تتوالى المفاجآت القادمة من المملكة العربية السعودية، فبعد يوم من الاعلان عن قيام (تحالف اسلامي) لمكافحة الارهاب،ها هي السلطات السعودية تعلن عن رفع استثماراتها لمصر الى ما يقرب من الثمانية مليار دولار، وتوفير احتياجاتها من النفط لخمس سنوات، ودعم حركة النقل في قناة السويس من قبل السفن السعودية.

هذا الدعم السخي والمفاجيء للرئيس عبد الفتاح السيسي واقتصاد بلاده يأتي بعد فترة ركود وبرود في العلاقات بين البلدين، بدأت بعد وفاة العاهل السعودي عبدالله بن عبد العزيز، وتولي الملك سلمان بن عبد العزيز السلطة في آذار (مارس) الماضي.

من الواضح ان تغييرا كبيرا في السياسات السعودية كان خلف هذا الدعم، وبهدف كسب مصر الى المعسكر السعودي الذي يواجه حرب استنزاف في اليمن مستمرة منذ تسعة اشهر، دون تحقيق نجاحات كبيرة، رغم القصف الجوي المتواصل والحشود البرية في ميادين القتال.

فمنذ اليوم الاول لوصول الملك سلمان الى الحكم قرر الانضمام الى التحالف التركي القطري، والابتعاد عن المحور الاماراتي المصري، وبات اكثر قربا من حركة “الاخوان المسلمين” الذي وضعها العاهل الراحل الملك عبدالله بن عبد العزيز على قائمة الارهاب، وكان هذا الانقلاب في التحالفات السعودية سببا رئيسيا للفتور في العلاقة مع مصر، وتجميد المساعدات المالية السعودية لها.

الرئيس السيسي رد على هذا الانقلاب السعودي بقيادة الملك سلمان بعدم المشاركة عمليا في التحالف العربي الذي تقوده السعودية في حرب اليمن، وامتنع عن ارسال قوات للمشاركة في الحرب ضد التحالف “الحوثي الصالحي”، على غرار ما فعلت دول عديدة مثل الامارات وقطر والسودان، ودخل في تحالف مواز مع كل من الاردن ودولة الامارات العربية المتحدة، اتخذ مواقف مؤيدة لبقاء الرئيس الاسد، وتوثيق العلاقات مع موسكو الداعم الرئيسي للاخير، واستقبل وزيرا سوريا لاول مرة في القاهرة منذ خمس سنوات، ودعم المعارضة الليبرالية المضادة لحركة الاخوان.

فهل هذا الدعم السعودي السخي الذي جاء اثناء زيارة الامير محمد بن سلمان ولي ولي العهد، وزير الدفاع، ونجل العاهل السعودي للقاهرة يعني خروج السعودية من التحالف الذي كان يضمها مع تركيا وقطر، والعودة الى التحالف المصري الاماراتي السابق؟ وهل هذا يعني التماهي مع الحليف الجديد القديم في سياساته المعادية لحركة “الاخوان المسلمين”؟

سؤال آخر لا يمكن تجنبه يتعلق بالثمن السياسي، وربما العسكري، الذي حصلت عليه السلطات السعودية مقابل هذه المساعدات المالية والانقلاب في التحالفات؟ بمعنى آخر هل سنرى قوات مصرية تطير الى اليمن وتنضم الى قوات التحالف السعودي في الحرب، خاصة ان الاخيرة لم تحقق هدفها في استعادة تعز ومأرب وباب المندب، ناهيك عن صنعاء من القوات “الحوثية الصالحية”؟

السعودية بحاجة ماسة الى مصر لتعزيز التحالف العسكري الجديد الذي اسسته بقيادتها من 34 دولة، لمكافحة الارهاب، ومن الواضح ان الرئيس السيسي يدرك هذه الحاجة السعودية جيدا، ولعب اوراقه بعناية فائقة للضغط على الرياض لتغيير موقفها، والابتعاد عن المحور القطري التركي، بما في ذلك استخدام سلاح الاعلام، والمساعدات المالية المعلن عنها هي احد ثمار هذا الضغط.

من المؤكد ان هذا الانقلاب سيصيب كل من الحكومتين القطرية والتركية بحالة من الصدمة، واذا كانت السلطات القطرية تلتزم الكتمان والهدوء الحذر، ومجاراة السعودية، هذه الايام وتتجنب التعبير عن مشاعرها على عكس سيرتها السابقة، فان تركيا بدأت تعبر عن هذه الصدمة بأعلى صوتها، عندما اعلن رئيسها رجب طيب اردوغان ان بلاده لن ترسل قوات للانضمام الى التحالف السعودي الاسلامي الجديد ضد الارهاب.

هذه التقلبات في التحالفات السعودية تعكس حالة من الارتباك بسبب تعثر “الحزم” في حربها في اليمن، والاتهامات التي تلاحقها من قبل حكومات غربية بدعم الارهاب وجماعاته في سورية، بشكل مباشر او غير مباشر، وخاصة كل من “داعش” و”جبهة النصرة”.

من المبكر اطلاق احكام مسبقة على مدى نجاعة هذا الانقلاب السياسي السعودي، فما زال في ساعاته الاولى، وما علينا الا انتظار الخطوة المقبلة للرئيس السيسي في الملف اليمني، من حيث ارساله قوات الى اليمن، او الاستمرار في حال الحذر، وتجنب الوقوع في هذه المصيدة، وحينها لكل حادث حديث.

  • فريق ماسة
  • 2015-12-16
  • 8624
  • من الأرشيف

لماذا هذا السخاء السعودي المفاجيء في تقديم المساعدات لمصر؟

تتوالى المفاجآت القادمة من المملكة العربية السعودية، فبعد يوم من الاعلان عن قيام (تحالف اسلامي) لمكافحة الارهاب،ها هي السلطات السعودية تعلن عن رفع استثماراتها لمصر الى ما يقرب من الثمانية مليار دولار، وتوفير احتياجاتها من النفط لخمس سنوات، ودعم حركة النقل في قناة السويس من قبل السفن السعودية. هذا الدعم السخي والمفاجيء للرئيس عبد الفتاح السيسي واقتصاد بلاده يأتي بعد فترة ركود وبرود في العلاقات بين البلدين، بدأت بعد وفاة العاهل السعودي عبدالله بن عبد العزيز، وتولي الملك سلمان بن عبد العزيز السلطة في آذار (مارس) الماضي. من الواضح ان تغييرا كبيرا في السياسات السعودية كان خلف هذا الدعم، وبهدف كسب مصر الى المعسكر السعودي الذي يواجه حرب استنزاف في اليمن مستمرة منذ تسعة اشهر، دون تحقيق نجاحات كبيرة، رغم القصف الجوي المتواصل والحشود البرية في ميادين القتال. فمنذ اليوم الاول لوصول الملك سلمان الى الحكم قرر الانضمام الى التحالف التركي القطري، والابتعاد عن المحور الاماراتي المصري، وبات اكثر قربا من حركة “الاخوان المسلمين” الذي وضعها العاهل الراحل الملك عبدالله بن عبد العزيز على قائمة الارهاب، وكان هذا الانقلاب في التحالفات السعودية سببا رئيسيا للفتور في العلاقة مع مصر، وتجميد المساعدات المالية السعودية لها. الرئيس السيسي رد على هذا الانقلاب السعودي بقيادة الملك سلمان بعدم المشاركة عمليا في التحالف العربي الذي تقوده السعودية في حرب اليمن، وامتنع عن ارسال قوات للمشاركة في الحرب ضد التحالف “الحوثي الصالحي”، على غرار ما فعلت دول عديدة مثل الامارات وقطر والسودان، ودخل في تحالف مواز مع كل من الاردن ودولة الامارات العربية المتحدة، اتخذ مواقف مؤيدة لبقاء الرئيس الاسد، وتوثيق العلاقات مع موسكو الداعم الرئيسي للاخير، واستقبل وزيرا سوريا لاول مرة في القاهرة منذ خمس سنوات، ودعم المعارضة الليبرالية المضادة لحركة الاخوان. فهل هذا الدعم السعودي السخي الذي جاء اثناء زيارة الامير محمد بن سلمان ولي ولي العهد، وزير الدفاع، ونجل العاهل السعودي للقاهرة يعني خروج السعودية من التحالف الذي كان يضمها مع تركيا وقطر، والعودة الى التحالف المصري الاماراتي السابق؟ وهل هذا يعني التماهي مع الحليف الجديد القديم في سياساته المعادية لحركة “الاخوان المسلمين”؟ سؤال آخر لا يمكن تجنبه يتعلق بالثمن السياسي، وربما العسكري، الذي حصلت عليه السلطات السعودية مقابل هذه المساعدات المالية والانقلاب في التحالفات؟ بمعنى آخر هل سنرى قوات مصرية تطير الى اليمن وتنضم الى قوات التحالف السعودي في الحرب، خاصة ان الاخيرة لم تحقق هدفها في استعادة تعز ومأرب وباب المندب، ناهيك عن صنعاء من القوات “الحوثية الصالحية”؟ السعودية بحاجة ماسة الى مصر لتعزيز التحالف العسكري الجديد الذي اسسته بقيادتها من 34 دولة، لمكافحة الارهاب، ومن الواضح ان الرئيس السيسي يدرك هذه الحاجة السعودية جيدا، ولعب اوراقه بعناية فائقة للضغط على الرياض لتغيير موقفها، والابتعاد عن المحور القطري التركي، بما في ذلك استخدام سلاح الاعلام، والمساعدات المالية المعلن عنها هي احد ثمار هذا الضغط. من المؤكد ان هذا الانقلاب سيصيب كل من الحكومتين القطرية والتركية بحالة من الصدمة، واذا كانت السلطات القطرية تلتزم الكتمان والهدوء الحذر، ومجاراة السعودية، هذه الايام وتتجنب التعبير عن مشاعرها على عكس سيرتها السابقة، فان تركيا بدأت تعبر عن هذه الصدمة بأعلى صوتها، عندما اعلن رئيسها رجب طيب اردوغان ان بلاده لن ترسل قوات للانضمام الى التحالف السعودي الاسلامي الجديد ضد الارهاب. هذه التقلبات في التحالفات السعودية تعكس حالة من الارتباك بسبب تعثر “الحزم” في حربها في اليمن، والاتهامات التي تلاحقها من قبل حكومات غربية بدعم الارهاب وجماعاته في سورية، بشكل مباشر او غير مباشر، وخاصة كل من “داعش” و”جبهة النصرة”. من المبكر اطلاق احكام مسبقة على مدى نجاعة هذا الانقلاب السياسي السعودي، فما زال في ساعاته الاولى، وما علينا الا انتظار الخطوة المقبلة للرئيس السيسي في الملف اليمني، من حيث ارساله قوات الى اليمن، او الاستمرار في حال الحذر، وتجنب الوقوع في هذه المصيدة، وحينها لكل حادث حديث.

المصدر : الماسة السورية/ رأي اليوم


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة