دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
تستدعي الرياض على عجل أربعاً وثلاثين دولة إسلامية لتشكيل تحالف ضد الإرهاب. ويقول وزير دفاعها إن المشاورات بشأن التحالف تمّت خلال الساعات الاثنتين والسبعين التي سبقت إعلان الاستدعاء.
واشنطن تعتبر أن التحالف المفاجئ لا يخرج عن سياق دعواتها المتكررة لحشد مزيد من (السُنّة) في الحرب على الارهاب التي باتت حرباً عالمية، تتداخل فيها الجبهات الاقتصادية والعسكرية والإعلامية، ومع ذلك تبقى أزمة سُنية بالنسبة للعقل الأميركي الاستشراقي.
بإعلان التحالف أحرجت الرياض الدول المشاركة فيه، التي لم تسمع بالأمر إلا من الإعلام. في بيروت شكر اللبنانيون أنفسهم أن حكومتهم في غيبوبة، وإلا كانت مشاركة لبنان أو عدمها، فجّرت مجلس الوزراء المغيّب. على كل حال، فلبنان يؤدي قسطه في الحرب المذكورة، من دون الحاجة إلى تحالفات، وحقق إنجازات نوعية أكان على الساحة اللبنانية أو السورية.
الرياض لم تكتفِ بإحراج حلفائها في «منظمة التعاون الاسلامي»، بل تسير عكس التيار في الحرب على الإرهاب. فالإعلان عن التحالف الجديد لا أساس له حتى اللحظة، إلا المؤتمر الصحافي منتصف الليل لوزير الدفاع السعودي وولي ولي العهد محمد بن سلمان. وهو يتزامن مع الإعلان الأميركي الروسي المشترك عن لائحة منظمات إرهابية يجري وضع أعضائها في دائرة الهدف. والأغرب أن التحالف يأتي أيضاً بعد يومين من مؤتمر للمعارضة السورية استضافته العاصمة السعودية، حشد مجموعة لا بأس بها ممن مفترض بهم أن يتصدروا لائحة الإرهابيين المستهدفين.
من الممتع انتظار أن تحوّل السعودية تحالفها الجديد الى واقع عملي، نزولاً عند رغبات واشنطن التي يجول وزير دفاعها أشتون كارتر بين ربوعنا بحثاً عن بنادق تقاتل «الإرهاب». فتنتظم القوات السعودية مع نظيراتها التركية والتشادية والتوغية والبينينية والمالديفية والمصرية وجزر القمرية في غرفة عمليات وسط الرياض، لتدير المعارك ضد «داعش» و «النصرة» وغيرهما من مجموعات «قاعدية».
ليس انتقاصاً من السعودية. المملكة لها تجربة واسعة في التحالفات. حشدت ضد اليمن عشرات الدول تحت غطاء من الشرعية الدولية التي وفّرها مجلس الأمن. لكن التحالف ضد اليمن الذي ضيّق على «الحوثيين» من جهة، فتح مساحات واسعة من البلاد من عدن الى حضرموت، وسلّمها إلى «قاعدة» الجزيرة. من الصعب أن تكون السعودية على الضفة المقابلة للإرهابيين، عند الحديث عن حرب فعلية ضد الإرهاب.
روسيا أبدت تصميماً في حربها على الإرهاب لا لبس فيه، وقصفت مواقع لـ «داعش». أما اذا أرسلت السعودية قوات من «التحالف» الإسلامي الى سوريا، فمَن ستحارب؟ سعوديين آخرين؟ أمرٌ مستبعَد. من الأسهل إن كانت جدية في حملتها الجديدة، أن تبدأ بإغلاق مصادر التمويل شبه الرسمية وحملات التبرّع الشعبية المموّلة للارهـابيين، وأن تخفف التحريض في المــــساجد، وأن تلطّف لهجة الدعاة في عشرات وسائل الاعلام، وأن تمنع توجّه الشـــباب السعودي إلى القتال في سوريا. لا يكفي التهديد بمحاكمتهم عندما يعودون.
إلى الآن، وقبل جلاء النيات الخفية، فإن «تحالف» الرياض تشويش على المبادرات الأميركية ـ الروسية عشية انعقاد المؤتمر حول سوريا في نيويورك. يبقى السؤال: هل يسمح حجم التنسيق الأميركي الروسي الأوروبي لا بل العالمي في الحرب على الإرهاب بتشويش سعودي، ولو بحجم متواضع بمستوى مؤتمرات وتحالفات على ورق؟ أم أن السعودية تتغيّر فعلياً؟
المصدر :
منير الخطيب- السفير
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة