حينما يقرأ البعض هذه العبارة يتبادر إلى أذهانهم ونتيجة تضليل برعت فيه دوائر الدعاية الغربية أن روسيا تخضع لحكم "دكتاتور" هو بوتين وأنها بالكاد تأكل بعد أن عاندت واشنطن وقارعتها.

كما يبدو للبعض من هذا العبارة أيضا، أنها معلقة إلى جانب صور الرئيس الروسي في جميع أنحاء البلاد وفي دوائرها الحكومية، وجملة إلزامية يتم تدوينها في المطبوعات المدرسية، كما أنها ملصقة على جدران المقاهي العامة والنوادي الليلية، وفي أروقة وسائل الإعلام تلبية لأمر أعلى، من يتقاعس في تنفيذه يكون مصيره الضياع والاختفاء في غياهب السجون.

والواقع، فإن هاتين الكلمتين ليستا إلا تسمية لكتاب عرضه مؤخرا رجل الدولة الفرنسي المخضرم، والكاتب الصحفي إيفان بلو، وضع فيه وصفا موضوعيا ومستقلا لجوانب الحياة في روسيا، وتطورها التاريخي وما تشهده من تحولات منذ وصول فلاديمير بوتين إلى السلطة مطلع الألفية.

فالكتاب يتطرق إلى السياستين الداخلية والخارجية، وإلى الأوضاع الاقتصادية وحال الجيش والدفاع، فضلا عن الكنيسة والأديان الأخرى في روسيا ودورها في إطار الدولة والمجتمع الروسيين.

صاحب الكتاب وفضلا عن المناصب الحكومية والبرلمانية الرفيعة التي تبوأها، يعمل مستشارا لنيقولا ساركوزي الرئيس الفرنسي السابق، زعيم حزب "الجمهوريين المعارض" الأوفر حظا في الفوز بالانتخابات الفرنسية المقبلة، وعودة زعيمه الى كرسي الرئاسة في الإليزيه.

وبعد التحليل المعمق الذي وضعه إيفان بلو في الكتاب، وبفضل الخبرة الكبيرة التي تكدست لديه في مناصبه السابقة، خلص إلى أن فلاديمير بوتين زعيم لروسيا المعاصرة بكل ما يحمله هذا الوصف من معنى، وأشار إلى أن هذا الاستنتاج نابع من متابعة جميع التطورات في روسيا منذ دخول بوتين الكرملين وتسلمه مقاليد السلطة.

ويؤكد إيفان بلو أن روسيا "ليست بلدا يعيش في ظل الدكتاتورية، بل هي دولة ديمقراطية عن حق، وأنها ليست بلدا متخلفا اقتصاديا، وإنما اقتصادها صار يوازي الاقتصاد الألماني ودخل مصاف الاقتصادات الخمسة الأقوى في العالم. كما يؤكد أنه وخلافا لما يشيعه الخصماء، فإن روسيا لا تعاني أي مشكلة ديمغرافية، وليست بلدا إمبرياليا متسلطا، ولا تناصب العداء لفرنسا وأوروبا عموما".

ودليل صحة التحليل الذي وضعه إيفان بلو في كتابه، فقد أصبحت روسيا ملاذا للكثير من الشخصيات الفنية والأدبية الغربية، إذ تنعكس الآية في وقتنا الراهن وتتبدد غيوم الكذب والنفاق ويتضح للناس في العالم أن روسيا لا ترزح تحت سطوة "دكتاتور مستبد"، بل صارت واحة قانون وديمقراطية حقيقية تمتد بين قارتين على مساحة أكثر من 17 مليون كم بما فيها من ظروف للعمل والاستثمار وفرص على جميع الأصعدة.

وتأكيدا لما أشار إليه إيفان بلو في كتابه الذي يترقب الفرنسيون صدوره مطلع العام المقبل، يبدو للمتابع ورغم ما تصبه الدعاية الغربية والصديقة لها على روسيا وزعيمها من افتراءات، أن ما يتحدث عنه الكتاب حقيقة بينة، وهذا ما يبرر شغف المشاهد والقارئ الغربي وفضوله لمعرفة أي شيء عن روسيا، إذ لا يكاد يصدق ما تسمعه أذناه عنها، وما تراه عيناه لما هي عليه من قمع وتعاسة وتكميم للأفواه وتقييد للحريات حسب وسائل "إعلام" غربية ومنحازة.

القارئ والمشاهد الغربي والعربي أيضا، صار يتتبع وسائل الإعلام الروسية بحثا فيها عن صورة قد تكون حقيقية ومغايرة لما يشاع عن روسيا، وهذا ما يسوغ أيضا ولوج قناة RT الروسية نادي كبريات وسائل الإعلام العالمية.

فالقناة المذكورة باتت في الصدارة من حيث عدد المشاهدين والقراء والمتابعين، وهذا ما اعترف به الكونغرس الأمريكي الذي كرس جلسة خاصة مؤخرا لبحث السبب من وراء نفوذ الإعلام الروسي واتساع رواجه في فترة وجيزة، فيما استغرقت وسائل الإعلام الأمريكية عقودا من الزمن قبل أن تدرك مستوى كهذا من الشهرة.

واشنطن وحلفاؤها الغربيون ومنذ الانتصارات التي عادت لتحرزها روسيا في حديقتها الخلفية وعلى الساحة الدولية مع مطلع الألفية حتى اليوم، تسعى جاهدة لتزوير أي حقيقة مرة بالنسبة إلى الغرب عن روسيا.

ففي اليوم التالي للعدوان الذي شنته جورجيا وهي "دولة ديمقراطية ومحبة لحقوق الانسان ورافضة لنهج الإذعان لروسيا وقيادتها الإمبرالية"، تناقلت قنوات الغرب وفي مقدمتها CNN الأمريكية على أحر من الجمر العواجل والأشرطة الإخبارية المثيرة المرفقة بتسجيلات تظهر الدبابات الروسية وهي "تجتاح أراضي أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا الآمنة" دون إنذار مسبق وبلا أي سبب.

هذه القنوات تجاهلت نيران صواريخ "غراد" ليلا، لكنها كانت بالمرصاد لدبابات روسية دحرت المعتدين وطاردتهم من حيث جاؤوا إلى تبليسي عينها. تغطية هذه الحرب "الخاطفة" كما سماها ساكاشفيلي "لاسترداد الأراضي الجورجية"، والتي سمتها روسيا "عملية إرغام جورجيا على السلام"، وقعت على عاتق الإعلام الروسي حينها ليضع بذلك نقطة انطلاق سريع له ولتعجز دور الدعاية الغربية والتابعة عن إسكاته أو تعطيله. فروسيا تفصح عبر إعلامها بصوت عال في العالم وتدحض الصورة المزيفة، بلا تحريف اعتاد عليه العالم في الآونة الأخيرة وإبان ما سمي بـ"الثورات الملونة"، و"الربيع" العربي من معظم وسائل الإعلام النظيرة وفي مقدمتها الغربية والتابعة.

ومنه، فموسكو تؤكد أن "روسيا بوتين" كتاب يترقب العالم صدوره في فرنسا، وأن بوتين رئيس منتخب لبلد عصري قوي ومتحضر أبى التبعية والانزلاق إلى دهاليز ديمقراطية ابتدعها إباحيو السياسة والمثلية لتحقيق غاياتهم، كما ابتدع السفاحون والقتلة "شريعة إسلامية" يحكم بها "داعش" أراض عراقية وسورية تساوي مساحة بريطانيا بأكملها لغايات مشابهة. 

  • فريق ماسة
  • 2015-12-17
  • 10596
  • من الأرشيف

"روسيا بوتين"

حينما يقرأ البعض هذه العبارة يتبادر إلى أذهانهم ونتيجة تضليل برعت فيه دوائر الدعاية الغربية أن روسيا تخضع لحكم "دكتاتور" هو بوتين وأنها بالكاد تأكل بعد أن عاندت واشنطن وقارعتها. كما يبدو للبعض من هذا العبارة أيضا، أنها معلقة إلى جانب صور الرئيس الروسي في جميع أنحاء البلاد وفي دوائرها الحكومية، وجملة إلزامية يتم تدوينها في المطبوعات المدرسية، كما أنها ملصقة على جدران المقاهي العامة والنوادي الليلية، وفي أروقة وسائل الإعلام تلبية لأمر أعلى، من يتقاعس في تنفيذه يكون مصيره الضياع والاختفاء في غياهب السجون. والواقع، فإن هاتين الكلمتين ليستا إلا تسمية لكتاب عرضه مؤخرا رجل الدولة الفرنسي المخضرم، والكاتب الصحفي إيفان بلو، وضع فيه وصفا موضوعيا ومستقلا لجوانب الحياة في روسيا، وتطورها التاريخي وما تشهده من تحولات منذ وصول فلاديمير بوتين إلى السلطة مطلع الألفية. فالكتاب يتطرق إلى السياستين الداخلية والخارجية، وإلى الأوضاع الاقتصادية وحال الجيش والدفاع، فضلا عن الكنيسة والأديان الأخرى في روسيا ودورها في إطار الدولة والمجتمع الروسيين. صاحب الكتاب وفضلا عن المناصب الحكومية والبرلمانية الرفيعة التي تبوأها، يعمل مستشارا لنيقولا ساركوزي الرئيس الفرنسي السابق، زعيم حزب "الجمهوريين المعارض" الأوفر حظا في الفوز بالانتخابات الفرنسية المقبلة، وعودة زعيمه الى كرسي الرئاسة في الإليزيه. وبعد التحليل المعمق الذي وضعه إيفان بلو في الكتاب، وبفضل الخبرة الكبيرة التي تكدست لديه في مناصبه السابقة، خلص إلى أن فلاديمير بوتين زعيم لروسيا المعاصرة بكل ما يحمله هذا الوصف من معنى، وأشار إلى أن هذا الاستنتاج نابع من متابعة جميع التطورات في روسيا منذ دخول بوتين الكرملين وتسلمه مقاليد السلطة. ويؤكد إيفان بلو أن روسيا "ليست بلدا يعيش في ظل الدكتاتورية، بل هي دولة ديمقراطية عن حق، وأنها ليست بلدا متخلفا اقتصاديا، وإنما اقتصادها صار يوازي الاقتصاد الألماني ودخل مصاف الاقتصادات الخمسة الأقوى في العالم. كما يؤكد أنه وخلافا لما يشيعه الخصماء، فإن روسيا لا تعاني أي مشكلة ديمغرافية، وليست بلدا إمبرياليا متسلطا، ولا تناصب العداء لفرنسا وأوروبا عموما". ودليل صحة التحليل الذي وضعه إيفان بلو في كتابه، فقد أصبحت روسيا ملاذا للكثير من الشخصيات الفنية والأدبية الغربية، إذ تنعكس الآية في وقتنا الراهن وتتبدد غيوم الكذب والنفاق ويتضح للناس في العالم أن روسيا لا ترزح تحت سطوة "دكتاتور مستبد"، بل صارت واحة قانون وديمقراطية حقيقية تمتد بين قارتين على مساحة أكثر من 17 مليون كم بما فيها من ظروف للعمل والاستثمار وفرص على جميع الأصعدة. وتأكيدا لما أشار إليه إيفان بلو في كتابه الذي يترقب الفرنسيون صدوره مطلع العام المقبل، يبدو للمتابع ورغم ما تصبه الدعاية الغربية والصديقة لها على روسيا وزعيمها من افتراءات، أن ما يتحدث عنه الكتاب حقيقة بينة، وهذا ما يبرر شغف المشاهد والقارئ الغربي وفضوله لمعرفة أي شيء عن روسيا، إذ لا يكاد يصدق ما تسمعه أذناه عنها، وما تراه عيناه لما هي عليه من قمع وتعاسة وتكميم للأفواه وتقييد للحريات حسب وسائل "إعلام" غربية ومنحازة. القارئ والمشاهد الغربي والعربي أيضا، صار يتتبع وسائل الإعلام الروسية بحثا فيها عن صورة قد تكون حقيقية ومغايرة لما يشاع عن روسيا، وهذا ما يسوغ أيضا ولوج قناة RT الروسية نادي كبريات وسائل الإعلام العالمية. فالقناة المذكورة باتت في الصدارة من حيث عدد المشاهدين والقراء والمتابعين، وهذا ما اعترف به الكونغرس الأمريكي الذي كرس جلسة خاصة مؤخرا لبحث السبب من وراء نفوذ الإعلام الروسي واتساع رواجه في فترة وجيزة، فيما استغرقت وسائل الإعلام الأمريكية عقودا من الزمن قبل أن تدرك مستوى كهذا من الشهرة. واشنطن وحلفاؤها الغربيون ومنذ الانتصارات التي عادت لتحرزها روسيا في حديقتها الخلفية وعلى الساحة الدولية مع مطلع الألفية حتى اليوم، تسعى جاهدة لتزوير أي حقيقة مرة بالنسبة إلى الغرب عن روسيا. ففي اليوم التالي للعدوان الذي شنته جورجيا وهي "دولة ديمقراطية ومحبة لحقوق الانسان ورافضة لنهج الإذعان لروسيا وقيادتها الإمبرالية"، تناقلت قنوات الغرب وفي مقدمتها CNN الأمريكية على أحر من الجمر العواجل والأشرطة الإخبارية المثيرة المرفقة بتسجيلات تظهر الدبابات الروسية وهي "تجتاح أراضي أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا الآمنة" دون إنذار مسبق وبلا أي سبب. هذه القنوات تجاهلت نيران صواريخ "غراد" ليلا، لكنها كانت بالمرصاد لدبابات روسية دحرت المعتدين وطاردتهم من حيث جاؤوا إلى تبليسي عينها. تغطية هذه الحرب "الخاطفة" كما سماها ساكاشفيلي "لاسترداد الأراضي الجورجية"، والتي سمتها روسيا "عملية إرغام جورجيا على السلام"، وقعت على عاتق الإعلام الروسي حينها ليضع بذلك نقطة انطلاق سريع له ولتعجز دور الدعاية الغربية والتابعة عن إسكاته أو تعطيله. فروسيا تفصح عبر إعلامها بصوت عال في العالم وتدحض الصورة المزيفة، بلا تحريف اعتاد عليه العالم في الآونة الأخيرة وإبان ما سمي بـ"الثورات الملونة"، و"الربيع" العربي من معظم وسائل الإعلام النظيرة وفي مقدمتها الغربية والتابعة. ومنه، فموسكو تؤكد أن "روسيا بوتين" كتاب يترقب العالم صدوره في فرنسا، وأن بوتين رئيس منتخب لبلد عصري قوي ومتحضر أبى التبعية والانزلاق إلى دهاليز ديمقراطية ابتدعها إباحيو السياسة والمثلية لتحقيق غاياتهم، كما ابتدع السفاحون والقتلة "شريعة إسلامية" يحكم بها "داعش" أراض عراقية وسورية تساوي مساحة بريطانيا بأكملها لغايات مشابهة. 

المصدر : روسيا اليوم / صفوان ابو حلا


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة