وقت قصير، فيما عادت الثقة الى الجيش السوري المدعوم بعناصر من "حزب الله" وايران بعد استعادة عدد من المناطق والمدن.

عامل آخر يراهن عليه بوتين، وهو استمالة جزء من المعارضة السورية، حيث بدا الغزل واضحاً في هذا السياق، من خلال قوله ان بعض المعارضة يقاتل "داعش" بالفعل، وينسق مع الجيش السوري، ويعطي اهدافاً للقوات الجوية الروسية تمثل مقاراً لــ"داعش"، حتى ان بوتين اعرب عن الاستعداد للتعاون مع هؤلاء عسكرياً.

عقارب الساعة تتحرك، وهي لا تعمل لصالح معارضي النظام السوري الذي لن تتخلى عنه روسيا وايران حالياً، فيما روسيا باقية على تحركها العسكري الذي بات يقلق الجميع نظراً الى تأثيره على مجرى المفاوضات ونتائجها، وبالتالي، لا مفرّ من تسريع الخطى نحو استعادة المفاوضات وهو ما تفهمه تماماً الولايات المتحدة الاميركية واوروبا، ويبقى ان تقتنع الدول العربية بذلك وسريعًا.

 

  • فريق ماسة
  • 2015-12-18
  • 10664
  • من الأرشيف

الامم المتحدة الى جانب روسيا وايران في معركة الاسد

ليست المرة الاولى التي يعلن فيها الامين العام للامم المتحدة بان كي مون انه من غير المقبول ربط مصير سوريا بمستقبل شخص واحد هو الرئيس السوري بشار الاسد. وكي لا يفهم كلامه على انه مع رحيل الاسد دون شروط، وهو ما يعيق حالياً التقدم بمفاوضات السلام، اتبع قوله بالتأكيد ان مصير الاسد يقرره الشعب السوري. هذه العبارة لطالما رددها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الايراني حسن روحاني، ولكنها كانت عرضة للانتقاد من دول الغرب بشكل عام، مراعاة لمشاعر الدول العربية وتحديداً الخليجية منها. لكن الغرب واوروبا بدأ ينحو نحو غض النظر عن بقاء الاسد لفترة من الوقت يسمونها "فترة انتقالية" تكون كافية لارساء بنود التسوية التي سيتم الاتفاق عليها، ويمكن عندها وضعها موضع التنفيذ. وعلى الرغم من التسليم مسبقاً بأن بان كي مون ليس الرجل الفاعل في وضع السياسات والقرارات الدولية، كما انه ليس بالشخص القادر على تغيير موازين النفوذ والقوى في السياسة، الا ان لمنصبه خاصة معنوية، وهو ما يجعل الدول غالباً ما تلجأ الى الامم المتحدة قبل القيام بعمل عسكري ما او لفرض قرار سياسي. وهذا الموقف تحديداً اتى ليتماشى مع مواقف عديدة صدرت في الآونة الاخيرة في اوروبا ولعل اهمها ما قالته المستشارة الالمانية انجيلا ميركل(1)، حيث يجدر التوقف عند تحديدها عبارة "حل طويل الامد". ان ابرز المتفائلين ببقاء الرئيس الروسي لا يتوقعون رؤيته في السلطة لفترة طويلة من الزمن، فالوضع في الدول العربية ككل بدأ يتغيّر، ويتوقع الكثيرون الا نشهد مجدداً رؤساء لعقود طويلة، خصوصاً بعد الصورة الجديدة التي سيرسو عليها الشرق الاوسط، وفي ظل التواجد الروسي العسكري القوي في سوريا وربما في دول اخرى ايضاً. وعملياً، يمكن القول ان وقوف الامم المتحدة الى جانب روسيا وايران، قد يضعف مواقف الدول الاخرى الرافضة (ولو بخجل)، للتفاوض مع الاسد او بقائه لفترة محدودة. ومن الممكن ان يشكل هذا الموقف ذريعة كافية لهذه الدول للانطلاق في طريق ايجاد مخرج لائق وحفظ ماء الوجه امام المواطنين والمؤيدين الذين تعلقوا بمواقف السقف العالي الذي وضعه مسؤولو هذه الدول منذ بداية الازمة السورية.   ولعل ما اعلنه بوتين بالامس لجهة عدم الموافقة على فرض اي قوة خارجية من سيحكم سوريا، يوضح بما لا يقبل الشك ان شروط التفاوض التي ارسيت غير قابلة للنقاش، وبالتالي ان اي تعديل عليها سيؤدي الى اعادة الامور الى نقطة الصفر. ويستقوي بوتين طبعاً بأن عامل الوقت يقف الى جانبه، فقواته الجوية حققت اهدافاً كبيرة في وقت قصير، فيما عادت الثقة الى الجيش السوري المدعوم بعناصر من "حزب الله" وايران بعد استعادة عدد من المناطق والمدن. عامل آخر يراهن عليه بوتين، وهو استمالة جزء من المعارضة السورية، حيث بدا الغزل واضحاً في هذا السياق، من خلال قوله ان بعض المعارضة يقاتل "داعش" بالفعل، وينسق مع الجيش السوري، ويعطي اهدافاً للقوات الجوية الروسية تمثل مقاراً لــ"داعش"، حتى ان بوتين اعرب عن الاستعداد للتعاون مع هؤلاء عسكرياً. عقارب الساعة تتحرك، وهي لا تعمل لصالح معارضي النظام السوري الذي لن تتخلى عنه روسيا وايران حالياً، فيما روسيا باقية على تحركها العسكري الذي بات يقلق الجميع نظراً الى تأثيره على مجرى المفاوضات ونتائجها، وبالتالي، لا مفرّ من تسريع الخطى نحو استعادة المفاوضات وهو ما تفهمه تماماً الولايات المتحدة الاميركية واوروبا، ويبقى ان تقتنع الدول العربية بذلك وسريعًا.  

المصدر : طوني خوري - النشرة


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة