لم تؤخذ على محمل الجد «البيعات» المتتالية التي كان تنظيم «داعش» يحصل عليها من بعض الجماعات المنتشرة في أصقاع العالم، ويعلن بناء عليها تأسيس «ولايات» تابعة له في المدن التي تتواجد فيها هذه الجماعات.

وإذا كانت نبرة الاستهتار والسخرية التي صدرت عن بعض خصوم التنظيم، ردّاً على ما يتلقّاه من مبايعات مفهومة لأسباب عدة، فإن تجاهل أجهزة الاستخبارات لمثل هذه التطورات وعدم الاهتمام بها، يثير الريبة والشك، خاصة في هذه الآونة التي يتصاعد فيها الحديث عن خطر توسع «داعش» في ليبيا.

وحدث أول تمدد لتنظيم «داعش» خارج حدود سوريا والعراق بعد نحو أربعة أشهر من إعلان «دولة الخلافة» في 29 حزيران من العام 2014. حيث خرج زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي في 13 تشرين الثاني في العام 2014 بتسجيل صوتي صادر عن «مؤسسة الفرقان» بعنوان «ولو كره الكافرون» أعلن فيه قبوله «بيعات» في بلدان عديدة، هي السعودية واليمن ومصر وليبيا والجزائر. وقال فيه «إننا نبشركم بإعلان تمدد الدولة الإسلامية إلى بلدان جديدة، إلى بلاد الحرمين واليمن، وإلى مصر وليبيا والجزائر، ونعلن قبول بيعة من بايعنا من إخواننا في تلك البلدان، وإلغاء أسماء الجماعات فيها، وإعلانها ولايات جديدة للدولة الإسلامية، وتعيين ولاة عليها». بالرغم من تشكيك الكثيرين بجدّية هذه البيعات، إلا أن الوقائع أثبتت ليس جديتها فحسب، بل مدى خطورتها وتأثيرها على الأحداث في بعض الدول. صحيح أن التمدد إلى الجزائر لم ينتج عنه أي تأثير سوى بعض الإشكالات الأمنية المسيطر عليها، ولم تستطع جماعة «جند الخلافة» أن تُحدث أي فارق واختفى ذكرها مؤخراً بعد الضربات التي تعرضت لها على يد قوى الأمن الجزائري، لكن من الصحيح أيضاً أن التمدد إلى باقي الدول كان تأثيره مدوياً.

ففي السعودية بدأت التفجيرات الانتحارية تطال المساجد وبعض النقاط الحدودية، وفي اليمن أصبح للتنظيم تواجد قوي ومنظم، حيث أعلن عن ولايات عدة هناك أهمها «ولاية عدن» و»ولاية حضرموت»، كما نفّذ عمليات نوعية عدة. وفي مصر أعلن تنظيم «أكناف بيت المقدس»، بعد قبول «بيعته» من قبل البغدادي، عن تحوله إلى «ولاية سيناء». ولم تمض أسابيع عدة حتى لوحظ الفارق النوعي لأداء «أكناف بيت المقدس» عما كان عليه قبل «البيعة»، وهو ما فُسّر على أنه دليل على وصول الكوادر والخبرات من سوريا والعراق إلى سيناء، التي كانت بصمتها واضحة في العمليات الجديدة التي قامت بها «ولاية سيناء»، وأبرز هذه العمليات إسقاط الطائرة المدنية الروسية، والهجمات المنسّقة والواسعة التي نُفِّذت ضد عشرات المواقع التابعة لقوات الأمن المصرية.

أما في ليبيا، فالأمر كان مختلفاً عن بقية هذه الدول، لأن التنظيم لم يكتف بتحسين أداء الجماعات التي قدمت «البيعة» له فحسب، بل تمكن من السيطرة على بعض المدن والمناطق، وأعلن عن تأسيس ثلاث ولايات له هي برقة وطرابلس وفازان. وأثار توسع نفوذ التنظيم في مدينة سرت مؤخراً قلق العديد من الدول التي رأت أنه يهدد أمنها الوطني، خاصة بعد توارد التقارير التي تتحدث عن ازدياد أعداد «المقاتلين الأجانب» الذين يقصدون سرت، وهو ما اعتبره البعض مؤشراً على نية التنظيم اتخاذ هذه المدينة مركزاً أساسياً له، بسبب خوفه من فقدان مدينة الرقة في سوريا جراء الضغوط العسكرية التي يتعرض لها، بل إن البعض تحدث عن وصول زعيم التنظيم نفسه إلى سرت.

ويثير هذا التصاعد المفاجئ في الحديث عن خطورة توسع التنظيم في ليبيا، العديد من الشكوك لجهة أسبابه وتوقيته، خاصةً أن توافد قيادات «داعش» من سوريا والعراق إلى ليبيا، وسرت تحديداً، لم يحدث بين ليلة وضحاها، بل هو مستمر منذ بداية العام الحالي. وقد كانت «السفير» أشارت في تقرير حمل عنوان ليبيا مقصد كبار قادة «الدولة الإسلامية» نشر بتاريخ 30 أيار الماضي، إلى وصول عدد من قيادات «داعش» إلى ليبيا، أبرزهم القيادي المعروف أبو أيمن العراقي والشيخ البحريني تركي البنعلي، وأبو نبيل الأنباري الذي قتل مؤخراً بحسب الجيش الأميركي، علماً أنه بتاريخ نشر التقرير كانت واشنطن تدّعي أنها قتلت الأنباري في العراق.

ولم يتوقف تمدد تنظيم «داعش» بعد ذلك. بل حصل على «بيعات» جديدة أتاحت له تحقيق مزيد من التوسع والسيطرة خارج سوريا والعراق. وكان أضخم هذه «البيعات» تلك التي جاءت من نيجيريا، حيث أعلن زعيم جماعة «أهل السنة للدعوة والجهاد» المعروفة إعلامياً باسم «بوكو حرام» أبو بكر الشكاوي، في آذار الماضي، عن مبايعته لزعيم «داعش» البغدادي، ليخرج المتحدث الرسمي باسم التنظيم أبو محمد العدناني بعد أيام قليلة ويعلن قبول «البيعة» وتأسيس ولاية «غرب أفريقيا». وثمة مخاوف تعبر عنها بعض الجهات من أن أي تقارب بين «بوكو حرام» و «داعش ليبيا» سيشكل خطراً على القارة الأفريقية.

لكن الخطر الأكبر يتمثل في وقوف «داعش» على أعتاب القارة الأوروبية، التي لم يعد يفصله عنها سوى رحلة على متن قارب، وما يزيد من نسبة الخطر وجود آلاف المقاتلين الأوروبيين في صفوفه.

كما أعلن التنظيم في حزيران الماضي تأسيس «ولاية القوقاز»، بعد حصوله على «بيعات» من قادة مجموعات في «أنغوشيا والشيشان وداغستان».

لكن التمدد الذي يُعدّ الأكثر حساسية وأهمية هو تمدد «داعش» في أفغانستان، لما يمثله ذلك من تحدّ لتنظيم «القاعدة» و «الإمارة الإسلامية» التي يتبع لها في عقر دارهما، مع ما يشكله ذلك من امتداد الصراع، الذي اندلع بين الطرفين في سوريا، ووصول نيرانه إلى معقل «القاعدة» التاريخي. وبالفعل فقد أدّى إعلان التنظيم في كانون الثاني من العام الحالي عن استحداث ما اسماها «ولاية خراسان»، التي تشمل أراضي موزعة بين أفغانستان وباكستان، إلى اندلاع الاشتباكات بين الطرفين في أكثر من منطقة، وخاصة في ننجرهار. ورغم أن إعلان التمدد إلى أفغانستان قوبل بعاصفة من السخرية من قبل أنصار «القاعدة»، إلا أن التنظيم أثبت أنه يتمتع بقوة لا يستهان بها في المنطقة، لاسيما وفاة الملا عمر زعيم «الإمارة الإسلامية» أدت إلى انقسام في صفوف حركة «طالبان» وهو ما استغله التنظيم لتعزيز صفوفه.

  • فريق ماسة
  • 2015-12-14
  • 13361
  • من الأرشيف

إرهاب «داعش» من بلاد الشام والرافدين إلى.. العالم!

لم تؤخذ على محمل الجد «البيعات» المتتالية التي كان تنظيم «داعش» يحصل عليها من بعض الجماعات المنتشرة في أصقاع العالم، ويعلن بناء عليها تأسيس «ولايات» تابعة له في المدن التي تتواجد فيها هذه الجماعات. وإذا كانت نبرة الاستهتار والسخرية التي صدرت عن بعض خصوم التنظيم، ردّاً على ما يتلقّاه من مبايعات مفهومة لأسباب عدة، فإن تجاهل أجهزة الاستخبارات لمثل هذه التطورات وعدم الاهتمام بها، يثير الريبة والشك، خاصة في هذه الآونة التي يتصاعد فيها الحديث عن خطر توسع «داعش» في ليبيا. وحدث أول تمدد لتنظيم «داعش» خارج حدود سوريا والعراق بعد نحو أربعة أشهر من إعلان «دولة الخلافة» في 29 حزيران من العام 2014. حيث خرج زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي في 13 تشرين الثاني في العام 2014 بتسجيل صوتي صادر عن «مؤسسة الفرقان» بعنوان «ولو كره الكافرون» أعلن فيه قبوله «بيعات» في بلدان عديدة، هي السعودية واليمن ومصر وليبيا والجزائر. وقال فيه «إننا نبشركم بإعلان تمدد الدولة الإسلامية إلى بلدان جديدة، إلى بلاد الحرمين واليمن، وإلى مصر وليبيا والجزائر، ونعلن قبول بيعة من بايعنا من إخواننا في تلك البلدان، وإلغاء أسماء الجماعات فيها، وإعلانها ولايات جديدة للدولة الإسلامية، وتعيين ولاة عليها». بالرغم من تشكيك الكثيرين بجدّية هذه البيعات، إلا أن الوقائع أثبتت ليس جديتها فحسب، بل مدى خطورتها وتأثيرها على الأحداث في بعض الدول. صحيح أن التمدد إلى الجزائر لم ينتج عنه أي تأثير سوى بعض الإشكالات الأمنية المسيطر عليها، ولم تستطع جماعة «جند الخلافة» أن تُحدث أي فارق واختفى ذكرها مؤخراً بعد الضربات التي تعرضت لها على يد قوى الأمن الجزائري، لكن من الصحيح أيضاً أن التمدد إلى باقي الدول كان تأثيره مدوياً. ففي السعودية بدأت التفجيرات الانتحارية تطال المساجد وبعض النقاط الحدودية، وفي اليمن أصبح للتنظيم تواجد قوي ومنظم، حيث أعلن عن ولايات عدة هناك أهمها «ولاية عدن» و»ولاية حضرموت»، كما نفّذ عمليات نوعية عدة. وفي مصر أعلن تنظيم «أكناف بيت المقدس»، بعد قبول «بيعته» من قبل البغدادي، عن تحوله إلى «ولاية سيناء». ولم تمض أسابيع عدة حتى لوحظ الفارق النوعي لأداء «أكناف بيت المقدس» عما كان عليه قبل «البيعة»، وهو ما فُسّر على أنه دليل على وصول الكوادر والخبرات من سوريا والعراق إلى سيناء، التي كانت بصمتها واضحة في العمليات الجديدة التي قامت بها «ولاية سيناء»، وأبرز هذه العمليات إسقاط الطائرة المدنية الروسية، والهجمات المنسّقة والواسعة التي نُفِّذت ضد عشرات المواقع التابعة لقوات الأمن المصرية. أما في ليبيا، فالأمر كان مختلفاً عن بقية هذه الدول، لأن التنظيم لم يكتف بتحسين أداء الجماعات التي قدمت «البيعة» له فحسب، بل تمكن من السيطرة على بعض المدن والمناطق، وأعلن عن تأسيس ثلاث ولايات له هي برقة وطرابلس وفازان. وأثار توسع نفوذ التنظيم في مدينة سرت مؤخراً قلق العديد من الدول التي رأت أنه يهدد أمنها الوطني، خاصة بعد توارد التقارير التي تتحدث عن ازدياد أعداد «المقاتلين الأجانب» الذين يقصدون سرت، وهو ما اعتبره البعض مؤشراً على نية التنظيم اتخاذ هذه المدينة مركزاً أساسياً له، بسبب خوفه من فقدان مدينة الرقة في سوريا جراء الضغوط العسكرية التي يتعرض لها، بل إن البعض تحدث عن وصول زعيم التنظيم نفسه إلى سرت. ويثير هذا التصاعد المفاجئ في الحديث عن خطورة توسع التنظيم في ليبيا، العديد من الشكوك لجهة أسبابه وتوقيته، خاصةً أن توافد قيادات «داعش» من سوريا والعراق إلى ليبيا، وسرت تحديداً، لم يحدث بين ليلة وضحاها، بل هو مستمر منذ بداية العام الحالي. وقد كانت «السفير» أشارت في تقرير حمل عنوان ليبيا مقصد كبار قادة «الدولة الإسلامية» نشر بتاريخ 30 أيار الماضي، إلى وصول عدد من قيادات «داعش» إلى ليبيا، أبرزهم القيادي المعروف أبو أيمن العراقي والشيخ البحريني تركي البنعلي، وأبو نبيل الأنباري الذي قتل مؤخراً بحسب الجيش الأميركي، علماً أنه بتاريخ نشر التقرير كانت واشنطن تدّعي أنها قتلت الأنباري في العراق. ولم يتوقف تمدد تنظيم «داعش» بعد ذلك. بل حصل على «بيعات» جديدة أتاحت له تحقيق مزيد من التوسع والسيطرة خارج سوريا والعراق. وكان أضخم هذه «البيعات» تلك التي جاءت من نيجيريا، حيث أعلن زعيم جماعة «أهل السنة للدعوة والجهاد» المعروفة إعلامياً باسم «بوكو حرام» أبو بكر الشكاوي، في آذار الماضي، عن مبايعته لزعيم «داعش» البغدادي، ليخرج المتحدث الرسمي باسم التنظيم أبو محمد العدناني بعد أيام قليلة ويعلن قبول «البيعة» وتأسيس ولاية «غرب أفريقيا». وثمة مخاوف تعبر عنها بعض الجهات من أن أي تقارب بين «بوكو حرام» و «داعش ليبيا» سيشكل خطراً على القارة الأفريقية. لكن الخطر الأكبر يتمثل في وقوف «داعش» على أعتاب القارة الأوروبية، التي لم يعد يفصله عنها سوى رحلة على متن قارب، وما يزيد من نسبة الخطر وجود آلاف المقاتلين الأوروبيين في صفوفه. كما أعلن التنظيم في حزيران الماضي تأسيس «ولاية القوقاز»، بعد حصوله على «بيعات» من قادة مجموعات في «أنغوشيا والشيشان وداغستان». لكن التمدد الذي يُعدّ الأكثر حساسية وأهمية هو تمدد «داعش» في أفغانستان، لما يمثله ذلك من تحدّ لتنظيم «القاعدة» و «الإمارة الإسلامية» التي يتبع لها في عقر دارهما، مع ما يشكله ذلك من امتداد الصراع، الذي اندلع بين الطرفين في سوريا، ووصول نيرانه إلى معقل «القاعدة» التاريخي. وبالفعل فقد أدّى إعلان التنظيم في كانون الثاني من العام الحالي عن استحداث ما اسماها «ولاية خراسان»، التي تشمل أراضي موزعة بين أفغانستان وباكستان، إلى اندلاع الاشتباكات بين الطرفين في أكثر من منطقة، وخاصة في ننجرهار. ورغم أن إعلان التمدد إلى أفغانستان قوبل بعاصفة من السخرية من قبل أنصار «القاعدة»، إلا أن التنظيم أثبت أنه يتمتع بقوة لا يستهان بها في المنطقة، لاسيما وفاة الملا عمر زعيم «الإمارة الإسلامية» أدت إلى انقسام في صفوف حركة «طالبان» وهو ما استغله التنظيم لتعزيز صفوفه.

المصدر : عبد الله سليمان علي


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة